فيلم «كوستا برافا»... التلوث البيئي يفتت الأحلام

رشّحه لبنان لجائزة «الأوسكار» لعام 2022

العلاقة العائلية الدافئة تنقلها منية عقل بكاميرا دقيقة
العلاقة العائلية الدافئة تنقلها منية عقل بكاميرا دقيقة
TT

فيلم «كوستا برافا»... التلوث البيئي يفتت الأحلام

العلاقة العائلية الدافئة تنقلها منية عقل بكاميرا دقيقة
العلاقة العائلية الدافئة تنقلها منية عقل بكاميرا دقيقة

ابتداءً من الأول من شهر سبتمبر (أيلول) المقبل يخرج فيلم «كوستا برافا» لمنية عقل إلى صالات العرض في لبنان. وتقديماً لهذه المناسبة دعت شركة «أبوط برودكشن» لحضور العرض الأول له في «غراند سينما» في مجمع «أ.ب. ث» الأشرفية.
حضر الدعوة أبطال الفيلم، وبينهم نادين لبكي والطفلتان التوأم سيانا وجيانا رستم، وليليان خوري، إضافة إلى مخرجة العمل منية عقل ومنتجته ميريام ساسين. وغاب عن هذه المناسبة بطل العمل صالح بكري ويمنى مروان، التي تجسد دور شقيقته في الفيلم.
وعلى مدى نحو 110 دقائق تابع الحضور أحداث الفيلم الذي يتناول مشكلة التلوث البيئي ومدى تأثيرها على حياة العائلات. وتركز عقل في الفيلم على ترابط وتكاتف أفراد عائلة قرروا الهروب من أجواء التلوث البيئي في بيروت، فبنوا لهم منزلاً جديداً في الجبل كي يسكنوا فيه، ولكن إنشاء مطمر نفايات قرب موقع بيتهم يقلب حياتهم رأساً على عقب.
تنقل منية عقل بكاميرتها الدافئة العلاقة القوية بين أفراد عائلة واحدة استنبطت تفاصيلها من حياتها الشخصية. وعلى المقلب الآخر تحرك كاميرتها باتجاه معاكس نحو مشكلة النفايات في لبنان. فهي سبق وشاركت في مظاهرات «طلعت ريحتكم» في بيروت في عام 2015 احتجاجاً على تكدس النفايات في العاصمة وانبعاث الروائح الكريهة من مكب «كوستا برافا» في محلة الأوزاعي. يومها أدركت أن فساد رجال السياسة خطف من اللبنانيين حياتهم الكريمة. ومن ناحية ثانية، شعرت بأن لبنان كسر قلبها. فقررت تصوير هذا الفيلم لنقل مشاعر لبنانيين كثر يتألمون.
الحقيقة كما هي من دون زيادة أو نقصان تصورها منية عقل في فيلمها «كوستا برافا» إلى حدٍ يشعر مشاهده بالاختناق. فمشاهد النفايات المكدسة بالأطنان والدخان المتصاعد من احتراقها، إضافة إلى أخرى صورتها عن قرب لتراب لبنان المجبول بالنفايات، مشاهد تولّد الألم والوجع بصورة غير مباشرة عند المشاهد، فيتساءل في قرارة نفسه كيف استطاع العيش مع هذا الكابوس طيلة سنوات طويلة؟
وفي أداء مقنع ومتكامل يقدم بطلا العمل نادين لبكي وصالح بكري أداءهما المحترف للمشاهد على طبق من فضة. فنعيش معهما أجواء العائلة المتكاتفة التي رغم معاناتها الكبيرة تحاول إيجاد طاقات أمل كي تجتازها. حوارات صادقة وتفاعلات منطقية وطفولة معذبة تدرجها مخرجة العمل وكاتبته منية عقل في «كوستا برافا»، فتلقي الضوء على مشكلة أساسية في إمكانها القضاء على علاقة عائلة بأسرها.
تعلق في ذاكرة المشاهد صور مختلفة عن حياة عائلة كافحت من أجل أن تتمتع ببيئة سليمة. فالطفلة ريم (تلعب دورها التؤام سيانا وجيانا رستم) تلجأ إلى عدّ الأرقام للتخلص من موقف خطير يواجهها. والابنة الكبرى تالا (ناديا شربل) تحاول إقامة علاقة عاطفية وسط مكب النفايات كي لا تحرق مراحل عمرها. والزوجان لبكي وبكري، يتناكفان مرة ويعيشان الرومانسية مرات أخرى، ليؤكدا بأن الحياة تستمر مهما واجها من مصاعب بفضل الحب. والأمر يشمل أيضا الجدة التي رغم إصابتها بمرض رئوي يتسبب لها بنقص في مادة الأكسجين، قاومت دخان حريق النفايات. وفي مشهد يرتدي فيه أفراد العائلة من كبيرهم إلى صغيرهم الأقنعة الواقية من أنواع التلوث البيئي الذي يحيط بهم، يخيل للمشاهد أنه يختنق بدوره. فيختلط عليه الأمر بين القناع الذي يرتديه بسبب جائحة كورونا، وبين مشاهد الفيلم المعبرة.
المخرجة اتخذت قرارها بالصدق والمصارحة، قبل البدء في عملية تصوير فيلمها الذي حصد الجوائز في مهرجانات عديدة ورشحه لبنان لجائزة الأوسكار. وتشير لـ«الشرق الأوسط»: «قلت في نفسي من الأفضل ألا أكذب وأن أظهر الواقع على حقيقته فهذه مأساة لا يمكننا تجاوزها». ولم تنس عقل أن تطل من فيلمها على ألعاب تقليدية كان يمارسها الأطفال في الماضي بعيداً عن وسائل التواصل الاجتماعي التي سرقت منهم طبيعتهم البريئة، فتزود الفيلم بطاقات ضوء حين تجتاحه عتمة واقع لا مستقبل واضح له. وتعلق: «بالفعل أنا متأثرة بهذه الألعاب لأن والدي كانا يتشاركاها معنا بشكل دائم». فوالد منية كان يرغب دائماً في أن يكون أولاده بمأمن من ألعاب الكبار، فيأخذهم إلى عالم حقيقي وعفوي يسهم في تغذية خيالهم وقدرتهم على الإبداع.
تعبر منية عقل في الفيلم، عن كل ما يخالجها من أحاسيس حملتها معها من طفولتها. فتبرز أهمية دفء العائلة في نمو الأولاد بصورة صحيحة، ومدى تأثرهم بالأب والأم، وبالدور الكبير الذي يلعبانه في رسم شخصيات أطفالهما من دون أن يدريا. حتى كمية الحب الكبيرة التي تربط الصغيرة ريم في الفيلم، فهي استوحتها من علاقتها مع والدها. كما تضع مشكلة القمامة المكدسة تحت المجهر فتصورها بدقة إلى حد يشعر المشاهد بأنه يشتم رائحتها الكريهة.


ناديا شربل في أول فيلم سينمائي لها

البطء الذي تعتمده منية عقل في سياق إيقاع الفيلم لم يشكل عائقاً أمام متابعه إلى حد يدفعه للشعور بالملل مرات. فهي رغبت في التركيز على كل تفصيل صغير يمكن أن يصب في إبراز مشكلة التلوث البيئي. وضمن مشاهد مطولة صورتها بعدسة جريئة، كشفت منية عقل عن أوجاع يعيشها اللبناني ولا يعرف كيف يخرجها من أعماقه. فالصرخة المدوية التي تنبع من كاميرتها المتألمة وصلت إلى العالم أجمع.
حصد «كوستا برافا» الجوائز في جولاته بين قطر و«سيفيللا» في إسبانيا، وفي أخرى بلوس أنجليس وفيلادلفيا وفرنسا والنرويج والجونة ولندن استطاع أن يشكل تحفة سينمائية تحدثت عنها وسائل الإعلام والمهرجانات السينمائية في تلك البلدان.
وتقول لـ«الشرق الأوسط»: «الجميل في الفيلم ونحن نجول به من بلد إلى آخر، رؤيتنا قدرته على ملامسة الناس. في لندن أسرّت لي إحدى النساء أنّه فتح عينيها على أهمية دور الأم. وقالت لي إحداهن إنّ الفتاة الصغيرة ريم تشبهها كثيراً، وغالبية الناس أحبتها لأنّها كانت بمثابة المحرك الفعلي للم شمل العائلة. في الوقت نفسه استوعب كثيرون أنّ تلاقي العائلة ليس بالضروري أن يحدث في بيت واحد. فالعائلة عندما تفترق كما تروي قصة الفيلم، نلاحظ أنّها تبقى مساندة لبعضها. وأنا أيضاً والداي مطلقان، ورغم ذلك، بقيت أُسس العائلة حاضرة بقوة بيننا جميعاً».
حب لبنان إلى حد الاختناق هي الرسالة التي يخرج منها مشاهد فيلم «كوستا برافا» إثر عرضه. فتمسكه بوطنه رغم سيئات كثيرة تجتاحه لم تستطع أن تمنعه من الحلم ببلد أفضل.



تسارع التضخم بمنطقة اليورو إلى 2.4 % بسبب تكاليف الطاقة

أنابيب بمنشآت وصول خط أنابيب الغاز «نورد ستريم 2» في لوبيمن بألمانيا (رويترز)
أنابيب بمنشآت وصول خط أنابيب الغاز «نورد ستريم 2» في لوبيمن بألمانيا (رويترز)
TT

تسارع التضخم بمنطقة اليورو إلى 2.4 % بسبب تكاليف الطاقة

أنابيب بمنشآت وصول خط أنابيب الغاز «نورد ستريم 2» في لوبيمن بألمانيا (رويترز)
أنابيب بمنشآت وصول خط أنابيب الغاز «نورد ستريم 2» في لوبيمن بألمانيا (رويترز)

تسارعت وتيرة التضخم بمنطقة اليورو في ديسمبر (كانون الأول) الماضي، وهي زيادة غير مرحب بها، لكنها كانت متوقعة، ومن غير المرجح أن تمنع «البنك المركزي الأوروبي» من مزيد من التخفيضات في أسعار الفائدة.

وقال «مكتب الإحصاءات الأوروبي (يوروستات)»، يوم الثلاثاء، إن التضخم في الدول العشرين التي تتقاسم اليورو ارتفع إلى 2.4 في المائة خلال ديسمبر الماضي مقارنة بـ2.2 في المائة خلال نوفمبر (تشرين الثاني) الذي سبقه، وهو ما يتماشى مع التوقعات في استطلاع لآراء خبراء اقتصاديين أجرته «رويترز». وقد ساهمت أسعار الطاقة وارتفاع تكاليف الخدمات في هذا التسارع.

ومع أن التضخم قد ظل فوق هدف «البنك المركزي الأوروبي» البالغ اثنين في المائة خلال الآونة الأخيرة، فإن البيانات على مدار الأشهر المقبلة قد تكون متقلبة، مع توقعات تشير إلى انخفاض التضخم في النصف الثاني من العام؛ مما يتيح إمكانية تحقيق الهدف. وكان «البنك المركزي الأوروبي» قد خفض أسعار الفائدة 4 مرات في العام الماضي، وأعلن أن هدفه بات في متناول اليد، مما يفتح المجال لمزيد من تخفيف السياسات، رغم أن السرعة والتوقيت لا يزالان موضع نقاش.

وظل التضخم الأساسي، الذي يعدّ مؤشراً مهماً على استقرار نمو الأسعار، ثابتاً عند 2.7 في المائة، بينما تسارع مكون الخدمات؛ أكبر عنصر في سلة أسعار المستهلك، إلى 4 من 3.9 في المائة. إضافة إلى ذلك، أظهر مسح للمستهلكين من «المركزي الأوروبي» ارتفاعاً في توقعات التضخم للأمدين القريب والمتوسط، حيث رجحت الأرقام أن تبلغ 2.4 في المائة بعد 3 سنوات، وهو ما يتجاوز 2.1 في المائة بالمسح السابق وهدف «البنك المركزي الأوروبي».

ورغم ارتفاع التضخم في ديسمبر الماضي، الذي توقعته الأسواق بعد أن أظهرت بيانات من إسبانيا وألمانيا هذا الاتجاه، فإن رهانات خفض أسعار الفائدة لا تزال قائمة، مع توقعات بأن تخفَّض الفائدة في اجتماع 30 يناير (كانون الثاني) الحالي. ومع ذلك، لم يعد المستثمرون يتوقعون تخفيضات متواصلة في كل اجتماع حتى يونيو (حزيران) المقبل؛ إذ يرون فرصة بنسبة 50 في المائة لأن يتجنب «المركزي الأوروبي» الاجتماع في النصف الأول من العام. ومن المتوقع أن ينخفض سعر الفائدة على الودائع من 3 إلى 2 في المائة بحلول نهاية العام.

ويعود التحفظ في السوق إلى قوة الدولار الأخيرة، مما يزيد من تكلفة واردات السلع الأساسية، ويؤثر على الأسعار من خلال زيادة تكاليف الطاقة، بما في ذلك وقود السيارات. وقد يرتفع الدولار أكثر إذا نفذت الإدارة الأميركية الجديدة المقترحات بشأن التعريفات التجارية، وهو ما يُحتمل أن يُعدّ تأثيراً لمرة واحدة ولا يستدعي تغييرات في السياسة الاقتصادية.

وبشأن الاتجاهات الأساسية، فإنه حتى أكبر أعضاء «مجلس محافظي البنك المركزي الأوروبي» تشدداً يتفقون على أن التضخم تحت السيطرة إلى حد كبير، وأن الهدف في متناول اليد.

من ناحية أخرى، يظل النمو الاقتصادي في المنطقة ضعيفاً، وسوق العمل تتباطأ، وتشير البيانات إلى أن وتيرة التوظيف تتراجع بشكل كبير منذ أشهر عدة.