مكالمة استغاثة من فتى تتضور عائلته جوعاً تثير تعاطف البرازيليين
الوالدة سيليا(في الوسط) وابنها ميغيل (الثاني يساراً) وعدد من إخوته تلقوا مساعدات غذائية كبيرة من المتعاطفين بعد الاتصال (أ.ف.ب)
برازيليا:«الشرق الأوسط»
TT
برازيليا:«الشرق الأوسط»
TT
مكالمة استغاثة من فتى تتضور عائلته جوعاً تثير تعاطف البرازيليين
الوالدة سيليا(في الوسط) وابنها ميغيل (الثاني يساراً) وعدد من إخوته تلقوا مساعدات غذائية كبيرة من المتعاطفين بعد الاتصال (أ.ف.ب)
كانت ثلاجة سيليا باروس فارغة قبل أسبوع، ولم يكن فيها ما يسد جوع أبنائها، فهذه الوالدة لها ثمانية أبناء تتولى حالياً تربية ستة منهم بمفردها، وكانت تؤمن مردودها من أعمال متفرقة تولتها قبل جائحة كوفيد - 19 التي أصبحت خلالها عاطلة من العمل، لكن هذه الأم البرازيلية العازبة تكاد اليوم لا تجد متسعاً لحفظ المواد الغذائية، إذ تدفقت عليها التبرعات من كل حدب وصوب بعدما اتصل ابنها البالغ 11 عاماً بالشرطة مستغيثاً، وفق ما أوردته وكالة الصحافة الفرنسية. وبادر الفتى ميغيل عنصر الشرطة الذي رد عليه بالقول: «حضرة الشرطي، لم يعد لدينا ما نأكله في المنزل»، وأتت خطوة الفتى بعد ثلاثة أيام كان خلالها أفراد الأسرة السبعة الذين يعيشون في غرفة تحت سقف أحد الأبنية في سانتا لوزيا قرب بيلو هوريزونتيه (جنوب شرقي البرازيل) يأكلون فقط دقيق الذرة المخلوط مع الماء. فأرسل الشرطي الذي تلقى المكالمة الهاتفية عناصر إلى المكان لاعتقاده أن أحوال الأسرة سببها إهمال من الوالدين، لكن ما صادفه العناصر عند وصولهم يمثل مشهداً مألوفاً جداً في البرازيل، هو عبارة عن أم عاجزة عن إطعام أبنائها لأن التضخم أدى إلى تآكل القدرة الشرائية للمواطنين الأكثر فقراً في البرازيل. وتوجه الشرطيون إلى أحد المتاجر لشراء الأطعمة لأفراد الأسرة، وفيما تولوا دفع قسم من ثمنها، تبرع مدير المتجر بالقسم المتبقي بعدما أوضح له العناصر سبب وجودهم في الحي. وعندما تناولت الصحافة المحلية القصة المؤلمة هذه، تأثر البرازيليون من مختلف أنحاء البلاد بمأساة عائلة باروس، وبدأت التبرعات تنهال عليها، وأصبح مطبخ العائلة الضيق الذي كان خالياً سابقاً من أي مواد غذائية، يبدو وكأنه متجر صغير. قال الفتى ميغيل لوكالة الصحافة الفرنسية وهو يفتح خزانة ممتلئة بالمواد الغذائية: «تلقينا الكثير من الأطعمة وسلعاً أخرى وأنواعاً من المأكولات لم أكن أعرفها من قبل». أما والدته سيليا (46 سنة)، فقالت متنهدةً وهي تحمل طفلها الرضيع: «لقد عانينا كثيراً، فالجوع مؤلم جداً، لن أنسى تلك اللحظات أبداً»، وأضافت: «لم تكن لدي أحياناً القوة لمجرد النهوض، وعندما لاحظ ابني ميغيل أنني في حالة يأس وأبكي باستمرار، قرر أن يتصرف، وأصبح وضعنا مختلفاً تماماً عن السابق». وتنتشر بشكل متزايد عبر شبكات التواصل الاجتماعي صور تظهر أشخاصاً يتضورون جوعاً ويتقاتلون في حاويات النفايات للحصول على بقايا الأطعمة في البرازيل. وفي ظل هذه الظاهرة المؤلمة، تفخر سيليا بتوفيرها المساعدة لجيرانها الفقراء عبر ملء ثلاجاتهم بالمواد الغذائية، وتقول: «تلقينا مساعدات كثيرة حتى اليوم لدرجة أنني أصبحت قادرة على مساعدة الآخرين بعدما كنت أعاني نقصاً تاماً بالأطعمة». وللمرة الأولى منذ سنة 2014، عاودت البرازيل الظهور هذا العام في مؤشر الجوع العالمي الذي تضعه الأمم المتحدة، إذ يعيش بحسب هذا المؤشر 28.9 في المائة من البرازيليين في حالة «انعدام أمن غذائي» معتدل أو شديد.
«متحف البراءة»... جولة في ذاكرة إسطنبول حسب توقيت أورهان باموكhttps://aawsat.com/%D9%8A%D9%88%D9%85%D9%8A%D8%A7%D8%AA-%D8%A7%D9%84%D8%B4%D8%B1%D9%82/5099450-%D9%85%D8%AA%D8%AD%D9%81-%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%B1%D8%A7%D8%A1%D8%A9-%D8%AC%D9%88%D9%84%D8%A9-%D9%81%D9%8A-%D8%B0%D8%A7%D9%83%D8%B1%D8%A9-%D8%A5%D8%B3%D8%B7%D9%86%D8%A8%D9%88%D9%84-%D8%AD%D8%B3%D8%A8-%D8%AA%D9%88%D9%82%D9%8A%D8%AA-%D8%A3%D9%88%D8%B1%D9%87%D8%A7%D9%86-%D8%A8%D8%A7%D9%85%D9%88%D9%83
«متحف البراءة»... جولة في ذاكرة إسطنبول حسب توقيت أورهان باموك
ذاكرة إسطنبول المعاصرة ورواية أورهان باموك الشهيرة في متحف واحد في إسطنبول (الشرق الأوسط)
أعقاب سجائر يصل عددها إلى 4213، مَمالح لا تُحصى، عبوات مشروبات غازية، فناجين قهوة تجمّدَ فيها البنّ والزمن... هذا بعضٌ ممّا يجدُه الزائر في «متحف البراءة» في إسطنبول. المكان الذي أسسه الكاتب التركي أورهان باموك، خارجٌ عمّا هو مألوف في عالم المَتاحف. هنا، لا لوحات ولا منحوتات ولا أزياء تراثيّة، بل تأريخٌ للحياة اليوميّة العاديّة في إسطنبول ما بين سبعينات وتسعينات القرن الماضي.
لا بدّ للآتي إلى هذا المكان أن يكون قد قرأ رواية «متحف البراءة» لباموك، أو على الأقل سمع عنها. ففي زقاق شوكوركوما المتواضع الواقع في منطقة بيوغلو، لا شيء يوحي بأنّ ذلك المبنى الصغير المطليّ بالأحمر هو في الواقع متحفٌ يخبّئ في طبقاته الـ4، الكثير من تفاصيل حياة الأتراك على مدى 3 عقود.
فراشة تستقبل الزائرين
يكفي أن يحمل الزائر نسخةً من الرواية حتى يجول مجاناً في المتحف. حرُصَ باموك على أن تضمّ إحدى صفحات الكتاب بطاقة دخول للقارئ، موجّهاً إليه بذلك دعوةً لزيارة المتحف إذا حطّت به الرحال في إسطنبول. بخَتمٍ يحمل رسمَ فراشة تُدمَغ البطاقة، لتبدأ الجولة بأول غرضٍ معروض وهو قرط أذن على شكل فراشة. يقفز إلى الذاكرة فوراً الفصل الأول من الرواية، يوم أضاعت المحبوبة «فوزون» أحد أقراطها عند بطل القصة «كمال»، فاحتفظ به كما لو كان كنزاً، مثلما فعل لاحقاً مع كل غرضٍ لمسَ «فوزون» أو وقع في مرمى نظرها.
في متحف الحب
تتوالى الواجهات الزجاجية الـ83 بمنمنماتها وأغراضها، لتعكسَ كلُ واحدة منها فصلاً من فصول الرواية. لا يكتفي المتحف بتوثيق أنثروبولوجيا إسطنبول فحسب، بل يؤرّخ لحكاية الحب الأسطورية التي جمعت بين الرجل الأرستقراطي صاحب المال وقريبته الشابة المنتمية إلى الطبقة الفقيرة.
لعلّ ذلك الحب الجارف بين «كمال» و«فوزون» هو أبرز ما يدفع بالزوّار من حول العالم إلى أن يقصدوا المكان يومياً بالعشرات. يصعدون السلالم الخشبية، يجولون بين الطبقات الضيّقة، يتوقّفون طويلاً أمام الواجهات الزجاجية الصغيرة التي تحوي ذكريات المدينة وإحدى أجمل حكاياتها. منهم مَن أتى من الصين، ومنهم مَن قصد المكان ليُعدّ بحثاً جامعياً عنه، وما بينهما شابة مولَعة بالرواية تصرّ على التقاط صورة في كل زاوية من زوايا المتحف.
رواية في متحف ومتحف في رواية
لمعت الفكرة في رأس أورهان باموك في منتصف التسعينات. قرر أن يجمع أغراضاً ليبني منها رواية تصلح أن تتحوّل متحفاً. سار المشروعان التوثيقي والأدبي بالتوازي، فأبصرت الرواية النور عام 2008، أما المتحف فافتُتح عام 2012 نظراً للوقت الذي استغرقه إعداده. ليس كل ما في المكان مقتنيات خاصة اشتراها باموك من محال التحَف العتيقة في إسطنبول وحول العالم، فبعض ما تُبصره العين في المتحف الذي يفوق عدد معروضاته الألف، استقدمَه الكاتب من منازل أقرباء وأصدقاء له.
استثمر الأديب التركي الحائز على جائزة نوبل في الأدب عام 2006، ماله ووقته في مشروعه، وهو أول متحفٍ في العالم خاص برواية. في المرحلة الأولى، بدأ بتجميع الأغراض. ثم ابتاعَ مبنى صغيراً مؤلفاً من 4 طبقات وعائداً إلى القرن الـ19.
بالموازاة، كانت مخطوطة «متحف البراءة» قد بدأت سلوك الخط الروائي الذي قرره لها باموك، أي الدوَران حول شخصيتَيها الأساسيتَين الطالعتَين من بنات أفكاره. في القصة المتخيّلة، يدعو البطل «كمال» الكاتب أورهان باموك إلى تدوين سيرته. يخبره كيف أنه جمع كل غرض يذكّره بـ«فوزون»، كما كان يسرق بعض مقتنياتها كأمشاط الشعر والحليّ وقطع الملابس وغيرها من الأغراض الشخصية. في الرواية، وبعد أن يخسر «فوزون» إلى الأبد، يشتري «كمال» المنزل الذي قطنت فيه المحبوبة مع والدَيها، ليقيم فيه ويحوّله إلى متحفٍ يحيي ذكراها.
مؤثرات بصريّة وصوتيّة
من قصاصات الصحف إلى أواني المطبخ، مروراً بالصور القديمة، وساعات اليد، وقوارير العطر، والمفاتيح، وأوراق اليانصيب، وبطاقات الطيران، يتيح المتحف أمام الزائر أن يدخل في الرواية. كما يسمح له بمعاينة قريبة لأسلوب عيش أهل إسطنبول على اختلاف طبقاتهم الاجتماعية ما بين 1975 ومطلع الألفية الثالثة. في «متحف البراءة» يتداخل الخيال بالواقع، ويصبح المتجوّل في الأرجاء جزءاً من اللعبة التي اخترعها أورهان باموك.
تخرق صمتَ الزائرين وصوتَ الراوي، مؤثّراتٌ خاصة من بينها فيديوهات معروضة على الجدران تعكس الحقبة التاريخية، وأصوات خرير مياه ونعيق غربان إسطنبول ونَورس البوسفور.
السيّد باموك... مدير المتحف
ليس طَيفا «فوزون» و«كمال» وحدهما المخيّمَين على المكان، فباموك حاضرٌ كذلك من خلال ترجمات الكتاب المعروضة في الطابق السفليّ، وكذلك عبر نبرة الراوي في الجهاز الصوتيّ، الذي يتقمّص شخصية الكاتب. مع العلم بأنّ باموك أشرف شخصياً على تفاصيل المتحف، وحتى اليوم بعض الواجهات الزجاجية فارغة «لأني ما زلت أعمل عليها»، وفق ما يقول الراوي. أما إن سألت موظفة الاستقبال عن هوية مدير المتحف، فستجيب: «السيّد باموك». كيف لا، وهو الذي أنفق 1.5 مليون دولار على تحفته الصغيرة، من بينها جائزة المليون دولار التي حصل عليها من مؤسسة نوبل.
في غرفة «كمال»
يقول «كمال» في الكتاب: «أذكر كيف كان البرجوازيون في إسطنبول يدوسون فوق بعضهم كي يكونوا أوّل مَن يمتلك آلة حلاقة كهربائية أو فتّاحة معلّبات، أو أي ابتكار جديد آتٍ من الغرب. ثم يجرحون أيديهم ووجوههم وهم يصارعون من أجل تعلّم استخدامها». هذه الطبقيّة ذاتها والفوارق الاجتماعية التي تخيّم على خلفيّة الرواية، هي التي جعلت قصة حب «كمال» و«فوزون» تتأرجح بين الممكن والمستحيل.
تنتهي الزيارة في الطبقة الرابعة، أو بالأحرى في العلّيّة حيث أمضى «كمال» السنوات الأخيرة من حياته ما بين 2000 و2007، وفق الرواية. هنا، على سريرٍ حديديّ ضيّق كان يستلقي البطل العاشق ويروي الحكاية لأورهان باموك الجالس قبالته على مقعدٍ خشبيّ. لا يضيع شيءٌ من تفاصيل الخاتمة؛ لا ثياب نوم «كمال»، ولا فرشاة أسنانه، ولا الدرّاجة التي أهداها إلى «فوزون» وهي طفلة.
على براءتها وبساطتها، تروي أغراض «متحف البراءة» إحدى أجمل قصص الحب التي أزهرت بين سطور أورهان باموك، وخلّدت في قلب إسطنبول النابض.