مكتب للحكومة العراقية في «الهول»... و«الإدارة الذاتية» تطالبها بتسريع إجلاء مواطنيها

كشف مصدر كردي بارز من إدارة «مخيم الهول» شرق سوريا عن أن وفداً عراقياً يضم موظفين ومسؤولين من وزارة الهجرة والمهجرين في الحكومة العراقية، افتتح مكتباً رسمياً في المخيم ويواصل تسجيل أسماء اللاجئين الراغبين في العودة إلى العراق منذ بداية الشهر الحالي، وأكد أن عدد المقرر إخراجهم في هذه الدفعة وترحيلهم إلى «مخيم الجدعة» داخل الأراضي العراقية، أكثر من 100 عائلة وهم نحو 500 فرد.
وهذه هي الدفعة الثالثة التي تقوم الحكومة العراقية عبرها بعمليات إجلاء رعاياها من «مخيم الهول»، وقد أجلت في 10 مارس (آذار) الماضي نحو 120 عائلة عراقية تتكون من 490 شخصاً، كما رحلت بغداد في شهر فبراير (شباط) الماضي قسماً من اللاجئين في حدود 114 عائلة. وكان العراق استعاد مائة عائلة خلال شهر سبتمبر (أيلول) من العام الماضي، فيما رحل في مايو (أيار) 2021 نحو 381 لاجئاً عراقياً يشكلون 95 أسرة.
عن آلية تسجيل هؤلاء العراقيين وإجراءات ترحيلهم، قال المصدر ذاته إن اللجنة تقوم بتدقيق الأسماء والتحقق من هوية المسجلين وبياناتهم الشخصية، على أن تطابقها مع البيانات والدراسات الأمنية المرسلة من الجانب العراقي قبل منحهم قرار الخروج، وأضاف: «(اللجنة) تركز عملها على تسجيل المرضى المصابين بأمراض مزمنة وكبار السن والشيوخ والأطفال اليتامى».
ويبعد «مخيم الهول» بضعة كيلومترات عن الحدود العراقية، لكنه منذ سنوات تحول إلى وعاء كبير يفيض بالغضب والأسئلة التي تبحث عن إجابات شافية، فهذا المكان الذي يؤوي 56 ألفاً؛ معظمهم من اللاجئين العراقيين، ينتظر قرارات البعثات الحكومية؛ إما بالعودة إلى بلدهم، وإما البقاء هنا لسنوات أخرى بانتظار تأشيرة خروج. هؤلاء أجبروا على مغادرة العراق بعد فرارهم من المعارك القتالية التي دارت بين أطراف عدة؛ أبرزها القوات الحكومية وميليشيات «الحشد الشعبي» التي حاربت عناصر تنظيم «داعش».
من جانبها، طالبت «الإدارة الذاتية لشمال وشرق» سوريا وفد الحكومة العراقية بتسريع آلية إعادة مواطنيها من «مخيم الهول»، فالمخيم الذي صمم في تسعينات القرن الماضي لاستقبال 20 ألف شخص فقط؛ تجاوز عدد قاطنيه قبل عامين 70 ألفاً بعد معركة الباغوز للقضاء على خلافة «داعش» العسكرية والجغرافية شرق سوريا. وهو يفتقر إلى مراكز ومؤسسات تعليمية وترفيهية، وتغيب عنه أبسط مقومات الحياة، حيث يحتاج هؤلاء اللاجئون العراقيون إلى الأمان والمأوى والغذاء والرعاية الصحية وشبكات الصرف الصحي.
يقول شيخموس أحمد، رئيس مكتب شؤون النازحين واللاجئين، لـ«الشرق الأوسط» إن وتيرة عمل اللجنة العراقية «بطيئة، ولا تتناسب مع العدد الكلي للعراقيين في المخيم»، وأوضح أن عدد العراقيين وحدهم في «مخيم الهول» يصل إلى نحو 29 ألف شخص؛ «أي أكثر من نصف قاطني المخيم البالغ عددهم 56 ألفاً»، لافتاً إلى افتتاح وزارة الهجرة والمهجرين مكتباً رسمياً «للتسهيل وتسجيل أسماء الأشخاص الراغبين في العودة إلى العراق».
وأكد أحمد أن مشكلات عدم حيازة كثير من هؤلاء العراقيين أوراقاً ثبوتية وهويات عراقية، وولادة كثير من الأطفال على الأراضي السورية، وعدم امتلاك ثبوتيات شخصية، «تحديات تواجه حكومة بغداد في إعادة هذا العدد الكبير واتخاذ قرارات مناسبة». وبحسب دراسة لإدارة المخيم، فإن أغلب اللاجئين العراقيين يريدون العودة إلى بلدهم، شريطة نقلهم تحت إشراف ومراقبة منظمات الأمم المتحدة، والجهات الدولية الإنسانية، خشية عمليات انتقامية من «الحشد الشعبي» الذي بات يسيطر على مناطق كثيرة في العراق.
ومن أمام مكتب لتسجيل الأسماء وسط حراسة أمنية مشددة، داخل مبنى إدارة مخيم الهول شرقي محافظة الحسكة السورية؛ تجمهر مئات من النساء المتشحات بالسواد مع أطفال يلعبون بالحجارة الصغيرة وقوارير المياه الفارغة في المنطقة، ويقف طابور ثانٍ ضم فتياناً أعمارهم دون سن 15 عاماً، ورجالاً أكبر سناً، لتدوين أسمائهم في قائمة الراغبين في العودة إلى العراق.
يطلب موظف بلهجته العراقية من المصطفين، إبراز إثباتاتهم الشخصية والأوراق الخاصة الممنوحة من المفوضية السامية لشؤون اللاجئين، للتأكد من هوية كل شخص، ومطابقة الأسماء مع القوائم التي وافقت الحكومة العراقية على إجلائها وترحيلها نحو مخيم داخل الأراضي العراقية.
في هذا المخيم المكتظ الذي يؤوي نحو 56 ألفاً، بينهم 29 ألف لاجئ عراقي، تتشابه روايات القاطنين هنا، وكيف انتهى بهم المطاف للعيش تحت رحمة خيمة وسط منطقة صحراوية تتعدى درجات الحرارة فيها هذه الأيام 45 درجة مئوية.
عنود، لاجئة عراقية تبلغ من العمر 30 سنة منحدرة من مدينة الموصل، كانت تقف على مقربة من الطوابير. عندما بدأت في رواية قصتها واستعادة تفاصيل من الذاكرة، أجهشت بالبكاء، وأوحت دموعها التي ذرفتها من تحت نقابها، بتحميل ويلات الحرب والقدر مسؤولية ما حل بعائلتها.
قالت هذه السيدة إن والدها قرر القتال إلى جانب التنظيم، وتنقلت أسرتها كثيراً داخل العراق، حتى وصلت إلى سوريا بداية 2015، العام الذي وافق فيه والدها على زواجها من مقاتل عراقي، لتبدأ فصول المأساة: «قُتل زوجي بعد أشهر من زواجنا، فتزوجت من مقاتل ثانٍ كان عراقياً أيضاً، وبعد اختفائه أو (مقتله) تزوجت من مقاتل سوري يكبرني بـ30 سنة، وقُتل هو أيضاً في معركة الباغوز في مارس (آذار) 2019. وقد أنجبت من هؤلاء الرجال 3 أطفال ولدوا داخل الأراضي السورية؛ لكن لا يمتلكون قيوداً شخصية ولا بيانات الولادة ولا تاريخ الزواج».
وعند سؤالها عما إذا كانت ستسجل اسمها للعودة إلى بلدها العراق، أشارت إلى أن أول طفلين من أبنائها من أبوين عراقيين؛ لكن الطفل الثالث من سوري، وأضافت بحيرة: «لا أعلم هل ستوافق الحكومة العراقية على عودتي مع جميع أبنائي أم ستتحفظ على الطفل الثالث»، وتابعت حديثها وعلى وجهها علامات الحزن والقهر لما خلفته هذه الحروب الدائرة في مسقط رأسها، ومقتل والدها وأزواجها الثلاثة، وهي بعمر الثلاثين: «اليوم أنا يتيمة الأب وأرملة أحمل مسؤولية تربية 3 أطفال، مصيرهم مجهول، لا أعلم بأي حال أعود لمن تبقى من أسرتي».
وتشكو لاجئات عراقيات أخريات من عدم معرفة مصير أزواجهن أو أبنائهن المحتجزين لدى «قوات سوريا الديمقراطية»، بعد أن قرروا الاستسلام في معركة الباغوز التي قضت على سيطرة التنظيم العسكرية والجغرافية شرقي سوريا، بداية 2019. ومن بين تلك النساء، عفراء، السيدة الخمسينية المتحدرة من بلدة القائم العراقية، وكانت ترتدي عباءة ونقاباً أسود، وتتحدث بصوت مرتفع، قالت: «من حقي معرفة مكان زوجي وابنَيّ الاثنين. مضت 3 أعوام وأنا أنتظر مصيرهم، أحياء أم أموات أم نقلوا للعراق».
ترفض هذه السيدة وكثيرات من قريناتها مغادرة سوريا قبل الحصول على أجوبة شافية، تقول: «لن أذهب من هنا قبل معرفة مصير أفراد عائلتي، ليفرجوا عنهم أو ليحيلوهم إلى القضاء»، وتؤيدها امرأة عراقية أخرى كانت تقف بجانبها تدعى أسماء، والتي كررت رفضها مغادرة المخيم قبل معرفة مصير زوجها المحتجز لدى «قسد» منذ 4 سنوات، ونقلت أن الأحوال المعيشية لعائلتها -وهم 7 أشخاص بينهم 4 بنات و3 أطفال صغار- قد تدهورت كثيراً، واصفة المكان بـ«دويلة معزولة»، لما يكابدن من مرارة العيش وتأمين مستلزمات الحياة. وشددت أسماء على أنها قدمت الكثير من الطلبات لزيارة زوجها أو معرفة مصيره، ولم تخفِ خشيتها من تسليمه للحكومة العراقية «لأن العراق ينفذ عقوبة الإعدام».