اتفاق سلام «منقوص» في تشاد

غياب جماعة «تمرد» رئيسية يُهدد آمال المصالحة الوطنية

على هامش توقيع السلطات الانتقالية وجماعات معارضة مسلحة في تشاد اتفاقية «سلام» في العاصمة القطرية الدوحة (أ.ف.ب)
على هامش توقيع السلطات الانتقالية وجماعات معارضة مسلحة في تشاد اتفاقية «سلام» في العاصمة القطرية الدوحة (أ.ف.ب)
TT

اتفاق سلام «منقوص» في تشاد

على هامش توقيع السلطات الانتقالية وجماعات معارضة مسلحة في تشاد اتفاقية «سلام» في العاصمة القطرية الدوحة (أ.ف.ب)
على هامش توقيع السلطات الانتقالية وجماعات معارضة مسلحة في تشاد اتفاقية «سلام» في العاصمة القطرية الدوحة (أ.ف.ب)

وقعت السلطات الانتقالية وجماعات معارضة مسلحة في تشاد اتفاقية «سلام»، الاثنين، في العاصمة القطرية الدوحة، تمهيداً لإقامة «حوار وطني» أوسع في وقت لاحق من أغسطس (آب) الجاري، لكن أكثر الجماعات المتمردة نفوذاً رفضت المشاركة، الأمر الذي يُهدد جهود المصالحة.
ويأتي الإعلان بعد محادثات سلام امتدت لخمسة أشهر بين الفصائل المسلحة والحكومة التشادية المؤقتة برئاسة محمد إدريس ديبي، الذي تولى السلطة بعد وفاة والده العام الماضي.
وبحسب ما ذكرت الخارجية القطرية، فإن نحو 40 جماعة متمردة ومن المعارضة وقعت اتفاقاً للسلام مع السلطات الانتقالية في تشاد، ووافقت على المشاركة في محادثات أوسع نطاقاً بعد سنوات من الاضطراب. وقال زعماء تشاد إنه قد يمهد الطريق لإجراء انتخابات في البلاد.
لكن جبهة «التغيير والوفاق» في تشاد (فاكت)، وهي جماعة متمردة رئيسة تتمركز في ليبيا، رفضت اتفاق الدوحة. وقالت الجبهة في بيان إن «الاتفاق أخفق في تلبية مطالبها بالشكل المناسب، ومن بينها إطلاق سراح سجناء تم أسرهم خلال القتال». كذلك أعلنت مجموعة «مجلس القيادة العسكرية لخلاص الجمهورية» رفضها التوقيع مؤكدة أن «المبادئ التي نقاتل على أساسها لا تسمح لنا بالانضمام إلى حوار لا نعرف أهدافه».
ويأتي توقيع اتفاق السلام في تشاد، بمثابة «طوق نجاة» للمجلس العسكري الحاكم برئاسة ديبي في وقت تتضاعف فيها المخاطر واحتمالية الانشقاق السياسي، في دولة يعاني معظم سكانها فقراً شديداً وتراجعاً لكافة الخدمات الأساسية والمعيشية، كما يشير رامي زهدي، خبير الشؤون الأفريقية في مركز «إيچيبشن إنتربرايز» للدراسات الاستراتيجية.
ويرأس الحكومة العسكرية المؤقتة محمد إدريس ديبي، الذي تولى السلطة العام الماضي بعد مقتل والده لدى زيارته للقوات التي تقاتل جبهة «التغيير والوفاق» في تشاد ومتمردين آخرين في الشمال.
ويشكك زهدي عبر تصريح لـ«الشرق الأوسط»، في قدرة «البنية الديمقراطية» في تشاد، والتي بقيت تحت حكم الرئيس السابق إدريس ديبي لمدة تتجاوز الثلاثين عاماً، على تحمل حوار وطني مُثمر بين مجلس انتقالي جاء كصورة أو وجه عملة آخر لنظام أبيه.
وألقى رفض جبهة (فاكت) وفصائل متمردة أخرى بظلال من الشك على الاتفاق. ويؤكد الخبير السياسي أن رفض الجبهة توقيع الاتفاق، رغم الجهود التي بذلها الوسطاء في الدوحة حتى اللحظة الأخيرة لإقناعها، يعني أن «باب الانشقاق ما زال مفتوحاً، وأن احتمالات كثيرة ممكنة لتعطيل الحوار المقترح أو قتله في مهده».
ويتفق الباحث الفرنسي المتخصص في شؤون تشاد جيروم توبيانا، مع الرأي السابق، قائلاً لوكالة الصحافة الفرنسية: «إنه اتفاق لا يحل مسألة المعارضة المسلحة، إذ إن بعض المجموعات الرئيسية لم توقع... لكن هذا السيناريو وُضع مسبقًا إذ إن الحكومة اختارت تشتيت وزن المجموعات الرئيسية الأربع أو الخمس وسط تمثيل أوسع بكثير».
وهي بذلك تتعهد بالمشاركة في الحوار الوطني المقرر تنظيمه في نجامينا في 20 أغسطس الجاري، والذي سيحضره بحسب السلطات أكثر من 1300 ممثل عن المتمردين من المجتمع المدني والنقابات والمعارضة والسلطة.
ورغم أن تفاصيل اتفاق السلام لم تعلن ولم تنشر آليات التنفيذ، فإن كلمة «السلام» في بؤر الصراعات في أفريقيا تظل دائماً ذات «وقع إيجابي وأثر جيد» على تحسن الأوضاع الاقتصادية والمجتمعية، كما يؤكد زهدي.
ويظل الاتفاق، وإن كان لم يشمل كافة الأطراف، مرهوناً بمسار حوار وطني منتظر، يمكن أن يسمح بفرص حوار ثنائي قائمة بين المجلس الانتقالي والجبهة، التي تطالب بإطلاق سراح تم أسرهم خلال القتال.
ووصف الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش الاتفاق الذي ينص خصوصاً على «وقف إطلاق نار عام» بين السلطات العسكرية والمجموعات الموقعة، بأنه «لحظة أساسية للشعب التشادي»، متحدثاً في فيديو بُث خلال مراسم التوقيع في الدوحة، لكنه شدد على ضرورة أن يكون الحوار «جامعا» لكل الأطراف ليكون ناجحاً.
بينما أشاد رئيس مفوضية الاتحاد الأفريقي التشادي موسى فقي محمد بالمحادثات معتبراً أنها سمحت بـ«تخطي الانقسامات».
وأعلن وزير خارجية قطر محمد بن عبد الرحمن آل ثاني أن الاتفاق يهدف إلى إحلال «سلام يكون بديلاً لحرب استمرت سنوات طويلة». ودعا الجماعات التي لم توقع على الاتفاقية للانضمام.
وكان الرئيس التشادي قد أكد في وقت سابق، أن الحوار سيكون خطوة أولى نحو التخطيط لانتخابات طال انتظارها، في غياب تأكيد مشاركة الجماعات المسلحة في المحادثات، إذ ما زالت شروط مشاركتها قيد المناقشة.
وسبق أن تعهد المجلس العسكري الانتقالي في بادئ الأمر بأنه سيشرف على انتقال مدته 18 شهراً إلى الحكم الديمقراطي، لكنه لم يُظهر أي بوادر تذكر على تنظيم انتخابات مع اقتراب الموعد النهائي.


مقالات ذات صلة

الأمم المتحدة: ما بين 10 آلاف و20 ألفاً فرّوا من السودان إلى تشاد

العالم العربي الأمم المتحدة: ما بين 10 آلاف و20 ألفاً فرّوا من السودان إلى تشاد

الأمم المتحدة: ما بين 10 آلاف و20 ألفاً فرّوا من السودان إلى تشاد

فرّ ما بين 10 آلاف و20 ألف شخص من المعارك الجارية في السودان بحثاً عن ملاذ في تشاد المجاورة، وفقاً لفرق تابعة لمفوضية الأمم المتّحدة السامية لشؤون اللاجئين موجودة على الحدود. ووفق وكالة الصحافة الفرنسية، قالت المفوضية، في بيان اليوم (الخميس)، إنّ «غالبية الوافدين هم من النساء والأطفال... تعمل المفوضية عن كثب مع الحكومة التشادية وشركائها لتقييم احتياجاتهم وإعداد استجابة مشتركة».

«الشرق الأوسط» (جنيف)
الخليج مباحثات سعودية ـ تشادية تناقش آفاق التعاون والمسائل المشتركة

مباحثات سعودية ـ تشادية تناقش آفاق التعاون والمسائل المشتركة

التقى الأمير محمد بن سلمان بن عبد العزيز ولي العهد رئيس مجلس الوزراء السعودي، في جدة، (الاثنين)، محمد إدريس ديبي رئيس المجلس العسكري الانتقالي في تشاد، وجرى خلال اللقاء استعراض أوجه العلاقات الثنائية بين البلدين وآفاق التعاون في مختلف المجالات، إلى جانب بحث عدد من المسائل ذات الاهتمام المشترك. حضر اللقاء من الجانب السعودي، الأمير تركي بن محمد بن فهد بن عبد العزيز وزير الدولة عضو مجلس الوزراء، والأمير فيصل بن فرحان بن عبد الله وزير الخارجية، والدكتور مساعد العيبان وزير الدولة عضو مجلس الوزراء مستشار الأمن الوطني، والمهندس خالد الفالح وزير الاستثمار، وأحمد قطان المستشار بالديوان الملكي، وعامر ال

«الشرق الأوسط» (جدة)
الخليج لقاء سعودي - تشادي يبحث المسائل المشتركة

لقاء سعودي - تشادي يبحث المسائل المشتركة

بحث الأمير محمد بن سلمان بن عبد العزيز ولي العهد رئيس مجلس الوزراء السعودي، الاثنين، مع محمد إدريس ديبي، رئيس المجلس العسكري الانتقالي في تشاد، المسائل ذات الاهتمام المشترك. جاء ذلك خلال لقاء جمعهما في جدة، واستعرضا فيه أوجه العلاقات الثنائية بين البلدين وآفاق التعاون في مختلف المجالات.

«الشرق الأوسط» (جدة)
العالم تشاد: مخاوف من تضرر المساعدات الإنسانية بعد الأزمة مع ألمانيا

تشاد: مخاوف من تضرر المساعدات الإنسانية بعد الأزمة مع ألمانيا

أثارت الأزمة الدبلوماسية بين تشاد وألمانيا في أعقاب الطرد المتبادل لسفيري البلدين، مخاوف عميقة بشأن انعكاسات الأزمة على المساعدات الإنسانية التي تقدمها دول ومؤسسات غربية مانحة لتشاد، التي تعد من بين أكثر دول العالم فقرا، كما تستضيف ما يزيد على مليون من اللاجئين والنازحين. وتبادل البلدان اللذان تجمعهما علاقات دبلوماسية منذ عام 1960 طرد السفيرين خلال الأيام القليلة الماضية، إذ طلبت ألمانيا (الثلاثاء) من سفيرة تشاد لديها، مريم علي موسى، مغادرة البلاد خلال 48 ساعة، وذلك رداً على تحرك مماثل قامت به الدولة الواقعة في وسط أفريقيا (الجمعة). ونقلت وكالة «رويترز» عن وزارة الخارجية الألمانية قولها إن الخ

العالم تشاد تطرد سفير ألمانيا بحجة «سلوكه الفظ»

تشاد تطرد سفير ألمانيا بحجة «سلوكه الفظ»

طرد السفير الألماني في تشاد الذي أعلنته الحكومة «شخصا غير مرغوب فيه» بسبب «سلوكه الفظّ»، مساء السبت، بحسب ما نقلت وكالة الصحافة الفرنسية عن مسؤولين في العاصمة التشادية نجامينا. وكانت الحكومة التشادية أعلنت الجمعة أنها طلبت من السفير الألماني مغادرة البلاد خلال 48 ساعة، بسبب «عدم احترامه الممارسات الدبلوماسية». وقال وزير الخارجية التشادي، محمد صالح النظيف، إن «سفير ألمانيا في تشاد يان كريستيان غوردون كريكه سافر على متن طائرة (إير فرانس) مساء السبت». وأكد المتحدث باسم الحكومة عزيز محمد صالح مغادرة السفير.

«الشرق الأوسط» (نجامينا)

فريق ترمب يريد الوصول إلى «ترتيب» بين روسيا وأوكرانيا من الآن

عناصر من خدمة الطوارئ الأوكرانية تخمد حريقاً شب في مبنى نتيجة قصف روسي على دنبيرو (خدمة الطوارئ الأوكرانية - أ.ب)
عناصر من خدمة الطوارئ الأوكرانية تخمد حريقاً شب في مبنى نتيجة قصف روسي على دنبيرو (خدمة الطوارئ الأوكرانية - أ.ب)
TT

فريق ترمب يريد الوصول إلى «ترتيب» بين روسيا وأوكرانيا من الآن

عناصر من خدمة الطوارئ الأوكرانية تخمد حريقاً شب في مبنى نتيجة قصف روسي على دنبيرو (خدمة الطوارئ الأوكرانية - أ.ب)
عناصر من خدمة الطوارئ الأوكرانية تخمد حريقاً شب في مبنى نتيجة قصف روسي على دنبيرو (خدمة الطوارئ الأوكرانية - أ.ب)

أعلن مايك والتز، المستشار المقبل لشؤون الأمن القومي الأميركي، في مقابلة تلفزيونية، الأحد، أن فريق الرئيس المنتخب دونالد ترمب يريد العمل منذ الآن مع إدارة الرئيس المنتهية ولايته جو بايدن، للتوصل إلى «ترتيب» بين أوكرانيا وروسيا، مبدياً قلقه بشأن «التصعيد» الراهن.

ومنذ فوز الملياردير الجمهوري في الخامس من نوفمبر (تشرين الثاني)، يخشى الأوروبيون أن تقلّص الولايات المتّحدة دعمها لأوكرانيا في هذا النزاع، أو حتى أن تضغط عليها لتقبل باتفاق مع روسيا يكون على حسابها.

واختار الرئيس المنتخب الذي سيتولّى مهامه في 20 يناير (كانون الثاني)، كل أعضاء حكومته المقبلة الذين لا يزال يتعيّن عليهم الحصول على موافقة مجلس الشيوخ.

وفي مقابلة أجرتها معه، الأحد، شبكة «فوكس نيوز»، قال والتز إنّ «الرئيس ترمب كان واضحاً جداً بشأن ضرورة إنهاء هذا النزاع. ما نحتاج إلى مناقشته هو مَن سيجلس إلى الطاولة، وما إذا كان ما سيتمّ التوصل إليه هو اتفاق أم هدنة، وكيفية إحضار الطرفين إلى الطاولة، وما الذي سيكون عليه الإطار للتوصل إلى ترتيب».

وأضاف، وفقاً لـ«وكالة الصحافة الفرنسية» أنّ «هذا ما سنعمل عليه مع هذه الإدارة حتى يناير، وما سنواصل العمل عليه بعد ذلك».

وأوضح والتز أنّه «بالنسبة إلى خصومنا الذين يعتقدون أنّ هذه فرصة لتأليب إدارة ضد أخرى، فهم مخطئون»، مؤكّداً في الوقت نفسه أن فريق الإدارة المقبلة «قلق» بشأن «التصعيد» الراهن للنزاع بين روسيا وأوكرانيا.

وفي الأيام الأخيرة، صدر عن مقرّبين من الرئيس المنتخب تنديد شديد بقرار بايدن السماح لأوكرانيا بضرب عمق الأراضي الروسية بصواريخ بعيدة المدى أميركية الصنع.

وخلال حملته الانتخابية، طرح ترمب أسئلة كثيرة حول جدوى المبالغ الهائلة التي أنفقتها إدارة بايدن على دعم أوكرانيا منذ بداية الغزو الروسي لهذا البلد في 2022.

ووعد الملياردير الجمهوري مراراً بإنهاء هذه الحرب بسرعة، لكن من دون أن يوضح كيف سيفعل ذلك.

وبشأن ما يتعلق بالشرق الأوسط، دعا المستشار المقبل لشؤون الأمن القومي للتوصّل أيضاً إلى «ترتيب يجلب الاستقرار».

وسيشكّل والتز مع ماركو روبيو، الذي عيّنه ترمب وزيراً للخارجية، ثنائياً من الصقور في الإدارة المقبلة، بحسب ما يقول مراقبون.

وكان ترمب وصف والتز، النائب عن ولاية فلوريدا والعسكري السابق في قوات النخبة، بأنه «خبير في التهديدات التي تشكلها الصين وروسيا وإيران والإرهاب العالمي».