بولسونارو يراهن على أصوات إنجيليي البرازيل لهزيمة لولا دا سيلفا

دعّم كتلتهم البرلمانية ودفع بسياسات يدعمونها

الرئيس البرازيلي يستمع لرئيس مجلس النواب في 4 أغسطس (رويترز)
الرئيس البرازيلي يستمع لرئيس مجلس النواب في 4 أغسطس (رويترز)
TT

بولسونارو يراهن على أصوات إنجيليي البرازيل لهزيمة لولا دا سيلفا

الرئيس البرازيلي يستمع لرئيس مجلس النواب في 4 أغسطس (رويترز)
الرئيس البرازيلي يستمع لرئيس مجلس النواب في 4 أغسطس (رويترز)

في أواخر ثمانينات القرن الماضي، كانت نسبة الكاثوليكيين في البرازيل تزيد على 85 في المائة من بين سكانها البالغ عددهم 220 مليون نسمة. وبعد أربعة عقود على ذلك الإحصاء، تراجعت هذه النسبة بشكل ملحوظ لصالح المجموعات الإنجيلية التي تموّل نشاطها الكنائس والإرساليات الأميركية، والتي أصبحت تشكّل نحو ثلث السكان وتنشط في جميع المحافظات عبر مراكز التبشير والخدمات الاجتماعية.
ويتجلّى تنامي نفوذ هذه الجماعة بوضوح في البرلمان البرازيلي، حيث يشكّل نوابها أكبر كتلة تضمّ 116 عضواً كانوا القاطرة التي حملت جايير بولسونارو إلى رئاسة البرازيل ضد كل التوقعات في الانتخابات الماضية، والتي يراهن عليها الرئيس الحالي لتجديد ولايته مطلع الخريف المقبل، بعد أن أطلق يدها في جميع مرافق الدولة ومدّها بمساعدات ضخمة طوال السنوات الماضية.
وتجدر الإشارة إلى أن بولسونارو، وهو كاثوليكي متحدّر من أصول إيطالية، كان قد عُمّد على يد مبشرّ إنجيلي في نهر الأردن خلال إحدى زياراته إلى إسرائيل قبل أسابيع من ترشحه للانتخابات الرئاسية السابقة، حيث كان شعار حملته «الله فوق كل شيء، والبرازيل فوق الجميع». وكان صرّح في بداية هذه الحملة منذ أيام، بأن الانتخابات المقبلة هي صراع بين الخير والشر، تحسمه أصوات المؤمنين والمحافظين على القيم والمبادئ الدينية.
ورغم التعدد الكبير للتيارات الإنجيلية، فهي تتوافق بشكل مطلق في البرلمان حول معظم المواضيع الاجتماعية المطروحة على مائدة النقاش السياسي، مثل معارضة الإجهاض، ورفض ترخيص المخدرات، وتأييد الأسرة التقليدية، وحظر ألعاب الميسر، وتشديد القيود على شراء الأسلحة. يقول إيغناسيو روبليدو، مدير معهد الدراسات الاجتماعية في جامعة ساو باولو، إن البرازيل دولة علمانية غالبية سكانها من الكاثوليك، لكنّها في طور تحوّلات اجتماعية عميقة يدفعها نشاط الكنائس الإنجيلية التي أصبحت تملك أوسع شبكة لوسائل الإعلام وتسخّر كميات هائلة من المال لنشر رسالتها. ويحتفل النواب الإنجيليون كل أربعاء في قاعة البرلمان بقداس تتخلله التراتيل والأناشيد، وغالباً ما يشارك فيه بولسونارو، حيث أعلن أمامهم مؤخراً أنه قرر تعيين رئيس إنجيلي للمحكمة العليا قبل أن يبلّغ الحكومة بقراره.
في الانتخابات الماضية، صوّت 90 في المائة من الإنجيليين لصالح بولسونارو، لكن الاستطلاعات الأخيرة تشير إلى أن هذه النسبة ستتراجع في الانتخابات المقبلة، وأن غالبية الفقراء بين الجماعات الإنجيلية ستؤيد لولا. لكن بولسونارو ما زال يتمتع بشعبية واسعة في الأوساط الدينية المحافظة التي لا تؤيده فقط في المواضيع الاجتماعية، بل تدعمه في سياساته الاستراتيجية التي كانت سبب التراجع الذي أصاب الدور البرازيلي ومشاركتها في تسوية الأزمات الإقليمية ومعالجتها.
وتفيد دراسة صدرت مؤخراً عن اللجنة الأميركية اللاتينية للبحوث السياسية، بأن الدائرة الضيّقة المحيطة ببولسونارو، التي واكبت مسيرته نحو الرئاسة منذ أن كان نائباً مغموراً في البرلمان، نجحت في مخططها لدفع الإنجيليين نحو المواقف اليمينية المتشددة، خصوصاً بعد مسلسل الفضائح الذي طال الرئيسة السابقة ديلما روسيّف وأدّى إلى عزلها، في الوقت الذي نجح فيه أنصار بولسونارو في إقناع الإنجيليين بأن اليسار البرازيلي الذي يقوده حزب العمّال ليس غريماً سياسياً أو طرفاً مشروعاً في المشهد السياسي، بل هو «الشر بعينه ولا بد من مواجهته في حرب مقدّسة». وتجدر الإشارة إلى أن الجماعات الدينية كانت في السابق أكثر تعاطفاً مع حزب العمّال، خصوصاً خلال وجود لولا في موقع الرئاسة، لكن بعد عزل روسّيف ساروا بحماس في الركب المؤيد لبولسونارو وكانوا الدعامة الأساسية في وصوله إلى الحكم.
ولا يستبعد بعض المراقبين تكرار مفاجأة الانتخابات السابقة وفوز بولسونارو، رغم أن جميع الاستطلاعات حتى الآن ترجّح خسارته للتراجع المطرد في شعبيته بسبب سوء إدارته للجائحة، والأزمة الاقتصادية الخانقة. ويقدّر هؤلاء أن الفارق بين لولا وبولسونارو قد لا يتجاوز 3 في المائة من الأصوات، بعيداً عن الفارق الذي زاد على 10 في المائة بين بولسونارو وفرناندو حدّاد مرشح حزب العمال في انتخابات عام 2018.
لكن يرى آخرون أن أولوية الجماعات الإنجيلية ليست تجديد ولاية بولسونارو بقدر ما هي زيادة عدد الكتلة البرلمانية الإنجيلية والتمهيد لانتخاب رئيس يخرج من صفوفها، وليس تأييد مرشح فرضته ظروف المعادلة السياسية مثل الرئيس الحالي.
في الجهة المقابلة، يعتبر أنصار لولا أن فوز بولسونارو، الذي ليس مستحيلاً رغم ما تشير إليه الاستطلاعات، سيكون له وقع الكارثة على البرازيل. ويقول البعض إنه إذا كان تمكّن خلال السنوات الأربع الماضية من القضاء على أهمّ الإنجازات التي حققتها الديمقراطية البرازيلية في العقود الأربعة الماضية، فليس من الصعب تصوّر حجم الدمار الذي سيخلّفه بعد ولايته الثانية. ويرى هؤلاء أن السبيل الوحيدة لمنع وقوع هذه الكارثة، هي فوز لولا في الجولة الأولى، بحيث يصعب على بولسونارو تنفيذ الانقلاب الذي يلمّح إليه منذ أيام ويستعدّ له في حال خسارته بفارق بسيط.


مقالات ذات صلة

إسبانيا تحقق في احتمال دخول نفط روسي إليها عبر دول أخرى

الاقتصاد إسبانيا تحقق في احتمال دخول نفط روسي إليها عبر دول أخرى

إسبانيا تحقق في احتمال دخول نفط روسي إليها عبر دول أخرى

أعلنت الحكومة الإسبانية أمس (الجمعة) فتح تحقيق في احتمال دخول شحنات من النفط الروسي إلى أراضيها عبر دول ثالثة ودعت إلى بذل جهود أوروبية مشتركة لـ«تعزيز إمكانية تتبع» واردات المحروقات. وقالت وزيرة الانتقال البيئي الإسبانية تيريزا ريبيرا في رسالة: «في مواجهة أي شكوك، من الضروري التحقق» مما إذا كانت «المنتجات المستوردة تأتي من المكان المشار إليه أو من بلد آخر وما إذا كانت هناك أي مخالفة». وأوضحت الوزيرة الإسبانية أن «هذه المخاوف» هي التي دفعت إسبانيا إلى «التحقيق» في إمكانية وصول نفط روسي إلى أراضيها، مذكرة بأن واردات المحروقات «مرفقة نظريا بوثائق تثبت مصدرها».

«الشرق الأوسط» (مدريد)
العالم إسبانيا تستدعي سفير روسيا إثر «هجوم» على حكومتها عبر «تويتر»

إسبانيا تستدعي سفير روسيا إثر «هجوم» على حكومتها عبر «تويتر»

أعلنت وزارة الخارجية الإسبانية، الجمعة، أنها استدعت السفير الروسي في مدريد، بعد «هجمات» شنتها السفارة على الحكومة عبر موقع «تويتر». وقال متحدث باسم الوزارة، لوكالة «الصحافة الفرنسية»، إن الغرض من الاستدعاء الذي تم الخميس، هو «الاحتجاج على الهجمات ضد الحكومة على مواقع التواصل الاجتماعي».

«الشرق الأوسط» (مدريد)
العالم إسبانيا سترسل 6 دبابات «ليوبارد» لأوكرانيا خلال أيام

إسبانيا سترسل 6 دبابات «ليوبارد» لأوكرانيا خلال أيام

قال وزير الخارجية الإسباني خوسيه مانويل ألباريس إن بلاده سترسل خلال أيام 6 دبابات من بين 10 دبابات من طراز «ليوبارد 2» لأوكرانيا كانت قد تعهدت بتقديمها، وفق ما ذكرته وكالة الأنباء الألمانية. وقال ألباريس لمجموعة «فونكه» الإعلامية الألمانية، في مقابلة نُشرت اليوم (السبت)، «سيتم تزويد أوكرانيا في وقت لاحق بمجموعة ثانية تتكون من أربع دبابات». وتابع «سندعم أوكرانيا طالما تحتاج للدعم...

«الشرق الأوسط» (مدريد)
يوميات الشرق حمى الضنك... ما أعراضها؟ ومتى تبدأ في الظهور؟

حمى الضنك... ما أعراضها؟ ومتى تبدأ في الظهور؟

أصدر مسؤولو الصحة في جزيرة إيبيزا الإسبانية إنذاراً بعد رصد عدة حالات من حمى الضنك. وتحدث المسؤولون في الجزيرة عن العدوى في بيان بعد الإبلاغ عن إصابة ستة سياح ألمان بين مايو (أيار) ونوفمبر (تشرين الثاني) من العام الماضي، مما أثار مخاوف من تفشي المرض مع اقتراب الموسم السياحي، وفقاً لصحيفة «إندبندنت». وحمى الضنك هي عدوى تنتشر عن طريق البعوض.

«الشرق الأوسط» (مدريد)
يوميات الشرق لم تمس الماء طيلة عام ونصف... إسبانية تعيش منعزلة تحت الأرض لـ500 يوم

لم تمس الماء طيلة عام ونصف... إسبانية تعيش منعزلة تحت الأرض لـ500 يوم

خرجت متسلقة الجبال الإسبانية والمتخصصة في استكشاف الكهوف، بياتريس فلاميني (50 عاما)، إلى النور يوم الجمعة، بعد أن أمضت طواعية 500 يوم تحت الأرض داخل كهف بعمق 70 مترا في مقاطعة غرناطة جنوبي إسبانيا، وفقاً لوكالة «الأنباء الألمانية». وقالت الرياضية المحترفة، وهي تضحك بصوت عال أمام كاميرات قناة «آر تي في إي» التلفزيونية الحكومية ووسائل الإعلام الأخرى «سأخبركم كيف كان الوضع هناك... ولكن إذا كنتم لا تمانعون، سأستحم، لأنني لم أمس الماء طيلة عام ونصف العام».

«الشرق الأوسط» (مدريد)

«كايسيد»: نستثمر في مستقبل أكثر سلاماً

الدكتور زهير الحارثي أمين عام المركز خلال الحفل (كايسيد)
الدكتور زهير الحارثي أمين عام المركز خلال الحفل (كايسيد)
TT

«كايسيد»: نستثمر في مستقبل أكثر سلاماً

الدكتور زهير الحارثي أمين عام المركز خلال الحفل (كايسيد)
الدكتور زهير الحارثي أمين عام المركز خلال الحفل (كايسيد)

أكد الدكتور زهير الحارثي، أمين عام مركز الملك عبد الله العالمي للحوار «كايسيد»، أن برامجهم النوعية تستثمر في مستقبل أكثر سلاماً بجمعها شخصيات دينية وثقافية لتعزيز الحوار والتفاهم وسط عالم يعاني من الانقسامات.

واحتفى المركز بتخريج دفعة جديدة من برنامج «الزمالة» من مختلف المجموعات الدولية والعربية والأفريقية في مدينة لشبونة البرتغالية، بحضور جمع من السفراء والممثلين الدبلوماسيين المعتمدين لدى جمهورية البرتغال.

وعدّ الحارثي، البرنامج، «منصة فريدة تجمع قادة من خلفيات دينية وثقافية متنوعة لتعزيز الحوار والتفاهم، وهو ليس مجرد رحلة تدريبية، بل هو استثمار في مستقبل أكثر سلاماً»، مبيناً أن منسوبيه «يمثلون الأمل في عالم يعاني من الانقسامات، ويثبتون أن الحوار يمكن أن يكون الوسيلة الأقوى لتجاوز التحديات، وتعزيز التفاهم بين المجتمعات».

جانب من حفل تخريج دفعة 2024 من برنامج «الزمالة الدولية» في لشبونة (كايسيد)

وجدَّد التزام «كايسيد» بدعم خريجيه لضمان استدامة تأثيرهم الإيجابي، مشيراً إلى أن «البرنامج يُزوّد القادة الشباب من مختلف دول العالم بالمعارف والمهارات التي يحتاجونها لبناء مجتمعات أكثر شموليةً وتسامحاً».

وأضاف الحارثي: «تخريج دفعة 2024 ليس نهاية الرحلة، بل بداية جديدة لخريجين عازمين على إحداث تغيير ملموس في مجتمعاتهم والعالم»، منوهاً بأن «الحوار ليس مجرد وسيلة للتواصل، بل هو أساس لبناء مستقبل أكثر وحدة وسلاماً، وخريجونا هم سفراء التغيير، وسنواصل دعمهم لتحقيق رؤيتهم».

بدورها، قالت ويندي فيليبس، إحدى خريجات البرنامج من كندا، «(كايسيد) لم يمنحني فقط منصة للتعلم، بل فتح أمامي آفاقاً جديدة للعمل من أجل بناء عالم أكثر عدلاً وسلاماً»، مضيفة: «لقد أصبحت مستعدة لمواجهة التحديات بدعم من شبكة متميزة من القادة».

الدكتور زهير الحارثي يتوسط خريجي «برنامج الزمالة الدولية» (كايسيد)

وحظي البرنامج، الذي يُمثل رؤية «كايسيد» لبناء جسور الحوار بين أتباع الأديان والثقافات، وتعزيز التفاهم بين الشعوب؛ إشادة من الحضور الدولي للحفل، الذين أكدوا أن الحوار هو الوسيلة المُثلى لتحقيق مستقبل أفضل للمجتمعات وأكثر شمولية.

يشار إلى أن تدريب خريجي «برنامج الزمالة الدولية» امتد عاماً كاملاً على ثلاث مراحل، شملت سان خوسيه الكوستاريكية، التي ركزت على تعزيز مبادئ الحوار عبر زيارات ميدانية لأماكن دينية متعددة، ثم ساو باولو البرازيلية وبانكوك التايلاندية، إذ تدربوا على «كيفية تصميم برامج حوار مستدامة وتطبيقها»، فيما اختُتمت بلشبونة، إذ طوّروا فيها استراتيجيات لضمان استدامة مشاريعهم وتأثيرها الإيجابي.