«إحباط مناخي» جديد في صيف «الكوارث البيئية»

بعد قرار الصين وقف التعاون مع أميركا

المبعوث الرئاسي الأميركي الخاص للمناخ جون كيري والمبعوث الصيني الخاص لتغير المناخ شيه تشن هوا في اجتماعات سابقة بشنغهاي
المبعوث الرئاسي الأميركي الخاص للمناخ جون كيري والمبعوث الصيني الخاص لتغير المناخ شيه تشن هوا في اجتماعات سابقة بشنغهاي
TT

«إحباط مناخي» جديد في صيف «الكوارث البيئية»

المبعوث الرئاسي الأميركي الخاص للمناخ جون كيري والمبعوث الصيني الخاص لتغير المناخ شيه تشن هوا في اجتماعات سابقة بشنغهاي
المبعوث الرئاسي الأميركي الخاص للمناخ جون كيري والمبعوث الصيني الخاص لتغير المناخ شيه تشن هوا في اجتماعات سابقة بشنغهاي

مجدداً تتلقى البيئة ضربة موجعة قبل قمة المناخ «كوب 27» التي تستضيفها مدينة شرم الشيخ المصرية في نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل، وذلك بعد القرار الصيني أول من أمس، بوقف التعاون مع الولايات المتحدة بشأن أزمة المناخ. وجاء القرار الصيني ضمن سلسلة من الإجراءات التي تهدف إلى الانتقام من أميركا، بسبب ما وصفته بكين بـ«الاستفزاز الفظيع» الذي قامت به نانسي بيلوسي، رئيسة مجلس النواب الأميركي، أثناء زيارتها لتايوان.
وقالت الصين، التي تعتبر تايوان جزءاً من أراضيها وأجرت مناورات عسكرية واسعة النطاق بالقرب من الجزيرة، إنها ستتوقف عن العمل مع الولايات المتحدة بشأن تغير المناخ، إلى جانب قضايا رئيسية أخرى، وهو ما أحدث صدمة بين خبراء المناخ في العالم، والذين قالوا إن القوتين العظميين تتجهان إلى التنافس على «الفشل المناخي».
ووصف مجدي علام، أمين عام اتحاد خبراء البيئة العرب، في تصريحات خاصة لـ«الشرق الأوسط»، القرار بأنه ضربة موجعة ثانية للبيئة قبل قمة «كوب 27»، والتي كان الخبراء يعولون آمالاً عريضة عليها، بأن تقر توجهاً بـ«التخلص التدريجي» من طاقة الفحم، وليس «الخفض التدريجي».
وأقرت قمة «كوب 26» في غلاسكو بإسكتلندا في نوفمبر الماضي توجهاً نحو الخفض التدريجي لاستخدام طاقة الفحم، وجاءت الحرب الروسية الأوكرانية، وما تبعها من إجراءات روسية لوقف تصدير الغاز إلى شرق أوروبا، لتدفع بعض الدول إلى العودة مجدداً لاستخدام طاقة الفحم.
وجاء القرار الصيني الأخير ليوجه ضربة موجعة ثانية للبيئة، حيث تمتلك الصين 10 آلاف منشأة للفحم، وكانت هناك آمال لمحاولة دفعها خلال «كوب 27» للتخلص التدريجي من تلك المنشآت، ولكن على ما يبدو أن الصين قد أخذت خطوة استباقية نحو تحجيم أي محاولات لذلك.
ويقول علام: «نحن مقبلون على تنافس بين القوتين العظميين على زيادة غازات الاحتباس الحراري، في وقت كنا نتطلع فيه إلى تحقيق تقدم نحو التخلص التدريجي، وهو ما يعني هدم أي تقدم حدث في تلك القضية خلال الـ60 عاماً الماضية».
ويتعجب علام من إقحام السياسة في مثل هذه القضايا البيئية ذات البعد العالمي، مضيفاً: «نحن يجمعنا غلاف جوي محيط بالكره الأرضية، ولا توجد إمكانية لمنع التأثيرات التي تأتي من الدول الأخرى بإقامة سدود مثلاً، لذلك فنحن أمام قضية عالمية، ويجب أن تتحمل القوتان العظميان مسؤوليتهما تجاه حل المشكلة، بدلاً من أن تنقلا ساحة الصراع بينهما من صراع سياسي إلى صراع على الفشل المناخي».
ويقول علام إن «هذا الصراع سيكون الكل فيه خاسراً، لأن القوتين العظميين نالت منهما تأثيرات التغيرات المناخية عبر ظواهر مناخية متطرفة ضربت البيئة هذا الصيف».
وتابع: «ولكن إذا كانت الدولتان تستطيعان استيعاب التبعات الاقتصادية لمثل هذه الظواهر، فإن عدم مراعاة دول العالم الفقيرة التي ترهقها اقتصادياً مثل هذه الظواهر، يعد تصرفاً (غير مناسب) من الدولتين».
ومتفقاً مع الرأي السابق، يقول محمود نادي، زميل برنامج القادة الشباب لتغير المناخ، باحث التغيرات المناخية بجامعة بون بألمانيا، إن القرار الصيني الأخير، هو محاربة للطبيعة وليس أميركا، وإقحام في غير محله للسياسة في قضايا المناخ. وأضاف في تصريحات لـ«الشرق الأوسط» أن الجميع خاسر، بما ذلك الصين، وهو ما يفسر بعض الأصوات المحلية في بكين التي رفضت القرار.
وأكد نادي على أن القرار الصيني سيكون له بلا شك تأثيرات على قمة المناخ «كوب 27»، لأن الهدف من القمة هو الحصول على تعهدات من بعض الدول غير الملتزمة باتخاذ إجراءات من شأنها أن تقلل من غازات الاحتباس الحراري، وعندما تعلن قوة عظمى مثل الصين عدم التزامها، وما سيترتب عليه من عدم التزام أميركا، رداً على ما قامت به الصين، فهذا مبرر قوي للآخرين بعدم الالتزام. ويضيف: «باختصار، فإنه دون اتخاذ إجراءات قوية من جانب الولايات المتحدة والصين، المسؤولتان معاً عن نحو 40% من انبعاثات غازات الاحتباس الحراري في العالم، فإن الأمل ضئيل في تجنب الاحتباس الحراري الكارثي».
وحدث التمزق في العلاقات بين البلدين، وسط صيف من الكوارث الناجمة عن تغير المناخ، مع موجات حر وحرائق غابات قياسية تجتاح الولايات المتحدة وأوروبا، ودرجات حرارة عالية للغاية تجتاح الهند والصين، وفيضانات مدمرة أثرت على الولايات المتحدة وجنوب آسيا وأفريقيا.
وفي حين أن مدى انسحاب الصين من مناقشات المناخ لا يزال غير واضح، فإن هذه الخطوة تهدد بعرقلة التعاون الهش في كثير من الأحيان بين أكبر دولتين لانبعاثات الكربون في العالم، قبل بضعة أشهر فقط من «كوب 27» في شرم الشيخ.
ويقول لورانس توبيانا، الرئيس التنفيذي لمؤسسة المناخ الأوروبية، أحد المهندسين الرئيسيين لمؤسسة باريس اتفاقيات المناخ في تصريحات صحافية أخيراً، «من المصلحة الذاتية للصين والولايات المتحدة العمل بشأن المناخ والبدء في الحديث».
وأوضح أن القوتين حدثت بينهما مناوشات سياسية سابقة على خلفية تغير المناخ، ومع ذلك حققا معاً انفراجة في محادثات قمة «كوب 26» في غلاسكو في نوفمبر الماضي.
واتهمت الولايات المتحدة والصين بعضهما البعض بعدم القيام بما يكفي لخفض انبعاثات الاحتباس الحراري في نقاط مختلفة في السنوات الأخيرة، حيث هاجمت الصين «الأنانية» الأميركية عندما تراجع الرئيس دونالد ترمب آنذاك عن تدابير الحماية البيئية المختلفة في عام 2017، بينما زعم جو بايدن، خليفة ترمب، العام الماضي أن الرئيس الصيني، شي جين بينغ، ارتكب «خطأً كبيراً» بعدم حضوره قمة «كوب 26» في إسكتلندا.
مع ذلك، اتفقت القوتان العظميان خلال «كوب 26» على خطة للعمل معاً «على وجه السرعة» لخفض الانبعاثات. وقال شيه زينهوا، رئيس الوفد الصيني، إن على البلدين «تسريع التحول الأخضر ومنخفض الكربون». وشدد جون كيري، مبعوث الولايات المتحدة بشأن المناخ، على أن «التعاون هو السبيل الوحيد لإنجاز هذه المهمة».
وساعد هذا التقارب بشأن المناخ في تعزيز التعاون بين المنظمات الأميركية والصينية، فضلاً عن توفير القدوة للدول الأخرى، وفقاً لما قاله نيت هولتمان، المساعد السابق لكيري والمدير الحالي لمركز الاستدامة العالمية في جامعة ميريلاند. وقال هولتمان: «يعد عمل الولايات المتحدة والصين معاً بعداً مهماً في معالجة تغير المناخ، ولديه القدرة على تحفيز الآخرين على فعل المزيد».
وأوضح في تصريحات صحافية أول من أمس أنه: «يجب أن تدرك الدولتان، أن هذه ليست مجرد قضية ثنائية، لأن هناك بعداً عالمياً في تلك القضية، وآمل أن يعيدهم هذا البعد العالمي للعمل معاً من جديد»، مضيفاً أنه «بينما يمكن الآن تقليص محادثات المناخ رفيعة المستوى، فقد يستمر التعاون الثنائي الآخر، رغم أن التفاصيل حول تبعات القرار الصيني لا تزال ضئيلة».



«كايسيد»: نستثمر في مستقبل أكثر سلاماً

الدكتور زهير الحارثي أمين عام المركز خلال الحفل (كايسيد)
الدكتور زهير الحارثي أمين عام المركز خلال الحفل (كايسيد)
TT

«كايسيد»: نستثمر في مستقبل أكثر سلاماً

الدكتور زهير الحارثي أمين عام المركز خلال الحفل (كايسيد)
الدكتور زهير الحارثي أمين عام المركز خلال الحفل (كايسيد)

أكد الدكتور زهير الحارثي، أمين عام مركز الملك عبد الله العالمي للحوار «كايسيد»، أن برامجهم النوعية تستثمر في مستقبل أكثر سلاماً بجمعها شخصيات دينية وثقافية لتعزيز الحوار والتفاهم وسط عالم يعاني من الانقسامات.

واحتفى المركز بتخريج دفعة جديدة من برنامج «الزمالة» من مختلف المجموعات الدولية والعربية والأفريقية في مدينة لشبونة البرتغالية، بحضور جمع من السفراء والممثلين الدبلوماسيين المعتمدين لدى جمهورية البرتغال.

وعدّ الحارثي، البرنامج، «منصة فريدة تجمع قادة من خلفيات دينية وثقافية متنوعة لتعزيز الحوار والتفاهم، وهو ليس مجرد رحلة تدريبية، بل هو استثمار في مستقبل أكثر سلاماً»، مبيناً أن منسوبيه «يمثلون الأمل في عالم يعاني من الانقسامات، ويثبتون أن الحوار يمكن أن يكون الوسيلة الأقوى لتجاوز التحديات، وتعزيز التفاهم بين المجتمعات».

جانب من حفل تخريج دفعة 2024 من برنامج «الزمالة الدولية» في لشبونة (كايسيد)

وجدَّد التزام «كايسيد» بدعم خريجيه لضمان استدامة تأثيرهم الإيجابي، مشيراً إلى أن «البرنامج يُزوّد القادة الشباب من مختلف دول العالم بالمعارف والمهارات التي يحتاجونها لبناء مجتمعات أكثر شموليةً وتسامحاً».

وأضاف الحارثي: «تخريج دفعة 2024 ليس نهاية الرحلة، بل بداية جديدة لخريجين عازمين على إحداث تغيير ملموس في مجتمعاتهم والعالم»، منوهاً بأن «الحوار ليس مجرد وسيلة للتواصل، بل هو أساس لبناء مستقبل أكثر وحدة وسلاماً، وخريجونا هم سفراء التغيير، وسنواصل دعمهم لتحقيق رؤيتهم».

بدورها، قالت ويندي فيليبس، إحدى خريجات البرنامج من كندا، «(كايسيد) لم يمنحني فقط منصة للتعلم، بل فتح أمامي آفاقاً جديدة للعمل من أجل بناء عالم أكثر عدلاً وسلاماً»، مضيفة: «لقد أصبحت مستعدة لمواجهة التحديات بدعم من شبكة متميزة من القادة».

الدكتور زهير الحارثي يتوسط خريجي «برنامج الزمالة الدولية» (كايسيد)

وحظي البرنامج، الذي يُمثل رؤية «كايسيد» لبناء جسور الحوار بين أتباع الأديان والثقافات، وتعزيز التفاهم بين الشعوب؛ إشادة من الحضور الدولي للحفل، الذين أكدوا أن الحوار هو الوسيلة المُثلى لتحقيق مستقبل أفضل للمجتمعات وأكثر شمولية.

يشار إلى أن تدريب خريجي «برنامج الزمالة الدولية» امتد عاماً كاملاً على ثلاث مراحل، شملت سان خوسيه الكوستاريكية، التي ركزت على تعزيز مبادئ الحوار عبر زيارات ميدانية لأماكن دينية متعددة، ثم ساو باولو البرازيلية وبانكوك التايلاندية، إذ تدربوا على «كيفية تصميم برامج حوار مستدامة وتطبيقها»، فيما اختُتمت بلشبونة، إذ طوّروا فيها استراتيجيات لضمان استدامة مشاريعهم وتأثيرها الإيجابي.