«قوائم المطلوبين».. سلاح سعودي لضرب الإرهاب

الأمن يشرك المواطن في تعقب خلايا على مدار 12 عامًا

«قوائم المطلوبين».. سلاح سعودي لضرب الإرهاب
TT

«قوائم المطلوبين».. سلاح سعودي لضرب الإرهاب

«قوائم المطلوبين».. سلاح سعودي لضرب الإرهاب

منذ أكثر من عقد من الزمن، أشركت السلطات الأمنية في السعودية المواطنين والمقيمين في تعقب الخلايا الإرهابية ومحاربة التنظيمات الإرهابية مهما تعددت أسماؤها، والتي ظهرت علنًا للمرة الأولى في مايو (أيار) 2003. وساهمت الأجهزة الأمنية في ملاحقة الكثير من القيادات الإرهابية عبر التحري والتحقيق مع من يقبض عليهم، حيث نشرت الجهات السعودية المختصة 7 قوائم مختلفة على مدار 12 عاما، تحوي أسماء مطلوبين تورطوا في قضايا إرهابية، وكذلك رصدت 8 منظمات إرهابية، ساهمت في أعمال «الفئة الضالة» في الداخل. وباتت القوائم التي تعلن عنها السلطات السعودية سلاحا قويا في ضرب الإرهاب والكشف عن روابط خلايا مختلفة، بالإضافة إلى إشراك المواطن في مواجهة التطرف.

وتضمنت القوائم الإرهابية الصادرة في السعودية أكثر من 250 مطلوبا أمنيا معظمهم من الجنسية السعودية، خططوا لاستهداف قيادات في الدولة، ورجال الأمن، وأعضاء في هيئة كبار العلماء، وأكاديميين، ودبلوماسيين ومقيمين أجانب من الجنسيات الغربية عبر مقر أعمالهم في السفارات الأجنبية، وآخرين في مقر إقامتهم في عدد من المجمعات السكنية في مختلف مناطق المملكة، إضافة إلى أعمال شغب صنفت بـ«الإرهاب» في شرق السعودية، من أجل إثارة الفتنة واللحمة الوطنية، وأخيرًا استهداف المصلين داخل المساجد.
وانتقل عدد من المطلوبين بين التنظيمات الإرهابية، بايع بعضهم تنظيم القاعدة، ثم انتقلوا إلى تنظيمات إرهابية أخرى مثل «جبهة النصرة» و«داعش»، وبرزت قوائم المطلوبين الأخيرة التي عملت على التجنيد عبر مواقع التواصل الاجتماعي «تويتر» و«فيسبوك»، على وجود صغار السن تبدأ أعمارهم من (15 عاما).
واحتوت أول ثلاث قوائم إرهابية معلنة، على عدد من القيادات في تنظيم القاعدة بالسعودية، بعضهم ميدانيون يواجهون رجال الأمن بالنار في حال كشف أمرهم، حيث تزعم قيادتها أثناء الإعلان عن قائمة الـ19، اليمني خالد حاج (قتل في شرق مدينة الرياض في فبراير/ شباط 2004)، الذي عيّنه أسامه بن لادن، الزعيم السابق للتنظيم في أفغانستان (قتل في هجوم أميركي في أبوت آباد الباكستانية مايو 2011)، فيما تولى القيادة بعده السعودي عبد العزيز المقرن (قتل في مواجهات أمنية بالرياض في يونيو/ حزيران 2004)، حيث دون اسم المقرن في قائمتي 19 و26، ثم برز اسم المغربي يونس الحياري (قتل في مواجهات أمنية في 2005)، الذي ظهر اسمه في قائمة 36.
فيما برزت القوائم الأخرى لمطلوبين في الخارج، بعضهم سلم نفسه للسلطات الأمنية، وآخرون قبض عليهم لدى الأجهزة الأمنية في مختلف الدول التي تشهد صراعات وفتنا، إضافة إلى مطلوبين يعتقد أنهم قتلوا في مواجهات أمنية في مناطق الصراع في اليمن والعراق وسوريا وأفغانستان ووزيرستان.
ابتدأت فكرة إشهار أسماء وصور 19 مطلوبا أمنيا معظمهم سعوديون، في وسائل الإعلام المختلفة، لكشف مخطط إرهابي يسعون للعمل على تنفيذه، حيث عثر على هويات مختلفة وصور أسماء مطلوبين من مختلف مناطق المملكة، وآخرين من خارج السعودية، إضافة إلى أسلحة ومتفجرات. وبعد نحو أسبوع من الإعلان، نفذ تنظيم القاعدة عملية تفجير لثلاثة مجمعات سكنية في شرق مدينة الرياض، وذلك باستخدام سيارات مفخخة يقودها انتحاريون في الهجوم على المجمعات السكنية، التي يقطنها سعوديون وعرب وأجانب، ونتح عنه مقتل وإصابة أكثر من 300 شخص.
وتعد القوائم الثلاث الإرهابية الأولى، دليلا على أعلى تنسيق بين القيادات والعناصر الإرهابية وتقسيمها إلى مجموعات، بحيث تتولى كل مجموعة عملها. وتضمنت القيادات والعناصر الإرهابية في قائمة 19، حيث أكد معيض القحطاني في اعترافاته المصدقة شرعًا، وهو قيادي في تنظيم القاعدة، أن التنظيم تلقى رسالة من قائد التنظيم (آنذاك) أسامة بن لادن في عام 2003، مفادها تغير المجلس الشرعي للتنظيم في الداخل، وتتضمن التعيينات التي أقرها بن لادن، تعيين اليمني خالد حاج قائدا للتنظيم في الداخل، وتكليف عبد العزيز المقرن المسؤول العسكري، ويوسف العييري المسؤول المالي، كما تضمنت الرسالة التي قام بنقلها من أفغانستان إلى السعودية، اليمني خالد باعتش الموقوف لدى جهات أجنبية، تعيين راكان الصيخان الذي قتل متأثرا بإصابته في مواجهات أمنية في أبريل (نيسان) 2004 في مسؤولية التسليح والتنظيم، وهو تولى أيضا المسؤول الميداني عن عمليات تفجير ثلاثة مجمعات سكنية في شرق الرياض في 2003.
واستطاع المطلوبون الأمنيون في القوائم الثلاث الأولى، الحصول على كمية كبيرة من الأسلحة والمتفجرات، جرى تهريبها من اليمن، وقاموا بإعداد سيارات بكمية كبيرة من المتفجرات (جرى إحباطها في عمليات أمنية استباقية)، كانت تستهدف مباني للأجهزة الأمنية، ومجمعات سكنية ومقرا لبعثات دبلوماسية غربية، إضافة إلى عدد من المصافي وأنابيب النفط. وكان أبرزها سيارة من طراز سوبرمان (جي إم سي)، كانت تتنقل في أحياء شرق الرياض، وهم محملة بكمية كبيرة من المتفجرات، حيث كان معظم المطلوبين خصوصا القيادات، يتنقلون أيضا بين الأحياء السكنية وهم يرتدون أحزمة ناسفة، تحسبا من محاولة القبض عليهم.
وكانت القيادات الإرهابية في القائمة الثانية التي تحتوي على 26 من المطلوبين، أكثر دموية منذ ظهور الإرهاب في السعودية، حيث بدأت المواجهات بإطلاق النار على رجال الأمن والمواطنين والمقيمين، في مختلف مناطق البلاد، والسطو على الكثير من السيارات والأموال، بهدف الهروب من أعين رجال الأمن بحسب فتوى حصلوا عليها من اللجنة الشرعية في تنظيم القاعدة بالسعودية، واستخدم آخرون التعذيب وعملية نحر مقيم أميركي بعد وفاته، وعرض المقطع المرئي بعد تصويره، على مواقع الإنترنت.
وتضمنت القائمة الثالثة 36 مطلوبا في الداخل والخارج، وأعلنت في منتصف 2005. واحتوت على عدد من القيادات في الداخل أبرزهم المغربي يونس الحياري، والسعودي فهد الجوير الذي تزعم قيادة التنظيم بعد مقتل زميله الحياري، ونفذ عملية التفجير خارج مصفاة النفط في بقيق، وشارك في مواجهة أمنية ضد رجال الأمن، انتهت بمقتله مع أربعة من زملائه، فيما ضمت القائمة مطلوبين تجاوز عددهم 10 أشخاص، يعتقد أنهم قتلوا في مناطق الصراعات في باكستان والعراق.
فيما برز أهم المطلوبين في الخارج في قائمة 36، سعد الشهري، الذي كان يعمل ضمن فريق الحماية الشخصية لأسامة بن لادن زعيم تنظيم القاعدة بأفغانستان (آنذاك)، فضلاً عن أن سعد عمل أيضا حارسًا شخصيًا لزعيم الحزب الإسلامي الأفغاني قلب الدين حكمتيار، حيث تعرض الشهري إلى قصف جوي أميركي لأحد المواقع الذي كانوا يختبئون فيه، إلا أنهم قتلوا جميعًا، كما عمل على تدريب عدد من المغرر بهم في أفغانستان، وكان يتنقل بين كابل وإسلام آباد وطهران، وبحسب مصادر أمنية لـ«الشرق الأوسط» كان الشهري يعمل على التخطيط للعودة إلى السعودية للقيام بعملية انتحارية مع عدد من عناصر تنظيم القاعدة.
وبرزت القائمة الرابعة وهي الأكبر التي أعلنتها وزارة الداخلية السعودية في 2009، وضمت 83 سعوديا ويمنيين، حيث جرى تزويد الشرطة الدولية (الإنتربول) بها، وذلك بعد شهر من انتقال عمليات تنظيم القاعدة من السعودية إلى اليمن، بسبب العمليات الاستباقية التي نفذتها الأجهزة الأمنية، وتجفيف منابع الإرهاب والتمويل، وإحكام السيطرة على المنافذ البرية والجوية، مما أدى إلى عدم قدرتهم على العمل والتنقل، عكس ما كانوا عليه في السابق.
ويعد صالح القرعاوي وسعيد الشهري، أخطر اثنين على القائمة الرابعة، حيث شكّل القرعاوي المعروف بـ«نجم الخير»، الزعيم السابق لكتائب عبد الله عزام، (سلم نفسه بعد إصابته بعاهة مستديمة)، الشخص الأبرز الذي كان يدير عمليات تنظيم القاعدة من إيران، ومعه عدد من الأشخاص الذين كانوا على علاقة بمسؤولين إيرانيين، وخطط القرعاوي مع السعودي عبد المحسن الشارخ، وهو مطلوب في القائمة نفسها، والمدرج على لائحة العقوبات الدولية في مجلس الأمن الدولي، لاختطاف مجموعة من الأجانب في السعودية، إلا أن المخطط لم ينفذ. كما نسق مع آخرين لاستهداف مصالح أميركية في السعودية، كما خطط القرعاوي لتفجير مقر القوات الأميركية في الأردن، إذ عرض عليه شخص أردني يدعى فراس عزمه على تنفيذ العملية في مقر سكن يرتاده الأميركيون للراحة بعد خوضهم الحرب في العراق، عبر استهداف 3 سيارات، في مقر السكن، إلا أن العملية فشلت بسبب كشفها من قبل السلطات الأردنية.
ودعم القرعاوي الذي يمثل أمام القضاء السعودي حاليًا، خطة لتفجير مقر السفارة الأميركية في دبي، بواسطة طائرة «درون» محملة بالمتفجرات، أو انتحاري يقود طائرة تدريبية، وأدخلت المتفجرات إلى الإمارات، وكان القرعاوي ينتظر تنفيذ العملية من أجل إعلان مسؤوليتهم عنها، إلا أن العملية لم تنفذ أيضا. كما خطط لعملية تفجير ناقلة نفط يابانية في مضيق هرمز في 2010، وتفجير في مطار هيثرو في لندن.
فيما سعى سعيد الشهري، الذي عيّن نائبا لتنظيم القاعدة في جزيرة العرب (وقتل في يوليو/ تموز الماضي)، إلى نقل التنظيم من السعودية إلى اليمن، وقام بتهريب الكثير من المطلوبين، بينهم زوجته وفاء الشهري وأبنائها من زوجين مختلفين من دون إذنهما، وكذلك عدد من أقاربه، وقام بالتخطيط لعمليات إرهابية في السعودية، معظمها أحبطت في عمليات أمنية استباقية، وأخرى فشلت؛ مثل محاولة اغتيال الأمير محمد بن نايف بن عبد العزيز حينما كان مساعد وزير الداخلية للشؤون الأمنية في قصره، حينما استقبل الانتحاري عبد الله عسيري أحد المطلوبين على القائمة نفسها، بجدة في 2009، كما عمل على تحريض أبناء الموقوفين في السجون السعودية، من مكانه في اليمن، إلى خروجهم في مظاهرات من أجل إثارة الفتنة في المجتمع.
وقام عدد من الموقوفين بادروا بتسليم أنفسهم إلى السلطات السعودية في سفاراتها في الخارج، أبرزهم الموقوف فهد رقاد الرويلي، الذي عرف بأمير الحدود السعودية – العراقية في تنظيم القاعدة بالعراق، إذ قام الرويلي بتجنيد المقاتلين وتنسيق انتقالهم إلى العراق بواسطة منسقي سفر أجانب، وتوفير جوازات سفر مزورة، فيما قتل أكثر من 30 مطلوبا في القائمة في مناطق الصراعات، أبرزهم ماجد الماجد، قائد كتائب عبد الله عزام، وأسامة حمود الشهري، عضو فريق الحماية الشخصية لأسامة بن لادن، زعيم التنظيم (آنذاك).
وأكد مسؤول أمني لـ«الشرق الأوسط»، أن القائمة الخامسة للمطلوبين التي تضمنت 47 مطلوبا أمنيا، يعتقد أن نصفهم قتلوا في مناطق الصراعات في اليمن وسوريا وأفغانستان وباكستان، حيث لا يزالون مطلوبين لدى السلطات السعودية، ما لم تحصل الجهات المختصة على حمض DNA.
وبرز اسم المطلوب عادل راضي صقر الوهبي الحربي، بعد أن وضعته الولايات المتحدة ضمن أخطر المطلوبين عالميًا، وعرضت مبالغ مالية (نحو خمسة ملايين دولار) مكافأة لمن يدل عليه، بعد تورطه في تسهيل حركة الأموال والعمليات عبر إيران لدعم تنظيم القاعدة.
وأصدرت السلطات الأمنية السعودية، القائمة السادسة التي أوردت فيها 23 مطلوبا أمنيا في 2012، وذلك بعد ظهور أحداث الشغب والعنف في محافظة القطيف وبلدة العوامية، واستخدام البعض من الطائفة الشيعية، قنابل المولوتوف، ضد رجال الأمن، وبعض المباني الحكومية والأمنية، حيث أعلنت وزارة الداخلية بعد إصدار القائمة، أن المطلوبين في قائمة 23 ومن تورط معهم، يقومون بأعمال إرهابية وليست أعمال شغب، وجرى مواجهة البعض بالسلاح في مواجهات أمنية، حيث قتل اثنان منهم، فيما جرى إيقاف أكثر من 13 شخصا، إضافة إلى تعرض آخرين لأحكام ابتدائية من المحكمة الجزائية المتخصصة بالقصاص.
وأعلنت وزارة الداخلية بداية الشهر الحالي، قائمة 16 مطلوبا أمنيا، بعد ثبوت أدلة قوية على تورطهم، في الحوادث الأخيرة التي شملت مقتل رجل أمن في الرياض، واستهداف المصلين في مسجد في بلدة القديح بالقطيف، ومحاولة تفجير انتحاري مسجدا آخر في حي العنود بالدمام، وفجر نفسه خارج المصلى. حيث ثبت تورط تنظيم داعش في العراق وسوريا، في تجنيد المتورطين، واتضح أن عددا من المطلوبين في القائمة، يوجدون في مناطق الصراعات بين العراق وسوريا، فيما لا يزال البقية متوارين عن الأنظار. وأوضح اللواء منصور التركي، المتحدث الأمني لوزارة الداخلية السعودية لـ«الشرق الأوسط» أن غالبية المطلوبين في هذه اللائحة ما زالوا في السعودية. وهذا بفعل دور المواطنين في رصدهم والتعاون مع الجهات الأمنية لإلقاء القبض عليهم.



إبراهيم تراوري... رئيس بوركينا فاسو وقائد حربها الشرسة ضد «الإرهاب»

 تأتي رئاسة تراوري في فترةٍ تواجه خلالها بوركينا فاسو تحديات أمنية وإقليمية بعدما فقدت السيطرة على نحو 40 في المائة من مساحتها، للجماعات المسلّحة
تأتي رئاسة تراوري في فترةٍ تواجه خلالها بوركينا فاسو تحديات أمنية وإقليمية بعدما فقدت السيطرة على نحو 40 في المائة من مساحتها، للجماعات المسلّحة
TT

إبراهيم تراوري... رئيس بوركينا فاسو وقائد حربها الشرسة ضد «الإرهاب»

 تأتي رئاسة تراوري في فترةٍ تواجه خلالها بوركينا فاسو تحديات أمنية وإقليمية بعدما فقدت السيطرة على نحو 40 في المائة من مساحتها، للجماعات المسلّحة
تأتي رئاسة تراوري في فترةٍ تواجه خلالها بوركينا فاسو تحديات أمنية وإقليمية بعدما فقدت السيطرة على نحو 40 في المائة من مساحتها، للجماعات المسلّحة

رغم تعهّد النقيب إبراهيم تراوري، رئيس بوركينا فاسو، بألا يبقى في السلطة، فإنه مدّد فترة الحكم الانتقالي خمس سنوات إضافية، راهناً إجراء الانتخابات التي كان من المقرّر عقدها في يوليو (تموز) الماضي، بـ«سماح الظروف الأمنية». تراوري كان قد تولّى السلطة عبر انقلاب عسكري في سبتمبر (أيلول) 2022، متعهداً بـ«إنقاذ البلاد»، غير أنه لا يزال يخوض وجيشه «حرباً شرسة» ضد الجماعات «الإرهابية» المتطرّفة، التي تشن هجمات شِبه يومية على مناطق عدة من البلاد. وهذا، وسط مخاوف من أن «يرسّخ تراوري حكماً عسكرياً في بوركينا فاسو - التي كانت تُعرَف سابقاً باسم جمهورية أعالي الفولتا - يعزّز حالة اللااستقرار السياسي والأمني»، التي تشهدها بلاده الحبيسة والواقعة في الغرب الأفريقي، منذ استقلالها عن فرنسا عام 1960.

وُلد إبراهيم تراوري يوم 14 مارس (آذار) عام 1988، لعائلة مسلمة من شعب الديولا «الجولا»، تقطن بلدة بوندوكوي، الواقعة في محافظة موهوم، شمال غربي العاصمة واغادوغو. ولقد نشأ في بيئة ريفية متواضعة، حيث أنهى تعليمه الابتدائي ثم الإعدادي في بلدته الريفية الصغيرة بمدرسة بوندوكوي الابتدائية العامة، قبل أن ينتقل إلى بوبو ديولاسو، ثاني كبرى مدن بوركينا فاسو؛ لإكمال تعليمه الثانوي في مدرسة ليسيه ميكست داكارت.

في عام 2006 التحق تراوري بجامعة جوزيف كي زيربو «جامعة واغادوغو سابقاً»، حيث حصل على درجة البكالوريوس في الجيولوجيا عام 2010.

بيد أن طموح ذلك الشاب كان أبعد من الجيولوجيا، إذ التحق، في العام نفسه، بأكاديمية جورج نامونو العسكرية، حيث تخرَّج بعد سنتين برتبة ملازم ثان.

في الواقع، لا تذكر سيرة تراوري الذاتية، المنشورة على موقع الرئاسة البوركينية، كثيراً عن تلك الفترة، إلا أن تقارير محلية وغربية عدة نقلت عن مقرَّبين منه، خلال مرحلة الدراسة العسكرية، وصفهم إياه بأنه كان تلميذاً «خجولاً ومتحفظاً وذكياً في آن».

التدرّج العسكري

انضمّ تراوري إلى الجيش، وبدأ رحلة صعود وتدرُّج سريعة داخل صفوفه، إذ خدم، فور تخرجه في المنطقة العسكرية الأولى بمحافظة كايا، لمدة سنتين حتى عام 2014، ثم رقّي إلى رتبة ملازم أول.

سنوات خدمة تراوري العسكرية الأولى تركّزت في المناطق المتضررة من «الإرهاب». وفي عام 2019 شارك في عملية أطلق عليها مسمى «سحب النار» ضد الجماعات المسلَّحة في المناطق الشرقية والشمالية الشرقية من البلاد. وعلى الأثر، رقّي إلى رتبة نقيب عام 2020، لكن نشاطه العسكري لم يقتصر على العمليات الداخلية، بل شارك في عمليات دولية، ضمن إطار قوات الأمم المتحدة لحفظ السلام، كما التحق بدورات تدريبية عسكرية عدة، مِن بينها تدريب متخصص في الدفاع الجوي بالمغرب. ومع أن الرجل لا يحمل أوسمة عسكرية، فإنه وفْق الإعلام المحلي، معروف في أوساطه بأنه «قوي وشجاع».

داميبا... من الشراكة إلى الانقلاب

في يناير (كانون الثاني) 2022، شارك إبراهيم تراوري في انقلاب عسكري قاده العقيد بول هنري سانداوغو داميبا، وأطاح بنظام الرئيس المدني المنتخَب روك كابوري.

وفي مارس من العام نفسه، عيّن تراوري قائداً لفيلق «فوج المدفعية»، المتركز في كايا بالمنطقة الشمالية الوسطى، وهو موصوف بأنه «فيلق قوي جداً ومحترف»، لكن الأمور لم تستقرَّ طويلاً، إذ بعد نحو تسعة أشهر، قاد تراوري انقلاباً عسكرياً ضد داميبا في سبتمبر (أيلول).

وعقب نجاح الانقلاب، ألقى خطاباً قال فيه إن «هدفه إنقاذ البلاد من الأوضاع الأمنية المتدهورة»، بعد «فشل» القيادة السابقة في حماية البلاد من الإرهاب. وفي 21 أكتوبر (تشرين الأول) 2022، أدى تراوري اليمين الدستورية رئيساً للبلاد، ليصبح، وفق مراقبين، «أصغر» رئيس دولة في العالم. ويومذاك، قال تراوري، مخاطباً مسؤولي حكومة بوركينا فاسو: «أعلم أنني أصغر سناً من معظمكم هنا. نحن ما كنا نريد ما حدث، لكن لم يكن أمامنا خيار».

حازم وجادّ

كثيرون شبّهوا تراوري بزعيم بوركينا فاسو الثوري الراحل توماس سانكارا، ونقلت الـ«بي بي سي» عن وسائل إعلام بوركينية محلية قولها إن «تراوري تولّى زعامة البلاد بعد انقلاب عسكري، وهو نقيب بالجيش يبلغ من العمر 34 سنة، تماماً مثل سانكارا».

وبالفعل، يستخدم الإعلاميون المحليون أوصافاً عدة لتراوري؛ بينها «الحَزم»، و«الجِدية»، والقدرة على تحفيز الجنود، وأحياناً الجرأة والعنف. ويروون عنه - موقع «أفريكا ريبورت» - أنه عندما كان قائداً لوحدة عسكرية، قال لجنوده: «الجهاديون لا يرتدون سترات واقية من الرصاص، لذا نحن لا نحتاج إليها أيضاً».

والواقع أنه منذ تولَّى تراوري السلطة، ركّز على تعزيز قدرات الجيش عبر تدريبه وتجهيزه بأحدث المُعدّات، والتعاون إقليمياً ودولياً بهدف مكافحة «الإرهاب»، ثم إنه وضع «خطة وطنية للتحول الاقتصادي» تُشدد على تنويع مصادر الدخل، ودعم قطاعات مثل الزراعة والطاقة. واجتماعياً، أطلق تراوري برامج لدعم تمكين المرأة، وزيادة مشاركتها في الحياة السياسية والاقتصادية.

الحرب على الإرهاب

تأتي رئاسة تراوري في فترة تُواجه خلالها بوركينا فاسو تحديات أمنية وإقليمية، بعدما فقدت السيطرة على نحو 40 في المائة من مساحتها، للجماعات المسلّحة. لذا لا تخلو خطابات تراوري من تأكيد «أهمية تعزيز القدرات العسكرية لمواجهة التهديدات الأمنية». ومن جهة ثانية، تُعدّ بوركينا فاسو «نموذجاً مصغّراً» للأزمات العميقة الجذور المتعلقة بالحكم وتوطيد أركان الدولة، التي تتكرر في جميع أنحاء غرب أفريقيا ومنطقة الساحل. وهذه أزمات استبعد «مجلس العلاقات الخارجية الأميركي»، في تقرير له نُشر عام 2022، امتلاك تراوري الأدوات الكافية لحلها.

إعادة هيكلة الجيش... والتعبئة العامة

للتذكير، فور وصول تراوري إلى الحكم أعلن أن هدفه الوحيد هو الانتصار على «الإرهاب». وفي هذا السياق أعاد هيكلة الجيش، وأعلن «تعبئة عامة» يوم 19 أبريل (نيسان) 2023، مدَّدها أخيراً لمدة سنة أخرى. و«التعبئة العامة» تشبه «حالة الطوارئ»، وتنص على «استدعاء الشباب من سن الـ18 سنة فما فوق، والذين يتمتعون باللياقة البدنية، إلى التجنيد، وفقاً للاحتياجات التي تُعبر عنها السلطات المختصة».

لكن، بينما يقود تراوري حرباً على الإرهاب، ثمة ملامح أزمة تتفاقم بصمت، ذلك أن فترة حكم تراوري القصيرة نسبياً لتاريخه تُواجه انتقادات بسبب «تعزيز قبضة الجيش على السلطة»، وتأجيل الانتخابات التي تستهدف إعادة الحكم المدني. ففي مايو (أيار) الماضي، مُدّدت فترة الحكم الانتقالي خمس سنوات إضافية، وزعم تراوري أن «التمديد ضروري لإعادة بناء الدولة على أسس قوية، وضمان الاستقرار قبل العودة إلى الحكم المدني». وأضاف أن «الانتخابات ستُجرى عندما تسمح الظروف الأمنية بذلك».

الواقع أن ملامح الأزمة ظهرت عبر بيانات متكررة أعلنت فيها الحكومة عن محاولات انقلاب تدّعي أنها «مموَّلة ومدعومة من الخارج». و«كشفت» أولى تلك المحاولات بعد سنة من تولّي تراوري الحكم يوم 27 سبتمبر 2023. ومع أن المحاولات «كلها باءت بالفشل»، فإنها أثارت مخاوف بشأن استقرار الحكم.

بل أثّرت هذه المحاولات على تراوري إلى درجةٍ دفعت البعض للقول إنه «بات مهووساً بالمؤامرات المحتملة ضده، ومقتنعاً بضرورة مراقبة الجميع». وبالفعل، اتخذ الرجل إجراءات أمنية «صارمة» لحماية حكمه وأركانه، وكفَّ عن الخروج ليلاً، وقلَّص دائرة خُلصائه لتنحصر في إخوته وبعض المقرَّبين.

«حليف روسيا»

تقارير غربية عدة تُصنّف تراوري، اليوم، «حليفاً لروسيا»، وبخاصة أنه طالب القوات الفرنسية، في مارس 2023، بالانسحاب من البلاد، ما دفع البعض للقول إنه يسعى لقطع علاقاته مع باريس، مقابل تعزيزها مع موسكو، في سياق الصراع بين الدولتين على النفوذ بأفريقيا.

لكن تراوري أكد، في تصريحات صحافية، أنه «لا قطع للعلاقات الدبلوماسية، ولا حقد تجاه دولة معينة». ونفى وجود ميليشيا «فاغنر» الروسية في بلاده، قائلاً: «نسمع مراراً أن (فاغنر) باتت في واغادوغو... هذه الشائعة خُلقت لكي ينأى الجميع بأنفسهم عنا». وجاء النفي رغم تأكيده «تعزيز العلاقات مع روسيا»، وقوله، عام 2022، إن «بلاده ترتبط بعقد عسكري مع روسيا، وتستخدم عتادها بكثرة».

أيضاً «فاغنر» نفسها أكدت وجودها، في تصريحات تزامنت مع إعلانها، يوم 30 أغسطس (آب) الماضي، رحيل جزء من قواتها في بوركينا فاسو، ونقلت «وكالة الصحافة الفرنسية» عن قائد «لواء الدببة» الروسي، فيكتور يرمولاييف، في مقابلة عبر تطبيق «تلغرام»، أن «نحو مائة من أصل نحو 300 مرتزق روسي غادروا بوركينا فاسو». في المقابل، ووفق «أ.ف.ب»، أكد يرمولاييف «بقاء بعض القوات»، قبل أن يوضح: «لدينا قواعد وممتلكات ومُعدات وذخيرة. لن نعيد كل شيء إلى روسيا».

وما يستحقّ هنا أنه كان لإحباط محاولة الانقلاب على تراوري، في سبتمبر 2023، «دور في تسارع التقارب بين واغادوغو وموسكو»، إذ «أرسلت روسيا بعدها، عشرات من الأفراد العسكريين والمرتزقة إلى بوركينا فاسو، بعضهم توجَّه مباشرة إلى مقر الرئاسة»، وفق موقع «أفريكا ريبورت» الذي أشار إلى «نشر نحو 200 شخص، ضمن إطار الشراكة الروسية الجديدة مع أفريقيا». ونقل الموقع عن مصدر عسكري بوركيني قوله إن «القوات الروسية شكّلت نوعاً من الفقاعة الأمنية ذات الدوائر المتداخلة حول تراوري لحمايته».ختاماً، يرى مراقبون تراوري نموذجاً متناقضاً ومعقّداً، بين قائد عسكري شاب بادر لتولّي زمام أمور بلاده بهدف «إنقاذها» و«إصلاحها»، ورئيس يسعى لترسيخ نظام حكم عسكري فردي، مؤجِّلاً أي خيارات لحكم مدني ديمقراطي. وتثير مسيرته العسكرية القصيرة جدلاً وتساؤلات بشأن قدرته على تحقيق الاستقرار في بوركينا فاسو، وما إذا كان سيقود البلاد نحو المدنية أم نحو حكم عسكري طويل الأمد.