«قوائم المطلوبين».. سلاح سعودي لضرب الإرهاب

الأمن يشرك المواطن في تعقب خلايا على مدار 12 عامًا

«قوائم المطلوبين».. سلاح سعودي لضرب الإرهاب
TT

«قوائم المطلوبين».. سلاح سعودي لضرب الإرهاب

«قوائم المطلوبين».. سلاح سعودي لضرب الإرهاب

منذ أكثر من عقد من الزمن، أشركت السلطات الأمنية في السعودية المواطنين والمقيمين في تعقب الخلايا الإرهابية ومحاربة التنظيمات الإرهابية مهما تعددت أسماؤها، والتي ظهرت علنًا للمرة الأولى في مايو (أيار) 2003. وساهمت الأجهزة الأمنية في ملاحقة الكثير من القيادات الإرهابية عبر التحري والتحقيق مع من يقبض عليهم، حيث نشرت الجهات السعودية المختصة 7 قوائم مختلفة على مدار 12 عاما، تحوي أسماء مطلوبين تورطوا في قضايا إرهابية، وكذلك رصدت 8 منظمات إرهابية، ساهمت في أعمال «الفئة الضالة» في الداخل. وباتت القوائم التي تعلن عنها السلطات السعودية سلاحا قويا في ضرب الإرهاب والكشف عن روابط خلايا مختلفة، بالإضافة إلى إشراك المواطن في مواجهة التطرف.

وتضمنت القوائم الإرهابية الصادرة في السعودية أكثر من 250 مطلوبا أمنيا معظمهم من الجنسية السعودية، خططوا لاستهداف قيادات في الدولة، ورجال الأمن، وأعضاء في هيئة كبار العلماء، وأكاديميين، ودبلوماسيين ومقيمين أجانب من الجنسيات الغربية عبر مقر أعمالهم في السفارات الأجنبية، وآخرين في مقر إقامتهم في عدد من المجمعات السكنية في مختلف مناطق المملكة، إضافة إلى أعمال شغب صنفت بـ«الإرهاب» في شرق السعودية، من أجل إثارة الفتنة واللحمة الوطنية، وأخيرًا استهداف المصلين داخل المساجد.
وانتقل عدد من المطلوبين بين التنظيمات الإرهابية، بايع بعضهم تنظيم القاعدة، ثم انتقلوا إلى تنظيمات إرهابية أخرى مثل «جبهة النصرة» و«داعش»، وبرزت قوائم المطلوبين الأخيرة التي عملت على التجنيد عبر مواقع التواصل الاجتماعي «تويتر» و«فيسبوك»، على وجود صغار السن تبدأ أعمارهم من (15 عاما).
واحتوت أول ثلاث قوائم إرهابية معلنة، على عدد من القيادات في تنظيم القاعدة بالسعودية، بعضهم ميدانيون يواجهون رجال الأمن بالنار في حال كشف أمرهم، حيث تزعم قيادتها أثناء الإعلان عن قائمة الـ19، اليمني خالد حاج (قتل في شرق مدينة الرياض في فبراير/ شباط 2004)، الذي عيّنه أسامه بن لادن، الزعيم السابق للتنظيم في أفغانستان (قتل في هجوم أميركي في أبوت آباد الباكستانية مايو 2011)، فيما تولى القيادة بعده السعودي عبد العزيز المقرن (قتل في مواجهات أمنية بالرياض في يونيو/ حزيران 2004)، حيث دون اسم المقرن في قائمتي 19 و26، ثم برز اسم المغربي يونس الحياري (قتل في مواجهات أمنية في 2005)، الذي ظهر اسمه في قائمة 36.
فيما برزت القوائم الأخرى لمطلوبين في الخارج، بعضهم سلم نفسه للسلطات الأمنية، وآخرون قبض عليهم لدى الأجهزة الأمنية في مختلف الدول التي تشهد صراعات وفتنا، إضافة إلى مطلوبين يعتقد أنهم قتلوا في مواجهات أمنية في مناطق الصراع في اليمن والعراق وسوريا وأفغانستان ووزيرستان.
ابتدأت فكرة إشهار أسماء وصور 19 مطلوبا أمنيا معظمهم سعوديون، في وسائل الإعلام المختلفة، لكشف مخطط إرهابي يسعون للعمل على تنفيذه، حيث عثر على هويات مختلفة وصور أسماء مطلوبين من مختلف مناطق المملكة، وآخرين من خارج السعودية، إضافة إلى أسلحة ومتفجرات. وبعد نحو أسبوع من الإعلان، نفذ تنظيم القاعدة عملية تفجير لثلاثة مجمعات سكنية في شرق مدينة الرياض، وذلك باستخدام سيارات مفخخة يقودها انتحاريون في الهجوم على المجمعات السكنية، التي يقطنها سعوديون وعرب وأجانب، ونتح عنه مقتل وإصابة أكثر من 300 شخص.
وتعد القوائم الثلاث الإرهابية الأولى، دليلا على أعلى تنسيق بين القيادات والعناصر الإرهابية وتقسيمها إلى مجموعات، بحيث تتولى كل مجموعة عملها. وتضمنت القيادات والعناصر الإرهابية في قائمة 19، حيث أكد معيض القحطاني في اعترافاته المصدقة شرعًا، وهو قيادي في تنظيم القاعدة، أن التنظيم تلقى رسالة من قائد التنظيم (آنذاك) أسامة بن لادن في عام 2003، مفادها تغير المجلس الشرعي للتنظيم في الداخل، وتتضمن التعيينات التي أقرها بن لادن، تعيين اليمني خالد حاج قائدا للتنظيم في الداخل، وتكليف عبد العزيز المقرن المسؤول العسكري، ويوسف العييري المسؤول المالي، كما تضمنت الرسالة التي قام بنقلها من أفغانستان إلى السعودية، اليمني خالد باعتش الموقوف لدى جهات أجنبية، تعيين راكان الصيخان الذي قتل متأثرا بإصابته في مواجهات أمنية في أبريل (نيسان) 2004 في مسؤولية التسليح والتنظيم، وهو تولى أيضا المسؤول الميداني عن عمليات تفجير ثلاثة مجمعات سكنية في شرق الرياض في 2003.
واستطاع المطلوبون الأمنيون في القوائم الثلاث الأولى، الحصول على كمية كبيرة من الأسلحة والمتفجرات، جرى تهريبها من اليمن، وقاموا بإعداد سيارات بكمية كبيرة من المتفجرات (جرى إحباطها في عمليات أمنية استباقية)، كانت تستهدف مباني للأجهزة الأمنية، ومجمعات سكنية ومقرا لبعثات دبلوماسية غربية، إضافة إلى عدد من المصافي وأنابيب النفط. وكان أبرزها سيارة من طراز سوبرمان (جي إم سي)، كانت تتنقل في أحياء شرق الرياض، وهم محملة بكمية كبيرة من المتفجرات، حيث كان معظم المطلوبين خصوصا القيادات، يتنقلون أيضا بين الأحياء السكنية وهم يرتدون أحزمة ناسفة، تحسبا من محاولة القبض عليهم.
وكانت القيادات الإرهابية في القائمة الثانية التي تحتوي على 26 من المطلوبين، أكثر دموية منذ ظهور الإرهاب في السعودية، حيث بدأت المواجهات بإطلاق النار على رجال الأمن والمواطنين والمقيمين، في مختلف مناطق البلاد، والسطو على الكثير من السيارات والأموال، بهدف الهروب من أعين رجال الأمن بحسب فتوى حصلوا عليها من اللجنة الشرعية في تنظيم القاعدة بالسعودية، واستخدم آخرون التعذيب وعملية نحر مقيم أميركي بعد وفاته، وعرض المقطع المرئي بعد تصويره، على مواقع الإنترنت.
وتضمنت القائمة الثالثة 36 مطلوبا في الداخل والخارج، وأعلنت في منتصف 2005. واحتوت على عدد من القيادات في الداخل أبرزهم المغربي يونس الحياري، والسعودي فهد الجوير الذي تزعم قيادة التنظيم بعد مقتل زميله الحياري، ونفذ عملية التفجير خارج مصفاة النفط في بقيق، وشارك في مواجهة أمنية ضد رجال الأمن، انتهت بمقتله مع أربعة من زملائه، فيما ضمت القائمة مطلوبين تجاوز عددهم 10 أشخاص، يعتقد أنهم قتلوا في مناطق الصراعات في باكستان والعراق.
فيما برز أهم المطلوبين في الخارج في قائمة 36، سعد الشهري، الذي كان يعمل ضمن فريق الحماية الشخصية لأسامة بن لادن زعيم تنظيم القاعدة بأفغانستان (آنذاك)، فضلاً عن أن سعد عمل أيضا حارسًا شخصيًا لزعيم الحزب الإسلامي الأفغاني قلب الدين حكمتيار، حيث تعرض الشهري إلى قصف جوي أميركي لأحد المواقع الذي كانوا يختبئون فيه، إلا أنهم قتلوا جميعًا، كما عمل على تدريب عدد من المغرر بهم في أفغانستان، وكان يتنقل بين كابل وإسلام آباد وطهران، وبحسب مصادر أمنية لـ«الشرق الأوسط» كان الشهري يعمل على التخطيط للعودة إلى السعودية للقيام بعملية انتحارية مع عدد من عناصر تنظيم القاعدة.
وبرزت القائمة الرابعة وهي الأكبر التي أعلنتها وزارة الداخلية السعودية في 2009، وضمت 83 سعوديا ويمنيين، حيث جرى تزويد الشرطة الدولية (الإنتربول) بها، وذلك بعد شهر من انتقال عمليات تنظيم القاعدة من السعودية إلى اليمن، بسبب العمليات الاستباقية التي نفذتها الأجهزة الأمنية، وتجفيف منابع الإرهاب والتمويل، وإحكام السيطرة على المنافذ البرية والجوية، مما أدى إلى عدم قدرتهم على العمل والتنقل، عكس ما كانوا عليه في السابق.
ويعد صالح القرعاوي وسعيد الشهري، أخطر اثنين على القائمة الرابعة، حيث شكّل القرعاوي المعروف بـ«نجم الخير»، الزعيم السابق لكتائب عبد الله عزام، (سلم نفسه بعد إصابته بعاهة مستديمة)، الشخص الأبرز الذي كان يدير عمليات تنظيم القاعدة من إيران، ومعه عدد من الأشخاص الذين كانوا على علاقة بمسؤولين إيرانيين، وخطط القرعاوي مع السعودي عبد المحسن الشارخ، وهو مطلوب في القائمة نفسها، والمدرج على لائحة العقوبات الدولية في مجلس الأمن الدولي، لاختطاف مجموعة من الأجانب في السعودية، إلا أن المخطط لم ينفذ. كما نسق مع آخرين لاستهداف مصالح أميركية في السعودية، كما خطط القرعاوي لتفجير مقر القوات الأميركية في الأردن، إذ عرض عليه شخص أردني يدعى فراس عزمه على تنفيذ العملية في مقر سكن يرتاده الأميركيون للراحة بعد خوضهم الحرب في العراق، عبر استهداف 3 سيارات، في مقر السكن، إلا أن العملية فشلت بسبب كشفها من قبل السلطات الأردنية.
ودعم القرعاوي الذي يمثل أمام القضاء السعودي حاليًا، خطة لتفجير مقر السفارة الأميركية في دبي، بواسطة طائرة «درون» محملة بالمتفجرات، أو انتحاري يقود طائرة تدريبية، وأدخلت المتفجرات إلى الإمارات، وكان القرعاوي ينتظر تنفيذ العملية من أجل إعلان مسؤوليتهم عنها، إلا أن العملية لم تنفذ أيضا. كما خطط لعملية تفجير ناقلة نفط يابانية في مضيق هرمز في 2010، وتفجير في مطار هيثرو في لندن.
فيما سعى سعيد الشهري، الذي عيّن نائبا لتنظيم القاعدة في جزيرة العرب (وقتل في يوليو/ تموز الماضي)، إلى نقل التنظيم من السعودية إلى اليمن، وقام بتهريب الكثير من المطلوبين، بينهم زوجته وفاء الشهري وأبنائها من زوجين مختلفين من دون إذنهما، وكذلك عدد من أقاربه، وقام بالتخطيط لعمليات إرهابية في السعودية، معظمها أحبطت في عمليات أمنية استباقية، وأخرى فشلت؛ مثل محاولة اغتيال الأمير محمد بن نايف بن عبد العزيز حينما كان مساعد وزير الداخلية للشؤون الأمنية في قصره، حينما استقبل الانتحاري عبد الله عسيري أحد المطلوبين على القائمة نفسها، بجدة في 2009، كما عمل على تحريض أبناء الموقوفين في السجون السعودية، من مكانه في اليمن، إلى خروجهم في مظاهرات من أجل إثارة الفتنة في المجتمع.
وقام عدد من الموقوفين بادروا بتسليم أنفسهم إلى السلطات السعودية في سفاراتها في الخارج، أبرزهم الموقوف فهد رقاد الرويلي، الذي عرف بأمير الحدود السعودية – العراقية في تنظيم القاعدة بالعراق، إذ قام الرويلي بتجنيد المقاتلين وتنسيق انتقالهم إلى العراق بواسطة منسقي سفر أجانب، وتوفير جوازات سفر مزورة، فيما قتل أكثر من 30 مطلوبا في القائمة في مناطق الصراعات، أبرزهم ماجد الماجد، قائد كتائب عبد الله عزام، وأسامة حمود الشهري، عضو فريق الحماية الشخصية لأسامة بن لادن، زعيم التنظيم (آنذاك).
وأكد مسؤول أمني لـ«الشرق الأوسط»، أن القائمة الخامسة للمطلوبين التي تضمنت 47 مطلوبا أمنيا، يعتقد أن نصفهم قتلوا في مناطق الصراعات في اليمن وسوريا وأفغانستان وباكستان، حيث لا يزالون مطلوبين لدى السلطات السعودية، ما لم تحصل الجهات المختصة على حمض DNA.
وبرز اسم المطلوب عادل راضي صقر الوهبي الحربي، بعد أن وضعته الولايات المتحدة ضمن أخطر المطلوبين عالميًا، وعرضت مبالغ مالية (نحو خمسة ملايين دولار) مكافأة لمن يدل عليه، بعد تورطه في تسهيل حركة الأموال والعمليات عبر إيران لدعم تنظيم القاعدة.
وأصدرت السلطات الأمنية السعودية، القائمة السادسة التي أوردت فيها 23 مطلوبا أمنيا في 2012، وذلك بعد ظهور أحداث الشغب والعنف في محافظة القطيف وبلدة العوامية، واستخدام البعض من الطائفة الشيعية، قنابل المولوتوف، ضد رجال الأمن، وبعض المباني الحكومية والأمنية، حيث أعلنت وزارة الداخلية بعد إصدار القائمة، أن المطلوبين في قائمة 23 ومن تورط معهم، يقومون بأعمال إرهابية وليست أعمال شغب، وجرى مواجهة البعض بالسلاح في مواجهات أمنية، حيث قتل اثنان منهم، فيما جرى إيقاف أكثر من 13 شخصا، إضافة إلى تعرض آخرين لأحكام ابتدائية من المحكمة الجزائية المتخصصة بالقصاص.
وأعلنت وزارة الداخلية بداية الشهر الحالي، قائمة 16 مطلوبا أمنيا، بعد ثبوت أدلة قوية على تورطهم، في الحوادث الأخيرة التي شملت مقتل رجل أمن في الرياض، واستهداف المصلين في مسجد في بلدة القديح بالقطيف، ومحاولة تفجير انتحاري مسجدا آخر في حي العنود بالدمام، وفجر نفسه خارج المصلى. حيث ثبت تورط تنظيم داعش في العراق وسوريا، في تجنيد المتورطين، واتضح أن عددا من المطلوبين في القائمة، يوجدون في مناطق الصراعات بين العراق وسوريا، فيما لا يزال البقية متوارين عن الأنظار. وأوضح اللواء منصور التركي، المتحدث الأمني لوزارة الداخلية السعودية لـ«الشرق الأوسط» أن غالبية المطلوبين في هذه اللائحة ما زالوا في السعودية. وهذا بفعل دور المواطنين في رصدهم والتعاون مع الجهات الأمنية لإلقاء القبض عليهم.



فوز منتظر للرئيس عبد المجيد تبّون في انتخابات الرئاسة الجزائرية

الرئيس عبد المجيد تبّون (رويترز)
الرئيس عبد المجيد تبّون (رويترز)
TT

فوز منتظر للرئيس عبد المجيد تبّون في انتخابات الرئاسة الجزائرية

الرئيس عبد المجيد تبّون (رويترز)
الرئيس عبد المجيد تبّون (رويترز)

يتوجه الجزائريون اليوم إلى مراكز الاقتراع لاختيار رئيس جديد. وهذه هي ثاني استحقاقات رئاسية بعد الحراك الذي طال سنتين تقريباً، وشهد خروج ملايين الجزائريين إلى الشوارع كل يوم جمعة للمطالبة بالتغيير الجذري للنظام. سيصوت الناخبون لأحد المرشحين الثلاثة، وهم: الرئيس الجزائري الحالي عبد المجيد تبّون، والمرشح المعارض يوسف أوشيش من حزب «جبهة القوى الاشتراكية»، وهو أقدم حزب معارض في الجزائر، أسّسه حسين آيت أحمد، أحد زعماء الثورة الجزائرية، وهو ذو توجه علماني، إضافة إلى المرشح عبد العالي حساني شريف، وهو رئيس «حزب مجتمع السلم» الإسلامي المعروف بـ«حمس» الذي يعّد من أكبر الأحزاب الإسلامية في الجزائر، وهو ذو توجه «إخواني» محافظ. ووفق الأرقام التي قدّمتها السلطة الجزائرية المستقلة للانتخابات، التي تتولى عملية الإشراف على سير العملية الانتخابية، تصل الكتلة التصويتية للجزائريين في الداخل إلى 42 مليون ناخب، معظمهم من الشباب. أما في الخارج فيقدر عددهم بـ865 ألفاً و490 ناخباً، 45 في المائة نساء و55 في المائة رجال، بينما بلغت نسبة الذين تقل أعمارهم عن 40 سنة 15.43 في المائة. ويشمل العدد الإجمالي للجان الانتخابية في الخارج 117 لجنة، موزعة كالتالي: 18 لجنة في فرنسا، و30 لجنة في باقي الدول الأوروبية، و22 لجنة في الدول العربية، و21 في الدول الأفريقية، و26 في كل من آسيا وأميركا.

مع كل استحقاق انتخابي تنظمه الجزائر، تطفو إلى السطح عبارة «الكتلة الصامتة»، أو مشكلة المشاركة الضعيفة التي أخذت حيّزاً مهمّاً لدى المرشحين، إذ يدعو الجميع هذه الفئة إلى المشاركة في الانتخابات والذهاب إلى صناديق الاقتراع. وكانت انتخابات 12 ديسمبر (كانون الأول) 2019 قد سجلّت نسبة مشاركة قدّرت بـ39.93 في المائة ، في حين بلغت في رئاسيات 2014 نحو 51.7 في المائة.

النائب البرلماني علي محمد ربيج كان قد قال في تصريح صحافي أخيراً إن «الكتلة الصامتة التي تُعد بالملايين تقرّر في كل مرة بصورة إرادية أو غير إرادية ألا تشارك في العملية الانتخابية». وأردف أن «هذه الكتلة براغماتية نفعية، وربما تشارك وفق مجموعة من الشروط»، مشيراً إلى أنها تتساءل عند كل استحقاق حول قدرة الانتخابات على تغيير الحياة اليومية للمواطن، وتحسين ظروفه المعيشية، وما إذا كانت العملية الانتخابية محسومة مسبقاً أم لا، وغيرها من الأسئلة التي تطرحها هذه الكتلة الصامتة في كل مرة. وتابع من ثم: «لذا حرص كل من المرشحين الثلاثة في حملاتهم الانتخابية على استقطاب هذه الشريحة ببرامج تعبّر عن تطلعاتهم، فكانت الأولوية للملفات الاجتماعية والاقتصادية لإيقاظ هذه الفئة».

تبّون: دعم سياسي ... وحظوظ أوفر

يُعد الرئيس الحالي عبد المجيد تبّون، الذي كان قد فاز بولاية رئاسية أولى عام 2019 خلفاً للرئيس السابق عبد العزيز بوتفليقة، المرشح الأوفر حظاً. وكان تبّون قد أعلن في مارس (آذار) الماضي عن إجراء انتخابات رئاسية مبكّرة في 7 سبتمبر (أيلول) أي قبل 3 أشهر من موعدها المقرّر مسبقاً. ورغم انتمائه لحزب «جبهة التحرير الوطني»، فإنه يترشح اليوم بصفته «مستقلاً»، وذلك حسب تصريحاته: «نزولاً عند رغبة أحزاب سياسية ومنظمات وطنية مختلفة».

وحقاً، أعلن أبرز الأحزاب السياسية في الجزائر، ومنها «جبهة التحرير الوطني» و«جبهة المستقبل» و«التجمع الوطني الديمقراطي» و«صوت الشعب» و«حركة البناء الوطني»، خلال يونيو (حزيران) الفائت، دعمها ترشيح الرئيس تبّون لولاية رئاسية ثانية. إذ أكد رئيس «جبهة المستقبل» فاتح بوطبيق في تجمع نظّم بقاعة الأطلس بالعاصمة أن «المرشح» عبد المجيد تبّون يعّد رجل «المرحلة المقبلة»، معتبراً أن برنامجه الانتخابي يحمل نظرة شاملة للتكفل بمختلف انشغالات المواطن. أما رئيس «حركة البناء الوطني» عبد القادر بن قرينة فوصف تبّون بأنه يملك «نظرة استشرافية تسمح بالتوزيع العادل للثروات وخلق أقطاب اقتصادية في جميع ربوع الوطن». إلا أن دعم «جبهة التحرير الوطني» يبقى العنصر الأهم، ذلك أنها تاريخياً «القوة السياسية الأولى في البلاد»، ثم إن «جبهة التحرير» تحظى بأكبر عدد من المقاعد في البرلمان، وهو 98 مقعداً.

ثم إنه، فضلاً عن هذا الدعم الحزبي، يتمتع تبّون بتأييد مؤسسة الجيش، إذ تميزت علاقته برئيس الأركان الحالي السعيد شنقريحة بكثير من الاستقرار، وثمة إشارات متعددة إلى أن مؤسسة الجيش تراه مناسباً للاستمرار في المنصب، خصوصاً بعد مقال نشرته مجلة «الجيش» بداية هذا العام، تحدث عن «الإنجازات التي تجسّدت إلى الآن، وصواب نهج الرئيس الإصلاحي».

مسيرة سياسية حافلة

ولد الرئيس عبد المجيد تبّون في ولاية النعامة، الواقعة بشمال غربي الجزائر، يوم 17 نوفمبر (تشرين الثاني) عام 1945 لعائلة محافظة، وكان والده الحاج أحمد تبّون إماماً وعضواً في جمعية العلماء المسلمين.

تخرّج الشاب عبد المجيد في المدرسة الوطنية للإدارة عام 1969، متخصصاً في الاقتصاد والشؤون المالية. وشغل على الإثر عدة وظائف سامية في المؤسسات الإدارية للدولة. وواصل مسيرته المهنية ليصار إلى ترقيته في منصب الأمين العام، ثم عُيّن والياً في عدة محافظات. وفي عام 1991، التحق تبّون بحكومة سيد أحمد غزالي كوزير منتدب مكلّف بالجماعات المحلية. ثم في عام 1999 شغل منصب وزير الاتصال والثقافة، وفي عام 2001 منصب وزير السكن والعمران إلى 2002.

بعدها، عاد تبّون في 2012 ليشغل من جديد منصب وزير السكن والعمران، وفي 2017 جرى تعيينه وزيراً أول ثم رئيساً للجمهورية في الانتخابات الرئاسية في 12 ديسمبر 2019 بنسبة 58.13 في المائة.

برنامج من أجل «جزائر جديدة»

يخوض الرئيس تبّون الانتخابات اليوم ببرنامج طموح يحمل شعار «الجزائر الجديدة»، مؤكداً على أنه يريد استكمال العمل الذي بدأه عام 2019. على الصعيد الاقتصادي، وعد الرئيس بمحاربة الفساد والقضاء على ما يطلق عليه عملية «تضخيم الفواتير» التي استنزفت الأموال الجزائرية بالعملة الصعبة. وفي برنامج وثائقي بثّه التلفزيون الجزائري بعنوان «الجزائر الجديدة... الرؤية والتجسيد»، جرى إبراز الإصلاحات السياسية والاقتصادية التي عرفتها البلاد خلال السنوات الخمس الأخيرة، أهمها الشروع في سياسة جديدة لتشجيع الاستثمار من أجل «تنويع المداخيل والتقليل من التبعية للمحروقات». وللعلم، يعتمد اقتصاد الجزائر على صادرات الغاز، وكانت البلاد قد استفادت من الغزو الروسي لأوكرانيا لتجديد العلاقات مع الدول الأوروبية في مجال إمدادات الطاقة، وأثمرت الخطوة أن أصبحت «واحدة من 4 دول فقط في العالم، تجاوزت العتبة من تصنيف الدخل المتوسط الأدنى إلى المتوسط الأعلى»، وفقاً لأحدث تقرير سنوي لتصنيف الدخل من البنك الدولي. وعلى ضوء المعلومات التي تفيد بأن سعر الغاز الطبيعي قد قفز 4 أضعاف ما كان عليه قبل بداية الحرب في أوكرانيا.

ومن أجل الوصول إلى هذا الهدف، وضع الرئيس تبّون ما سُمّي بـ«قانون الاستثمار الجديد» الذي تضّمن تسهيلات كبيرة للمستثمرين الوطنيين والأجانب، ووضع منصة رقمية للمستثمر، كما أعلِن عن تسجيل «أزيد من 7 آلاف مشروع استثماري جديد لدى الوكالة الجزائرية لترقية الاستثمار». وتوقف المصدر نفسه أيضاً عند أهم المشاريع الاستثمارية الكبرى التي أطلقتها الجزائر خلال السنوات الأخيرة، كمركّب بلارة للحديد والصلب بولاية جيجل (شرق الجزائر)، الذي يتربع على مساحة تقدر بـ216 هكتاراً، ومجمّع توسيالي - الجزائر للحديد والصلب، وهو استثمار اقتصادي ناتج عن شراكة استراتيجية جزائرية تركية، ومنجم الحديد بغار جبيلات (جنوب الجزائر) الذي يعّد أكبر استثمار منجمي بالجزائر منذ الاستقلال، إضافة إلى مشروع خطوط السكك الحديدية، التي ستربط مدن الجنوب بعضها ببعض، وأخرى مع دول الجوار كتونس وموريتانيا.

ولقد وعد الرئيس الجزائري أيضاً بمواصلة سياسة الدعم الاجتماعي التي تشمل مختلف الفئات، وأهمها البرامج السكنية لذوي الدخل الضعيف، إلى جانب رفع المنح الموجهة للمرأة الماكثة بالبيت وذوي الاحتياجات الخاصة والمتقاعدين وأجور الموظفين، وذلك بعد الإعلان عن خلق نحو 450 ألف منصب شغل لاستيعاب مشكلة البطالة، التي تصل إلى 12 في المائة، حسب الأرقام التي نشرتها منظمة العمل الدولية.

في المجال السياسي

أما في المجال السياسي، فقد اهتم الرئيس تبّون بتكثيف التعاون الدولي، فزار روسيا وتركيا والبرتغال والصين ودولاً عديدة. وأكّد على موقف الجزائر في مناصرة القضايا العادلة، كالقضية الفلسطينية التي يعدّها الرئيس الجزائري «القضية المقدسة». ودبلوماسياً، اتسمت الفترة الأخيرة ببعض الأزمات والتوترات، مع الإشارة إلى أن الرئيس الجزائري حاول إعادة هيكلة العلاقات الدبلوماسية والتاريخية بين فرنسا والجزائر، غير أن العلاقة بين البلدين تعكرت من جديد، إلى درجة أن هناك تساؤلات بشأن جدوى الزيارة التي كان من المفروض أن يقوم بها إلى باريس في الخريف المقبل، في حال فاز بالانتخابات الرئاسية.

يوسف اوشيش (الإذاعة الجزائرية)

يوسف أوشيش.. الوجه الشاب في الانتخابات

يوسف أوشيش يعدّ الوجه الشاب في الانتخابات الرئاسية الجزائرية، إذ ولد يوم 29 يناير (كانون الثاني) 1983 في بوغني، بمنطقة القبائل شمال الجزائر، وفيها درس حتى حصوله على البكالوريا عام 2003. وفي العام نفسه التحق بجامعة الجزائر حيث تابع دراسته على مستوى كلية العلوم السياسية، وحصل منها على شهادة في العلوم السياسية، تخصّص العلاقات الدولية. في الجامعة، تميّز أوشيش بالتزامه النقابي والسياسي. وبعد التخرج عمل صحافياً خلال الفترة من 2008 إلى 2012 وانخرط في صفوف حزب «جبهة القوى الاشتراكية» قبل تجاوز سن الـ19 سنة. وسياسياً، مارس عدة مسؤوليات داخل الحزب، حيث شغل منصب رئيس «المجلس الشعبي الولائي» بولاية تيزي وزو في 2017، وكان آنذالك أصغر رئيس في هذا الجهاز السياسي. وضع أوشيش برنامجه السياسي تحت شعار «رؤية الغد»، معلناً في لقاء صحافي مع جريدة «لكسبرسيون» أن ترشحه جاء من «أجل فرض نظرة جديدة وإصلاح الوضع العام، سواء أكان سياسياً أم مؤسساتياً»، وهو يدافع عن منهج الاشتراكية، والنظام شبه الرئاسي ذي التوجه البرلماني. ثم إنه التزم في حال فوزه بتقديم منحة للنساء الماكثات في البيت، ورفع الحد الأدنى للأجور، إضافة إلى إعادة النظر في اتفاق الشراكة بين الجزائر والاتحاد الأوروبي.

 

عبد العالي حساني شريف (الإذاعة الجزائرية)

عبد العالي حساني شريف... عودة التيار الإسلامي

بعد سنوات من الغياب عن الانتخابات الرئاسية، قرر «حزب مجتمع السلم» (حمس) خوض غمار الرئاسيات، ورشح عبد العالي حساني شريف ممثلاً له، تحت شعار «فرصة». وللعلم، «حزب مجتمع السلم» يعدّ حالياً أكبر تنظيم إسلامي سياسي في الجزائر، كما يعدّ أكبر قوة معارضة داخل البرلمان (المجلس الشعبي الوطني)، إذ يملك 65 مقعداً من أصل 407.ولد عبد العالي حساني شريف عام 1966 بولاية المسيلة، بجنوب شرقي الجزائر. وزاول دراسات في الهندسة، وكان مسؤولاً في التنظيم والرقمنة داخل المؤسسة الحزبية، قبل أن يرأسها عام 2023. اقتصادياً، يدافع مرشح التيار الإسلامي عن السوق الحرة، وتأسيس ما يسميه «بالصرافة الإسلامية» مع فتح بنوك إسلامية في جميع مناطق الوطن. ويرتكز برنامجه الاقتصادي على المنافسة والمبادرات الحرة، مع حماية الطبقات الفقيرة والمتوسطة. وسياسياً، يؤيد إصلاحاً دستورياً وقانونياً لبيئة الحكم، إضافة إلى دعم إصلاح مؤسساتي يعمق دولة الحق والقانون. ولقد وعد حساني في حال فوزه بكرسي الحكم، بمراجعة التقسيم الإداري، بهدف إنعاش التنمية بالمناطق الشاسعة. وهو يرى أن الهدف من إعادة التقسيم الإداري يتمثل في تعمير المساحات الشاسعة غير المأهولة، وتحقيق التنمية فيها، مع إعطاء الفرصة للمنتخبين لطرح مبادراتهم، لينتقل بذلك التخطيط التنموي من المركزية إلى المحلية. أيضاً يرى حساني أن جهود السلطات لمحاربة الفساد غير كافية. وانتقد معالجة البطالة، معتبراً أن الحكومات المتعاقبة لم تستطع بسبب القرارات الظرفية، وانعدام الرؤية الاستراتيجية المتكاملة، لذلك يقدم برنامجه «نظرة جديدة» للملف. كذلك، تعهد بتوسيع البنية التحتية لتجارة العبور الدولي، مع ترقية التبادلات التجارية المغاربية والأفريقية، وبعث المنطقة العربية للتبادل الحر. وفي جانب العلاقات الدوليّة، يمنح برنامج حساني شريف الأفضلية لتحسين العلاقات مع دول الجوار ومعالجة الخلافات وتقليص أثرها.