مجمع وزارة الدفاع بصنعاء في مرمى قصف طيران التحالف للمرة الأولى

الاتحاد الأوروبي يرحّب بموافقة الأطراف اليمنية على مشاورات جنيف.. والانقلابيون يواصلون جرائمهم في تعز

مجمع وزارة الدفاع بصنعاء في مرمى قصف طيران التحالف للمرة الأولى
TT

مجمع وزارة الدفاع بصنعاء في مرمى قصف طيران التحالف للمرة الأولى

مجمع وزارة الدفاع بصنعاء في مرمى قصف طيران التحالف للمرة الأولى

واصل طيران تحالف عاصفة الحزم استهداف العديد من المواقع العسكرية الحيوية التابعة لميليشيات الحوثي والقوات الموالية للرئيس المخلوع علي عبد الله صالح في العديد من المدن اليمنية، أبرزها العاصمة اليمنية صنعاء ومدينة تعز.
وقصف طيران التحالف العربي في ساعة مبكرة من فجر اليوم (الثلاثاء)، مجمع وزارة الدفاع بقلب العاصمة صنعاء لأول مرة منذ بدء عمليات عاصفة الحزم قبل 76 يوماً، وبعد يوم واحد من استهداف طيران التحالف مقر القيادة العليا للقوات المسلحة، ومكتب اللواء أحمد صالح، نجل الرئيس السابق، في صنعاء.
ويعد مجمع الدفاع أحد أكثر المواقع العسكرية في العاصمة صنعاء حيوية وتحصيناً، وأكبرها مساحة، حيث يمتد على نحو اثنين كيلومتر مربع، وتوجد فيه المقرات السيادية والقيادية في الناحية الشرقية والجنوبية، على نحو خاص، وهي الناحية التي استهدفها طيران التحالف بأربع غارات فجر اليوم.
ويعرف مجمع الدفاع أنه مبنى مربع، من حيث التصميم، يتصل بعضه ببعض على هيئة حرف u بالانجليزية، وله أربع بوابات، وبعض مبانيه قديمة تعود إلى فترة الحكم العثماني لليمن في القرن التاسع عشر، حيث كان بمثابة مقر حكم الوالي.
وتتوزع مباني ومنشآت مجمع الدفاع على مساحة شاسعة، ويفصل حاجز حديدي ما بين منشآت الجهة الشرقية عن الغربية. ذلك أن المنشآت الحيوية والحساسة تتركز في الناحية الجنوبية من المجمع، أهمها مكتب القائد الأعلى للقوات المسلحة، وهو المكتب الذي كان يتردد عليه الرئيس السابق أثناء توليه الحكم، باستمرار ويفضله على مكتبه الآخر في مقر القيادة العليا للقوات المسلحة، حسبما ذكر مصدر عسكري للشرق الأوسط.
وعلى مقربة من مكتب القائد الأعلى في الجهة الجنوبية الشرقية يوجد أيضاً مبنى قيادة رئاسة الأركان، وهما المجمعان اللذان استهدفتهما طائرات التحالف اليوم، بشكل دقيق حسبما تظهر الصور التي بثتها وكالات الأنباء العالمية صباح اليوم. ويوجد أيضاً في الناحية الشرقية من مجمع الدفاع مقر الرقابة والقضاء العسكري، إضافة إلى مقر المؤسسة الاقتصادية، أكبر مؤسسة عسكرية وحكومية، تشترك مع مجمع الدفاع في بعض المباني من جهة الشرق، إضافة إلى مبانيها الخاصة الملحقة بالمجمع، وتعرف بأنها "تتاجر بكل شيء من الإبرة إلى الدبابة".
بالمقابل، يوجد في الناحية الغربية من مجمع الدفاع، على بعد نحو كيلومتر من مباني الجهة الجنوبية والشرقية التي استهدفها طيران التحالف، العديد من المنشآت أبرزها مقرات دائرة الأشغال العسكرية والدائرة المالية للجيش، إضافة إلى مستشفى مجمع الدفاع (العُرضي) أحد أفضل المستشفيات في اليمن وأكثرها تجهيزاً.
وسبق لفرع "تنظيم القاعدة في جزيرة العرب" اقتحام مجمع وزارة الدفاع ومستشفى العرضي في ديسمبر (كانون الأول) 2013م، في جريمة إرهابية شنيعة راح ضحيتها أكثر من 56 شخصا، نصفهم من المدنيين والطاقم الطبي، في جريمة هزت المجتمع اليمني.
وعلى الصعيد العسكري والميداني أيضاً، قالت مصادر محلية في مدينة تعز لـ«الشرق الأوسط» إن ميليشيات الحوثيين والقوات الموالية للرئيس المخلوع، كثفت من انتشار نقاط التفتيش التابعة لها على طول "الطريق المؤدي إلى ‫‏تعز‬ ومداخل المدينة"، مشيرة إلى أنها تعتقل "أي شخص تشتبه أن له علاقة بالمقاومة الشعبية، وأي إعلامي أو حقوقي يحاول الدخول إلى المدينة أو الخروج منها، ضمن الحصار المطبق التي تفرضه الميليشيات على المدينة".
وذكرت المصادر أن الحوثيين يرتكبون جرائم وانتهاكات ذات نزعة مناطقية، ويطلبون من المواطنين إشهار بطاقات هوياتهم حيث يقدمون على اعتقال أي شخص ينتمي إلى منطقتي شرعب او مخلاف، كون الكثير من قوام المقاومة الشعبية ينتمون إلى هاتين المنطقتين إضافة إلى قائد المقاومة الشعبية في تعز حمود المخلافي.
وعلى الصعيد السياسي، رحب الاتحاد الأوروبي اليوم بـ"موافقة الأطراف الرئيسة اليمنية على حضور المشاورات الجامعة التي يقودها اليمنيون بأنفسهم في 14 يونيو(حزيران) في جنيف.
وقال الاتحاد الأوروبي في بيان صادر عنه اليوم، إنه "يمكن لهذه الخطوة الايجابية أن تعيد وضع التسوية السياسية الشاملة في قلب الجهود الدولية الرامية للتوصل لحل دائم للأزمة الراهنة في اليمن عقب المؤتمر الذي عقد في الرياض للفترة من 17 إلى 19 مايو(ايار)".
وذكر الاتحاد الأوروبي أنه "يدعم وبشكل كامل جهود المبعوث الخاص للأمم المتحدة إسماعيل ولد الشيخ أحمد لاستئناف المفاوضات السياسية الجامعة وفق المبادرة الخليجية ومخرجات الحوار الوطني وقرارات مجلس الأمن ذات الصلة".
واعتبر الاتحاد الأوروبي في بيان تلقت «الشرق الأوسط» نسخة منه أن "مشاركة جميع الأطراف وبدون أي شروط مسبقة وبنوايا حسنه يمكن أن تشكل محادثات جنيف علامة فارقة في السبيل لإيجاد حل سياسي. كما أن هذه المحادثات ستكون مفتاحاُ لاستئناف وقف إطلاق نار واضح ودائم وبشكل سريع، وكذلك إيصال المساعدات الإنسانية وبشكل عاجل وفق مبادئ الحياد وعدم التحيز والاستقلالية.



القطن المصري... محاولة حكومية لاستعادة «عصره الذهبي» تواجه تحديات

مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
TT

القطن المصري... محاولة حكومية لاستعادة «عصره الذهبي» تواجه تحديات

مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)

تراهن الحكومة المصرية على القطن المشهور بجودته، لاستنهاض صناعة الغزل والنسيج وتصدير منتجاتها إلى الخارج، لكن رهانها يواجه تحديات عدة في ظل تراجع المساحات المزروعة من «الذهب الأبيض»، وانخفاض مؤشرات زيادتها قريباً.

ويمتاز القطن المصري بأنه طويل التيلة، وتزرعه دول محدودة حول العالم، حيث يُستخدم في صناعة الأقمشة الفاخرة. وقد ذاع صيته عالمياً منذ القرن التاسع عشر، حتى أن بعض دور الأزياء السويسرية كانت تعتمد عليه بشكل أساسي، حسب كتاب «سبع خواجات - سير رواد الصناعة الأجانب في مصر»، للكاتب مصطفى عبيد.

ولم يكن القطن بالنسبة لمصر مجرد محصول، بل «وقود» لصناعة الغزل والنسيج، «التي مثلت 40 في المائة من قوة الاقتصاد المصري في مرحلة ما، قبل أن تتهاوى وتصل إلى ما بين 2.5 و3 في المائة حالياً»، حسب رئيس الوزراء المصري مصطفى مدبولي، الذي أكد عناية الدولة باستنهاض هذه الصناعة مجدداً، خلال مؤتمر صحافي من داخل مصنع غزل «1» في مدينة المحلة 28 ديسمبر (كانون الأول) الماضي.

أشار مدبولي، حسب ما نقله بيان مجلس الوزراء، إلى أن مشروع «إحياء الأصول» في الغزل والنسيج يتكلف 56 مليار جنيه (الدولار يعادل 50.7 جنيها مصري)، ويبدأ من حلج القطن، ثم تحويله غزلاً فنسيجاً أو قماشاً، ثم صبغه وتطويره حتى يصل إلى مُنتج سواء ملابس أو منسوجات، متطلعاً إلى أن ينتهي المشروع نهاية 2025 أو بداية 2026 على الأكثر.

وتكمن أهمية المشروع لمصر باعتباره مصدراً للدولار الذي تعاني الدولة من نقصه منذ سنوات؛ ما تسبب في أزمة اقتصادية دفعت الحكومة إلى الاقتراض من صندوق النقد الدولي؛ مرتين أولاهما عام 2016 ثم في 2023.

وبينما دعا مدبولي المزارعين إلى زيادة المساحة المزروعة من القطن، أراد أن يطمئن الذين خسروا من زراعته، أو هجروه لزراعة الذرة والموالح، قائلاً: «مع انتهاء تطوير هذه القلعة الصناعية العام المقبل، فسوف نحتاج إلى كل ما تتم زراعته في مصر لتشغيل تلك المصانع».

وتراجعت زراعة القطن في مصر خلال الفترة من 2000 إلى عام 2021 بنسبة 54 في المائة، من 518 ألفاً و33 فداناً، إلى 237 ألفاً و72 فداناً، حسب دراسة صادرة عن مركز البحوث الزراعية في أبريل (نيسان) الماضي.

وأرجعت الدراسة انكماش مساحته إلى مشكلات خاصة بمدخلات الإنتاج من بذور وتقاوٍ وأسمدة، بالإضافة إلى أزمات مرتبطة بالتسويق.

أزمات الفلاحين

سمع المزارع الستيني محمد سعد، وعود رئيس الوزراء من شاشة تليفزيون منزله في محافظة الغربية (دلتا النيل)، لكنه ما زال قلقاً من زراعة القطن الموسم المقبل، الذي يبدأ في غضون 3 أشهر، تحديداً مارس (آذار) كل عام.

يقول لـ«الشرق الأوسط»: «زرعت قطناً الموسم الماضي، لكن التقاوي لم تثمر كما ينبغي... لو كنت أجَّرت الأرض لكسبت أكثر دون عناء». وأشار إلى أنه قرر الموسم المقبل زراعة ذرة أو موالح بدلاً منه.

نقيب الفلاحين المصري حسين أبو صدام (صفحته بفيسبوك)

على بعد مئات الكيلومترات، في محافظة المنيا (جنوب مصر)، زرع نقيب الفلاحين حسين أبو صدام، القطن وكان أفضل حظاً من سعد، فأزهر محصوله، وحصده مع غيره من المزارعين بقريته في أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، لكن أزمة أخرى خيَّبت أملهم، متوقعاً أن تتراجع زراعة القطن الموسم المقبل مقارنة بالماضي (2024)، الذي بلغت المساحة المزروعة فيه 311 ألف فدان.

تتلخص الأزمة التي شرحها أبو صدام لـ«الشرق الأوسط» في التسويق، قائلاً إن «المحصول تراكم لدى الفلاحين شهوراً عدة؛ لرفض التجار شراءه وفق سعر الضمان الذي سبق وحدَّدته الحكومة لتشجيع الفلاح على زراعة القطن وزيادة المحصول».

ويوضح أن سعر الضمان هو سعر متغير تحدده الحكومة للفلاح قبل أو خلال الموسم الزراعي، وتضمن به ألا يبيع القنطار (وحدة قياس تساوي 100 كيلوغرام) بأقل منه، ويمكن أن يزيد السعر حسب المزايدات التي تقيمها الحكومة لعرض القطن على التجار.

وكان سعر الضمان الموسم الماضي 10 آلاف جنيه، لمحصول القطن من الوجه القبلي، و12 ألف جنيه للمحصول من الوجه البحري «الأعلى جودة». لكن رياح القطن لم تجرِ كما تشتهي سفن الحكومة، حيث انخفضت قيمة القطن المصري عالمياً في السوق، وأرجع نقيب الفلاحين ذلك إلى «الأزمات الإقليمية وتراجع الطلب عليه».

ويحدّد رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية في معهد بحوث القطن التابع لوزارة الزراعة، الدكتور مصطفى عمارة، فارق سعر الضمان عن سعر السوق بنحو ألفي جنيه؛ ما نتج منه عزوف من التجار عن الشراء.

وأكد عمارة أن الدولة تدخلت واشترت جزءاً من المحصول، وحاولت التيسير على التجار لشراء الجزء المتبقي، مقابل أن تعوض هي الفلاح عن الفارق، لكن التجار تراجعوا؛ ما عمق الأزمة في السوق.

يتفق معه نقيب الفلاحين، مؤكداً أن مزارعي القطن يتعرضون لخسارة مستمرة «سواء في المحصول نفسه أو في عدم حصول الفلاح على أمواله؛ ما جعل كثيرين يسخطون وينون عدم تكرار التجربة».

د. مصطفى عمارة رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية (مركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار المصري)

فرصة ثانية

يتفق المزارع ونقيب الفلاحين والمسؤول في مركز أبحاث القطن، على أن الحكومة أمامها تحدٍ صعب، لكنه ليس مستحيلاً كي تحافظ على مساحة القطن المزروعة وزيادتها.

أول مفاتيح الحل سرعة استيعاب أزمة الموسم الماضي وشراء المحصول من الفلاحين، ثم إعلان سعر ضمان مجزٍ قبل موسم الزراعة بفترة كافية، وتوفير التقاوي والأسمدة، والأهم الذي أكد عليه المزارع من الغربية محمد سعد، هو عودة نظام الإشراف والمراقبة والعناية بمنظومة زراعة القطن.

ويحذر رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية في معهد بحوث القطن من هجران الفلاحين لزراعة القطن، قائلاً: «لو فلاح القطن هجره فـلن نعوضه».

أنواع جديدة

يشير رئيس غرفة الصناعات النسيجية في اتحاد الصناعات محمد المرشدي، إلى حاجة مصر ليس فقط إلى إقناع الفلاحين بزراعة القطن، لكن أيضاً إلى تعدد أنواعه، موضحاً لـ«الشرق الأوسط» أن القطن طويل التيلة رغم تميزه الشديد، لكن نسبة دخوله في المنسوجات عالمياً قليلة ولا تقارن بالقطن قصير التيلة.

ويؤكد المسؤول في معهد بحوث القطن أنهم استنبطوا بالفعل الكثير من الأنواع الجديدة، وأن خطة الدولة للنهوض بصناعة القطن تبدأ من الزراعة، متمنياً أن يقتنع الفلاح ويساعدهم فيها.