رحيل فهد المفيريج راصد التحولات الاجتماعية في السعودية

جدّه أسس أول مدرسة في الرياض درس بها رابع ملوك الدولة السعودية الحديثة

رحيل فهد المفيريج راصد التحولات الاجتماعية في السعودية
TT

رحيل فهد المفيريج راصد التحولات الاجتماعية في السعودية

رحيل فهد المفيريج راصد التحولات الاجتماعية في السعودية

ودّعت العاصمة السعودية الرياض أمس (الأربعاء)، أحد راصدي تاريخها الشفوي والاجتماعي، بعد أن عاش عقوداً في أحيائها، وجاب أزقتها، وأمكنتها ورصد بدايات عاصمة الدولة الحديثة في كل شيء، مسجلاً تاريخها القريب، وتفاصيل مكانية واجتماعية، والتقط جزئيات صغيرة ذات دلالات عظيمة وثّقها بقلمه وبصوته وبصور وأدوات ومواد تراثية التقطها بنفسه أو جمعها على مدى عقود تحكي قصصاً غير مسبوقة وتاريخاً شفوياً جمعه عن الملوك والأمراء والأجداد والآباء، تروي قصة التحول الذي شهدته الدولة السعودية، خلال فترات حكم ملوكها من المؤسس إلى اليوم، متكئاً في كل ذلك على تمتعه بحس وطني عالٍ، ومتخذاً «الحفاظ على الُّلحمة الوطنية» شعاراً له.
وبرحيل المهندس فهد بن محمد بن ناصر بن مفيريج، الذي ارتبطت أسرته بعلاقة مع ملوك وأمراء الدولة السعودية، وصلت إلى علاقة «رضاعة» مع أبناء وبنات رابع ملوك «السعودية الحديثة» وقبلها علاقة تعليمية بعد أن امتهنت أسرة المفيريج الذي ينتمي إليها الراحل المهندس فهد، التعليم في الرياض بتأسيس جدّه ناصر قبل قرن ونصف القرن مدرسة حملت اسم أسرة المفيريج.
وتحتفظ أسرة المفيريج بعلاقة ودّ مع الملك خالد وأسرته وأبنائه وبناته من زوجته الأميرة صيتة بنت فهد الدامر التي اقترن بها الملك عام 1355هـ، وقامت جدّة المفيريج بإرضاع أبناء الأميرة صيتة، حيث كانت الأسرتان متجاورتين في منزلين في حي دخنة ثم في حي حوطة خالد بالرياض.
كما تحمل أسرة المفيريج ذكريات عن الملك خالد في مراحل مختلفة من حياته، وظل الوفاء يجمع الأسرتين حتى بعد رحيل الملك خالد عام 1982م، بل إن بعض مقتنيات الملك آلت إلى أسرة المفيريج، حيث أهدى الملك خالد هذه المقتنيات إلى ناصر بن عبد الرحمن المفيريج عقب انتقال مقر إقامة الملك من حوطة خالد إلى سكنه في أم الحمام، ولا تزال الأسرة تحتفظ بهذه المقتنيات إلى الآن، وأبرزها الراديو الخاص للملك، بالإضافة إلى بندقية صيد، ومنظار (دربيل) وساعات مختلفة، وبعض أدوات إعداد القهوة والشاي من دِلال وأباريق.
ورصد الراحل فهد بن محمد بن ناصر المفيريج (أخ لأبناء وبنات الملك خالد من الرضاعة) جوانب تتعلق بالملك خالد بما يمكن تسميته بالتاريخ الشفوي. ومن بينها، أن الملك خالد درس قبل 94 عاماً في مدرسة عبد الرحمن بن ناصر المفيريج في حي دخنة، وهي مدرسة قديمة أنشأها الجد عبد الرحمن وأخوه العم عبد الله في عام 1240هـ، وتعنى بتعليم طلابها مبادئ الفقه والتوحيد والحساب، وبأن الملك خالد حفظ فيها القرآن الكريم وختمه عام 1341هـ وهو بعمر 11 عاماً، وكان من زملائه في المدرسة عمه الأمير مساعد بن عبد الرحمن والملك فهد، والأمير سعود بن هذلول، أمير القصيم سابقاً، والأمير فهد بن فيصل بن فرحان، أمين الرياض سابقاً. وقد ذكر، أن الملك كان يؤكد على قائد الحرس الملكي بعدم سير سيارات الموكب بسرعة حتى يتسنى للناس الواقفين في الطريق إيصال مطالبهم ومعاناتهم إلى الملك، ولكن في المقابل، كان الملك الراحل عادلاً وحريصاً على تنفيذ حدود الله في المجرمين والمخالفين، وكان يكره أن يشفع في أمر مخالف للدين أو أن يعطّل الأحكام الصادرة من القضاء، مستذكراً في هذا الصدد قصة حصلت لامرأة طلبت مقابلة الملك خالد ليشفع لها في إطلاق سراح ابنها العسكري الذي ارتكب خطأً جسيماً حُكم عليه بالسجن أربع سنوات، وبالفعل فقد أوصلت الأم شكواها إلى الملك فتعاطف معها وطلب منها مراجعته بعد يومين لمعرفة قضية ابنها، واتضح للملك أن المحكوم عليه يستحق هذه العقوبة، وأبلغ المرأة بالقول «احمدي الله على أن العقوبة هي السجن أربع سنوات، فالخطأ الذي ارتكبه ابنك يستحق أكثر من ذلك».
ويشير الراحل المفيريج في لقاء سابق إلى أن الملك خالد كان يحب أبناء وطنه ويتواصل معهم، ويحث أولاده على التواصل مع الناس والتعرف على أبناء وبنات الأسر، وتلبية الدعوات للمناسبات الاجتماعية وحفلات الزواج التي يقيمها المواطنون، ومن الجدير بالذكر، أن ابنه فيصل قد أدى اختبار الثانوية العامة قبل أربعة عقود في «متوسطة ابن خلدون» جنوب الرياض مع زملائه أبناء المواطنين. وقد عرف عن الملك حبه للخير، وسعيه لمساعدة المحتاجين ومنح من يثق به المال لتوزيعه على الفقراء والمساكين، مع حرصه على عدم إعلان ذلك، ولم يكن يخفي الملك محبته للأطفال، وكان يُسرّ برؤيتهم يلهون أمامه، موضحاً في هذا الصدد «كان يداعبنا وكنا مع أبنائه وأحفاده وأبناء الحاشية نلعب أمامه، وكان يمنحنا مبالغ مالية، بل إننا نتعارك أمامه وكان يشاهدنا وهو في قمة فرحه».
وقد سبق وأن روى الراحل المفيريج مواقف الملك خالد عندما كان أميراً وقبل أن يصل إلى سدة الحكم، حيث كان يحرص أيام الملك سعود على أن يصلي معه يوم الجمعة في جامع أم الحمام، مشيراً إلى أن جده كان يدعو الملك خالد لتناول طعام الغداء في منزلنا، وذات جمعة عندما كنا متجاورين في حوطة خالد أوقف الملك خالد سيارته بالقرب من منزلنا وكنا أطفالاً، فأخذنا نعبث بسيارة الأمير، واشتغلت السيارة وسارت مسافة قصيرة واصطدمت بحائط مجاور، فانتابنا الخوف وهربنا، وعلم أهلنا ووبّخونا، فلما علم الملك قال «اتركوهم هذولا أطفال وما داموا سالمين فهذا أهم شيء».
ولأن الملك يحب الطبيعة والصحراء، فقد كان محباً للمشاركة في إعداد الوجبات خلال رحلاته البرية مع إخوانه، وسجّل عنه إجادته طبخ (الكبسة) وبصورة متقنة للغاية. واختصر المفيريج وصف مناقب الملك خالد وشخصيته بالقول «كان مثل الخيمة الكبيرة تظلل الكبير والصغير والغني والفقير، وكانت أعمدة هذه الخيمة المحبة والتسامح والحنان والصدق، كان بسيطاً واضحاً يكره النفاق والمداهنة، وكانت الابتسامة نادراً ما تفارق محياه، وكان لسانه دائماً رطباً يلهج بذكر الله».



«هدنة غزة»: ما المنتظر عقب موافقة «حماس» على «لجنة إدارة القطاع»؟

دخان يتصاعد عقب غارات إسرائيلية على رفح بجنوب قطاع غزة في وقت سابق (أ.ف.ب)
دخان يتصاعد عقب غارات إسرائيلية على رفح بجنوب قطاع غزة في وقت سابق (أ.ف.ب)
TT

«هدنة غزة»: ما المنتظر عقب موافقة «حماس» على «لجنة إدارة القطاع»؟

دخان يتصاعد عقب غارات إسرائيلية على رفح بجنوب قطاع غزة في وقت سابق (أ.ف.ب)
دخان يتصاعد عقب غارات إسرائيلية على رفح بجنوب قطاع غزة في وقت سابق (أ.ف.ب)

حركت موافقة حركة «حماس» على تشكيل «لجنة إدارة قطاع غزة»، بعد جولات ماراثونية على مدار نحو شهرين بالقاهرة، تساؤلات عن الخطوة المنتظرة في المشهد الفلسطيني، الذي يشهد حراكاً للوسطاء لإبرام «هدنة»، وسط ترجيحات إسرائيلية بقرب التوصل إلى صفقة تعيد «الرهائن».

خبراء تحدثوا مع «الشرق الأوسط» يرون أن خطوة الموافقة من «حماس» تسقط أي ذرائع إسرائيلية للبقاء في غزة خشية وجود الحركة بالحكم، وبالتالي تُعجّل بمسار الهدنة، مرجحين أن يصدر الرئيس الفلسطيني، محمود عباس، مرسوماً رئاسياً بتشكيل اللجنة ومهامها لبدء عملها بعد حل «خلافات التفاصيل» المثارة حالياً.

وأعلنت «حماس»، في بيان صحافي، الخميس، ختام لقاءاتها التي بدأتها الأسبوع الماضي في القاهرة، مشيرة إلى أن «وفدها أجرى حواراً معمقاً مع حركة (فتح) حول تشكيل (لجنة لإدارة قطاع غزة) على طريق تطبيق ما تم التوافق عليه وطنياً من اتفاقات شاملة لتحقيق الوحدة الوطنية والإنهاء الكامل للانقسام وآثاره المتعددة».

وأبلغ وفد «حماس» «موافقة الحركة على المقترح المقدم من الأشقاء في مصر حول تشكيل لجنة الإسناد المجتمعي عبر آليات وطنية جامعة (لم يذكرها)»، لافتاً إلى أنه «أجرى لقاءات مع عدد من الشخصيات الوطنية والاعتبارية الفلسطينية الموجودة في القاهرة، حيث تم وضعهم في صورة اللقاءات التي تمت مع حركة (فتح) وموقف الحركة تجاه المقترح المصري في الإطار الوطني».

ولم تعلن القاهرة عن موقف رسمي بشأن نتائج رعايتها لجولة محادثات ثالثة بدأت الأيام الماضية بين حركتي «فتح» و«حماس»، بعد جولتين أخريين في أكتوبر (تشرين الأول) ونوفمبر (تشرين الثاني) الماضيين، بشأن تشكيل «هيئة إدارية» لقطاع غزة، يُطلق عليها اسم «اللجنة المجتمعية لمساندة أهالي قطاع غزة».

امرأة فلسطينية تبكي أحد أفراد أسرتها الذي قُتل في قصف إسرائيلي على خان يونس (أ.ف.ب)

وتتبع اللجنة السلطة الفلسطينية، وتتضمّن شخصيات مستقلة، وتتولى مهمة إدارة الشؤون المدنية، وتوفير المساعدات الإنسانية للفلسطينيين، وتوزيعها في القطاع، وإعادة تشغيل معبر رفح الحدودي مع مصر، والشروع في إعادة إعمار ما دمّرته الحرب الإسرائيلية، وفق مصادر فلسطينية تحدثت سابقاً لـ«الشرق الأوسط».

وبحسب المحلل السياسي الفلسطيني، الدكتور أيمن الرقب، فإن «الكرة الآن في ملعب الرئيس الفلسطيني، والخطوة المقبلة تنتظر القبول بنتائج المحادثات، والدعوة لاجتماع فصائل بالقاهرة يعلن خلاله إصدار مرسوم رسمي بالأسماء والتشكيل ومهام اللجنة بعد توافق الفصائل، لتبدأ عملها الذي انتهى إليه التوافق».

وتأتي الموافقة «الاضطرارية» من جانب «حماس»، وفق الرقب، بهدف «إنهاء أي ذرائع لإسرائيل للبقاء بدعوى مواجهة الحركة، فضلاً عن ضمان خروج آمن وبأقل الخسائر يخفف عنها العبء دون أن ينهي ذلك وجودها»، موضحاً أن «(حماس) تريد الآن بعض الهدوء وخصوصاً أن المجتمع الدولي لا يريدها عنواناً للعمل الفلسطيني الرسمي، وخياراتها ستبقى محدودة، أهمها أن تكون جزءاً من منظمة التحرير الفلسطيني عبر تشكيل إطار مؤقت يضمها ويضم باقي الفصائل، والثاني أن تكون جزءاً من المعادلة مستقبلاً بخوض أي انتخابات مقبلة».

في المقابل، يرى المحلل السياسي الفلسطيني، عبد المهدي مطاوع، أن «بيان (حماس) يعني الموافقة على مقترح تشكيل (إدارة غزة) وليس على التفاصيل التي تشهد خلافات، خصوصاً أن (حماس) لا تزال مُصرة على أن تكون اللجنة غطاء لإدارتها لقطاع غزة دون أن يرتبط ذلك بالانسحاب من المشهد»، متوقعاً أن «هذا سيعرقل فرص إنهاء التوصل إلى اليوم التالي للحرب، وسيعطي بنيامين نتنياهو مبرراً للبقاء في القطاع».

وبالتزامن، مع إعلان الموافقة على تشكيل «لجنة إدارة غزة»، أعلن المسؤول بالمكتب السياسي لحركة «حماس»، باسم نعيم، أن الوسطاء الدوليين استأنفوا المفاوضات مع الحركة وإسرائيل بشأن وقف إطلاق النار في غزة، وأضاف أن لديه أملاً في التوصل إلى اتفاق ينهي الحرب المستمرة منذ 14 شهراً.

وتحدث نعيم في مقابلة مع وكالة «أسوشييتد برس» جرت في تركيا، الخميس، عن «إعادة تنشيط» للجهود خلال الأيام الأخيرة، من أجل السعي لإنهاء القتال، وإطلاق سراح الرهائن المحتجزين في غزة، وإطلاق سراح الأسرى الفلسطينيين في سجون إسرائيل، معرباً عن اعتقاده أن الإدارة الأميركية المقبلة، بقيادة الرئيس المنتخب دونالد ترمب، يمكن أن «تؤثر على الوضع بشكل إيجابي»، مع الوضع في الاعتبار أن ترمب جعل وقف الحروب في المنطقة جزءاً من برنامج حملته الانتخابية.

جنود إسرائيليون داخل قطاع غزة (رويترز)

وكان ترمب دعا أخيراً إلى إطلاق سراح جميع الرهائن المحتجزين في غزة بحلول موعد توليه مهام منصبه في 20 يناير (كانون الثاني) المقبل، مشيراً إلى «ثمن باهظ» حال لم يحدث ذلك.

وقال رئيس الوزراء القطري، الشيخ محمد بن عبد الرحمن بن جاسم آل ثاني، في تصريحات إعلامية، الأربعاء، إن المسؤولين في بلاده يهدفون إلى التوصل إلى وقف لإطلاق النار في غزة قبل تولي ترمب مهام منصبه رسمياً.

وتتمسك «حماس»، وفق حديث نعيم، بالمطالب الأساسية التي تشبثت بها خلال الجولات السابقة من المفاوضات، بما في ذلك تطبيق وقف دائم لإطلاق النار، والانسحاب الكامل للقوات الإسرائيلية من قطاع غزة، وحق الفلسطينيين النازحين داخلياً بغزة في العودة إلى منازلهم، غير أنه قال إن الحركة «مستعدة لإظهار مرونة» بشأن تنفيذ ذلك، بما يشمل الجدول الزمني لانسحاب القوات الإسرائيلية من الأجزاء الرئيسية بقطاع غزة.

ويتماشى ذلك مع تأكيدات مشابهة من وزير الخارجية الإسرائيلي، جدعون ساعر، بشأن مسار الهدنة، قائلاً في تصريحات، الخميس: «قد تكون لدينا فرصة الآن لصفقة الرهائن»، مضيفاً: «إسرائيل جادة في التوصل إلى صفقة رهائن، وآمل أن نتمكن من القيام بهذا الشيء، والقيام به في أقرب وقت ممكن».

وفي رأي الرقب فإن «قوة (حماس) لم تنتهِ على الأرض، ولديها ورقة الرهائن، ولديها ولدى الجميع أولوية إبرام هدنة تخفف المعاناة عن الشعب الفلسطيني»، متوقعاً أن تكون «قريبة» في ظل الحراك الدائر والتسريبات الإسرائيلية ومهلة ترمب. كما يعتقد مطاوع أنه «ستكون هناك هدنة، خصوصاً في ظل تحركات إيجابية تقودها القاهرة، وأن (حماس) لم يعد لديها مزيد من أوراق الضغط على إسرائيل في ضوء تهديد ترمب وتراجع دعم (حزب الله) بعد الاتفاق الإسرائيلي اللبناني أخيراً، وضعف قواتها العسكرية بشكل واضح على الأرض».