بالصور... معرض فني يجسد معاناة المواطنين الأوكرانيين بعد الغزو

تضمن منحوتات طينية لوجوه أطفال وباب منزل تعرض للقصف

منحوتات طينية تصور وجوه أطفال أوكرانيين قتلوا في الحرب (صورة من موقع المعرض على الإنترنت)
منحوتات طينية تصور وجوه أطفال أوكرانيين قتلوا في الحرب (صورة من موقع المعرض على الإنترنت)
TT

بالصور... معرض فني يجسد معاناة المواطنين الأوكرانيين بعد الغزو

منحوتات طينية تصور وجوه أطفال أوكرانيين قتلوا في الحرب (صورة من موقع المعرض على الإنترنت)
منحوتات طينية تصور وجوه أطفال أوكرانيين قتلوا في الحرب (صورة من موقع المعرض على الإنترنت)

افتتح الأسبوع الماضي في عاصمة الاتحاد الأوروبي، بروكسل، معرض فني يجسد معاناة المواطنين الأوكرانيين بعد الغزو الروسي لبلادهم.

ووفقاً لصحيفة «الغارديان» البريطانية، فقد تم التخطيط لإطلاق المعرض المسمى «The Captured House»، منذ بداية العام، وكان المفترض أن يضم أعمالاً مختلفة لفنانين من مختلف أنحاء العالم، لكن، بعد الغزو الروسي في فبراير (شباط)، أصبحت 90 في المائة من الأعمال المرسلة إلى المنظمين تنتمي لفنانين أوكرانيين حاولوا إظهار معاناة بلدهم للعالم.
وقالت كاتيا تايلور، المنظمة الأساسية للمعرض: «في الأيام الأولى من الحرب، أصيب الفنانون الأوكرانيون بالصدمة. ولم يرسل لنا أحد منهم أي عمل فني لمدة ثلاثة إلى أربعة أسابيع تقريباً».
وأضافت: «لكن، في أبريل (نيسان) لاحظنا ازدهاراً هائلاً في الأعمال الجديدة المرسلة إلينا على الإنترنت من قبل فناني أوكرانيا. وكانت هذه الأعمال هي أساس المعرض الذي تم افتتاحه الأسبوع الماضي».
ولفتت تايلور إلى أن عدد الفنانين الأوكرانيين المشاركين في المعرض هو 50 فناناً، وأن أعمالهم شملت لوحات وصور فوتوغرافية ومنحوتات طينية تصور وجوه أطفال أوكرانيين قتلوا في الحرب، وأقمشة تحمل زخرفة وتطريزاً لأشكال بنادق ومروحيات عسكرية.

وقالت تايلور إنها تأمل أن تسهم هذه الأعمال الفنية في إظهار الواقع القاسي للحرب كما يشعر به المواطنون كل يوم.
وأضافت: «المعرض لا يتعلق بالحرب في حد ذاتها - إنه يتعلق بكارثة إنسانية يمر بها الناس هناك».


ومن جهتها، قالت الفنانة الأوكرانية داريا كولتسوفا، صاحبة المنحوتات الطينية التي تصور وجوه الأطفال الأوكرانيين الذين قتلوا في الحرب: «كنت أقرأ كل يوم أخباراً مؤلمة حقاً عن مقتل العديد من الأطفال جراء القصف الروسي. كان الضغط الذي أشعر به يزداد يومياً بسبب هذا الأمر، وقد قررت أن أحول هذا الضغط لعمل فني، وبدأت في صنع رؤوس صغيرة من الطين لأذكر العالم أجمع بما فعلته الحرب بأطفالنا».

وحتى يوم 28 يوليو (تموز)، توفي 358 طفلاً في أوكرانيا وأُبلغ عن إصابة 693 آخرين، وفقاً لمصادر رسمية تحدثت إليها وكالة أنباء «يوكرينفورم» الأوكرانية.
ويقول بعض الخبراء إن العدد الفعلي للقتلى من المرجح أن يكون أعلى من ذلك بكثير.

ويسلط المعرض الضوء أيضاً على المصورين الصحافيين، الذين نقلت صورهم رعب الحرب إلى العالم، مثل ماكسيم ليفين، المصور الأوكراني الذي عمل لفترة طويلة مع وكالة رويترز وقُتل بالقرب من كييف خلال الأسابيع الأولى من الحرب، وإيفجيني مالوليتكا، مصور وكالة أنباء «أسوشييتد برس» الذي بقي هو وزميله الصحافي مستيسلاف تشيرنوف في ماريوبول المحاصرة، لتوثيق الهجمات، رغم انسحاب جميع وسائل الإعلام الدولية الأخرى من المنطقة.
ويحتوي المعرض أيضاً على باب فولاذي من منزل في إيربين. وكان سكان هذا المنزل، وهم أسرة لديها طفلان، قد هربوا منه وساروا على أقدامهم إلى كييف، على بعد نحو 25 كيلومتراً.

وقُصف المنزل وتحول إلى أنقاض، باستثناء هذا الباب الأمامي، الذي تمكن الفنانون من توصيله إلى تايلور في مايو (أيار).
وعلقت تايلور على وجود هذا الباب بالمعرض بقولها: «إنه أمر رائع حقاً. هذه القطع الأصلية تجعل المعرض مميزاً وفريداً من نوعه بشكل كبير».
وبعد اختتام المعرض في بروكسل، يأمل الفريق أن يتوجه إلى نيويورك وواشنطن وسان فرانسيسكو العام المقبل، لإظهار حقيقة الحرب للجمهور الأميركي.



معرض «المجهول» للتشكيلي المصري أحمد مناويشي يُسقط الأقنعة

يركُن مناويشي إلى نقل مشاعر أشخاص يعيشون المجهول (الشرق الأوسط)
يركُن مناويشي إلى نقل مشاعر أشخاص يعيشون المجهول (الشرق الأوسط)
TT

معرض «المجهول» للتشكيلي المصري أحمد مناويشي يُسقط الأقنعة

يركُن مناويشي إلى نقل مشاعر أشخاص يعيشون المجهول (الشرق الأوسط)
يركُن مناويشي إلى نقل مشاعر أشخاص يعيشون المجهول (الشرق الأوسط)

ما إنْ تدخُل معرض «المجهول» للفنان التشكيلي المصري أحمد مناويشي، حتى تستوقفك وجوه لوحاته، بريشة حرّة تستكشف ملامحَ وأحداثاً غامضة. أعماله تبحث عن مشاعر عميقة وعلامات استفهام تحضّك على التحليل وفكّ الألغاز.

ينقسم معرض مناويشي في غاليري «آرت ديستريكت» بمنطقة الجميزة البيروتية إلى قسمين، من بينها ما يروي حكايات أشخاص اختبأت مشاعرهم تحت الأقنعة الواقية من جائحة «كورونا»، وأخرى رسمها حديثاً لمَن عاشوا الحرب الأخيرة في لبنان.

مع هذا المعرض، يستعيد غاليري «آرت ديستريكت» عافيته. فالحرب منعته قسرياً من إقامة نشاطات ثقافية. ومن خلال «المجهول»، يعلن صاحبه المصوّر الشهير ماهر عطّار انطلاق الموسم الفنّي في الغاليري.

الرسام أحمد مناويشي أمام لوحات معرضه «المجهول» (الشرق الأوسط)

في الجزء الأول من مجموعة أحمد منشاوي، تصطفُّ سلسلة لوحات صغيرة، تصوِّر جميعها وجوهاً يعتريها القلق. فالفنان المصري لفتته ملامح الإنسانية في زمن «كورونا». كان يرى الإنسان يمشي مرتدياً القناع خوفاً من الإصابة بالعدوى. وهو ما حضَّه، خلال إقامته في بروكسل، على تخيّل ملامحه الأصلية. وفي 30 لوحة يئنُّ أصحابها تحت وطأة أحاسيسهم، يُترجم أفكاره. مجموعة من النساء والرجال تصرخ بصمت، فتُخرج غضبها وقلقها وحزنها عابسةً في معظم الوقت.

تقنيته المرتكزة على الأكليريك تتدخَّل فيها أحياناً أنامل الفنان بعيداً عن ريشته (الشرق الأوسط)

يوضح مناويشي لـ«الشرق الأوسط»: «بدأتِ التجربة عندما كنتُ في بروكسل عام 2021. كانت مفاعيل الجائحة لا تزال تسيطر على حياتنا. جميعنا اعتقدنا بأنّ هذه الحقبة أبدية، كأنَّ سوادها لا حدود له. فرحتُ أتخيّل الناس الذين أراهم كأنهم خلعوا أقنعة الوقاية ورسموها. جميعهم كانوا مجهولين بالنسبة إليّ، ولا تربطني بهم أي علاقة. عندما عدتُ إلى لبنان، انتابتني الأحاسيس عينها. كانت الحرب محتدمة، وكان الناس قلقين، لا يعرفون مصيرهم. فرأيتُ بوضوح المجهول الذين يتخبَّطون فيه. حالة الترقب هذه حرّضت ريشتي على التحرُّك من جديد. ومن خلال تلك الحالتين، تناولتُ موضوع (المجهول)، إنْ من ناحية المشاعر أو المصير».

الإحساس بالتأرجُح في طريق لا رؤية واضحة لنهايتها، يُترجمه أحمد مناويشي. ويعترف من خلال ريشته بأنّ الانتظار مخيف، فكيف إذا كانت الأجواء التي يعيشها الناس غامضة؟

تحمل وجوه لوحات مناويشي أسئلة مختلفة تتعلّق بقلق المصير (الشرق الأوسط)

في واحدة من لوحاته، يشير إلى شخصيات مجموعة «أنونيموس» العاملة في مجال «النضال» عبر الاختراق البرمجي. راجت أعمالها المثيرة للجدل عام 2003، فمثَّلت مفهوماً لمستخدمي الإنترنت المجهولين. حينها، عَبَروا من العالم الواقعي إلى الوهمي في أعمال تتعارض مع الرقابة. اخترقوا مواقع حكومية عدّة، وأنظمة كومبيوتر أهم شركات الحماية. وولَّدوا «بلبلة» على أصعدة مختلفة، وهم يرتدون أقنعة تُعرَف بـ«جاي فوكس».

يتابع الرسام المصري: «قناع (الأنونيموس) كان الأشهر في القرن الحالي، فرغبتُ بالربط بينه وبين عنوان معرضي، لتُولد هذه اللوحة الوحيدة عن تلك المجموعة. مبدأ هؤلاء يرتكز على الثورة ورفض حُكم الدولة العميقة والسلطات العليا».

لم يعنون مناويشي لوحاته بأسماء معيّنة، فتركها مجهولةً. يقول: «رغبتُ في أن يسمّيها ناظرها كما يشتهي. أرنو إلى هذا التفاعل المباشر بين المُشاهد واللوحة». وهو يميل إلى المدرسة التعبيرية في الفنّ التشكيلي: «أحبُّ حالة الحركة في لمسات اللوحة وموضوعها، وأرغب في التواصل معها القائم على الشعور بأنها حيّة، فلا تكون باهتة تمرّ من دون تَرْك أثرها على ناظرها. لذلك، تسير ريشتي بشكل غير مُنتظم باحثةً عن نَفَس لا ينقطع؛ ومرات تتدخَّل أناملي مباشرة، فأبتعدُ عن ريشتي لتخرُج أعمالي من رتابتها، وتكسر تلك القدرة على التحكُّم التقليدي بمشاعر مُشاهدها».

تؤلّف الألوان التي يستعملها مناويشي حالةً بذاتها. فهو جريء باختيارها زاهيةً مرّات؛ ودافئة أخرى. يُحدِث زوبعة بألوان تبدو ثائرة، فتُعبّر عن الظلم والقلق والعنف: «مشاعر الإنسانية لا يمكن حصرها في بوتقة واحدة. وهذه الألوان تعبّر عن المشهدية المدفونة في أعماقنا، فتُبرز التنوّع في أحاسيس تنتابنا وفيها كلّ الاحتمالات. وهنا يأتي دور المتلقّي الذي يرى اللوحة من وُجهة نظره، ويُلاقي ما يمثّل تفكيره ومشاعره في أحد هذه الألوان».

ينقسم «المجهول» إلى قسمين من الأعمال التعبيرية (الشرق الأوسط)

في قسم لوحات الحرب، تأخُذ أعمال الرسام أحمد مناويشي منحى آخر، فيكبُر حجمها بشكل ملحوظ لتضع تفاصيل الوجه تحت المجهر. يعلّق: «هذه المساحات الكبيرة تزوّدنا بفرصة للتوضيح بشكل أفضل. فالعبور من زمن (كورونا) إلى زمن الحرب، كان لا بدَّ أن يحمل التطوّر. واعتمدتُ هذا التغيير؛ لئلا أقع في التكرار والتشابُه».

وأنت تتجوَّل بين أقسام معرض «المجهول»، تستوقفك ملامح وجه رجل حائر، ووجه امرأة تنظر إلى الغد بعتب. وأحياناً تلمس صلابة وجه آخر على شفير هاوية. وفي أخرى، تحملك ملامح رجل تلقّى صفعات الحياة بعينين حزينتين. لكنَّ جميع الشخصيات لا تبدو مستسلمة لقدرها، كأنها تقول: «وماذا بعد؟» على طريقتها.

يبرُز العنصر الأنثوي بوضوح في مجموعة «المجهول». وهنا كان لا بدَّ للرسام التشكيلي أن يعترف: «النساء لا يعرفن إخفاء أحاسيسهن ببراعة. مشاعرهن تخرج بقوة. لذلك نكتشفها بصورة أسهل من تلك الموجودة عند الرجل. فالأخير يحاول أن يُظهر صموداً تجاه مشاعره. ويفضّل ألا تُقرأ بسهولة».

يؤكد أحمد مناويشي أنه لا يحبّ تقييد نفسه بأسلوب رسم واحد. ويختم: «أفضّل التنويع دائماً، وعدم طَبْع لوحاتي بهوية واحدة كما يحبّ بعضهم. أُشبّه نفسي بروائي يؤلّف القصص ليستمتع بها القارئ، فلا يكرّر نفسه أو يقدّم ما يتشابه. ما أنجزه اليوم في عالم فنّ (البورتريه)، لم أقاربه مِن قبل. هو نافذة للتعبير. وهذا الاختلاف في الأسلوب يُحفزّني على دخول مدارس فنّية مختلفة. ما يهمّني هو تقديمي للناس أعمالاً يستمتعون بها فتولّد عندهم حبَّ الاكتشاف».