حديث عن تسرّبات في «سد النهضة» يثير اهتماماً مصرياً

القاهرة تراقب إيراد نهر النيل بموازاة الملء الثالث لأديس أبابا

«سد النهضة» (وزارة الخارجية الإثيوبية)
«سد النهضة» (وزارة الخارجية الإثيوبية)
TT

حديث عن تسرّبات في «سد النهضة» يثير اهتماماً مصرياً

«سد النهضة» (وزارة الخارجية الإثيوبية)
«سد النهضة» (وزارة الخارجية الإثيوبية)

أثارت تعليقات متباينة بشأن الحديث عن تسرّبات مائية في «سد النهضة» الإثيوبي المقام على الرافد الرئيسي لنهر النيل، اهتماماً لدى خبراء مصريين؛ وذلك عقب إفادات محذرة، في حين اعتبر خبراء مياه، أنه «من المبكر جداً الحديث عن تسرّبات مائية في (السد)».
وقال خبير المياه المصري نادر نور الدين لـ«الشرق الأوسط»، إن «الحديث عن وجود تسرّب غير دقيق علمياً لأن المياه لا تصل إلى السد الجانبي لسد النهضة؛ إلا إذا زاد حجم المخزون في بحيرة السد على 14.5 مليار متر مكعب من المياه، وحتى الآن لم تصل». يأتي هذا في وقت تراقب مصر «إيراد نهر النيل» تزامناً مع الملء الثالث لـ«السد الإثيوبي».
وبين مصر وإثيوبيا نزاع مائي منذ نحو 11 عاماً حول «سد النهضة»، الذي تخشى القاهرة أن يقلص حصتها من المياه. وأخيراً، شرعت أديس أبابا في المرحلة الثالثة من ملء خزان السد، بـ«شكل أحادي» من دون الاتفاق مع دولتي المصب مصر والسودان.
وكانت تصريحات لمتخصصين في الجغرافيا أشارت إلى «اقتراب مياه التسريب للسد الركامي (سد السرج) المُكمل لسد النهضة»، لافتين إلى «خطورة اكتمال الملء الثالث على مصر». ووفق مراقبين، فإن «سد السرج الركامي هو المسؤول عن زيادة السعة التخزينية أكثر من 14 مليار متر مكعب».
وعلق نور الدين، قائلاً، إن «المياه لم تصل للسد الجانبي، فكيف نتحدث عن تسرّبات؟»، لافتاً إلى أن «الملئين الأول والثاني كانا نحو 8 مليارات، وهذا العام مزمع أن إثيوبيا تخزن 10.30 مليار متر مكعب».
وذكر نور الدين، أن «الشهر الأول من الملء الثالث (أي يوليو/تموز الحالي) الذي يتم حالياً لم يصل إلى 14 مليار متر مكعب، والمستهدف منه الوصول إلى مخزون 18.5 مليار متر مكعب قبل الفيضان المقبل»، لافتاً إلى أن «الحديث عن وجود تسرّبات خطأ علمي، ولا بد أن ننتظر حتى تحجز أديس أبابا 4 مليارات متر مكعب فوق الـ14 ملياراً في نهاية الملء الثالث، وبعدها نبدأ نتحدث. لكن أن نتحدث قبل ما تبدأ المياه تصل للسد الجانبي فهو كلام غير علمي».
وأظهرت صور بالأقمار الصناعية، التقطت أخيراً انتهاء إثيوبيا من تخزين المليار الأول في الملء الثالث لـ«سد النهضة».
عن استكمال المفاوضات بشأن «السد الإثيوبي». قال نور الدين، إنه «بعد الملء الثالث هناك مقترح أميركي - إماراتي بجولة مفاوضات جديدة بين مصر والسودان وإثيوبيا؛ لكن لو وصل التخزين إلى 18 مليار متر مكعب، قد لا تكون المفاوضات مجدية لأن أديس أبابا في ذلك الوقت ستكون قد حققت أهدافها»؛ إلا أنه قال «على مدار العام سيكون هناك تبخّر نحو مليارَي متر مكعب، وتوليد الكهرباء قد يستهلك من 5 إلى 6 مليارات متر مكعب».
وعُقدت آخر جلسة للمفاوضات بين مصر والسودان وإثيوبيا، في أبريل (نيسان) 2021، وفشلت في التوصل إلى اتفاق على آلية ملء السد وتشغيله؛ الأمر الذي دعا مصر والسودان إلى عرض النزاع على مجلس الأمن الدولي. وتطالب القاهرة والخرطوم أديس أبابا بالامتناع عن اتخاذ أي «إجراءات أحادية»، في ما يتعلق بملء بحيرة السد أو تشغيله، قبل إبرام اتفاقية «قانونية ملزمة» تضمن لهما الحد من التأثيرات السلبية المتوقعة للسد، وهو ما فشلت فيه المفاوضات الممتدة بشكل متقطع منذ 10 سنوات.
حول ما تردد عن تعاقد إثيوبيا على بيع جزء من كهرباء «سد النهضة» إلى كينيا. استبعد نور الدين «تصدير كهرباء من سد النهضة إلى كينيا، خاصة أن إثيوبيا تحتاج إلى الكهرباء لإمداد شعبها بخدمات الكهرباء التي تعاني من نقصها»، موضحاً أن «كينيا على بعد 1500 كيلومتر من سد النهضة، والأوقع أن إثيوبيا تصدر الكهرباء من السدود الثلاثة المقامة على نهر أومو الذي يربط بين إثيوبيا وكينيا».
إلى ذلك، تراقب مصر «إيراد نهر النيل لاتخاذ ما يلزم من إجراءات للتعامل مع إيراد النهر ومتابعة الموقف المائي». واجتمعت «اللجنة الدائمة لتنظيم إيراد نهر النيل» الخميس برئاسة وزير الموارد المائية والري المصري محمد عبد العاطي. وتم خلال الاجتماع استعراض معدلات سقوط الأمطار بمنابع النيل، فتبين أن «معدلات الأمطار حول المعدل خلال يوليو الحالي حتى الآن، وتمت متابعة الحالة الهيدرولوجية للنهر، والسيناريوهات المختلفة للفيضان المقبل، وموقف إيراد نهر النيل للعام المائي الحالي، وآليات إدارة فترة أقصى الاحتياجات الحالية بأعلى درجة من الكفاءة».
وتعاني مصر من عجز في مواردها المائية، وتعتمد على حصتها في مياه النيل في تلبية معظم احتياجاتها. وتخشى القاهرة من تأثر حصتها في مياه نهر النيل، وتطالب باتفاق «قانوني مُلزم» ينظم عمليتي ملء وتشغيل «سد النهضة». وقال الوزير عبد العاطي إن «وزارة الري تستهدف توفير الاحتياجات المائية بكفاءة، والتعامل الفوري لحسم أي شكاوى من المنتفعين»، موجهاً بـ«الاستمرار في رفع درجة الاستعداد خلال فترة أقصى الاحتياجات لإدارة المنظومة المائية بنجاح».


مقالات ذات صلة

كيف تؤثر التوترات في السودان على موقف مصر بملف «سد النهضة»؟

العالم العربي كيف تؤثر التوترات في السودان على موقف مصر بملف «سد النهضة»؟

كيف تؤثر التوترات في السودان على موقف مصر بملف «سد النهضة»؟

جددت الاشتباكات بين قوات الجيش السوداني، وقوات «الدعم السريع»، المخاوف من دخول السودان في موجة جديدة من الاضطرابات، يمكن أن تؤثر على ملف «سد النهضة»، في وقت تستعد فيه إثيوبيا للملء الرابع لبحيرة السد، الذي يثير خلافات بشأنه مع دولتي المصب (السودان ومصر). وأكد مراقبون وخبراء تحدثوا إلى «الشرق الأوسط»، أن للاضطرابات الأخيرة في السودان «تأثيراً مباشراً» على أكثر من ملف إقليمي، من بينها أزمة «سد النهضة»، لافتين إلى أن «الارتباك السياسي» سيضعف أي تحفظات سودانية على الملء الرابع المنتظر أن يبدأ صيف هذا العام، الأمر الذي «يلقي بمزيد من الأعباء على الجانب المصري، وتحركاته الدولية والأممية في الملف». و

العالم العربي كيف يؤثر النزاع في السودان على موقف مصر بملف «سد النهضة»؟

كيف يؤثر النزاع في السودان على موقف مصر بملف «سد النهضة»؟

جددت الاشتباكات بين قوات الجيش السوداني، وقوات «الدعم السريع»، المخاوف من دخول السودان في موجة جديدة من الاضطرابات، يمكن أن تؤثر على ملف «سد النهضة»، في وقت تستعد فيه إثيوبيا للملء الرابع لبحيرة السد، الذي يثير خلافات بشأنه مع دولتي المصب (السودان ومصر). وأكد مراقبون وخبراء تحدثوا إلى «الشرق الأوسط»، أن للاضطرابات الأخيرة في السودان «تأثيراً مباشراً» على أكثر من ملف إقليمي، من بينها أزمة «سد النهضة»، لافتين إلى أن «الارتباك السياسي» سيضعف أي تحفظات سودانية على الملء الرابع المنتظر أن يبدأ صيف هذا العام، الأمر الذي «يلقي بمزيد من الأعباء على الجانب المصري، وتحركاته الدولية والأممية في الملف». و

العالم العربي «سد النهضة»: «الملء الرابع» يؤجج الخلافات بين مصر وإثيوبيا

«سد النهضة»: «الملء الرابع» يؤجج الخلافات بين مصر وإثيوبيا

مع اقتراب عملية الملء الرابع لخزان «سد النهضة» الإثيوبي على نهر النيل، تأججت الخلافات بين القاهرة وأديس أبابا، وسط تصعيد متوقع خلال الفترة القادمة في ظل جمود المفاوضات. وفيما اتهمت إثيوبيا مصر بـ«تسييس القضية»، رافضة الحصول على «إذن مسبق» من أجل الشروع في عملية الملء، قالت الخارجية المصرية إن إثيوبيا «تتنصل من المسؤولية القانونية». وتبني إثيوبيا «سد النهضة» على الرافد الرئيسي لنهر النيل، منذ عام 2011، ووفق الهيئة الحكومية المسؤولة عن المشروع، فقد اكتمل 90 في المائة من عمليات البناء.

محمد عبده حسنين (القاهرة)
العالم العربي «سد النهضة»: الملء الرابع يؤجج الخلافات بين مصر وإثيوبيا

«سد النهضة»: الملء الرابع يؤجج الخلافات بين مصر وإثيوبيا

مع اقتراب عملية الملء الرابع لخزان «سد النهضة» الإثيوبي على نهر النيل، تأججت الخلافات بين القاهرة وأديس أبابا، وسط تصعيد متوقع في ظل جمود المفاوضات. وفيما اتهمت إثيوبيا مصر بـ«تسييس القضية»، رافضة الحصول على «إذن مسبق» من أجل الشروع في عملية الملء، قالت الخارجية المصرية إن إثيوبيا «تتنصل من المسؤولية القانونية». وتبني إثيوبيا «سد النهضة» على الرافد الرئيسي لنهر النيل، منذ عام 2011، ووفق الهيئة الحكومية المسؤولة عن المشروع، فقد اكتمل 90 في المائة من عمليات البناء.

محمد عبده حسنين (القاهرة)
العالم العربي «معركة علمية» بين القاهرة وأديس أبابا لحسم النزاع المائي

«معركة علمية» بين القاهرة وأديس أبابا لحسم النزاع المائي

تسعى إثيوبيا إلى «انتفاضة بحثية علمية» تخدم موقفها في نزاعها المائي مع مصر، التي نجحت في فرض حضور دولي مبني على «نشر معلومات مغايرة للحقيقة»، بحسب وزير المياه والطاقة الإثيوبي هبتامو إيتافا. وتتنازع إثيوبيا مع كل من مصر والسودان، بسبب «سد النهضة»، الذي تبنيه على الرافد الرئيسي لنهر النيل، ويثير توترات مع دولتي المصب. وتقول القاهرة إن السد، الذي يقام منذ 2011، وقارب على الانتهاء بنحو 90 في المائة، يهدد «حقوقها» في مياه النهر الدولي، مطالبةً بضرورة التوصل إلى اتفاق قانوني مُلزم ينظم قواعد ملء وتشغيل «سد النهضة».

محمد عبده حسنين (القاهرة)

إرغام تربويين في صنعاء على تلقي برامج تعبئة طائفية

مسؤولون تربويون في صنعاء يخضعون لتعبئة حوثية (إعلام حوثي)
مسؤولون تربويون في صنعاء يخضعون لتعبئة حوثية (إعلام حوثي)
TT

إرغام تربويين في صنعاء على تلقي برامج تعبئة طائفية

مسؤولون تربويون في صنعاء يخضعون لتعبئة حوثية (إعلام حوثي)
مسؤولون تربويون في صنعاء يخضعون لتعبئة حوثية (إعلام حوثي)

أوقفت الجماعة الحوثية عشرات القادة والمسؤولين التربويين في العاصمة المختطفة صنعاء عن العمل، وأحالتهم إلى المحاسبة تمهيداً لفصلهم من وظائفهم، بعد أن وجّهت إليهم تهماً برفض حضور ما تُسمى «برامج تدريبية» تُقيمها حالياً في صنعاء وتركّز على الاستماع إلى سلسلة محاضرات لزعيمها عبد الملك الحوثي.

وفي سياق سعي الجماعة لتعطيل ما تبقى من مؤسسات الدولة تحت سيطرتها، تحدّثت مصادر تربوية في صنعاء لـ«الشرق الأوسط»، عن إرغام الجماعة أكثر من 50 مسؤولاً وقيادياً تربوياً يشملون وكلاء قطاعات ومديري عموم في وزارة التعليم الحوثية على الخضوع لبرامج تعبوية تستمر 12 يوماً.

ملايين الأطفال في مناطق سيطرة الحوثيين عُرضة لغسل الأدمغة (رويترز)

وبموجب التعليمات، ألزمت الجماعة القادة التربويين بحضور البرنامج، في حين اتخذت إجراءات عقابية ضد المتغيبين، وكذا المنسحبون من البرنامج بعد انتهاء يومه الأول، لعدم قناعتهم بما يتمّ بثّه من برامج وأفكار طائفية.

وكشفت المصادر عن إحالة الجماعة 12 مديراً عاماً ووكيل قطاع تربوي في صنعاء ومدن أخرى إلى التحقيق، قبل أن تتخذ قراراً بإيقافهم عن العمل، بحجة تخلفهم عن المشاركة في برنامجها التعبوي.

وجاء هذا الاستهداف تنفيذاً لتعليمات صادرة من زعيم الجماعة وبناء على مخرجات اجتماع ترأسه حسن الصعدي المعيّن وزيراً للتربية والتعليم والبحث العلمي بحكومة الانقلاب، وخرج بتوصيات تحض على إخضاع التربويين لبرامج تحت اسم «تدريبية» على ثلاث مراحل، تبدأ بالتعبئة الفكرية وتنتهي بالالتحاق بدورات عسكرية.

توسيع التطييف

تبرّر الجماعة الحوثية إجراءاتها بأنها رد على عدم استجابة التربويين للتعليمات، ومخالفتهم الصريحة لما تُسمّى مدونة «السلوك الوظيفي» التي فرضتها سابقاً على جميع المؤسسات تحت سيطرتها، وأرغمت الموظفين تحت الضغط والتهديد على التوقيع عليها.

وأثار السلوك الحوثي موجة غضب في أوساط القادة والعاملين التربويين في صنعاء، ووصف عدد منهم في حديثهم لـ«الشرق الأوسط»، ذلك التوجه بأنه «يندرج في إطار توسيع الجماعة من نشاطاتها الطائفية بصورة غير مسبوقة، ضمن مساعيها الرامية إلى تطييف ما تبقى من فئات المجتمع بمن فيهم العاملون في قطاع التعليم».

عناصر حوثيون يرددون هتافات الجماعة خلال تجمع في صنعاء (إ.ب.أ)

واشتكى تربويون في صنعاء، شاركوا مكرهين في البرامج الحوثية، من إلزامهم يومياً منذ انطلاق البرنامج بمرحلته الأولى، بالحضور للاستماع إلى محاضرات مسجلة لزعيم الجماعة، وتلقي دروس طائفية تحت إشراف معممين جرى استقدام بعضهم من صعدة حيث المعقل الرئيس للجماعة.

ويأتي تحرك الجماعة الحوثية لتعبئة ما تبقى من منتسبي قطاع التعليم فكرياً وعسكرياً، في وقت يتواصل فيه منذ سنوات حرمان عشرات الآلاف من المعلمين من الحصول على مرتباتهم، بحجة عدم توفر الإيرادات.

ويتحدث ماجد -وهو اسم مستعار لمسؤول تعليمي في صنعاء- لـ«الشرق الأوسط»، عن تعرضه وزملائه لضغوط كبيرة من قبل مشرفين حوثيين لإجبارهم بالقوة على المشاركة ضمن ما يسمونه «برنامجاً تدريبياً لمحاضرات زعيم الجماعة من دروس عهد الإمام علي عليه السلام لمالك الأشتر».

وأوضح المسؤول أن مصير الرافضين الانخراط في ذلك البرنامج هو التوقيف عن العمل والإحالة إلى التحقيق وربما الفصل الوظيفي والإيداع في السجون.

يُشار إلى أن الجماعة الانقلابية تركز جُل اهتمامها على الجانب التعبوي، عوضاً الجانب التعليمي وسط ما يعانيه قطاع التعليم العمومي من حالة انهيار وتدهور غير مسبوقة.