مصر: اختلاف بوجهات النظر في مفاوضات «صندوق النقد»

مطالب بإصلاحات هيكلية تؤثر على سعر الصرف

ميدان طلعت حرب المركزي وسط مدينة القاهرة (أ.ف.ب)
ميدان طلعت حرب المركزي وسط مدينة القاهرة (أ.ف.ب)
TT

مصر: اختلاف بوجهات النظر في مفاوضات «صندوق النقد»

ميدان طلعت حرب المركزي وسط مدينة القاهرة (أ.ف.ب)
ميدان طلعت حرب المركزي وسط مدينة القاهرة (أ.ف.ب)

تواصل مصر مفاوضاتها مع صندوق النقد الدولي للحصول على تمويل في إطار برنامج «التسهيل الممدد»، وسط تأكيدات مصرية بوجود «اختلاف في وجهات النظر» بين الحكومة المصرية والصندوق، يشير خبراء إلى أنها تتعلق بـ«مطالبة الصندوق بإصلاحات هيكلية قد تؤثر على سعر صرف الجنيه المصري أمام الدولار»، و«تزيد الضغوط على المواطن».
وقالت الدكتورة جيهان صالح، المستشارة الاقتصادية لرئيس مجلس الوزراء، في تصريحات تلفزيونية، مساء أمس (الاثنين)، إن «المفاوضات مع صندوق النقد الدولي ما زالت مستمرة، وكان هناك وفد من الصندوق يزور مصر مؤخراً لهذا الغرض، ما زلنا نعمل معاً على النقاط الفنية»، مشيرةً إلى أن «مصر لديها برنامج وطني للإصلاحات الهيكلية أعدّته منذ عام 2021 يتضمن تمكين القطاع الخاص، والإصلاحات الهيكلية، ووثيقة ملكية الدولة».
وأضافت صالح أن «مصر حددت مستهدفاتها الاقتصادية، وطريقة تحقيقها»، معلقةً على فكرة وجود خلاف مع صندوق النقد الدولي بقولها: «ليس خلافاً بل اختلاف في وجهات النظر، فطريقة صندوق النقد في تحقيق المستهدفات تختلف عن طريقة مصر»، رافضة تحديد مدى زمني للمفاوضات، أو الإفصاح عن قيمة القرض الذي تطلبه مصر، وقالت إن «الأهم من قيمة القرض، هو حصول مصر على دعم من المؤسسات الدولية، في البرنامج الذي تعمل عليه، بما يعطيها شهادة ثقة لجذب الاستثمار».

تأتي هذه التصريحات بعد أيام من تلميحات مشابهة من الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، الذي طلب مساعدة الدول الأوروبية في إقناع صندوق النقد الدولي، وقال في تصريحاته الأسبوع الماضي عقب لقائه والمستشار الألماني أولاف شولتس في برلين: «نطلب من أصدقائنا في أوروبا أن يساعدونا في إيصال رسالة إلى مؤسسات التمويل الدولية، مثل صندوق النقد، والبنك الدولي، لأن الواقع الموجود في بلادنا لا يتحمل المعايير المعمول بها في هذه المرحلة»، مضيفاً: «لا نستطيع تنفيذ نفس الإجراءات المعمول بها في أوروبا، ونرفع الأسعار على المواطن، لأن ذلك سيُحدث تضخماً لا يتحمله المواطن، وبالتي ستكون حالة عدم الاستقرار على المحك».

وطرح الأمر على أجندة المباحثات مع الرئيس الأميركي جو بايدن، خلال لقاء جمع الرئيسين في جدة مؤخراً، حيث أكد بايدن «دعم بلاده للمشاورات الجارية مع صندوق النقد الدولي، لتوفير تمويل إضافي لمصر، إضافةً إلى دعم أميركا الكامل لمشاركة مصر مع البنك الدولي للبحث عن خيارات تمويل لتحقيق الاستقرار في اقتصادها وتعزيز رفاهية الأسر المصرية، من خلال حزمة تمويل الاستجابة للأزمات التي أعلنها البنك الدولي مؤخراً»، حسب بيان صحافي من البيت الأبيض.
ويوضح الدكتور فخري الفقي، أستاذ الاقتصاد الدولي بجامعة القاهرة، أن «الحصول على تمويل من صندوق النقد الدولي يتطلب تنفيذ إجراءات استباقية، كما حدث من قبل عند حصول مصر على قرض الصندوق عام 2016، حيث قامت مصر بتحرير سعر الصرف، ورفع الدعم عن الوقود، هذا ما سيطلبه الصندوق من مصر الآن»، ويقول في تصريحات لـ«الشرق الأوسط» إن «مصر رفعت الدعم عن الوقود، وحررت سعر صرف الجنيه المصري، لكنّ صندوق النقد يطالب بإنهاء قوائم الانتظار على الاعتمادات الدولارية، وهي المسألة التي تتفاوض مصر بشأنها الآن، بدعوى أن هذه القوائم مبالَغ فيها، إضافةً إلى أن تلبيتها دفعة واحدة قد تؤثر بشكل كبير على نسب التضخم، والأسعار».
وحررت مصر سعر الصرف نهاية عام 2016، كما نفّذت تحريراً آخر في مارس (آذار) الماضي، ليصل قيمة الدولار اليوم إلى 18.93 جنيه مصري، ويشكو المصريون من موجة غلاء جراء تداعيات «كوفيد - 19»، والأزمة الروسية - الأوكرانية، ورفع أسعار الوقود، وتغير سعر صرف الجنيه.
واختتمت بعثة صندوق النقد الدولي زيارة لمصر في 7 يوليو (تموز) الجاري استمرت 12 يوماً، لمناقشة دعم الصندوق لبرنامج لإصلاح الشامل الذي وضعته السلطات المصرية، وقالت سيلين آلارا، رئيسة بعثة صندوق النقد الدولي لمصر، في بيان صحافي، إن: «الخبراء أجروا مناقشات مثمرة حول السياسات والإصلاحات الاقتصادية المزمع دعمها من خلال اتفاق في ظل برنامج تسهيل الصندوق الممدد، وسنواصل العمل على نحو وثيق مع السلطات للتوصل إلى اتفاق على مستوى خبراء الصندوق»، مشيرة إلى أن «الاتفاق النهائي مرتبط بموافقة المجلس التنفيذي للصندوق».
ويقول الفقي إنه «نظراً لسجل مصر مع الصندوق، ومع استمرار المفاوضات الاقتصادية مع الصندوق، والتشاور على المستوى السياسي مع الدول الكبرى، ستحصل مصر على التمويل، الذي ستتراوح قيمته ما بين 5 و7 مليارات دولار»، موضحاً أن «مصر حصلت على قروض بقيمة 20 مليار دولار من الصندوق، أي نحو 7 أضعاف حصتها، والمعتاد ألا تزيد قيمة القروض على أربعة أضعاف حصة الدولة»، مشيراً إلى أن «هذه المبالغ مقسّمة كالتالي: 12 منها ضمن برنامج (التسهيل الممد) عام 2016، و8 أخرى في أعقاب (كوفيد – 19)، وسددت مصر حتى الآن نحو 5 مليارات دولار».
وطلبت مصر من الصندوق الحصول على تمويل إضافي في مارس الماضي. وقالت آلارا: «التغير السريع في البيئة العالمية وتأثير التداعيات المرتبطة بالحرب في أوكرانيا يفرضان تحديات مهمة على البلدان في مختلف أنحاء العالم، ومنها مصر، وفي هذا السياق، طلبت السلطات المصرية دعم صندوق النقد الدولي في تنفيذ برنامجها الاقتصادي الشامل»، مرحبةً بـ«الإجراءات التي اتخذتها السلطات المصرية مؤخراً، من توسع في الحماية الاجتماعية، وتطبيق للمرونة في حركة سعر الصرف»، مؤكدة أن «استمرار مرونة سعر الصرف عامل ضروري لاستيعاب الصدمات الخارجية وحماية هوامش الأمان المالية في أثناء هذه الفترة من عدم اليقين، كما سيكون اتباع منهج حذر في السياستين المالية والنقدية أمراً ضرورياً أيضاً للحفاظ على الاستقرار الاقتصادي الكلّي».



السعودية... نظام جديد للبتروكيماويات لتعزيز كفاءة قطاع الطاقة وتحقيق الاستدامة

أحد مصانع «الشركة السعودية للصناعات الأساسية (سابك)»... (واس)
أحد مصانع «الشركة السعودية للصناعات الأساسية (سابك)»... (واس)
TT

السعودية... نظام جديد للبتروكيماويات لتعزيز كفاءة قطاع الطاقة وتحقيق الاستدامة

أحد مصانع «الشركة السعودية للصناعات الأساسية (سابك)»... (واس)
أحد مصانع «الشركة السعودية للصناعات الأساسية (سابك)»... (واس)

يمثل إقرار مجلس الوزراء السعودي «نظام الموارد البترولية والبتروكيماوية» خطوة استراتيجية على طريق تعزيز المنظومة التشريعية لقطاع الطاقة في البلاد، وتنفيذ مستهدفاتها الوطنية، وتحقيق أمن الطاقة، وضمان استدامة وموثوقية الإمدادات، ودعم توطين سلسلة القيمة في القطاع، وخلق فرص عمل جديدة، وفق ما صرح به مختصون لـ«الشرق الأوسط».

والسعودية من بين أكبر منتجي البتروكيماويات في العالم، وهو القطاع الذي توليه أهمية في إطار عملية التنويع الاقتصادي. من هنا، فإنه يمثل حصة كبيرة من صادراتها غير النفطية. ويبلغ الإنتاج السنوي من البتروكيماويات في السعودية نحو 118 مليون طن.

وكان الأمير عبد العزيز بن سلمان، وزير الطاقة، قال إن «نظام الموارد البترولية والبتروكيماوية يأتي ليحقق عدداً من المستهدفات، في مقدمتها؛ تنظيم العمليات البترولية والبتروكيماوية، بما يسهم في النمو الاقتصادي، ودعم جهود استقطاب الاستثمارات، وزيادة معدلات التوظيف، ورفع مستويات كفاءة استخدام الطاقة، ويُسهم في حماية المستهلكين والمرخص لهم، ويضمن جودة المنتجات، وإيجاد بيئة تنافسية تحقق العائد الاقتصادي العادل للمستثمرين».

زيادة التنافسية

يقول كبير مستشاري وزارة الطاقة السعودية سابقاً، الدكتور محمد سرور الصبان، في تصريح لـ«الشرق الأوسط» إن «(نظام الموارد البترولية والبتروكيماوية) سيلعب دوراً كبيراً في إعادة هيكلة وبناء المنظومة التشريعية لقطاع الطاقة، والاستفادة من التجارب العالمية الناجحة وأفضل الممارسات الدولية، بما يسهم في تحقيق الأهداف الوطنية في تطوير هذا القطاع الحيوي وتعظيم الاستفادة منه»، مضيفاً أنه «سيزيد من القدرة التنافسية بين شركات البتروكيماويات وسيدعم جهود السعودية لتعزيز أمن الطاقة؛ سواء للاستخدام المحلي ولتصدير بعض المنتجات والنفط الخام إلى الأسواق العالمية».

وأشار الصبان إلى أن النظام الجديد سيساهم في استقطاب الاستثمارات الأجنبية إلى السوق السعودية؛ «مما سيعزز معدلات التوظيف، ويرفع كفاءة استخدام الطاقة، ويساعد في ترشيد استهلاك الطاقة ومنتجات البتروكيماويات واقترابها من المعدل الفردي العالمي»، لافتاً إلى أن «تنظيم العمليات النفطية والبتروكيماوية يساهم في رفع معدلات النمو الاقتصادي وتحقيق المستهدفات السعودية في أمن الطاقة».

أحد مصانع «الشركة السعودية للصناعات الأساسية (سابك)»... (واس)

تنظيم العمليات التشغيلية

من جهته، قال محمد حمدي عمر، الرئيس التنفيذي لشركة «جي وورلد» المختصة في تحليل بيانات قطاعات الاستثمارات البديلة، لـ«الشرق الأوسط»، إن النظام «يُسهم في تحقيق أهداف متعددة، تشمل رفع كفاءة الأداء في القطاع، وتحقيق المستهدفات الوطنية، وتنظيم العمليات النفطية والبتروكيماوية. كما تكمن أهمية النظام في تلبية احتياجات القطاع عبر تطوير الإطار القانوني بما يواكب أفضل الممارسات العالمية».

وأضاف أن النظام «يمثل نقلة نوعية، ويحل محل نظام التجارة بالمنتجات النفطية السابق، ويهدف إلى تنظيم العمليات التشغيلية، بما في ذلك أنشطة البيع، والشراء، والنقل، والتخزين، والاستيراد، والتصدير، كما يضمن الاستخدام الأمثل للموارد النفطية والبتروكيماوية، مما يعزز من حماية المستهلكين والمستثمرين، ويدعم توفير بيئة تنافسية عادلة».

وأشار حمدي إلى أن النظام يضمن حماية المستهلكين والمرخص لهم؛ «مما يعزز من ثقة السوق ويضمن جودة المنتجات، بالإضافة إلى دعم استقطاب الاستثمارات من خلال توفير بيئة تنظيمية واضحة وشفافة، تعزز ثقة المستثمرين المحليين والدوليين، كما يُسهم في تحقيق أمن الطاقة عبر ضمان استدامة وموثوقية الإمدادات، فضلاً عن دعم توطين سلسلة القيمة في القطاع، وخلق فرص عمل جديدة».

ويرى حمدي أن النظام يعكس التزام السعودية بتحقيق أهداف «رؤية 2030»، عبر «تعزيز كفاءة قطاع الطاقة، وتنظيم عملياته، وحماية حقوق المستهلكين والمستثمرين، مما يُسهم في تحقيق التنمية المستدامة ودعم الاقتصاد الوطني»، مشيراً إلى «أننا سنرى تحولاً كبيراً في القطاع بعد العمل بهذا النظام، ودخول استثمارات أجنبية جديدة أكثر مع وضوح الرؤية المستقبلية للاستثمار في هذا القطاع الحيوي».

مواكبة التحولات الكبيرة

أما المحلل الاقتصادي طارق العتيق، فقال لـ«الشرق الأوسط»، إن هذا النظام «خطوة استراتيجية في مواكبة التحولات الكبيرة التي يشهدها قطاعا الطاقة والبتروكيماويات عالمياً والقطاعات المرتبطة بهما. كما يسهم في دعم الصناعات التحويلية وتعزيز قيمتها وإضافتها إلى الاقتصاد المحلي والمنتج الوطني، بما يخدم مصلحة تعزيز الصناعات ذات القيمة المضافة والتنويع الاقتصادي وتحقيق أهداف (رؤية 2030) في هذا السياق».

وأشار العتيق إلى أن النظام ستكون له مساهمات مهمة في تحفيز وتنمية الصناعات المحلية بقطاع البتروكيماويات، «مثل صناعات البلاستيك والمطاط وقطع الغيار... وغيرها، وفي الاستفادة من الميزة التنافسية التي تمتلكها السعودية في إنتاج المواد الأولية، وأهمية استغلالها في تصنيع منتجات نهائية تلبي الطلب المحلي والإقليمي. كما أنه سيسهم في رفع التنافسية بالقطاع ويزيد مساهمته في خلق الوظائف والتوطين، ونقل المعرفة والخبرات إلى سوق العمل السعودية».