«التراث السعودية» تكشف عن نتائج جديدة لـ«موقع الفاو الأثري» بالرياض

اكتشفت بقايا مستوطنات بشرية تعود للعصر الحجري الحديث قبل 8000 سنة (واس)
اكتشفت بقايا مستوطنات بشرية تعود للعصر الحجري الحديث قبل 8000 سنة (واس)
TT

«التراث السعودية» تكشف عن نتائج جديدة لـ«موقع الفاو الأثري» بالرياض

اكتشفت بقايا مستوطنات بشرية تعود للعصر الحجري الحديث قبل 8000 سنة (واس)
اكتشفت بقايا مستوطنات بشرية تعود للعصر الحجري الحديث قبل 8000 سنة (واس)

أعلنت «هيئة التراث السعودية»، اليوم (الثلاثاء)، عن نجاح فريق علمي سعودي وخبراء دوليين في الكشف عن مزيد من أسرار موقع الفاو الأثري؛ عاصمة مملكة كندة، الواقعة على أطراف الربع الخالي؛ 100 كيلومتر إلى الجنوب من وادي الدواسر على الطريق الحديثة الرابطة بين مدينتي وادي الدواسر ونجران.
وكان فريق سعودي من «الهيئة»، بالتعاون مع فريق من خبراء دوليين، قد أجرى مسحاً أثرياً باستخدام أحدث ما وصلت إليه تقنيات المسح الأثري، التي شملت: المسح بالتصوير الفوتوغرافي الجوي عالي الجودة، والمسح بواسطة الطائرات من دون طيار باستخدام نقاط تحكم أرضية، والمسح الطبوغرافي، والمسح باكتشاف الضوء وتحديد المدى - الاستشعار من بعد لفحص سطح الأرض -، والرادار المخترق الأرضي، والمسح بالليزر، والمسح الجيوفيزيائي. إضافة إلى أعمال المسح الأرضي المكثف بواسطة خبراء الآثار، ثم عمل مجسات أثرية اختبارية موزعة في الموقع.
ونتج عن المسح العديد من المكتشفات الأثرية؛ أهمها: الكشف عن منطقة لمزاولة شعائر العبادة لسكان الفاو في الواجهة الصخرية لأطراف جبال طويق المعروفة باسم «خشم قرية» إلى الشرق من موقع الفاو الأثري، حيث عُثر على بقايا معبد بُني من الحجارة، وعُثر فيه على بقايا مائدة لتقديم القرابين، كما عُثر على العديد من النقوش التعبدية المنتشرة في المكان، ويضيف هذا الاكتشاف مزيداً من المعلومات عن التنظيمات الدينية لمدينة الفاو الأثرية.
واكتشفت بقايا مستوطنات بشرية تعود للعصر الحجري الحديث قبل 8000 سنة، وجرى توثيق وتصنيف أكثر من 2807 مقابر منتشرة في الموقع، صنفت إلى 6 مجموعات تمثل فترات زمنية مختلفة. ومن أهم النتائج الكشف عن نقش تعبدي مقدم للإله «كهل» في معبد جبل لحق من قِبل شخص اسمه: وهـ بل ت (وهب الات) من عائلة م لح ت (ملحة) الجرهائيين (أي من مدينة الجرهاء)، وتكمن أهمية النقش في أنه أيضاً ذكر اسم شخص وعائلة من مدينة الجرهاء، وأنه مقدم للإله «كهل» إله مدينة الفاو في معبد جبل لحق؛ المكان الذي عثر فيه على النقش (في جبل طويق)، أي إنه أيضاً يشير للاسم القديم للمكان الذي بُنى به المعبد.
ويشير هذا النقش إلى العلاقة بين مدينة الفاو ومدينة الجرهاء، التي من المتوقع أن تكون تجارية بحكم موقع مدينة الفاو على طرق التجارة القديمة، كما يدل أيضاً على وجود تسامح ديني بين سكان المدينتين، أو إن بعض سكان مدينة الجرهاء كانوا أيضاً يعبدون الإله «كهل» إله قرية الفاو.
وعرفت مدينة الجرهاء بالكتابات القديمة وبثرائها وقوتها الاقتصادية، وهي مدينة لا يعلم بشكل قاطع موقعها حتى الآن، إلا إن العديد من العلماء يرجحون موقع ثاج الأثري مكاناً لها.

ويضيف هذا الاكتشاف مزيداً من المعلومات عن التوزيع الجغرافي لمعابد مدينة الفاو الأثرية، بالإضافة إلى العثور على أساسات 4 مبانٍ ضخمة مزود بعضها بأبراج في أركانها بمحاذاة حافة جبال طويق، وتشير عمارة وتقسيمات المباني الداخلية وساحاتها المكشوفة بين المباني الداخلية إلى استخدامها استراحاتٍ للقوافل التجارية.
وتعرفت هذه الاكتشافات على نظام الري الذي يحتوي على مئات الخزانات الأرضية التي حفرها إنسان الفاو لتخزين مياه السيول في مجرى الوادي بجوار المناطق التي استخدمت للزراعة، ولعل هذا يبرر كيف استطاع إنسان الفاو التغلب على الظروف المناخية الجافة وقليلة الأمطار في واحدة من أشد البيئات الصحراوية قساوة في العالم.
ونتج عن الأعمال المسحية المركزة، وصور الاستشعار من بعد، الكشف عن عدد من المساحات الزراعية التي يعتقد أنها كانت حقولاً زراعية استخدمت لزراعة عدد من المحاصيل التي تسهم في تأمين حياة سكان المدينة، إلى جانب الكشف عن مجموعة من الرسومات والكتابات الصخرية التي نحتت على الواجهة الصخرية لحافة جبل طويق (جبل خشم قرية)، حيث تروي الرسومات الصخرية العديد من المشاهد اليومية للصيد والترحال والقتال، وهي قصة رجل اسمه «مَذكَر بن منعم» حاول أن يخلق من الجبل مكاناً لينشر فيه قصته عبر النحت على الصخور.
يذكر أن الأعمال الميدانية في موقع الفاو كانت قد بدأت بجهود جامعة الملك سعود في سبعينات القرن الماضي بقيادة عالم الآثار السعودي الدكتور عبد الرحمن الأنصاري، حيث استمرت لأكثر من 40 عاماً، كشف خلالها عن العديد من الجوانب الثقافية للموقع؛ أبرزها: المنطقة السكنية، ومنطقة السوق، والمعابد، والمقابر. ونشرت النتائج في 7 مجلدات تحتوي على نتائج هذه الأعمال الأثرية.
وتأتي هذه النتائج ضمن الجهود المستمرة لـ«هيئة التراث» في الكشف عن مواقع التراث الثقافي في المملكة وحمايتها، ونشرها للتعريف بها داخلياً وخارجياً؛ لتعكس الغنى التراثي والتاريخي للمملكة التي تثبت أنها كانت موطناً للعديد من الحضارات الإنسانية المتعاقبة على مر التاريخ.



مصر: الكشف عن صرح معبد بطلمي في سوهاج

المعبد البطلمي تضمّن نقوشاً ورسوماً متنوّعة (وزارة السياحة والآثار)
المعبد البطلمي تضمّن نقوشاً ورسوماً متنوّعة (وزارة السياحة والآثار)
TT

مصر: الكشف عن صرح معبد بطلمي في سوهاج

المعبد البطلمي تضمّن نقوشاً ورسوماً متنوّعة (وزارة السياحة والآثار)
المعبد البطلمي تضمّن نقوشاً ورسوماً متنوّعة (وزارة السياحة والآثار)

أعلنت وزارة السياحة والآثار المصرية، السبت، عن اكتشاف صرح لمعبد بطلمي في محافظة سوهاج (جنوب مصر). وذكرت البعثة الأثرية المشتركة بين «المجلس الأعلى للآثار» في مصر وجامعة «توبنغن» الألمانية أنه جرى اكتشاف الصرح خلال العمل في الناحية الغربية لمعبد أتريبس الكبير.

وعدّ الأمين العام للمجلس الأعلى للآثار، الدكتور محمد إسماعيل خالد، هذا الكشف «النواة الأولى لإزاحة الستار عن باقي عناصر المعبد الجديد بالموقع»، وأوضح أنّ واجهة الصرح التي كُشف عنها بالكامل يصل اتساعها إلى 51 متراً، مقسمة إلى برجين؛ كل برج باتّساع 24 متراً، تفصل بينهما بوابة المدخل.

ولفت إسماعيل إلى أنّ الارتفاع الأصلي للصرح بلغ نحو 18 متراً، وفق زاوية ميل الأبراج، ما يضاهي أبعاد صرح معبد الأقصر، مؤكداً على استكمال أعمال البعثة في الموقع للكشف عن باقي المعبد بالكامل خلال مواسم الحفائر المقبلة، وفق بيان للوزارة.

جانب من صرح المعبد المُكتشف (وزارة السياحة والآثار)

بدوره، قال رئيس «الإدارة المركزية لآثار مصر العليا»، ورئيس البعثة من الجانب المصري، محمد عبد البديع، إنه كُشف عن النصوص الهيروغليفية التي تزيّن الواجهة الداخلية والجدران، خلال أعمال تنظيف البوابة الرئيسية التي تتوسَّط الصرح، كما وجدت البعثة نقوشاً لمناظر تصوّر الملك وهو يستقبل «ربيت» ربة أتريبس، التي تتمثّل برأس أنثى الأسد، وكذلك ابنها المعبود الطفل «كولنتس».

وأوضح أنّ هذه البوابة تعود إلى عصر الملك بطليموس الثامن الذي قد يكون هو نفسه مؤسّس المعبد، ومن المرجح أيضاً وجود خرطوش باسم زوجته الملكة كليوباترا الثالثة بين النصوص، وفق دراسة الخراطيش المكتشفة في المدخل وعلى أحد الجوانب الداخلية.

وقال رئيس البعثة من الجانب الألماني، الدكتور كريستيان ليتز، إنّ البعثة استكملت الكشف عن الغرفة الجنوبية التي كان قد كُشف عن جزء منها خلال أعمال البعثة الأثرية الإنجليزية في الموقع بين عامَي 1907 و1908، والتي زُيّن جانبا مدخلها بنصوص هيروغليفية ومناظر تمثّل المعبودة «ربيت» ورب الخصوبة «مين» وهو محوط بهيئات لمعبودات ثانوية فلكية، بمثابة نجوم سماوية لقياس ساعات الليل.

رسوم ونجوم تشير إلى ساعات الليل في المعبد البطلمي (وزارة السياحة والآثار)

وأضاف مدير موقع الحفائر من الجانب الألماني، الدكتور ماركوس مولر، أنّ البعثة كشفت عن غرفة في سلّم لم تكن معروفة سابقاً، ويمكن الوصول إليها من خلال مدخل صغير يقع في الواجهة الخارجية للصرح، وتشير درجات السلالم الأربع إلى أنها كانت تقود إلى طابق علوي تعرّض للتدمير عام 752.

يُذكر أنّ البعثة المصرية الألمانية المشتركة تعمل في منطقة أتريبس منذ أكثر من 10 سنوات؛ وأسفرت أعمالها عن الكشف الكامل لجميع أجزاء معبد أتريبس الكبير، بالإضافة إلى ما يزيد على 30 ألف أوستراكا، عليها نصوص ديموطيقية وقبطية وهيراطيقة، وعدد من اللقى الأثرية.

وعدَّ عالم الآثار المصري، الدكتور حسين عبد البصير، «الكشف عن صرح معبد بطلمي جديد في منطقة أتريبس بسوهاج إنجازاً أثرياً كبيراً، يُضيء على عمق التاريخ المصري في فترة البطالمة، الذين تركوا بصمة مميزة في الحضارة المصرية». وقال لـ«الشرق الأوسط» إنّ «هذا الاكتشاف يعكس أهمية أتريبس موقعاً أثرياً غنياً بالموروث التاريخي، ويُبرز تواصل الحضارات التي تعاقبت على أرض مصر».

ورأى استمرار أعمال البعثة الأثرية للكشف عن باقي عناصر المعبد خطوة ضرورية لفهم السياق التاريخي والمعماري الكامل لهذا الصرح، «فمن خلال التنقيب، يمكن التعرّف إلى طبيعة استخدام المعبد، والطقوس التي مورست فيه، والصلات الثقافية التي ربطته بالمجتمع المحيط به»، وفق قوله.

ووصف عبد البصير هذا الاكتشاف بأنه «إضافة نوعية للجهود الأثرية التي تُبذل في صعيد مصر، ويدعو إلى تعزيز الاهتمام بالمواقع الأثرية في سوهاج، التي لا تزال تخفي كثيراً من الكنوز».