«وش وضهر»... دراما شعبية «غير نمطية» مغلّفة بالبهجة

رغم حبكته الهادئة وبساطة فكرته، استطاع مسلسل «وش وضهر» الذي اكتملت حلقاته العشر على منصة «شاهد» تحقيق نسب مشاهدة عالية، وإحداث تفاعل كبير على مواقع التواصل الاجتماعي، مع إشادات نقدية لافتة.

يقدم العمل النجم إياد نصار في دور جديد عليه تماماً، ممرض يفرّ من القاهرة ليحقق حلم مراهقته ويصبح طبيباً في مدينة طنطا (دلتا مصر)، مستغلاً مهارته القديمة وكفاءته الشديدة حين كان الذراع اليمنى للدكتور جمال الذي اعتبره مثل ابنه وسقاه أسرار مهنة الطب. هنا يتخلى «إياد» عما عُرف به سابقاً من سمات كالقسوة أو التجهم أو المكر أو الجدية الشديدة في أدوار مثل «حسن البنا»، و«وكيل النيابة»، و«الضابط الإسرائيلي» ليقدم شخصية شديدة الهشاشة، مصابة بعقدة نقص تجاه مشاهير الأطباء، لكنها مغرقة في حسن النية والطيبة والرحمة تجاه الفقراء الذين يفتح لهم عيادته ليعالجهم بكفاءة علاجاً شبه مجاني.

يتصاعد التشويق حين يتقاطع مصير البطل مع «ضحى» - تجسد دورها ريهام عبد الغفور - ويقعان في الحب بعد أن تعمل معه ممرضة بينما هي في الحقيقة لم تدرس التمريض يوماً أو تمارسه، من خلال هذه المفارقة يبرز سؤال حائر: هل يمكن لقصة حب بُنيت على الكذب أن يُكتب لها النجاح مهما توفر لطرفيها صدق النوايا والرغبة في مساعدة الآخرين والعيش في هدوء وسلام؟

ولفتت ريهام عبد الغفور الأنظار إليها بقوة، حيث جسدت شخصية «ضُحى» بواقعية لافتة، وفق نقاد، فضلاً عن أنه دور جديد تماماً عليها، لا سيما فيما يتعلق بإعالة «ضحى» لعائلتها بعد وفاة الأب، واضطرارها إلى العمل سراً راقصة في الأفراح الشعبية.
وتعدّ عبد الغفور دورها في هذا العمل، خطوة مهمة في مشوارها الفني؛ لأنه يقدمها بشكل إنساني وواقعي مختلف، مضيفة في تصريحات صحافية، أن «البطلة ضُحى، تضحي بأحلامها الشخصية لتعول أسرتها وتزويج شقيقتها، وترى أن هذه مسؤوليتها، وتنسى نفسها حتى تلتقي بالطبيب الذي لا يعرف ماضيها ولا تعرف ماضيه، لكن مشاعر خاصة تجمع بينهما».

ورغم تشابه فكرة العمل مع أفكار أفلام مصرية قديمة، فإن نقاد مصريين، من بينهم الناقدة ماجدة خير الله، يرون أن «سيناريو (وش وضهر) مرصع بالتفاصيل الصغيرة الحميمة التي تخفي وراءها عيناً موهوبة قادرة على التقاط الأشياء الإنسانية مهما كانت عابرة».
مشيرة في تعليق لها عبر صفحتها بموقع «فيسبوك»، إلى أن «توهج الممثلين، لا سيما إياد وريهام مع إسلام إبراهيم وثراء جبيل جعل من العمل ككل واحداً من أفضل ما قدمته الدراما المصرية مؤخراً»، على حد تعبيرها.
يعيش أبطال العمل على هامش المدينة في أحياء شعبية ومستوى مادي بسيط، لكنه لم يقع في فخ الصورة النمطية المستهلكة عن حياة الفقراء ومآسيهم، وإنما ركز على فكرة «البهجة» والتمسك بها لا سيما الرقص الشعبي في الأفراح وطقوس الزفاف لدى البسطاء، مثل وضع مجسم لتمساح تتصاعد من فمه النيران وصنع رسومات جميلة بنشارة الخشب الملونة.

وفي خط درامي موازٍ، يكسر المسلسل الصورة النمطية لراقصة الأفراح الشعبية، فهي ليست بالضرورة امرأة سيئة السمعة أو فريسة سهلة، بل شخص عادي تماماً يسعى لكسب لقمة عيشه وسط بيئة عمل صعبة وأحكام سلبية جاهزة على المستوى الاجتماعي.
واستطاع الفنان محسن منصور خطف الأنظار عبر شخصية «أبو البراء» التي تقدم نموذجاً جديداً لـ«التطرف الديني» بمسحة اجتماعية ناعمة، فهو يعمل وسيطاً عقارياً، لكنه يكره استخدام كلمة «سمسار» لوصف مهنته، ويتدخل في شؤون الآخرين بشكل سافر تحت حجج واهية، كما ينصّب من نفسه قاضياً للحكم على أخلاقياتهم.

ويرى الناقد الفني محمد عبد الرحمن، أن المسلسل توفرت له العديد من العناصر التي جعلته يتصدر محركات البحث منذ الحلقة الأولى مثل طزاجة الفكرة والخروج من القوالب النمطية المعتادة، التي تدور فيها الحبكة في أغلب الأعمال الدرامية بالآونة الأخيرة، فضلاً عن استغلال مدينة طنطا، حيث يهرب المسلسل من الثنائية التقليدية التي باتت تحكم الدراما المصرية وتتمثل في (القاهرة والصعيد) فيذهب صناعه، وفريق الكتابة مريم نعوم وشادي عبد الله وأحمد بدوي والمخرجة مريم أبو عوف، إلى مدينة طنطا ليقدموا لوحة بانورامية وكادرات بصرية جديدة على المتفرج تتمثل في الشوارع والميادين ومحال الحلويات، فضلاً عن الموسيقى الصوفية التي يتسم بها المكان الذي يضم مسجد «السيد البدوي» بحمولاته الرمزية ودلالاته الروحانية.

ويضيف عبد الرحمن لـ«الشرق الأوسط»، أن «رهان صناع العمل كان على المشاعر الإنسانية وليس التشويق، فنحن نعرف منذ البداية أن (جمال) ينتحل صفة طبيب وأن (ضحى) تنتحل صفة ممرضة، لكننا نتعاطف معهما نظراً للملابسات القاسية التي أحيطت بهما ودفعتهما إلى خيارات خاطئة»، مشيراً إلى أن «المسلسل ينتمي إلى المسلسلات الشعبية وليس (مسلسلات الكمبوند) والحياة المرفهة التي تسيدت الدراما المصرية في السنوات العشر الأخيرة».