«الإلكترونات الساخنة» تضع ثاني أكسيد الكربون على الخريطة مجدداً

حينما يُذكر غاز ثاني أكسيد الكربون تتبادر للذهن مباشرة ظاهرة الاحتباس الحراري، وما تسببه من أضرار على البيئة والإنسان على حد سواء، ولكن هذا الغاز في الوقت ذاته يمكن أن يكون مصدراً ذا قيمة. ولتحقيق ذلك يعمل عديد من الباحثين في جميع أنحاء العالم على استكشاف طرق لتحويل ثاني أكسيد الكربون الملتقَط من الجو إلى مواد كيميائية مفيدة، قائمة على الكربون.
الضوء والحرارة
في هذا الاتجاه، يعمل مركز الحفز الكيميائي في جامعة الملك عبد الله للعلوم والتقنية (كاوست) على ابتكار عوامل تحفيزية، لتحويل ثاني أكسيد الكربون الملتقط إلى وسيط كيميائي صناعي. وحديثاً طوَّر الباحثون محفّزاً كيميائياً فعّالاً، يستخدم الطاقة الضوئية لتحويل ثاني أكسيد الكربون والهيدروجين إلى الميثان (CH4). وهذه العملية تُبطِل بعث ثاني أكسيد الكربون، عندما يتم حرق الميثان المستخدم كوقود.
يقول الدكتور دييغو ماتِّيو الباحث في مرحلة ما بعد الدكتوراه بـ«كاوست»: «يعتمد نهجنا على الارتباط التعاوني بين الضوء والحرارة الذي يشار إليه باسم (التأثير الفوتوحراري) أو (التأثير الحراري الضوئي)». ويوضح أن الحرارة تتولد عن طريق تفاعل الضوء مع المحفّز الكيميائي، وبالتالي، فإن نوعي الطاقة (الضوء والحرارة) يأتيان من الضوء الممتص.
علاوة على ذلك، فإن بعض الأساليب الصناعية الأخرى تتطلب توليد حرارة من مصادر خارجية، بهدف الوصول إلى درجات حرارة عالية تصل إلى 500 درجة مئوية. أما بحث «كاوست» فيظهر إمكانية تحقيق التفاعل باستخدام «التأثير الفوتوحراري» لضوء النهار فقط.
«الإلكترونات الساخنة»
يتكوّن المحفّز الكيميائي الذي طوَّره الفريق، من جزيئات النيكل النانويّة على طبقة من مادة «تيتانيت الباريوم» التي تمتلك قيمة عالية من ثابت العزل الكهربائي. ويتميز المحفّز بالقدرة على التقاط الضوء بطريقة تدفع الإلكترونات إلى حالات تمتلك فيها طاقة عالية، تُعرف باسم «الإلكترونات الساخنة». ومن ثَمَّ تبدأ هذه الإلكترونات التفاعل الكيميائي الذي يُعيد ثاني أكسيد الكربون مرة أخرى إلى الميثان. وفي حالة توفر ظروف مثالية للتفاعل، يمتلك المحفّز القدرة على توليد غاز الميثان بكفاءة مذهلة، وبانتقائية تقترب من 100 في المائة.
وتكمن الميزة الرئيسية لهذا التفاعل في توفر نطاق واسع من طيف الضوء المستفاد منه، بما في ذلك جميع الأطوال الموجية للضوء المرئي، بالإضافة إلى الأشعة فوق البنفسجية التي يقتصر استخدامها على عديد من المحفزات. وتمثل هذه الأخيرة نقطة محورية؛ لأن الضوء فوق البنفسجي يشكل من 4 إلى 5 في المائة فقط من طاقة الأشعة الشمسية.
يقول ماتِّيو: «لدينا اعتقاد راسخ أن استراتيجيتنا، بالتضافر مع التقنيات الأخرى المستخدَمة لاحتجاز ثاني أكسيد الكربون، يمكن أن تكون وسيلة مستدامة لتحويل غاز الاحتباس الحراري الضار المتمثل في ثاني أكسيد الكربون إلى وقود ثمين».
إن أي وقود مصنوع من ثاني أكسيد الكربون لا بد أن يعيد بعث هذا الغاز عند حرقه، إلا أنه يمكن إعادة تدويره باستمرار من الغلاف الجوي لتحويله إلى وقود تباعاً، بدلاً من انبعاثه من جراء حرق الوقود الأحفوري.
ويتطلَّع الباحثون كذلك إلى توسيع نطاق التطبيقات التي يشملها نهجهم هذا، ولذا يقول البروفسور خورخي غاسكون، أستاذ العلوم الكيميائية بقسم العلوم والهندسة الفيزيائية بـ«كاوست»، وقائد فريق البحث: «تتمثل إحدى استراتيجيات أبحاثنا المستقبلية في المضي قدماً نحو إنتاج مواد كيميائية أخرى ذات قيمة، مثل الميثانول».
ويرى الباحثون أيضاً إمكانية استخدام الطاقة الضوئية لدفع عجلة إنتاج المواد الكيميائية التي لا تحتوي على الكربون، مثل الأمونيا (NH3).
ويشار إلى أن الجامعة كانت قد أطلقت في ديسمبر (كانون الأول) 2020، مبادرة تحت اسم «مبادرة (كاوست) للاقتصاد الدائري للكربون»، تهدف إلى دعم إنشاء منصة وطنية في المملكة العربية السعودية، تعمل على ترويج الحلول التكنولوجية للاقتصاد الدائري للكربون، وتبنيها، ونشرها بسرعة.
وإذا كان الأساس للمفهوم يقوم على ثلاثية: الحد من انبعاثات الكربون، وإعادة استخدامه، وإعادة تدويره، فإنّ «الاقتصاد الدائري للكربون» يقوم على رباعية أو (استراتيجية R4) التي تهدف إلى خفض انبعاثات الكربون (Reduce)، وإعادة استخدامه (Reuse)، وإعادة تدويره (Recycle)، وتخليص الغلاف الجوِّي منه (Remove).