اكتشاف مقبرة «قائد الجنود الأجانب» في مصر القديمة

تولى مسؤولية المرتزقة في الجيش قبل 2500 عام

صورة نشرتها وزارة السياحة والآثار لمقبرة واح - إيب - رع مري نيت قائد الجنود الأجانب
صورة نشرتها وزارة السياحة والآثار لمقبرة واح - إيب - رع مري نيت قائد الجنود الأجانب
TT

اكتشاف مقبرة «قائد الجنود الأجانب» في مصر القديمة

صورة نشرتها وزارة السياحة والآثار لمقبرة واح - إيب - رع مري نيت قائد الجنود الأجانب
صورة نشرتها وزارة السياحة والآثار لمقبرة واح - إيب - رع مري نيت قائد الجنود الأجانب

أعلنت وزارة السياحة والآثار المصرية، الجمعة، اكتشاف مقبرة «قائد الجنود الأجانب» في مصر القديمة، وذللك خلال أعمال الحفائر التي تنفذها البعثة الأثرية التابعة للمعهد التشيكي لعلم المصريات، بكلية الآداب، جامعة تشارلز، في منطقة أبو صير الأثرية، جنوب الجيزة، يعود تاريخها إلى ما يزيد على 2500 عام.
وقال الدكتور مصطفى وزيري، الأمين العام للمجلس الأعلى للآثار، في بيان صحافي، إن «المقبرة عثر عليها بجوار خبيئة التحنيط، وتخص شخصاً رفيع المستوى من مصر القديمة يدعى (واح - إيب - رع مري نيت)، كان يشغل وظيفة قائد الجنود الأجانب، في الفترة ما بين أواخر الأسرة 26 وأوائل الأسرة 27»، موضحاً أن «المقبرة مصممة على النموذج البئري، حيث تتكون من بئر رئيسية بعمق ستة أمتار، بلغت أبعادها 14 في 14 متراً تقريباً، مقسمة إلى عدة أجزاء تفصل بينها جسور منحوتة في الصخر الطبيعي للمنطقة، وبمنتصف البئر الرئيسية تم حفر بئر أخرى أصغر، وأعمق، تم استخدامها كبئر أساسية لدفن صاحب المقبرة».

بعض اللقى الأثرية المكتشفة داخل المقبرة (وزارة السياحة)

من جانبه أشار الدكتور حسين عبد البصير، مدير متحف الآثار بمكتبة الإسكندرية، إلى «أهمية الكشف الأثري، في توضيح الفترة التي اعتمد فيها الجيش المصري على الجنود المرتزقة بين صفوفه»، وقال في تصريحات لـ«الشرق الأوسط» إن «الثابت تاريخياً أن مصر استعانت بمرتزقة في الجيش من الإغريق وجزر البحر المتوسط، خلال الفترة من بداية الأسرة 26 عام 664 قبل الميلاد، وحتى 526 قبل الميلاد مع سقوط مصر تحت الاحتلال الفارسي».
وأضاف عبد البصير أن «الكشف يظهر أن هؤلاء الجنود المرتزقة كان يقودهم شخص مصري، مسمى على اسم الملك واح إيب رع مري نيت، ما يشير إلى مدى أهميته»، لافتاً إلى أن «المصريين ثاروا ضد الملك واح إيب رع بعد حملته على ليبيا بسبب الجنود المرتزقة، وتم تولية أحمس، قائد الجيش، الحكم، وصار اسمه أحمس الثاني».
وتتشابه المقبرة المكتشفة في تصميمها المعماري مع مقابر ذلك العصر المعروف باسم «العصر الصاوي»، من حيث كونها مقابر بئرية، حيث يتشابه تصميم مقبرة قائد الجنود الأجانب مع مقبرة ودجا حور رسنت المنقورة في الصخر، والواقعة على مقربة منها، كما يشبه مقبرة كامبل في الجيزة»، وفقاً للبيان الصحافي.
وقال الدكتور مارسلاف بارتا، رئيس البعثة التشيكية العاملة في أبوصير، إن «البعثة عثرت في بئر الدفن الرئيسية، على عمق 16 متراً، على تابوت مزدوج، متضرر نوعاً ما، صنع من كتلتين ضخمتين من الحجر الجيري الأبيض، وبداخله تابوت مصنوع من حجر البازلت على شكل آدمي، ومنقوش على جزئه العلوي نصوص من الفصل 72 من كتاب الموتى، تتحدث عن رحلة المتوفى في العالم الآخر».
وعثرت البعثة داخل التابوت البازلتي على جعران للقلب غير منقوش، منحوت بدقة عالية، وتميمة على شكل مسند رأس، إضافة إلى بعض المتاع الجنائزي لصاحب المقبرة وعدد من اللقى الأثرية تضمنت 402 تمثال أوشابتي من الفاينس (والأوشابتي هي تماثيل صغيرة من المفترض أنها تمثل صاحب المقبرة وتقوم بتأدية الخدمات نيابة عنه في العالم الآخر)، وإناءين مصنوعين من الألباستر، ونموذجاً من الفاينس لمائدة قرابين، وعشرة أكواب رمزية وأوستراكا من الحجر الجيري منقوشاً عليها نصوص دينية هيراطيقية مكتوبة بالحبر الأسود، حسب البيان الصحافي.

جانب من تابوت قائد الجنود الأجانب (وزارة السياحة)

ويشير بارتا إلى أنه «نظراً لصغر حجم الأوستراكا، قرر مؤلف النص تغطيتها بمقتطفات موجزة من تعاويذ كتاب الموتى، التي شكلت أيضاً أجزاءً من طقوس التحول، وبالتالي ضمان وجود حياة أخرى لصاحب المقبرة في العالم الآخر». موضحاً أن «الدراسات المبدئية التي كشفت تعرض المقبرة للسرقة في أواخر العصور القديمة، خلال القرنين الرابع والخامس بعد الميلاد، حيث قام اللصوص بعمل فتحة بالجزء الغربي من التابوت الخارجي، وحطموا الجزء العلوي من التابوت البازلتي، والذي يمثل وجه المتوفى».
وتقع منطقة أبو صير الأثرية جنوب محافظة الجيزة، على بعد 4.5 كيلومتر شمال منطقة سقارة الأثرية، واشتق اسمها من (بر أوزير) أي مقر الإله أوزيريس، وتضم مجموعة من مقابر ملوك الأسرة الخامسة وبقايا أهرامات من الطوب اللبن للملك ساحورع، ونفر - إير - كا - رع، ونفر - إف - رع، وني - أورس - رع، والتي تهدمت بشكل شبه كامل، بفعل الزمن، إضافة إلى معابد الشمس، ومن بينها معبد الشمس للملك أوسر كاف.
ويقول عبد البصير إن «منطقة أبو صير تضم آثاراً من الدولة القديمة تحديداً الأسرة الخامسة، إضافة إلى مقابر من العصر الصاوي بداية من الأسرة 26»، مشيراً إلى أن «مقابر العصر الصاوي مصممة على الطراز البئري، وتضم توابيت بوجوه آدمية».
بدوره قال الدكتور محمد مجاهد، نائب مدير البعثة التشيكية، في البيان الصحافي إنه «رغم أن الحفائر الأثرية لمقبرة واح - إيب - رع مري نيت لم تقدم لنا العديد من اللقى الأثرية المهمة أو متاعاً جنائزياً متقناً، إلا أن تلك المقبرة تعتبر فريدة من نوعها ومهمة، لأنها تقدم نظرة جديدة حول الفترة المضطربة لبداية عصر الهيمنة الفارسية على مصر القديمة، وتمكننا من رسم فكرة عن صاحب المقبرة، وخلفيته العائلية ومسيرته المهنية، والذي يرجح أنه توفي فجأة، دون اكتمال مقبرته ومتاعه الجنائزي».


مقالات ذات صلة

مصر تنفي هدم أجزاء من أحجار الأهرامات

يوميات الشرق الهرم الأكبر (الشرق الأوسط)

مصر تنفي هدم أجزاء من أحجار الأهرامات

نفت وزارة السياحة والآثار المصرية هدم أي قطعة أثرية وأصلية من جسم الهرم الأكبر.

«الشرق الأوسط» (القاهرة)
يوميات الشرق مهرجانات بعلبك حدثٌ فني عمرُه 7 عقود احترف النهوض بعد كل كبوة (صفحة المهرجانات على «إنستغرام»)

من ليالي أم كلثوم إلى شموع فيروز... ذكريات مواسم المجد تضيء ظلمة بعلبك

عشيّة جلسة الأونيسكو الخاصة بحماية المواقع الأثرية اللبنانية من النيران الإسرائيلية، تتحدث رئيسة مهرجانات بعلبك عن السنوات الذهبية لحدثٍ يضيء القلعة منذ 7 عقود.

كريستين حبيب (بيروت)
يوميات الشرق منظر عام لأهرامات الجيزة (وزارة السياحة والآثار المصرية)

اكتشاف قبر صخري بجوار الأهرامات

أعلنت بعثة أثرية تابعة لمعهد الدراسات الشرقية بأكاديمية العلوم الروسية عن اكتشاف مقبرة صخرية، يعود عمرها إلى نحو 4 آلاف عام، بالقرب من هرم خوفو.

«الشرق الأوسط» (القاهرة )
يوميات الشرق جانب من العمل التخريبي (فيسبوك)

مصر: مطالب بتشديد الرقابة على المواقع الأثرية لتفادي التخريب

أثار تشويه بعض نقوش مقبرة ميروكا الأثرية في منطقة سقارة بالجيزة (غرب القاهرة) غضباً في مصر، وارتباكاً في أروقة وزارة السياحة والآثار.

عبد الفتاح فرج (القاهرة)
يوميات الشرق د. جعفر الجوثري يحمل صور الأقمار الاصطناعية ويستكشف موقع معركة القادسية (أ.ب)

في العراق... صور الأقمار الاصطناعية تقود علماء الآثار إلى موقع معركة تاريخية

قادت صور الأقمار الاصطناعية التي تم رفع السرية عنها والتي تعود إلى سبعينات القرن العشرين فريقاً أثرياً بريطانياً - عراقياً إلى ما يعتقدون أنه موقع معركة قديمة.

«الشرق الأوسط» (بغداد)

تراجع حاد في مستويات المياه العذبة عالمياً

مهمة القمر الاصطناعي «GRACE-FO» استهدفت الكشف عن تغيرات كتلة المياه على سطح الأرض وتحتها (ناسا)
مهمة القمر الاصطناعي «GRACE-FO» استهدفت الكشف عن تغيرات كتلة المياه على سطح الأرض وتحتها (ناسا)
TT

تراجع حاد في مستويات المياه العذبة عالمياً

مهمة القمر الاصطناعي «GRACE-FO» استهدفت الكشف عن تغيرات كتلة المياه على سطح الأرض وتحتها (ناسا)
مهمة القمر الاصطناعي «GRACE-FO» استهدفت الكشف عن تغيرات كتلة المياه على سطح الأرض وتحتها (ناسا)

كشفت بيانات الأقمار الاصطناعية التابعة لوكالة الفضاء والطيران الأميركية (ناسا)، بالتعاون مع ألمانيا، عن تراجع حاد ومفاجئ في إجمالي كميات المياه العذبة على سطح كوكب الأرض.

وأوضح الباحثون أن هذا التغيُّر في مستويات المياه قد يشير إلى دخول القارات الأرضية في مرحلة جفاف مستمرة، ونُشرت النتائج، الجمعة، بدورية «Surveys in Geophysics».

وأظهرت قياسات القمرين الاصطناعيين «GRACE» و«GRACE-FO» أن كمية المياه العذبة المخزنة على اليابسة، بما في ذلك المياه السطحية، مثل البحيرات والأنهار والجوفية، انخفضت بنحو 290 ميلاً مكعباً (1200 كيلومتر مكعب) بين 2015 و2023، مقارنةً بالفترة بين 2002 و2014. وقدر الفريق حجم الانخفاض بأنه يعادل 2.5 ضعف حجم بحيرة إيري في أميركا الشمالية.

وتعمل هذه الأقمار الاصطناعية التي أُطلقت بالتعاون بين «ناسا» ووكالات ألمانية، على قياس التغيرات في الجاذبية الأرضية للكشف عن تغيرات كتلة المياه على سطح الأرض وتحتها.

يذكر أنه بدأ التراجع في المياه العذبة مع جفاف كبير في شمال ووسط البرازيل، تلته موجات جفاف في أستراليا وأميركا الجنوبية والشمالية وأوروبا وأفريقيا. وارتبط هذا الجفاف بارتفاع درجات حرارة المحيطات في منطقة المحيط الهادي الاستوائي بين 2014 و2016؛ ما أدى إلى واحدة من أقوى ظواهر «النينيو» المسجلة منذ عام 1950، ما تسبب في تغييرات في أنماط الطقس، وهطول الأمطار على مستوى العالم، ورغم انتهاء ظاهرة «النينيو»، فإنه لم تشهد مستويات المياه العذبة العالمية تحسناً ملحوظاً.

وتُظهر الدراسة أن 13 من أقوى 30 موجة جفاف عالمية، التي رصدتها مهمة «GRACE»، حدثت منذ يناير 2015. ويُرجح الباحثون أن الاحتباس الحراري أسهم في استمرار استنزاف المياه العذبة؛ حيث يؤدي ارتفاع درجات الحرارة إلى زيادة تبخر المياه من السطح إلى الغلاف الجوي، إضافة إلى زيادة قدرة الغلاف الجوي على احتجاز بخار الماء.

وأكد الباحثون أن تغيُّر المناخ يؤدي إلى هطول أمطار غزيرة بشكل متزايد، لكنها تكون متقطعة، ما يقلل من قدرة التربة على امتصاص المياه، وتجديد المخزون الجوفي.

وأضافوا: «عندما تكون الأمطار شديدة، تتدفق المياه بدلاً من أن تتسرب إلى الأرض، ما يفاقم من ندرة المياه الجوفية».

ووفقاً للفريق، لا يزال من غير الواضح ما إذا كانت مستويات المياه العذبة العالمية ستعود إلى ما كانت عليه قبل عام 2015، أو ستستقر عند المستويات الحالية، أو ستستمر في التراجع.

وأشاروا إلى أن تزامن انخفاض المياه العذبة مع تسجيل السنوات التسع الأشد حرارة في التاريخ الحديث ليس مجرد صدفة، بل قد يكون مؤشراً لما سيحدث في المستقبل.

وشددوا على الحاجة الماسة إلى اتخاذ تدابير عالمية للحفاظ على الموارد المائية، والتكيف مع التغيرات المناخية لضمان الأمن المائي للأجيال المقبلة.