سياسات ميليشياوية لتطييف الإعلام اليمني

منظر عام للمنازل التي تزين المدينة القديمة في صنعاء (رويترز)
منظر عام للمنازل التي تزين المدينة القديمة في صنعاء (رويترز)
TT

سياسات ميليشياوية لتطييف الإعلام اليمني

منظر عام للمنازل التي تزين المدينة القديمة في صنعاء (رويترز)
منظر عام للمنازل التي تزين المدينة القديمة في صنعاء (رويترز)

يستمر الصحافيون المقيمون في مناطق سيطرة الميليشيات الحوثية بالتسرب؛ إما من مهنة الصحافة لكسب الرزق في أعمال أخرى، أو إلى خارج هذه المناطق بحثاً عن فرص أخرى، فإضافة إلى القمع والبطش اللذين انتهجتهما الميليشيات، نفذت أيضاً سياسة تعتيم إعلامي، وفرضت قيوداً أدَّت إلى تجريف الإعلام وتحويله إلى مهنة بلا جدوى.
وإضافة إلى إغلاق الصحف ومختلف وسائل الإعلام ونزوح الصحافيين من مناطق سيطرة الميليشيات منذ انقلابها قبل ثماني سنوات، لم تنشأ وسائل إعلام جديدة في هذه المناطق، إلا إذا كانت مؤيدة للانقلاب، وحتى المواقع الإلكترونية، أصدرت الميليشيات قراراً بمنع إطلاقها دون ترخيص.
يقول مراسل إحدى المؤسسات الإعلامية الشهيرة عالمياً لـ«الشرق الأوسط» إنه عندما يحاول الحصول على معلومات عادية، فإنه يضطر للتواصل بقيادات حوثية عليا؛ كون القيادات الوسطية والدنيا لديها تحفظات وأوامر بعدم الإدلاء بأي معلومات لأي طرف كان، ويشير إلى أنه يضطر إلى التحفظ على بعض المعلومات، نتيجة قلقه من ردة فعل الميليشيات.
يُذكر أنه، وفي العديد من المواد الصحافية التي كتبها، كانت القيادات التي تدلي إليه بالمعلومات تطالبه بعدم الإفصاح عن مصادره، خوفاً من ردة فعل قيادات أعلى منها، رغم أن ما يدلون به من تصريحات يتناسب مع نهج وخطاب جماعة الحوثي، لدرجة أن بعضهم يطالبونه بمحو المحادثات التي تجري بينه وبينهم.
ويردف: «هذا الطلب يتسبب لي بالمزيد من القلق، ووصل الأمر بأحدهم إلى أن اتفق معي على شفرات ورموز خلال الاتصالات الهاتفية والمراسلات بيننا، وإذا ما احتجتُ إلى معلومات مفصلة، أُضطر إلى مقابلته شخصياً، وبشكل شبه سري».
الصحافي معاذ منصر مراسل إحدى القنوات التلفزيونية يروي لـ«الشرق الأوسط» معاناته خلال سنوات ما بعد الانقلاب، وقبل نزوحه إلى مدينة تعز وسط البلاد: «أُجبرت على إيقاف عملي مع وسائل الإعلام التلفزيونية، ومكثتُ في البيت لفترة، قبل أن أبدأ العمل لصحف إلكترونية، وطوال ثلاثة أعوام عملت في خوف وقلق بالِغَين بسبب ملاحقة الحوثيين للصحافيين وفرض رقابة مشددة عليهم واختطافهم وإخفائهم قسرياً».
ويتابع: «كان من الصعوبة الحصول على المعلومات... جميع من أعرفهم في المؤسسات الرسمية يرفضون الإدلاء بأي شيء، ويحذرونني من البحث عنها، فاضطررت إلى العمل على التحليل الإخباري، وكان هذا صعباً أيضاً، إلا أنني كنت أتواصل مع الباحثين والكُتاب المقيمين خارج مناطق سيطرة الحوثيين؛ فهؤلاء يتحدثون بحرية، لكني لم أكن أتمتع بهذه الحرية».
ويواصل منصر روايته: «كنت أنشر تقاريري في وسائل إعلام تنشط خارج مناطق سيطرة الحوثيين، وهذه مخاطرة بحد ذاتها، وبمجرد نشر تقرير باسمي يبدأ مسلسل الخوف والقلق مما قد يطالني من ملاحقة، ولم أكن أغادر البيت إلا رفقة زوجتي لكي تكون على اطلاع إذا ما تم اختطافي».
وغادر منصر هارباً باتجاه مدينة تعز عقب اختطاف أحد زملائه الصحافيين بعد أيام من لقائهما في منزل زميله، رفقة زميل ثالث كان مُلاحَقاً هو الآخر، إلا أنه تمكن من الهروب في اللحظات الأخيرة، ولم يكن هروبه سهلاً؛ إذا اضطر إلى الاختباء في صنعاء أكثر من أسبوع قبل أن يتدبر خطة لذلك.
- تطييف الإعلام الرسمي
يشرح صحافي في مؤسسة إعلامية حكومية تحت سيطرة الميليشيات لـ«الشرق الأوسط»: «تم تسريح زملائنا الصحافيين العاملين في المؤسسات الحكومية من وظائفهم، لرفضهم العمل وفق الأجندة التي فرضتها الميليشيات، أو من رفضوا حضور الدورات الإلزامية التي قررتها الميليشيات، وهي دورات لا علاقة لها بالصحافة أو الإعلام، وأغلبها دورات مذهبية طائفية».
ويستدرك: «لم يتبقَّ من الكادر الصحافي في تلك المؤسسات سوى أقل من 10 في المائة من الصحافيين، وللتنويه والمصداقية؛ فأغلب هؤلاء اضطروا للعمل وتنفيذ آليات العمل الميليشياوية، التي لا تتناسب مع قناعاتهم ومهنيتهم، لأسباب اقتصادية، ولعجزهم عن توفير البدائل، كونهم يحصلون على مبالغ رمزية بسيطة جداً، تساعدهم على تدبر حياة أسرهم».
ويكشف صحافي آخر في إحدى وسائل الإعلام الرسمية التي تسيطر عليها الميليشيات أن شركة خدمات صغيرة استعانت به من أجل إصدار نشرة أسبوعية حول نشاطها تستهدف بها العملاء. وفوجئ هو ومالك الشركة بزيارة لجنة من وزارة الإعلام رفقة مسلحين حوثيين للقبض عليهم، ومصادرة معدات وأجهزة الشركة.
وتحججت اللجنة بأن الشركة تمارس نشاطاً إعلامياً من دون ترخيص، رغم أن النشرة التي تصدرها الشركة ليست عملاً صحافياً عاماً، وقد أخذت الإذن بإصدارها من وزارة التموين والتجارة. ولم يتم وقف الإجراءات التي كانت تزمع اللجنة اتخاذها بحق الشركة، إلا بعد إجبار مالكها على دفع غرامة غير قانونية، والتعهُّد بعدم مزاولة أي نشاط إعلامي.
وتتخذ الميليشيات الحوثية إجراءات عديدة، بعضها موجه وممنهج ضد العمل الصحافي، وبعضها عشوائي، ويجد الصحافيون صعوبة بالغة في العمل الصحافي حتى وإن كان عملاً مستقلاً ومحايداً تماماً.
وفرضت الميليشيات على الصحافيين الحصول على تصاريح عمل لكل تحرك أو مهمة صحافية، وحتى في الحصول على معلومة أو التواصل مع مصدر أو التقاط صور ميدانية.
يتحدث صحافي يعمل مراسلاً لوسيلة إعلام خارجية معاناته في العمل الميداني، حيث تطلب منه الجهة التي يراسلها العمل في الشارع لإنجاز التقارير والأخبار والتقاط الصور، إلا أنه يعدّ كل خروج إلى الشارع بمثابة مغامرة قد تؤدي إلى احتجازه ومصادرة معداته.
ويوضح في حديثه لـ«الشرق الأوسط»: «كنت أعمل في مؤسسة حكومية، وبسبب إيقاف راتبي بدأت العمل مع مؤسسة دولية معنية بحرية الصحافة، ولمرات عديدة تم إيقافي أثناء تصوير مؤسسات حكومية أو حتى التقاط صور عامة في الشارع، ويتم إجباري على حذف الصور، حتى وإن كانت باستخدام الهاتف».
ومنعت الميليشيات عمل المنظمات الدولية والمحلية المتخصصة في دعم الصحافة والإعلام من إقامة أي فعالية أو تدريب للصحافيين، وفرضت شروطاً تعجيزية للحصول على تصريح لعقد ورشة أو دورة، ما اضطر غالبية المنظمات إلى نقل أنشطتها إلى المحافظات المحررة.
- مؤيدو الميليشيات
هذه الإجراءات تنال حتى من الصحافيين والعاملين المنتمين إلى الميليشيات الحوثية والمتعاونين معها، حيث طالت الإجراءات التعسفية والقمعية مراسلي وسائل إعلام تابعة لـ«الحرس الثوري» الإيراني و«حزب الله» وغيرهما من الكيانات الحليفة للميليشيات في المنطقة.
وأفرجت الميليشيات في أبريل (نيسان) الماضي عن الصحافي كامل المعمري بعد 10 أشهر من الاختطاف بتهمة التخابر مع دول الخارج، رغم أنه كان يعمل مراسلاً لقناة «الكوثر» وإذاعة «طهران» الإيرانيتين الناطقتين بالعربية، ومنذ الإفراج عنه لم يزاول المعمري أي نشاط صحافي.
وقبل اختطافه بأيام، نشر المعمري على مواقع التواصل الاجتماعي أخباراً ومعلومات حول قضايا فساد ونهب الأموال العامة في مؤسسات الدولة التي تسيطر عليها الميليشيات.
وفي السياق ذاته، تعرض مراسلا قناتي «الميادين» و«المنار» التابعتين لـ«حزب الله» لاتهامات بالعمل طابوراً خامساً، وتبنى رئيس «وكالة سبأ للأنباء»، التي تسيطر عليها الميليشيات، نصر الدين عامر، هذه الاتهامات، وجاء رد المراسلين عليه برفع دعوى قضائية في إحدى المحاكم تحت سيطرة الميليشيات في صنعاء، إلا أنه يرفض المثول أمامها.
وجاء في تغريدة لمراسل قناة «الميادين» في 16 مايو (أيار) الماضي: «بطريقة غير لائقة ولا محترمة تم التعامل مع الإعلاميين ومراسلي القنوات في مطار صنعاء أثناء تغطيتهم هبوط وإقلاع أول طائرة تجارية منذ 6 سنوات».
ولا يقتصر حجب ومنع المعلومات على الصحافيين فحسب، بل إن الأمر يشمل جميع الباحثين عن المعلومات من محامين وباحثين وطلاب جامعات، وحتى الموظفين في الجهات الرسمية ذاتها.
واشتكى طلاب درجة الماجستير في كلية الآداب التابعة لجامعة صنعاء من صعوبة الحصول على المعلومات والبيانات من أجل إكمال دراساتهم وأبحاثهم، حيث يُضطرون إلى الحصول على إذن مسبق للبحث عما يحتاجون إليه من أرقام وإحصائيات من الجهات والمؤسسات التي تسيطر عليها الميليشيات، وحتى في وجود الترخيص لا يحصلون على مبتغاهم.


مقالات ذات صلة

تقرير أُممي يتّهم الحوثيين بالتنسيق مع إرهابيين وجني عشرات الملايين بالقرصنة

العالم العربي استعراض الجماعة الحوثية لقدراتها العسكرية في العاصمة صنعاء والتي تتضمن أسلحة نوعية (رويترز)

تقرير أُممي يتّهم الحوثيين بالتنسيق مع إرهابيين وجني عشرات الملايين بالقرصنة

تقرير جديد لفريق الخبراء الأُمميّين المعنيّ باليمن يكشف عن تعاون الحوثيين مع تنظيم «القاعدة»، و«حركة الشباب» الصومالية، وابتزاز وكالات الشحن الدولية.

وضاح الجليل (عدن)
العالم العربي توقعات بإقصاء من يرفضون المشاركة في فعاليات الجماعة الحوثية من وظائفهم (رويترز)

انقلابيو اليمن يستكملون «حوثنة» المؤسسات بهياكل إدارية جديدة

بدأت الجماعة الحوثية بإعداد آلية لدمج عدد من مؤسسات الدولة وتقليص الهيكل الإداري لها وتغيير مهامها في سبيل المزيد من السيطرة والنفوذ عليها وأدلجتها.

وضاح الجليل (عدن)
العالم العربي جانب من لقاء وزير التخطيط اليمني مع مسؤولي البنك الدولي على هامش زيارته لواشنطن (سبأ)

اليمن يقدم رؤية شاملة للبنك الدولي لإعادة هيكلة المشروعات التنموية

قدمت الحكومة اليمنية إلى البنك الدولي رؤية شاملة لإعادة هيكلة المشروعات، في مسعى لزيادة المخصصات المالية للبلاد.

عبد الهادي حبتور (الرياض)
العالم العربي رئيس مجلس القيادة الرئاسي اليمني رشاد العليمي بمعية محافظ مأرب ورئيس هيئة الأركان في زيارة سابقة للخطوط الأمامية بمأرب (سبأ)

الجيش اليمني يحذر من محاولة حوثية للعودة للحرب وإجهاض جهود السلام

تتصاعد حدة التوترات في عدة جبهات يمنية في ظل استمرار جماعة الحوثي في تحشيد عناصرها وحفر الخنادق، خصوصاً بمحافظة الحديدة على ساحل البحر الأحمر.

عبد الهادي حبتور (الرياض)
خاص المبعوث الأممي إلى اليمن هانس غروندبرغ (الشرق الأوسط)

خاص مكتب غروندبرغ لـ«الشرق الأوسط»: نناقش مع صنعاء وعدن تجنب انهيار اقتصادي أعمق

قال المبعوث الأممي الخاص إلى اليمن إن مشاوراته ونقاشاته مستمرة مع مسؤولي «البنك المركزي» في صنعاء وعدن؛ لإيجاد حلول تقنية ومستدامة.

عبد الهادي حبتور (الرياض)

لا موعد لعودة هوكستين ولا مكان للتقدم لتطبيق الـ1701

رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو يستقبل المبعوث الرئاسي الأميركي آموس هوكستين قبل اجتماعهما في مكتب رئيس الوزراء في القدس (د.ب.أ)
رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو يستقبل المبعوث الرئاسي الأميركي آموس هوكستين قبل اجتماعهما في مكتب رئيس الوزراء في القدس (د.ب.أ)
TT

لا موعد لعودة هوكستين ولا مكان للتقدم لتطبيق الـ1701

رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو يستقبل المبعوث الرئاسي الأميركي آموس هوكستين قبل اجتماعهما في مكتب رئيس الوزراء في القدس (د.ب.أ)
رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو يستقبل المبعوث الرئاسي الأميركي آموس هوكستين قبل اجتماعهما في مكتب رئيس الوزراء في القدس (د.ب.أ)

الترويج لمعاودة الوسيط الأميركي آموس هوكستين تحركه بين بيروت وتل أبيب للتوصل لوقف النار يبقى في إطاره الإعلامي، ما دام رئيسا المجلس النيابي نبيه بري وحكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي لم يتبلغا بموعد عودته ولا بتحقيق بعض التقدم في زيارته الأخيرة لإسرائيل، وإلا فلماذا اضطر للعودة إلى واشنطن بدلاً من أن يعرج على بيروت لإطلاعهما على الأجواء التي سادت اجتماعه برئيس وزراء إسرائيل بنيامين نتنياهو؟

وتقول مصادر سياسية إن مواصلته للوساطة الأميركية بين لبنان وإسرائيل للتوصل إلى وقف للنار تمهيداً لنشر الجيش اللبناني، إلى جانب قوات الطوارئ الدولية «يونيفيل» في جنوب الليطاني لتطبيق القرار الدولي 1701 بعد الاتفاق على آلية تنفيذه، تبقى عالقة على نتائج السباق الرئاسي إلى البيت الأبيض بين الرئيس السابق دونالد ترمب ومنافسته كامالا هاريس، والتي ستظهر تدريجياً في الساعات المقبلة.

وساطة هوكستين وسباق الرئاسة الأميركية

وتؤكد مصادر سياسية لبنانية لـ«الشرق الأوسط» أن مصير الوساطة التي يتولاها هوكستين لنزع فتيل التفجير بين إسرائيل و«حزب الله» يتوقف على من سيحسم السباق الرئاسي الأميركي. وتقول إن انتخاب هاريس من شأنه أن يسهّل مهمته ويتيح له الاستقواء بوصولها إلى البيت الأبيض على نحو يمكّنه من وضع حد للابتزاز الذي يمارسه نتنياهو؛ لأنه سيكون في وسعها الاستعانة بالرئيس الحالي جو بايدن لوضع تطبيق الـ1701 على نار حامية، حتى قبل أن تبدأ ممارسة صلاحياتها الرئاسية في 20 يناير (كانون الثاني) المقبل، هذا في حال أنها حسمت أمرها وقررت إخراج الوساطة من المراوحة، أسوة بتلك التي أصابت مفاوضات غزة.

وترى المصادر ذاتها أن فوز ترمب بالرئاسة قد يؤدي إلى تمديد أمد المراوحة التي يحاول نتنياهو الإفادة منها لمواصلة تدمير القرى الأمامية التي لم تعد صالحة للإقامة فيها.

فوز ترمب يمدد فترة تفلت نتنياهو

وتخشى المصادر نفسها أن انشغال ترمب في تشكيل إدارته بالبيت الأبيض سيؤدي حتماً إلى تمديد فترة «السماح» لنتنياهو لترتيب الوضع في القرى الأمامية الحدودية، ولكن على طريقته، بما يمكّنه من انتزاع موافقة الحكومة اللبنانية للتسليم بتفسيره لتطبيق القرار الدولي استباقاً لإعادة ترتيب الوضع في المنطقة، آخذاً بعين الاعتبار إطباق الحصار على إيران والقضاء على أذرعها، بدءاً بـ«حزب الله»، بقطع كل أشكال الإمداد العسكري والمالي له، بالتلازم مع استهدافه للبنية الاقتصادية، ليس للحزب فقط، وإنما للطائفة الشيعية، وهذا ما يفسّر تدميره للأسواق والمصانع والمؤسسات والمرافق الحيوية التي لا غنى عنها للنهوض مجدداً بهذه المناطق.

وفي هذا السياق، تسأل المصادر عمّا إذا كان وصول ترمب يشكل محطة لاختبار مدى جديته بإنهاء الحروب، بدءاً بإعادة الهدوء المستدام إلى الجنوب، انسجاماً مع وعوده التي قطعها في لقاءاته مع الاغتراب اللبناني. فهل يضغط على إسرائيل لتطبيق الـ1701 بكل مندرجاته؟

استعصاء نتنياهو

وتستغرب المصادر السياسية وضع اللائمة على لبنان بتحميله مسؤولية إضاعته للفرص التي أتيحت لتطبيق الـ1701، وتقول إن نتنياهو هو من يستعصي ويتمرّد على الإدارة الأميركية برفضه التجاوب مع الإطار العام الذي اتفق عليه هوكستين مع بري لتسهيل تنفيذ القرار، وذلك بمطالبته بإدخال تعديلات عليه غير قابلة للتنفيذ، من وجهة النظر اللبنانية، كونها تجيز له استمرار تحليق الطيران الحربي والاستطلاعي في الأجواء اللبنانية، وتعطيه الحق بالتوغل في منطقة جنوب الليطاني ولو من باب الشبهة، بذريعة أن هناك من يعدّ لتحرك يراد منه تهديد أمن إسرائيل.

وتكشف المصادر عن أن هوكستين كان قد أبلغ مسؤولين لبنانيين، وهو في طريقه إلى تل أبيب للقاء نتنياهو، أن الأجواء إيجابية وتفتح الباب أمام التوصل لوقف النار. وتقول إنه تحدث لاحقاً عن حصول تقدُّم بقي إعلامياً، مع أنه، كما نُقل عنه، أمهل نتنياهو بعض الوقت نزولاً عند رغبته، ما أوحى له بأن للبحث صلة على طريق إنهاء الحرب.

نتنياهو يسعى لترتيبات أمنية

لكن، تبين بحسب المصادر أن لا أساس للتقدم الذي تحدث عنه هوكستين، وإلا فلماذا يوسع نتنياهو تدميره وحرقه للقرى؟ ما يدعو للتساؤل عمّا إذا كان يود خوض المفاوضات على طريقته، وتحت النار، للضغط على لبنان للتسليم له بإدخال «ترتيبات أمنية» على الـ1701، يمكن أن تسمح له بتفريغه من مضامينه، مع أن لبنان أقر بأن لا مفر من تطبيقه على قاعدة الاعتراف بالاستعداد للدخول في مرحلة سياسية جديدة غير تلك القائمة حالياً، وأدت إلى تعطيل تنفيذ القرار.

وترى المصادر أنه لم يعد من مبرر للربط بين جبهتي غزة والجنوب، وأنه لا بد من الفصل بينهما لعدم توفير الذريعة لنتنياهو للتفلت من وقف حربه على لبنان بتطبيق الـ1701، مع أنه لم يكن من ضرورة لإسناد «حزب الله» لغزة، الذي شكل بتفرُّده بقرار السلم والحرب إحراجاً للحكومة عربياً ودولياً، باعتبارها صاحبة الصلاحية في اتخاذه، فيما افتقد الحزب إلى من يناصره، بخلاف وحدة الساحات التي يدعو لها محور الممانعة بقيادة إيران، وهذا ما ألقى عليه عبء المواجهة منفرداً.