أميركا تطالب روسيا بـ«وقف فوري» لعمليات «التصفية» والترحيل في أوكرانيا

تعمل على «تجويع آلة الحرب» ووضع سقف لسعر النفط الروسي... وموسكو تقول إن ردها على العقوبات الغربية قد يكون مؤلماً

منطقة في اقليم دونيتيسك التي تسيطر عليها روسيا بعد تعرضها للقصف الروسي(رويترز)
منطقة في اقليم دونيتيسك التي تسيطر عليها روسيا بعد تعرضها للقصف الروسي(رويترز)
TT

أميركا تطالب روسيا بـ«وقف فوري» لعمليات «التصفية» والترحيل في أوكرانيا

منطقة في اقليم دونيتيسك التي تسيطر عليها روسيا بعد تعرضها للقصف الروسي(رويترز)
منطقة في اقليم دونيتيسك التي تسيطر عليها روسيا بعد تعرضها للقصف الروسي(رويترز)

عشية «مؤتمر المحاسبة من اجل أوكرانيا»، طالبت الولايات المتحدة روسيا بـ«وقف فوري» لعمليات «التصفية» والترحيل القسري في المناطق التي تسيطر عليها في الأراضي الأوكرانية، مؤكدة أن المحاسبة على هذه الانتهاكات «أمر حتمي». فيما باشرت إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن العمل مع الدول الحليفة من أجل اتخاذ إجراءات جديدة تهدف إلى تجويع آلة الحرب الروسية، وإلى وقف ارتفاع أسعار النفط والغاز إلى مستويات قد تسحق الاقتصاد العالمي. وتستضيف الحكومة الهولندية، بالاشتراك مع مكتب المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية والمفوضية الأوروبية، ابتداءً من أمس الأربعاء، «مؤتمر مساءلة أوكرانيا» على المستوى الوزاري في المنتدى العالمي في لاهاي. وأكد وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن أن النقل والترحيل غير القانونيين للأشخاص المحميين «يعدّان انتهاكاً خطيراً لاتفاقية جنيف الرابعة في شأن حماية المدنيين، وهما من جرائم الحرب». وقال إنه «يجب على السلطات الروسية إطلاق المحتجزين والسماح للمواطنين الأوكرانيين الذين أبعدوا قسراً أو أجبروا على مغادرة بلادهم بالقدرة على العودة بسرعة وأمان إلى ديارهم»، داعياً موسكو إلى السماح لمراقبين من الخارج بالوصول إلى ما سماها مرافق «الترشيح» وإلى مناطق الترحيل القسري في روسيا. وأشار إلى تقديرات من مصادر مختلفة، بما في ذلك الحكومة الروسية نفسها، تشير إلى أن «السلطات الروسية استجوبت واحتجزت ورحلت قسراً ما بين 900 ألف و1.6 مليون مواطن أوكراني، بينهم 260 ألف طفل، من منازلهم إلى روسيا - غالباً إلى مناطق معزولة في الشرق الأقصى». وعبر عن اعتقاده أن هذه التصرفات «أعدت عن سابق تصور»، وتضمنت إجراء «مقارنات تاريخية فورية» مع عمليات «الترشيح» الروسية في الشيشان ومناطق أخرى. ورأى أن عمليات «التصفية» التي يقوم بها الرئيس فلاديمير بوتين هذه «تؤدي إلى فصل العائلات، ومصادرة جوازات السفر الأوكرانية، وإصدار جوازات سفر روسية في محاولة واضحة لتغيير التركيبة السكانية لأجزاء من أوكرانيا». ونقل كبير الدبلوماسيين الأميركيين أيضاً عن تقارير أن السلطات الروسية «تعمد إلى فصل الأطفال الأوكرانيين عن آبائهم وخطف آخرين من دور الأيتام قبل عرضهم للتبني داخل روسيا». ونسب إلى شهود وناجين من عمليات «التصفية» حديثهم عن «الاعتقالات والترحيل القسري بتهديدات ومضايقات وحوادث تعذيب متكررة على أيدي قوات الأمن الروسية». وقال: «خلال هذه العملية، ورد أيضاً أن السلطات الروسية تجمع وتخزن البيانات الحيوية والشخصية، وتخضع المدنيين لعمليات تفتيش واستجواب جائرة، وتكره المواطنين الأوكرانيين على توقيع اتفاقات للبقاء في روسيا، مما يعوق قدرتهم على العودة بحرية إلى ديارهم». وأكد أن «الأدلة تزداد» على أن السلطات الروسية «تعتقل أو تخفي» آلاف المدنيين الأوكرانيين الذين لا يجتازون عملية «التصفية»، موضحاً أن بين المحتجزين أو «الذين جرى ترشيحهم» أوكرانيين «يُعدّون مهددين بسبب ارتباطهم المحتمل بالجيش الأوكراني، وقوات الدفاع الإقليمية، ووسائل الإعلام، والحكومة، وجماعات المجتمع المدني».
وأكد بلينكن أن السلطات الروسية «نقلت عشرات الآلاف من الأشخاص إلى مرافق احتجاز داخل دونيتسك» التي تسيطر عليها روسيا، ناسباً إلى شهود والمدعي العام الاوكراني أن «كثيرين بينهم تعرضوا للتعذيب»، فضلاً عن أن «بعض الأفراد المستهدفين بالتصفية أعدم بإجراءات موجزة، بما يتسق مع الأدلة حول الفظائع الروسية التي ارتكبت في بوتشا وماريوبول ومواقع أخرى في أوكرانيا». وعدّ أن الرئيس بوتين وحكومته «لن يتمكنا مع الانخراط في هذه الانتهاكات الممنهجة مع الإفلات من العقاب»، مؤكداً أن «المساءلة أمر حتمي» لمرتكبي جرائم الحرب والفظائع الأخرى.
في غضون ذلك، باشرت إدارة الرئيس بايدن العمل مع الدول الحليفة من أجل اتخاذ إجراءات جديدة تهدف إلى «تجويع آلة الحرب الروسية» وإلى وقف ارتفاع أسعار النفط والغاز إلى مستويات قد تسحق الاقتصاد العالمي.
وحذرت وزارة الخارجية الروسية من أن الخطوات التي ستتخذها موسكو رداً على العقوبات الغربية ضدها قد تكون «مؤلمة جداً». وأشار مدير دائرة التعاون الاقتصادي في الخارجية الروسية، دميتري بيريتشيفسكي، في تصريح لوكالة «نوفوستي» الروسية ليل الثلاثاء - الأربعاء، إلى أن الجانب الروسي «لم يتخذ بعد إجراءاته بكامل قوته». وأضاف أنه «من الواضح أن الدول الغربية ترهق اقتصادها ومواطنيها بالخطوات المعادية لروسيا»، مضيفاً أنه «ليس ذنب روسيا أن الأوروبيين قد يواجهون شتاء من دون تدفئة وحر الصيف من دون مكيفات الهواء». وعدّ أن العقوبات ضد بلاده ترتد على الاقتصادات الغربية، مضيفاً: «ومع ذلك نحتفظ بالحق في تشديد إجراءاتنا الخاصة. ونحن لا نعلق تقليدياً على طبيعتها المحتملة، والحكومة الروسية تدرس الخطوات في هذا الشأن. والقيود الغربية حساسة بالنسبة إلى الاقتصاد الروسي، لكن إجراءاتنا التي سنتخذها رداً عليها قد تكون مؤلمة جداً». ولا يزال النفط والغاز الركيزة الأساسية للإيرادات المالية في الاقتصاد الروسي رغم حظر التصدير والعقوبات وتجميد أصول البنك المركزي الروسي. ويخطط الحلفاء الأوروبيون لاتباع إدارة بايدن واتخاذ خطوات لوقف استخدام النفط الروسي بحلول نهاية هذا العام، في خطوة يمكن أن تؤدي إلى انخفاض المعروض من النفط في كل أنحاء العالم ودفع الأسعار إلى نحو 200 دولار للبرميل.
ودفع هذا الخطر الولايات المتحدة وحلفاءها إلى إنشاء «كارتل» للسيطرة على سعر النفط الروسي. ووافق زعماء «مجموعة السبع» للدول الصناعية الكبرى بشكل مبدئي على دعم وضع سقف لسعر النفط الروسي أدنى من سعر السوق. وتقوم وزيرة الخزانة الأميركية، جانيت يلين، حالياً بجولة في بلدان المحيطين الهندي والهادئ للضغط من أجل الاقتراح. وأفادت يلين في بيان مع وزيرة المالية اليابانية سوزوكي شونيتشي بأن الولايات المتحدة واليابان اتفقتا على استكشاف «جدوى وضع حد أقصى للأسعار عند الاقتضاء».
وتعتقد إدارة بايدن أن الصين والهند، وهما دولتان حافظتا على علاقات تجارية مع روسيا وتشتريان النفط منها بأسعار مخفضة، يمكن إغراؤهما لتبني خطة لتحديد سقف للأسعار. وقال نائب وزيرة الخزانة الأميركية، والي أديمو: «نعتقد أن البلدان في كل أنحاء العالم التي تشتري حالياً النفط الروسي ستكون مهتمة للغاية في نهاية المطاف بدفع أقل ما يمكن مقابل ذلك النفط الروسي». وإذا لم ينفذ سقف للسعر، فمن شبه المؤكد أن أسعار النفط سترتفع بسبب قرار الاتحاد الأوروبي حظر كل النفط تقريباً من روسيا. كما يخطط الاتحاد الأوروبي لحظر تأمين وتمويل النقل البحري للنفط الروسي لأطراف ثالثة بحلول نهاية العام. وقال أديمو إنه من دون آلية حد أقصى للسعر لخفض بعض الإيرادات الروسية «سيكون هناك خطر أكبر يتمثل في خروج بعض الإمدادات الروسية من السوق. وقد يؤدي ذلك إلى ارتفاع الأسعار، مما قد يؤدي إلى زيادة الأسعار بالنسبة للأميركيين». وكان مستشار الأمن القومي الأميركي جيك سوليفان قال إنه «إذا اتضح أن الدول تفرض سقفاً خاصاً بها للأسعار وأن هذا يعدّ حرماناً كبيراً من الإيرادات لروسيا من حيث قدرتها على بيع النفط، فهذا ليس فشلاً للعقوبات؛ (بل) نجاح»؛ لأنه يؤدي إلى انخفاض عائدات موسكو.


مقالات ذات صلة

قتال عنيف... القوات الروسية تقترب من مدينة رئيسية شرق أوكرانيا

أوروبا عسكري أوكراني يحتمي أمام مبنى محترق تعرض لغارة جوية روسية في أفدييفكا (أ.ب)

قتال عنيف... القوات الروسية تقترب من مدينة رئيسية شرق أوكرانيا

أعلنت القيادة العسكرية في أوكرانيا أن هناك قتالاً «عنيفاً للغاية» يجري في محيط مدينة باكروفسك شرقي أوكرانيا، التي تُعدّ نقطة استراتيجية.

«الشرق الأوسط» (كييف)
الولايات المتحدة​ تشمل المعدات المعلن عنها خصوصاً ذخيرة لأنظمة قاذفات صواريخ هيمارس وقذائف مدفعية (رويترز)

مساعدات عسكرية أميركية إضافية لأوكرانيا بقيمة 500 مليون دولار

أعلنت الولايات المتحدة أنها ستقدم معدات عسكرية تقدر قيمتها بنحو 500 مليون دولار لدعم أوكرانيا، قبل نحو شهر من تنصيب الرئيس المنتخب دونالد ترمب.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
أوروبا من جنازة جندي أوكراني توفي خلال الحرب مع روسيا (أ.ف.ب)

«الناتو»: مليون قتيل وجريح في أوكرانيا منذ بدء الحرب

أعرب حلف شمال الأطلسي (الناتو) عن اعتقاده بأن أكثر من مليون شخص سقطوا بين قتيل وجريح في أوكرانيا منذ شنّت روسيا غزوها الشامل في فبراير (شباط) 2022.

«الشرق الأوسط» (كييف)
أوروبا أظهرت الأقمار الاصطناعية أضراراً بمطار عسكري روسي في شبه جزيرة القرم جراء استهداف أوكراني يوم 16 مايو 2024 (أرشيفية - رويترز)

روسيا تتهم أوكرانيا بقصف مطار عسكري بصواريخ أميركية... وتتوعد بالرد

اتهمت روسيا أوكرانيا باستخدام صواريخ بعيدة المدى أميركية الصنع لقصف مطار عسكري، اليوم (الأربعاء)، متوعدة كييف بأنها ستردّ على ذلك عبر «إجراءات مناسبة».

«الشرق الأوسط» (موسكو)
الولايات المتحدة​ رجال إنقاذ يعملون في موقع تعرض فيه مبنى لأضرار جسيمة بسبب ضربة صاروخية روسية أمس وسط هجوم روسيا على أوكرانيا في زابوريجيا11 ديسمبر 2024 (رويترز) play-circle 02:00

أميركا تحذّر روسيا من استخدام صاروخ جديد «مدمر» ضد أوكرانيا

قال مسؤول أميركي إن تقييماً استخباراتياً أميركياً، خلص إلى أن روسيا قد تستخدم صاروخها الباليستي الجديد المتوسط ​​المدى مدمر ضد أوكرانيا مرة أخرى قريباً.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)

روته: يجب على «الناتو» تبني «عقلية الحرب» في ضوء الغزو الروسي لأوكرانيا

TT

روته: يجب على «الناتو» تبني «عقلية الحرب» في ضوء الغزو الروسي لأوكرانيا

صورة التُقطت 4 ديسمبر 2024 في بروكسل ببلجيكا تظهر الأمين العام لحلف «الناتو» مارك روته خلال مؤتمر صحافي (د.ب.أ)
صورة التُقطت 4 ديسمبر 2024 في بروكسل ببلجيكا تظهر الأمين العام لحلف «الناتو» مارك روته خلال مؤتمر صحافي (د.ب.أ)

وجّه الأمين العام لحلف شمال الأطلسي (الناتو) مارك روته، الخميس، تحذيراً قوياً بشأن ضرورة «زيادة» الإنفاق الدفاعي، قائلاً إن الدول الأوروبية في حاجة إلى بذل مزيد من الجهود «لمنع الحرب الكبرى التالية» مع تنامي التهديد الروسي، وقال إن الحلف يحتاج إلى التحول إلى «عقلية الحرب» في مواجهة العدوان المتزايد من روسيا والتهديدات الجديدة من الصين.

وقال روته في كلمة ألقاها في بروكسل: «نحن لسنا مستعدين لما ينتظرنا خلال أربع أو خمس سنوات»، مضيفاً: «الخطر يتجه نحونا بسرعة كبيرة»، وفق «وكالة الصحافة الفرنسية».

وتحدّث روته في فعالية نظمها مركز بحثي في بروكسل تهدف إلى إطلاق نقاش حول الاستثمار العسكري.

جنود أميركيون من حلف «الناتو» في منطقة قريبة من أورزيسز في بولندا 13 أبريل 2017 (رويترز)

ويتعين على حلفاء «الناتو» استثمار ما لا يقل عن 2 في المائة من إجمالي ناتجهم المحلي في مجال الدفاع، لكن الأعضاء الأوروبيين وكندا لم يصلوا غالباً في الماضي إلى هذه النسبة.

وقد انتقدت الولايات المتحدة مراراً الحلفاء الذين لم يستثمروا بما يكفي، وهي قضية تم طرحها بشكل خاص خلال الإدارة الأولى للرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب.

وأضاف روته أن الاقتصاد الروسي في «حالة حرب»، مشيراً إلى أنه في عام 2025، سيبلغ إجمالي الإنفاق العسكري 7 - 8 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي للبلاد - وهو أعلى مستوى له منذ الحرب الباردة.

وبينما أشار روته إلى أن الإنفاق الدفاعي ارتفع عما كان عليه قبل 10 سنوات، عندما تحرك «الناتو» لأول مرة لزيادة الاستثمار بعد ضم روسيا شبه جزيرة القرم من طرف واحد، غير أنه قال إن الحلفاء ما زالوا ينفقون أقل مما كانوا ينفقونه خلال الحرب الباردة، رغم أن المخاطر التي يواجهها حلف شمال الأطلسي هي «بالقدر نفسه من الضخامة إن لم تكن أكبر» (من مرحلة الحرب الباردة). واعتبر أن النسبة الحالية من الإنفاق الدفاعي من الناتج المحلي الإجمالي والتي تبلغ 2 في المائة ليست كافية على الإطلاق.

خلال تحليق لمقاتلات تابعة للـ«ناتو» فوق رومانيا 11 يونيو 2024 (رويترز)

وذكر روته أنه خلال الحرب الباردة مع الاتحاد السوفياتي، أنفق الأوروبيون أكثر من 3 في المائة من ناتجهم المحلي الإجمالي على الدفاع، غير أنه رفض اقتراح هذا الرقم هدفاً جديداً.

وسلَّط روته الضوء على الإنفاق الحكومي الأوروبي الحالي على معاشات التقاعد وأنظمة الرعاية الصحية وخدمات الرعاية الاجتماعية مصدراً محتملاً للتمويل.

واستطرد: «نحن في حاجة إلى جزء صغير من هذه الأموال لجعل دفاعاتنا أقوى بكثير، وللحفاظ على أسلوب حياتنا».