«وكالة المغرب العربي للأنباء»... حقبة من تاريخ البلد المعاصر

الإدريسي يوقع الكتاب ضمن فعاليات معرض الرباط الأخير
الإدريسي يوقع الكتاب ضمن فعاليات معرض الرباط الأخير
TT

«وكالة المغرب العربي للأنباء»... حقبة من تاريخ البلد المعاصر

الإدريسي يوقع الكتاب ضمن فعاليات معرض الرباط الأخير
الإدريسي يوقع الكتاب ضمن فعاليات معرض الرباط الأخير

تبدو مهمة صياغة تاريخ المغرب المعاصر انطلاقاً من قصاصات وكالة الأنباء المغربية لوحدها تحدياً حقيقياً لا تدرك في البداية كل تداعياته التحريرية والمنهجية والسياسية. بهذه العبارة يبدأ تقديم خليل الهاشمي الإدريسي المدير العام للوكالة، للإصدار الجديد بعنوان: «وكالة المغرب العربي للأنباء: حقبة من تاريخ المغرب 1959 - 2020».
لكن الهاشمي الإدريسي مسؤول الوكالة التي تأسست عام 1959 كشركة خاصة، قبل أن يجري «تأميمها» عام 1974. لتتحول إلى مؤسسة عمومية، يقر بأنه «بالموازاة مع إحراز التقدم في المشروع تبرز صعوبات مثبطة أحياناً وعوائق يسهل تجاوزها غالباً، غير أن المؤهل الوحيد الذي كما بين أيدينا في البداية هو تلك القاعدة الصعبة من كرونولوجيا الوقائع التاريخية التي عمل صحافيو الوكالة على تغطيتها».
يتضمن الكتاب الواقع في 600 صفحة من القطع المتوسط، والمزين بصور فوتوغرافية تؤرخ لفترات وأحداث من تاريخ المغرب، عدداً من المواضيع جرى انتقاؤها بعناية فائقة، تجعل القارئ والباحث والمهتم يتوقف عند أهم المراحل والمنعطفات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية والرياضية التي شهدها المغرب على مدى الفترة التي يغطيها الكتاب المتراوحة ما بين 1959 - 2020.
«الخبر مقدس والتعليق حر»
لقد كانت أول قصاصة بثتها هذه الوكالة، هي كلمة تدشين الملك الراحل محمد الخامس لوكالة المغرب العربي للأنباء في الثامن عشر من نوفمبر (تشرين الثاني) 1957. والتي أعلن فيها «الخبر مقدس والتعليق حر» كشعار للوكالة التي «ستسد الفراغ الموجود في ميدان الأخبار، إذا كان لا بد للبلاد من وكالة وطنية تنقل أخباره وأخبار الخارج بنزاهة وصدق وأمانة».
وإذا كان الصحافي ليس مؤرخاً في الأساس، لكنه مؤرخ الحاضر - حسب خليل الهاشمي الإدريسي - الذي عبر عن اعتقاده الراسخ في مقدمة الكتاب بأن صحافة الوكالة: «تمكنت من النجاح في مهمتها في تقديم إنتاج متسم بالكثافة والشمول، يمكن من تلبية متطلبات المؤرخين الشغوفين الذين يرغبون في تجاوز اللحظة وتحقيب فترة من تاريخنا المعاصر بكل تعقيداته»، رغم أن المهنة «أضحت اليوم تتميز بإنتاج كبير للأخبار الزائفة وبانخفاض عام في مستوى احترام أخلاقيات المهنة وتراجع ملحوظ على مستوى تكوين المهنيين».
وبصفة عامة فإن هذا المؤلف «يقدم رؤية خاصة لتاريخ المغرب من خلال قصاصات وكالة المغرب العربي للأنباء، حررها صحافيون من أجيال عدة، بهدف التقديم للمشتركين في نشراتها ومنتوجاتها، المسار الثقافي والسياسي والاجتماعي للمغرب من خلال مجموعة من الأخبار المعطيات التي تستحق الدراسة والتحليل، مما يجعل من الإصدار الجديد» منتوجاً خاصاً وفريداً في ساحة النشر المغربية، ويؤرخ لعدد من المحطات في تاريخ المغرب. كما يضع رهن إشارة المتخصصين في علوم اللغة والاجتماع والأنثربولوجيا والسياسة، معطيات موثقة وواضحة، تساعدهم في أبحاثهم العلمية حول تاريخ المغرب المعاصر، وتكون بذلك نبراساً للأجيال المقبلة، كما أوضح خليل الهاشمي الإدريسي في حفل توقيع هذا الكتاب الذي جرى أخيراً في إطار فعاليات المعرض الدولي للنشر والكتاب بالرباط.



أميتاف غوش و«خيال ما لا يمكن تصوره»

غوش
غوش
TT

أميتاف غوش و«خيال ما لا يمكن تصوره»

غوش
غوش

حصل الكاتب الهندي أميتاف غوش، يوم 26 نوفمبر (تشرين الثاني)، على جائزة إراسموس لعام 2024 ومبلغ نقدي قدره 150 ألف يورو، لمساهمته الملهمة في موضوع هذا العام «خيال ما لا يمكن تصوره». وذلك من خلال أعماله التي تهتم بمواضيع الساعة؛ من بينها الأسباب الرئيسية لتغير المناخ.

وغوش (ولد عام 1956)، في كلكتا، عالم أنثروبولوجيا اجتماعية من جامعة أكسفورد، ويعيش بين الهند والولايات المتحدة. تتضمن أعماله روايات تاريخية ومقالات صحافية. وتعتمد كل أعماله على بحث أرشيفي شامل، وهي تتجاوز الزمن والحدود المكانية. ومن بين المواضيع الرئيسية، التي يتطرق إليها، الهجرة والشتات والهوية الثقافية، دون إغفال، طبعاً، البعد الإنساني.

في كتابيه الأخيرين «لعنة جوزة الطيب» و«الدخان والرماد: التاريخ الخفي للأفيون»، يربط غوش بين الاستعمار وأزمة المناخ الحالية، مع إيلاء اهتمام خاص لشركة الهند - الشرقية الهولندية.

وكان الاستعمار والإبادة الجماعية، وفقاً لغوش، من الأسس التي بنيت عليها الحداثة الصناعية. علاوة على ذلك، فإن النظرة العالمية، التي تنظر إلى الأرض كمورد، تذهب إلى ما هو أبعد من الإبادة الجماعية والإبادة البيئية. التي تستهدف كل شيء - الناس والحيوانات والكوكب نفسه، والسعي وراء الربح، قد استنزف الأرض وحوّل الكوكب إلى موضوع للاستهلاك.

المخدرات أداة استعمارية

ويدور موضوع كتاب «الدخان والرماد» حول الرأسمالية التي تفتقد أي وازع أخلاقي. وبداية، يفند المؤلف الكتابات التي تدعي أن الأفيون كان يستخدم في الصين بشكل واسع، ويعتبر ذلك من الكليشيهات التي لا أساس لها من الصحة، إذ لم يكن إنتاج الأفيون نتيجة للتقاليد الصينية، بل «كانت المخدرات أداة في بناء قوة استعمارية». وكان النبات يشكل جزءاً مهماً من الاقتصاد في مستعمرة الهند البريطانية. وفي كتابه «لعنة جوزة الطيب»، يستدعي غوش المذبحة التي اقترفها جان بيترزون كوين (1587 - 1629)، في جزر باندا في عام 1621 للسيطرة على احتكار جوزة الطيب. يطبق قوش الآن هذه الطريقة أيضاً على الأفيون. وكان قد سبق له أن كتب عن تاريخ الأفيون «ثلاثية إيبيس»؛ وتتضمن «بحر الخشخاش» (2008)، و«نهر الدخان» (2011)، و«طوفان النار» (2015). وروى فيها قصة سفينة العبيد، إيبيس، التي كانت تتاجر بالأفيون بين الهند والصين خلال حرب الأفيون الأولى (1839 - 1842).

يقول جان بريمان (1936) عالم اجتماع الهولندي والخبير في مواضيع الاستعمار والعنصرية وما بعد الكولونيالية، عن «لعنة جوزة الطيب»: «ما الذي ألهم هؤلاء الهولنديين من (VOC) شركة الهند - الشرقية، بقيادة كوين لذبح جميع سكان جزر - باندا قبل أربعة قرون؟». هذا السؤال يطرحه أيضاً الكاتب الهندي غوش في كتابه «لعنة جوزة الطيب». علماً بأن جوزة الطيب لا تنمو إلا في هذه الجزر. ويضيف بريمان: «ليس من باب الاهتمام بما نعتبره نحن في هولندا النقطة السيئة في تاريخنا الاستعماري، ولكن لأن، عقلية شركة الهند - الشرقية الهولندية ما تزال منذ 400 عام تحركنا، بل إنها تغرقنا مباشرة في أزمة المناخ. وباختصار، تعتبر قصة الإبادة الجماعية في جزر - باندا بمثابة مَثَل لعصرنا، وهي قصة يمكن تعلم الكثير».

دولة المخدرات لشركة الهند - الشرقية

كانت هولندا أول من اعترف بالقيمة التجارية للأفيون، وهو المنتج الذي لم يسبق له مثيل من قبل. ولضمان توفر ما يكفي من الأفيون للتجارة، تم استخدام المزيد من المناطق في جزيرتي جاوة ولومبوك لزراعة الخشخاش. وتبين أن احتكار شركة الهند - الشرقية للأفيون كان بمثابة إوزة تضع بيضاً ذهبياً، فقد عاد الحاكم العام إلى هولندا في عام 1709 ومعه ما يعادل الآن «ثروة بيل غيتس» وقد يعود جزء من ثروة العائلة الملكية الحالية لهذه التجارة، بحسب غوش، نتيجة استثمارها الأموال في شركات الأفيون. وهكذا أصبحت هولندا «دولة المخدرات الأولى». ولكن تبين أن ذلك كان لا شيء، مقارنة بما فعله البريطانيون في الهند؛ وفقاً لغوش، فقد أتقنوا إدارة أول «كارتل عالمي للمخدرات».

ففي الهند، أجبر البريطانيون المزارعين على تحويل أراضيهم إلى حقول خشخاش والتخلي عن المحصول بأسعار منخفضة. ثم قاموا ببناء المصانع حيث كان على (العبيد) معالجة الأفيون وسط الأبخرة. ولم تكن السوق الهندية كبيرة بما يكفي، لذلك كان على الصينيين أيضاً أن يتكيفوا. ومع ذلك، يبدو أن الصينيين لم يكونوا مهتمين على الإطلاق بالتجارة مع البريطانيين. ويقتبس غوش رسالة من تشيان لونغ، إمبراطور الصين آنذاك، الذي كتب في رسالة إلى الملك البريطاني جورج الثالث في عام 1793: «لم نعلق أبداً أي قيمة على الأشياء البارعة، ولم تكن لدينا أدنى حاجة لمنتجات من بلدك».

لعب الأفيون دوراً مركزياً في الاقتصاد الاستعماري منذ عام 1830 فصاعداً. وتم إنشاء المزيد والمزيد من المصانع في الهند لتلبية احتياجات «المستهلك الصيني»، كما كتب الكاتب البريطاني Rudyard Kipling روديارد كبلنغ عام 1899 في تقريره «في مصنع للأفيون»؛ فرغم الرائحة الخانقة للأفيون، كان «الدخل الكبير» الذي حققه للإمبراطورية البريطانية أهم.

تضاعفت مساحة حقول الخشخاش في الهند إلى ستة أضعاف. ويوضح غوش بالتفصيل ما يعنيه هذا لكل من المجتمع الهندي والطبيعة في القرون التي تلت ذلك. فلا يحتاج نبات الخشخاش إلى الكثير من الرعاية فحسب، بل يحتاج أيضاً إلى الكثير من الماء، مما يؤدي إلى الجفاف واستنزاف التربة. كما شكلت تجارة الأفيون جغرافية الهند المعاصرة بطرق أخرى. وأصبحت مومباي مدينة مهمة كميناء عبور للأفيون في عهد البريطانيين. ولا تزال المناطق التي تم إنشاء معظم حقول الأفيون فيها في ذلك الوقت من بين أفقر المناطق في الهند.

يوضح قوش كيف يعمل التاريخ، وبالتالي يميز نفسه عن معظم الكتاب الذين تناولوا الموضوع ذاته.

كما أنه يرسم أوجه تشابه مع الحاضر، التي لا يجرؤ الكثير من المؤلفين على تناولها. ووفقاً له، لا توجد مبالغة في تقدير تأثير تجارة الأفيون الاستعمارية على الأجيال اللاحقة. فما أنشأه البريطانيون في المناطق الآسيوية لا يختلف عن عمل منظمة إجرامية - حتى بمعايير ذلك الوقت، كما يكتب غوش، وهذا ما زال قائماً.

إن رؤية ذلك والاعتراف به أمر بالغ الأهمية لأولئك الذين يرغبون في العمل من أجل مستقبل أفضل.

يوم أمس منح ملك هولندا ويليام ألكسندر جائزة إيراسموس لأميتاف غوش في القصر الملكي في أمستردام، تقديراً لعمل غوش، الذي يقدم، بحسب لجنة التحكيم، «علاجاً يجعل المستقبل غير المؤكد ملموساً من خلال قصص مقنعة عن الماضي، وهو يرى أن أزمة المناخ هي أزمة ثقافية تنشأ قبل كل شيء من الافتقار إلى الخيال».