دراسة تكشف عن أن جنس الطبيب وعرقيته يؤثران على استجابة المرضى للعلاج

TT

دراسة تكشف عن أن جنس الطبيب وعرقيته يؤثران على استجابة المرضى للعلاج

كشفت دراسة علمية، عن أن التحيزات المتأصلة في عقليات المرضى ربما تؤثر على استجابتهم للعلاج الذي يقدمه لهم الأطباء حسب اختلاف جنس الطبيب وعرقيته، بحسب «د.ب.أ».
وأجرى فريق من الباحثين دراسة في الولايات المتحدة لقياس مدى استجابة 200 مريض للرعاية الطبية التي يقدمها لهم أطباء رجال وإناث ومن عرقيات مختلفة، سواء من أصحاب البشرة البيضاء أو السمراء أو ينحدرون من أصول آسيوية.
وتبين من خلال الدراسة التي نشرتها الدورية العلمية «بروسيدنجز أوف ناشونال أكاديمي أوف ساينس»، أن المرضى أصحاب البشرات البيضاء يستجيبون للعلاج بشكل أفضل عندما يصفه لهم طبيب ذكر أبيض، وهو الشكل التقليدي للأطباء في الولايات المتحدة.
وفي إطار التجربة، كان الأطباء يقدمون للمرضى علاجات غير حقيقية لقياس تأثير الحالة النفسية للمرضى على فرص شفائهم، وكشفت عن استجابة المرضى المشاركين وجود انحيازات عميقة داخل عقلياتهم، وأن هذه الانحيازات تؤثر على وتيرة الشفاء.
ونقل الموقع الإلكتروني «ميديكال إكسبريس» المتخصص في العلوم الطبية عن الباحث لوران هاوي من جامعة زيوريخ في سويسرا، قوله، إن التجربة كانت تتضمن استثارة شعور بالحكة الناجمة عن الحساسية على جلد المرضى باستخدام مادة الهيستامين، ثم إعطائهم مرطب للجلد من دون رائحة باعتباره الدواء اللازم لعلاج هذه الحساسية.
وكان جميع المشاركين في التجربة أشخاص من ذوي البشرة البيضاء يعيشون في منطقة خليج سان فرانسيسكو في ولاية كاليفورنيا بالولايات المتحدة، فضلاً عن 13 طبيباً ينقسمون ما بين رجال وإثاث وما بين أصحاب بشرات بيضاء وسمراء أو ينحدرون من أصول آسيوية.
وتبين من خلال التجربة، أن المرضى الذين حصلوا على مرطب الجلد من طبيب أبيض تراجعت لديهم أعراض الحساسية بوتيرة أسرع من المرضى الذي حصلوا على المرطب نفسه من طبيبة أو من طبيب ينحدر من أصول أفريقية.


مقالات ذات صلة

مسار جديد لعلاج سرطان الكبد العدواني

علوم مسار جديد لعلاج سرطان الكبد العدواني

مسار جديد لعلاج سرطان الكبد العدواني

حدد فريق من العلماء الدوليين استراتيجية جديدة واعدة لعلاج سرطان القنوات الصفراوية، وهو شكلٌ نادرٌ من سرطان الكبد ولكنه عدواني، وخيارات علاجه محدودة جداً حالياً.

د. وفا جاسم الرجب (لندن)
علوم العلم يسلِّط الأضواء على حقيقة النرجسيين

العلم يسلِّط الأضواء على حقيقة النرجسيين

كان مصطلح النرجسية -في السابق- محصوراً في علم النفس والأساطير الكلاسيكية، ولكنه اليوم أصبح متداولاً في الأحاديث اليومية.

ديفيد روبنسون (لندن)
صحتك المعلبات مثل الطماطم والفاصوليا خيار اقتصادي جيد بشرط اختيار الأنواع قليلة الصوديوم (جامعة بروك)

10 حيل فعَّالة لتناول طعام صحي بميزانية محدودة

رغم الارتفاع الكبير في أسعار المواد الغذائية خلال السنوات الأخيرة، فإنَّ تناول الطعام الصحي لا يحتاج إلى ميزانية كبيرة كما يعتقد كثيرون.

«الشرق الأوسط» (القاهرة )
صحتك شاي الرويبوس له العديد من الفوائد الصحية المثبتة (شاترستوك)

شاي «الرويبوس» لتعزيز صحة الأمعاء والحد من الالتهابات

شاي الرويبوس، هو مشروب خالي من مادة الكافيين معدّ من أوراق شجيرة موطنها الأصلي في جنوب أفريقيا.

«الشرق الأوسط» (لندن)
صحتك الإفراط في تناول مكملات فيتامين «سي» قد يؤدي إلى كثير من الآثار الجانبية (رويترز)

6 آثار جانبية خطيرة لتناول كمية كبيرة من فيتامين «سي»

تعد مكملات فيتامين «سي» آمنة لمعظم الناس، ولكن الإفراط في تناولها قد يؤدي إلى كثير من الآثار الجانبية.

«الشرق الأوسط» (لندن)

«الدوري الفرنسي»: نيس يواصل الخسارة... الهزيمة السابعة توالياً

حسرة لاعبي نيس بعد الهزيمة السابعة توالياً على يد أنجيه (أ.ف.ب)
حسرة لاعبي نيس بعد الهزيمة السابعة توالياً على يد أنجيه (أ.ف.ب)
TT

«الدوري الفرنسي»: نيس يواصل الخسارة... الهزيمة السابعة توالياً

حسرة لاعبي نيس بعد الهزيمة السابعة توالياً على يد أنجيه (أ.ف.ب)
حسرة لاعبي نيس بعد الهزيمة السابعة توالياً على يد أنجيه (أ.ف.ب)

واصل نيس تقهقره بتلقيه الهزيمة السابعة توالياً على يد ضيفه أنجيه 0 - 1، متأثراً بالنقص العددي في صفوفه، الأحد، في المرحلة الخامسة عشرة من الدوري الفرنسي لكرة القدم.

بعد أسبوع من التوتر عقب الحوادث التي وقعت، الأحد الماضي، عندما استهدف بعض المشجعين لاعبي الفريق العائدين من لوريان حيث خسروا 1 - 3، لا تزال الانقسامات الداخلية في نيس قائمة وبشكل واضح.

ومن المؤكد أن خسارة الأحد التي حصلت بهدف سجله المغربي ياسين بلخديم في الدقيقة 33 من مباراة أكملها المضيّف بعشرة لاعبين منذ الدقيقة 53 بعد طرد توم توشيه، ستزيد الوضع سوءاً، وتجعل مصير المدرب فرانك إيز في مهب الريح.

وبهزيمته الثامنة للموسم، تجمد رصيد نيس عند 17 نقطة في المركز الثاني عشر، بينما رفع أنجيه رصيده إلى 19 نقطة في المركز الحادي عشر.


مسار جديد لعلاج سرطان الكبد العدواني

سرطان القنوات الصفراوية
سرطان القنوات الصفراوية
TT

مسار جديد لعلاج سرطان الكبد العدواني

سرطان القنوات الصفراوية
سرطان القنوات الصفراوية

حدد فريق من العلماء الدوليين استراتيجية جديدة واعدة لعلاج سرطان القنوات الصفراوية، وهو شكلٌ نادرٌ من سرطان الكبد ولكنه عدواني، وخيارات علاجه محدودة جداً حالياً.

سرطان صامت ومقاوم

ويشتهر سرطان القنوات الصفراوية بتأخر تشخيصه وضعف استجابته للعلاجات المتاحة. وكذلك فإن أقل من ثلث المرضى مؤهلون للجراحة، وتبقى معدلات النجاة ضئيلة حتى بعد إزالة الأورام.

ودفع هذا الواقع القاسي الباحثين إلى دراسة طرق جديدة لمكافحة هذا المرض. ووجدوا أن حجب بروتين يسمى «سي إن إن إم 4» (CNNM4) بالاقتران مع طرق توصيل متقدمة تعتمد على الحمض النووي الريبي، يمكن أن يوفر علاجاً آمناً وموجهاً لهذا المرض المدمر.

وتأتي هذه النتائج من دراسة قادتها الدكتورة ماريا لوز مارتينيز شانتار، من مركز دراسة أمراض الكبد والجهاز الهضمي، بمعهد كارلوس الثالث الوطني للصحة، في مدريد بإسبانيا، ونُشرت في المجلة الطبية «Gut» في 17 سبتمبر (أيلول) 2025.

ومع قلة خيارات العلاج المتاحة لمرض سرطان القنوات الصفراوية «cholangiocarcinoma» -أو (CCA)- وبقاء معدلات النجاة منخفضة بشكل كبير، يُقدم هذا البحث أملاً جديداً للمرضى والأطباء على حد سواء.

وينشأ سرطان الأقنية الصفراوية في القنوات الصفراوية بالكبد، ومن المعروف أن من الصعب علاجه. ولأن الأعراض لا تظهر عادة إلا في المراحل المتأخرة، فعادة ما يتم تشخيص المرض في وقت متأخر جداً لإجراء عملية جراحية، وهو الخيار العلاجي الوحيد المحتمل. وحتى عندما تكون الجراحة ممكنة تكون معدلات الانتكاس مرتفعة. وغالباً ما يكون للعلاج الكيميائي تأثير محدود. ولا يتأهل سوى 20 إلى 30 في المائة فقط من المرضى للخضوع للجراحة، ولا يزال البقاء على قيد الحياة على المدى الطويل نادراً.

وقد دفعت هذه التوقعات القاتمة فريق البحث إلى استكشافxz مسارات بيولوجية جديدة يمكن استخدامها في العلاج.

استهداف بروتيني

4وكان بروتين «سي إن إن إم 4» (CNNM4) هدفاً جديداً؛ إذ حددت الدراسة هذا البروتين مسؤولاً عن نقل المغنيسيوم داخل الخلايا وخارجها، كمحرك رئيسي في تطور سرطان القنوات الصفراوية. ففي المرضى الذين يعانون سرطان القنوات الصفراوية، وُجد أن هناك زيادة مفرطة ومستمرة في إنتاج هذا البروتين.

وتمكَّن الباحثون من إبطاء نمو الورم من خلال منع البروتين، وبذلك قللوا أيضاً من مقاومة العلاج الكيميائي، ومنعوا الخلايا السرطانية من الانتشار. كما أن استعادة التوازن المناسب للمغنيسيوم أدى إلى تحفيز عملية التسمم الحديدي (ferroptosis) (هو نوع من الموت المبرمج للخلايا يعتمد على الحديد، ويتميز بتراكم البيروكسيدات الدهنية) وهي آلية طبيعية تدمر الخلايا السرطانية بشكل انتقائي، ما يجعل الأورام أكثر حساسية للعلاجات التقليدية.

وتشرح الدكتورة ناروا غويكوتكسيا من جمعية مركز البحوث التعاونية في العلوم البيولوجية الإسبانية، والمؤلفة الأولى للدراسة، قائلة إن هذه النتائج تسلط الضوء على كيفية استهداف نقطة ضعف التمثيل الغذائي للخلايا السرطانية التي يمكن أن تصبح استراتيجية علاجية قوية.

مسار علاجي واعد

وبالإضافة إلى تحديد الحمض النووي الريبي الدقيق هدفاً، اختبر الباحثون نظام توصيل مبتكر يقوم على الحمض النووي الريبي، ويعرف باسم تقنية «GalNAc siRNA» وهو نظام ذكي لتوصيل الدواء.

ويوصل النظام جزيء سكر صغيراً (GalNAc) إلى الحمض النووي الريبي المتداخل الصغير «Small interfering RNA» -أو (siRNA)- (هو فئة من جزيئات الحمض النووي الريبي غير المشفرة ذات السلسلة المزدوجة) بحيث يتم توجيه العلاج مباشرة إلى خلايا الكبد، وكأنه مثل «الرمز البريدي» للدواء. وهذا يجعل العلاجات أكثر دقة وفعالية، وبآثار جانبية أقل.

وبناء على قول الدكتورة مارتينيز-تشانتار، فإن عمل الفريق لا يكشف عن مسار علاجي واعد فحسب؛ بل يوضح أيضاً إمكانية الجمع بين البيولوجيا الجزيئية وتقنيات توصيل الأدوية المتطورة، للاقتراب من الطب الشخصي.

وتضمن المشروع تعاوناً وثيقاً بين كثير من المؤسسات الدولية. كما أنه يشكل جزءاً من شبكة العمل الأوروبي التي تعزز التعاون في مكافحة سرطانات القنوات الصفراوية.

ومن خلال الجمع بين الخبرة في بيولوجيا الأورام والتمثيل الغذائي الخلوي والتقنيات العلاجية المتقدمة، تمثل الدراسة تقدماً كبيراً في معالجة أحد أكثر أشكال سرطان الكبد فتكاً.

وتشير النتائج إلى مسار واضح لتطوير علاجات مستهدفة لسرطان الخلايا السرطانية في الكبد، رغم وجود حاجة إلى إجراء مزيد من البحوث والتجارب السريرية. ويمكن أن يؤدي الجمع بين حجب بروتين «سي إن إن إم 4» واستخدام أنظمة توصيل الحمض النووي الريبي الدقيقة، إلى منح المرضى علاجات أكثر أماناً وفاعلية، مصممة خصيصاً لبيولوجيتهم.

وبالنسبة لسرطان تكون فيه الخيارات محدودة، ونتائج النجاة منه ضعيفة، يقدم هذا الاكتشاف الجديد خطوة حيوية إلى الأمام. والأمل مع استمرار مثل هذا التعاون الدولي، هو أن السرطانات النادرة والعدوانية -مثل سرطان القنوات الصفراوية- لن تبقى بعيدة عن متناول الطب الفعال.


العلم يسلِّط الأضواء على حقيقة النرجسيين

العلم يسلِّط الأضواء على حقيقة النرجسيين
TT

العلم يسلِّط الأضواء على حقيقة النرجسيين

العلم يسلِّط الأضواء على حقيقة النرجسيين

كان مصطلح النرجسية -في السابق- محصوراً في علم النفس والأساطير الكلاسيكية، ولكنه اليوم أصبح متداولاً في الأحاديث اليومية. وانتقل هذا المصطلح من كونه مفهوماً يغلِّفه الغموض إلى أن أصبح شائعاً في الثقافة العامة ووسائل التواصل الاجتماعي؛ إلا أنه غالباً ما يُستخدم بصورة مفرطة في التبسيط، أو بصورة خاطئة.

في هذا السياق، نستعرض اضطراب الشخصية النرجسية (NPD) وفقاً لما يطرحه العلم، ونشرح الفروقات بين أنواعه، وما إذا كان بإمكان النرجسيين التغيير.

من الأسطورة إلى التشخيص الحديث

يرجع الاهتمام بالإعجاب المفرط بالذات إلى قصة نرجس في أعمال أوفيد؛ حيث وقع نرجس في حب انعكاس صورته حد الموت. وقد بدأ المصطلح يأخذ طابعاً طبياً في أواخر القرن التاسع عشر، حين استُخدم مصطلح «النرجسية» لوصف الإشباع الذاتي المفرط بالرضا.

وبحلول عشرينات القرن الماضي، استعان الأطباء النفسيون بالمصطلح للإشارة إلى اضطراب في الشخصية، ولكن لم يتم الاعتراف رسمياً باضطراب الشخصية النرجسية (narcissistic personality disorder) حتى عام 1980، عندما أُدرج في الدليل التشخيصي والإحصائي للاضطرابات النفسية (DSM).

في المجمل، يتسم اضطراب الشخصية النرجسية بالشعور بالعظمة، والسعي المستمر لنيل الإعجاب، وانعدام التعاطف. ويميل المصابون إلى المبالغة في إبراز مواهبهم وإنجازاتهم، ويشعرون بأنهم يستحقون معاملة خاصة، ويحتاجون باستمرار إلى التقدير. ومع أن مظهرهم يوحي بالثقة، فإن هذا القناع يخفي خلفه هشاشة عاطفية وحساسية مفرطة تجاه النقد. ويمكن أن يمارس النرجسيون دور التلاعب بالآخرين دون إحساس بالذنب، وأحياناً يتجاوزون الحدود بالإساءة العاطفية أو الجسدية.

وتشير العالمة النفسية سارة ديفيز -مؤلفة كتاب «نشأتُ على يد نرجسيين»- إلى أن ليس كل النرجسيين مسيئين، إلا أن تلاعبهم وقيامهم بـ«التلاعب النفسي» (gaslighting) يجعل من الصعب أحياناً رصد الأضرار التي يسببونها. وتُعد النرجسية أحد أضلاع «الثالوث المظلم» من السمات الاجتماعية الضارة، إلى جانب «السيكوباتية» (psychopathy) (الافتقار إلى التعاطف من جهة والاندفاعية من جهة أخرى) و«المكيافيلية» (psychopathy) (التلاعب الاستراتيجي).

قياس النرجسية وانتشارها

تساعد أداة «اختبار الشخصية النرجسية» (Narcissistic Personality Inventory– NPI) في قياس الميول النرجسية لدى عامة الناس. ومع ذلك، يتطلب التشخيص الرسمي تقييماً سريرياً، وهو أمر نادر الحدوث؛ لأن معظم النرجسيين لا يسعون لتلقي العلاج. وحسبما أوضحت ديفيز: «النرجسي الحقيقي دائماً ما يعتقد أن المشكلات سببها الآخرون».وتشير بحوث واسعة في الولايات المتحدة إلى أن نحو 6.2 في المائة من الناس يستوفون معايير اضطراب الشخصية النرجسية، بينما تشير دراسات أخرى إلى متوسطات أقل، تقارب 1 في المائة. ورغم التباين في الأرقام، يرى معظم علماء النفس أن النرجسية تشكل طيفاً. وهنا، توضح إيمي كوسكينن، من جامعة هلسنكي، أن الثقة الصحية بالنفس، والطموح، يمكن أن يكونا أمرين مفيدين، ولكن حين يبلغان حد المبالغة، فإنهما يؤديان إلى تدمير العلاقات الاجتماعية وإلى العزلة العاطفية.

مفارقة التعاطف

في حين يُعرف النرجسيون بافتقارهم إلى التعاطف، فإن الواقع في حقيقته أشد تعقيداً. وكشف تحليل أُجري عام 2023 أنهم قد يحتفظون بالتعاطف المعرفي -أي القدرة على إدراك مشاعر الآخرين- لكنهم يفتقرون إلى التعاطف العاطفي، أي القدرة على الشعور بهذه المشاعر.

ويعني ذلك أن النرجسيين قد يفهمون مشاعر الآخرين، ولكنهم يستخدمون هذه المعرفة للتلاعب بهم بدلاً من التعاطف معهم.

يتعايش هذا المنظور المتمركز حول الذات مع حساسية عاطفية مفاجئة، فالنرجسيون ليسوا بمنأى عن الألم؛ بل على العكس، لديهم قدرة عالية على رصد الرفض (من قبل الآخرين). وفي إحدى الدراسات، شارك أشخاص في لعبة كومبيوتر تُقصيهم عن التفاعل مع الآخرين. وأظهرت فحوصات الدماغ أن من سجلوا درجات أعلى في مقياس النرجسية، أظهروا نشاطاً أكبر في مناطق الدماغ المرتبطة بالضيق النفسي. ومن هنا تظهر المفارقة: فالنرجسيون يتوقون للإعجاب، ولكنهم يُجرَحون بسهولة من الإهانات البسيطة.

ودفعت هذه النتائج الباحثين إلى اعتبار النرجسية بمنزلة آلية دفاعية تحمي من شعور انعدام الأمان الداخلي؛ فالصورة المتضخمة للذات ما هي إلا درع تحمي الأنا الهشة. وتدعم بحوث كوسكينن هذا الطرح؛ إذ أظهرت تجارب تقيس مستويات التوتر في أثناء المحادثات الحميمة، أن المشاركين ذوي الدرجات العالية في النرجسية أظهروا علامات فسيولوجية أكبر ترتبط بالشعور بالتوتر، مثل زيادة التعرق عند الحديث عن مشاعرهم الشخصية. وتولد هذه الحاجة المستمرة لإثارة إعجاب الآخرين حالة من التوتر المزمنة.

دور الإقصاء في التعاظم

من جهتها، وجدت كريستيان بوتنر، من جامعة بازل، أن النرجسيين يميلون إلى تفسير الرفض الاجتماعي بشكل مبالغ فيه. فعند قراءة سيناريوهات افتراضية، افترض ذوو الدرجات الأعلى في النرجسية أنهم تعرضوا للإقصاء، حتى عندما لم يكن هناك ما يشير إلى تعمد ذلك. وفي دراسات الحياة اليومية، بالغوا في تقدير عدد المرات التي تعرضوا خلالها للنبذ، ما يشير إلى أن ذاكرتهم متحيزة نحو تذكُّر مواقف الرفض.

وقد يؤدي هذا الإحساس بالإقصاء إلى تضخيم السلوك النرجسي وإلى التعاظم؛ ففي دراسة طولية استمرت 14 عاماً أجرتها بوتنر، تبين أن الأفراد الذين شعروا بالتعرض للإقصاء أصبحوا أشد نرجسية مع مرور الوقت، ربما كآلية دفاعية ذاتية. ولأن السلوك النرجسي يؤدي إلى نفور الآخرين، فإن هؤلاء الأفراد يواجهون مزيداً من الإقصاء الحقيقي، ما يخلق دورة متكررة من الدفاعية والتعاظم. كلما زاد رفضهم، ازداد تضخمهم وتركيزهم على ذواتهم.

نرجسية متضخمة ونرجسية هشة

رغم أن الدليل التشخيصي والإحصائي للاضطرابات النفسي، يعامل اضطراب الشخصية النرجسية بوصفه حالة واحدة، فإن كثيراً من علماء النفس يميزون بين نوعين:

- النرجسي المتضخم: يَظهَر متعاظماً واثقاً، متفاخراً، ومهيمناً، وغالباً ما يُظهِر استحقاقاً واضحاً.

- النرجسي الهش: يميل إلى الانطواء، شديد الحساسية، ومنغلق في ذاته بصمت. ورغم اعتقاده بأنه مميز، فإنه يبحث باستمرار عن الشعور بالطمأنينة، لا الإعجاب.

في هذا الصدد، أوضحت عالمة النفس الجنائي آفا غرين، أن النرجسي الهش قد يبدو في البداية متواضعاً أو خجولاً، ولكنه يكشف لاحقاً عن توقعاته بتلقي معاملة خاصة وافتقاره إلى الشعور بالتعاطف. أما النرجسي المتضخم، فيُعلن تفوقه بوضوح، ولكنه يعتمد كذلك على انتباه الآخرين للحفاظ على احترامه الذاتي الهش.

ويشترك النوعان كلاهما في عدد من السمات الجوهرية: الشعور بالاستحقاق، والتمركز حول الذات، والتلاعب العاطفي، والتي تتجلى في أساليب مختلفة.

بين الرجال والنساء

تشير إحصاءات إلى أن نحو 75 في المائة من حالات تشخيص اضطراب الشخصية النرجسية تخص رجالاً، ما يوحي بانحياز تشخيصي محتمل؛ فالنرجسية المتضخمة -التي تتسم بالصوت العالي، والثقة الزائدة، والسعي وراء المكانة- تُعتبر أكثر قبولاً اجتماعياً لدى الرجال، كما أنها أكثر وضوحاً أمام الاختصاصيين النفسيين. أما النرجسية الهشة، والتي غالباً ما تظهر لدى النساء، فقد يجري الخلط بينها وبين القلق أو تدني احترام الذات.

هنا، أوضحت غرين أن النرجسية ليست مرتبطة بالجنس بطبيعتها، وإنما يصوغ المجتمع طريقة ظهورها؛ فالأعراف الثقافية تشجع الرجال على إظهار الهيمنة، بينما تُحفِّز النساء على التواضع. وعليه، تتكيَّف الميول النرجسية بما يتماشى مع هذه التوقعات. وعند قياسها بدقة، تُظهر النساء درجات أعلى من الرجال في النمط الهش من النرجسية، ما يُقلِّص الفجوة المفترضة بين الجنسين.

نرجسية العصر الرقمي

تُوفر البيئة الرقمية الحديثة تربة خصبة لتعبير النرجسيين عن أنفسهم. وتُظهر البحوث أن النرجسية ترتبط بالاستخدام المفرط لوسائل التواصل الاجتماعي، والمشاركة المتكررة في الترويج الذاتي على منصات مثل «إنستغرام» و«تيك توك». ومع ذلك، لا يوجد دليل قاطع على أن وسائل التواصل تسبب النرجسية.

وحسب رينيه موتوس، من جامعة إدنبرة، فإن الأدلة على ازدياد النرجسية بسبب الحياة الرقمية ضعيفة. ومع ذلك، تظل الحقيقة أن وسائل التواصل تضخِّم السلوك النرجسي، وتُبرز كل من التعبير الصحي عن الذات والانشغال المَرَضي بها.

اللافت أن النرجسية أصبحت موضوعاً شائعاً عبر الإنترنت؛ فقد تجاوز عدد المنشورات تحت هاشتاغ «النرجسية» على «إنستغرام» حاجز المليون، ويمتلك مؤثرون -مثل المعالجة النفسية راماني دورفاسولا، و«النرجسي المتعافي» لي هاموك- جمهوراً واسعاً يتابع مناقشاتهم حول تأثير النرجسية. ورغم أن هذا الظهور يُساعد الضحايا على التعرف على الإساءة، فإنه يسهم في الوقت نفسه في نشر معلومات خاطئة.

وهنا، تحذر سارة ديفيز من أن مصطلح «نرجسي» يُستخدم الآن بشكل مبالغ فيه لوصف أي سلوك أناني أو غير ناضج، ما يُعقِّد التمييز السريري الحقيقي.

ويُعد صعود «مدربي النرجسية» غير المؤهلين، مصدرَ قلق إضافياً؛ فبعض المؤثرين الذين يدَّعون قدرتهم على شفاء صدمات الآخرين يفتقرون إلى التدريب المهني. وتكمن المفارقة في أن طريقتهم في الترويج لأنفسهم قد تكون نرجسية بحد ذاتها. وأكدت ديفيز على ضرورة اللجوء إلى المعالجين المؤهلين والموثوقين، مثل منظمة «See Through NPD» في المملكة المتحدة، أو الخط الساخن الوطني للعنف المنزلي في الولايات المتحدة؛ خصوصاً أن العلاج المناسب يُساعد الناجين على فهم الإساءة النرجسية والتعافي منها.

هل يمكن للنرجسيين أن يتغيروا؟

يشكل رفض النرجسيين فحص الذات عائقاً كبيراً أمام العلاج؛ فمعظمهم لا يعترفون بالخطأ ولا يرون أنفسهم بحاجة للمساعدة. ومع ذلك، هناك بعض الأدلة على إمكانية التغيير عند توفر الالتزام والدعم المهني. وأظهرت دراسة أجرتها كلية الطب بجامعة هارفارد عام 2024، وشملت 8 أشخاص جرى تشخيصهم باضطراب الشخصية النرجسية، وخضعوا لعلاج نفسي مكثف طويل الأمد -إما لعلاج نفسي ديناميكي وإما لعلاج سلوكي جدلي (psychodynamic or dialectical behavior therapy)- أنهم بعد 5 سنوات تقريباً لم يعودوا يستوفون معايير التشخيص. وأبلغوا عن تحسن في قدرتهم على التعاطف، واستقرار في العلاقات، وحصولهم على وظائف ذات مغزى حقيقي. ورغم ندرة هذه الحالات، فإنها تُثبت أن التغيير -رغم صعوبته- ليس بالأمر المستحيل.

ومع ذلك، فإن مثل هذه النتائج تتطلب درجة عالية من الوعي الذاتي، السمة التي يفتقر إليها معظم النرجسيين. وإن محاولة إقناع شخص يرفض الاعتراف بأي خطأ هي مضيعة للجهد؛ خصوصاً أن وجهة نظرهم لا تسمح بوجود شعور بالذنب، وفي بعض الأحيان، يكون الابتعاد عنهم الخيار الأنسب صحة للآخرين.

في نهاية المطاف، فإن العلم يرسم صورة للنرجسية بوصفها طيفاً نفسياً معقداً؛ لا مجرد وصمة أخلاقية؛ فالنرجسيون هم جناة، ولكنهم كذلك ضحايا عالقون داخل دوائر من انعدام الأمان، والدفاعية، والعزلة. كما أن افتتان المجتمع بهذه السمة يعكس هوس العصر الرقمي بالصورة والمكانة والتحقق الاجتماعي. لقد ساعد الوعي المتزايد الضحايا في التعرف على الإساءة النرجسية، ولكنه في الوقت ذاته غيَّب الحدود بين النرجسية المرضية والتركيز العادي على الذات.

إن الفهم الحقيقي للنرجسية يتطلب قدراً من التوازن: التعاطف مع الضحايا، والدقة العلمية في التشخيص، والاعتراف بأن من فقدوا اتصالهم بإنسانيتهم قد يعيدون اكتشافها، إذا توفر لهم الدعم.

مجلة «نيوساينتست»

خدمات «تريبيون ميديا»