الموسيقار عاصم قرشي يعيد دوزنة الألحان الشعبية السودانية

يعمل على إطفاء الفتنة ووقف نزيف الحرب موسيقيًا

الموسيقار قرشي يعزف على العود  -  .. ويعزف سلالم موسيقية من غابات أفريقيا
الموسيقار قرشي يعزف على العود - .. ويعزف سلالم موسيقية من غابات أفريقيا
TT

الموسيقار عاصم قرشي يعيد دوزنة الألحان الشعبية السودانية

الموسيقار قرشي يعزف على العود  -  .. ويعزف سلالم موسيقية من غابات أفريقيا
الموسيقار قرشي يعزف على العود - .. ويعزف سلالم موسيقية من غابات أفريقيا

عزف الكمان عن «الربابة»، ووقع البيانو عن ألحان «الوازا» - الربابة والوازا آلتان موسيقيتان شعبيتان سودانيتان - واشتغل العود على سلالم موسيقية قادمة من غابات أفريقيا، ثم تنقل بموسيقى فريدة في جغرافيا الموسيقى السودانية وإيقاعاتها الثرية. هو الموسيقار الأسترالي السوداني عاصم الطيب قرشي الذي أطرب الحضور وأمتعهم بمحاضرته وألحانه الشجية وإيقاعاته التي جابت البلاد بخطوط طولها وعرضها، عن «فلسفة الموسيقى السودانية» التي أقامها منتدى «دال» بالخرطوم الجمعة الماضي.
يقسم قرشي السودان إلى أربع مناطق موسيقية ولحنية، لكل منطقة إيقاعاتها وألحانها المعبرة عن هويتها الجغرافية، فيما تمثل الوحدة الجغرافية وحدات لحنية وإيقاعية تحكي ثقافتها المحلية وتعكس ثراء حياتها ووجدانها.
ويعد «التنوع الثقافي» الذي يميز جغرافيا اللحن في السودان أطروحته الموسيقية الرئيسية، التي جاب من أجلها القرى والأنحاء والأصقاع القصية، وجلس إلى المغنين والمغنيات الشعبيين، واستمع إلى إيقاعات شرق السودان بحنينها وبعدها الممتد إلى القرن الأفريقي ودفء سواحل البحر الأحمر والغناء للجبال والسواحل، وسطوة آلة «الربابة»، وعبر جنوب السودان متوقفًا عند «الوازا» وقبائل البرتي والترجم، ثم دخل جبال النوبة، ويجعل من «الكمبلا، والكرنق، والمردوم» أدوات إمتاع وإثراء وتوحد.
ثم ينتقل من العود إلى الكمان إلى البيانو ثم «الصفير»، ليعزف أوتار الآلات الشعبية السودانية وألحان بقاع السودان المختلفة، ليصل بها إلى غرب السودان فيقف مغنيًا على إيقاع «المردوم» وبلهجات الناس هناك، ثم ينتقل شمالاً إلى أرض النوبة والإيقاعات القادمة من حضارة عمرها أكثر من خمسة آلاف سنة ويعزف بلهجاتهم و«ربابتهم»، ثم يختم طوافه في وسط البلد فيعيد تقديم فلسفة غناء الوسط الذي امتزج القادم من الأطراف وأنتج فيه أغنيات الحقيبة، ثم أدخل عليه الآلات الموسيقية الحديثة.
ينطلق قرشي في فلسفته الموسيقية من منظور صوفي، يقول: «موسيقى المتصوفة توفر الثراء الروحي، وإثراؤها بالموسيقى الشعبية عند قبائل السودان المختلفة يسمو بالمتلقي ويسوقه لسماوات بعيدة».
يقول قرشي إن فلسفته في الموسيقى السودانية تهدف لإيجاد خيط لمنهج نقدي للموسيقى، ويضيف: «يطرح غياب الفلسفة الموسيقية الكثير من الأسئلة المفتوحة، باعتبارها عناصر لمؤسسة التفكير النقدي والنقد الموسيقى بصفة خاصة، والتي تتعقد بغياب الفلسفة والنقد في معظم المؤسسات الموسيقية السودانية».
ويضيف: «دفعتني عوامل كثيرة لتقصي أحوال الموسيقى السودانية، من معاقلها فطول المسافة التي تعبرها من المحل حتى تُدجّن في البندر، كفيلة بأن تغير شيئًا كثيرًا من مذاقها»، ويستطرد: «لم أجد الصعوبة أبدًا في الحفر في تاريخ الوسط السوداني الموسيقي، بيد أن السفر في جغرافيا الهامش، كان وعرًا وعورة السفر في الدواخل، كنت حقيقة أبحث عن ذاتي وسودانيتي، تارة أتعرف على نفسي عبر الآخر، وأخرى على الآخر عبر ذاتي».
ويرى عاصم أن بحثه عن الهوية الموسيقية السودانية أتاح له معطيات كثيرة مهمة تتمثل في: «أن الثقافة في تكوينها البدائي تعتمد على الشفاهة أكثر من الكتابة، مما يجعل للموسيقى حظًا كبيرًا في التوثيق، كما أن الموسيقى بتجريدها المعروف تملك القوة في نقل جينات الوجدان كاملة». ويضيف: «لا عجب أن وحدت أغنيات أم كلثوم وجدان الشعب المصري على سبيل المثال». ويعتقد أن السودانيين عهدوا التذوق كشكل نقدي، لكنهم لم يتوقفوا عند «التحليل» والنقد البناء الذي يعمل على تفكيك العمل المراد نقده لعناصره الأولية لبيان مواقع القوة والضعف فيه، ثم إعادة بنائه افتراضيًا، والذي يماثل دعوة لقراءة التاريخ لتجنب أخطاء المستقبل.
ويضيف: «نحوت باتجاه أثر الموسيقى في التكوين النفسي والاجتماعي، فوجدت أن المجتمعات التي تعتمد موسيقاها على الإيقاع فقط، يكون الجسد محورها ومركز ثقلها، وعلى هذه الفرضية يمكن التكهن بشكل السلوك الفردي والاجتماعي بناءً على فلسفة الجسد».
يقول قرشي إنه يحاول دراسة طريقة تفكير الناس، وهل هي حسية أم عقلية أم براغماتية أم حدسية؟ وما علاقة الناس بالزمن في تقسيماته «اللحظة، الحاضر، الماضي، والمستقل» ووظيفة الموسيقى، وكيف يمكن تطوير وعيهم عبر موسيقاهم؟
وركز قرشي في ليلته تلك على ما سماه «درأ الفتنة» بالموسيقى والغناء، وبناء الهوية واحتواء الصراع، والوصول إلى «السودانوية» من خلال التنوع والثراء الموسيقى، ودور الموسيقى في توحيد الوجدان القومي.
يقول قرشي: «إيقاعات السودان نابعة من بيئاته المتعددة، ففي الشرق تتسم الإيقاعات على الألحان الضخمة القادمة من البحر، فيما تتسم إيقاعات الغابات بالسرعة، فيما تجعل الصحراء والمساحات المتسقة الإيقاع الشمالي يتسم بالهدوء والبطء».
طوف بسامعيه في مناخات الموسيقى السودانية في أنحاء البلاد، ليشعل قلوب الحاضرين بمجاله الأثير «موسيقى المتصوفة»، فيتمايل الحاضرون على موسيقى المديح النبوي «السُرّاي.. يا السُرّاي.. الجافو النوم وعقدوا الرأي»، ليختم ليلة موسيقية عزفت عميقًا في الوجدان السوداني، قاد المستمعين خلالها في سياحة من الهوامش إلى المركز، ومن الموسيقى البدائية إلى أحدث ما عزفته الأنامل من ألحان.
وتقديم قرشي لأغنيات مختلف قبائل السودان وبلهجاتها التي تبدأ قبائل شرق السودان «الهدندوة»، وأغاني جبال النوبة ذات الطابع الطقوسي، ومنطقة الأنقسنا في جنوب السودان، هو ثيمته الموسيقية الرئيسية بجانب إيغاله في إيقاعات المتصوفة «مديح المصطفى».
هاجر إلى أستراليا عام 2003، وهناك نال جائزة أفضل مهاجر لإثرائه التنوع الثقافي في الدنيا الجديدة، لمزجه بين الموسيقى الفطرية والعصرية، وتحديث الأغنيات التراثية وإعادة توزيعها موسيقيًا، مما جعل منه ذاكرة شعبية موسيقية سودانية، أتاحت له حضورًا و«حضرة» في مهرجانات ومحافل الموسيقى في الغرب والشرق والجنوب والشمال البعيد.
ويعد قرشي واحدًا من الذين برعوا في «الصفارة» البشرية، ونال جائزة عالمية في المهرجان الذي أقيم ضمن فعاليات «مهرجان الصفارة» الذي نظمته الولايات المتحدة الأميركية 2009، ويعمل على دكتوراه بعنوان «تجسير الهوة بين الموسيقى والمسلمين»، ويقدم محاضرات عن الموسيقى والتصوف في جامعة سيدني، وفي إجابته على تفوقه العالمي بأغنيات شعبية محلية قال قرشي: «إن العالمية هي قمة المحلية».



بارود «النار بالنار» موهبة صاعدة لفتت المشاهد

عابد فهد وتيم عزيز في مشهد من «النار بالنار» (خاص تيم)
عابد فهد وتيم عزيز في مشهد من «النار بالنار» (خاص تيم)
TT

بارود «النار بالنار» موهبة صاعدة لفتت المشاهد

عابد فهد وتيم عزيز في مشهد من «النار بالنار» (خاص تيم)
عابد فهد وتيم عزيز في مشهد من «النار بالنار» (خاص تيم)

منذ الحلقة الأولى لمسلسل «النار بالنار» لفت تيم عزيز المشاهد في دور (بارود). فهو عرف كيف يتقمص شخصية بائع اليانصيب (اللوتو) بكل أبعادها. فألّف لها قالباً خاصاً، بدأ مع قَصة شعره ولغة جسده وصولاً إلى أدائه المرفق بمصطلحات حفظها متابع العمل تلقائياً.
البعض قال إن دخول تيم عزيز معترك التمثيل هو نتيجة واسطة قوية تلقاها من مخرج العمل والده محمد عبد العزيز، إلا أن هذا الأخير رفض بداية مشاركة ابنه في العمل وحتى دخوله هذا المجال. ولكن المخرج المساعد له حسام النصر سلامة هو من يقف وراء ذلك بالفعل. ويقول تيم عزيز لـ«الشرق الأوسط»: «حتى أنا لم أحبذ الفكرة بداية. لم يخطر ببالي يوماً أن أصبح ممثلاً. توترت كثيراً في البداية وكان همي أن أثبت موهبتي. وفي اليوم الخامس من التصوير بدأت ألمس تطوري».
يحدثك باختصار ابن الـ15 سنة ويرد على السؤال بجواب أقصر منه. فهو يشعر أن الإبحار في الكلام قد يربكه ويدخله في مواقف هو بغنى عنها. على بروفايل حسابه الإلكتروني «واتساب» دوّن عبارة «اخسر الجميع واربح نفسك»، ويؤكد أن على كل شخص الاهتمام بما عنده، فلا يضيع وقته بما قد لا يعود ربحاً عليه معنوياً وفي علاقاته بالناس. لا ينكر أنه بداية، شعر بضعف في أدائه ولكن «مو مهم، لأني عرفت كيف أطور نفسي».
مما دفعه للقيام بهذه التجربة كما يذكر لـ«الشرق الأوسط» هو مشاركة نجوم في الدراما أمثال عابد فهد وكاريس بشار وجورج خباز. «كنت أعرفهم فقط عبر أعمالهم المعروضة على الشاشات. فغرّني الالتقاء بهم والتعاون معهم، وبقيت أفكر في الموضوع نحو أسبوع، وبعدها قلت نعم لأن الدور لم يكن سهلاً».
بنى تيم عزيز خطوط شخصيته (بارود) التي لعبها في «النار بالنار» بدقة، فتعرف إلى باعة اليناصيب بالشارع وراقب تصرفاتهم وطريقة لبسهم وأسلوب كلامهم الشوارعي. «بنيت الشخصية طبعاً وفق النص المكتوب ولونتها بمصطلحات كـ(خالو) و(حظي لوتو). حتى اخترت قصة الشعر، التي تناسب شخصيتي، ورسمتها على الورق وقلت للحلاق هكذا أريدها».
واثق من نفسه يقول تيم عزيز إنه يتمنى يوماً ما أن يصبح ممثلاً ونجماً بمستوى تيم حسن. ولكنه في الوقت نفسه لا يخفي إعجابه الكبير بالممثل المصري محمد رمضان. «لا أفوت مشاهدة أي عمل له فعنده أسلوبه الخاص بالتمثيل وبدأ في عمر صغير مثلي. لم أتابع عمله الرمضاني (جعفر العمدة)، ولكني من دون شك سأشاهد فيلمه السينمائي (هارلي)».
لم يتوقع تيم عزيز أن يحقق كل هذه الشهرة منذ إطلالته التمثيلية الأولى. «توقعت أن أطبع عين المشاهد في مكان ما، ولكن ليس إلى هذا الحد. فالناس باتت تناديني باسم بارود وتردد المصطلحات التي اخترعتها للمسلسل».
بالنسبة له التجربة كانت رائعة، ودفعته لاختيار تخصصه الجامعي المستقبلي في التمثيل والإخراج. «لقد غيرت حياتي وطبيعة تفكيري، صرت أعرف ماذا أريد وأركّز على هدف أضعه نصب عيني. هذه التجربة أغنتني ونظمت حياتي، كنت محتاراً وضائعاً أي اختصاص سأدرسه مستقبلاً».
يرى تيم في مشهد الولادة، الذي قام به مع شريكته في العمل فيكتوريا عون (رؤى) وكأنه يحصل في الواقع. «لقد نسيت كل ما يدور من حولي وعشت اللحظة كأنها حقيقية. تأثرت وبكيت فكانت من أصعب المشاهد التي أديتها. وقد قمنا به على مدى يومين فبعد نحو 14 مشهداً سابقاً مثلناه في الرابعة صباحاً صورنا المشهد هذا، في التاسعة من صباح اليوم التالي».
أما في المشهد الذي يقتل فيه عمران (عابد فهد) فترك أيضاً أثره عنده، ولكن هذه المرة من ناحية الملاحظات التي زوده بها فهد نفسه. «لقد ساعدني كثيراً في كيفية تلقف المشهد وتقديمه على أفضل ما يرام. وكذلك الأمر بالنسبة لكاريس بشار فهي طبعتني بحرفيتها. كانت تسهّل علي الموضوع وتقول لي (انظر إلى عيني). وفي المشهد الذي يلي مقتلها عندما أرمي الأوراق النقدية في الشارع كي يأخذها المارة تأثرت كثيراً، وكنت أشعر كأنها في مقام والدتي لاهتمامها بي لآخر حد»
ورغم الشهرة التي حصدها، فإن تيم يؤكد أن شيئاً لم يتبدل في حياته «ما زلت كما أنا وكما يعرفني الجميع، بعض أصدقائي اعتقد أني سأتغير في علاقتي بهم، لا أعرف لماذا؟ فالإنسان ومهما بلغ من نجاحات لن يتغير، إذا كان معدنه صلباً، ويملك الثبات الداخلي. فحالات الغرور قد تصيب الممثل هذا صحيح، ولكنها لن تحصل إلا في حال رغب فيها».
يشكر تيم والده المخرج محمد عبد العزيز لأنه وضع كل ثقته به، رغم أنه لم يكن راغباً في دخوله هذه التجربة. ويعلق: «استفدت كثيراً من ملاحظاته حتى أني لم ألجأ إلا نادراً لإعادة مشهد ما. لقد أحببت هذه المهنة ولم أجدها صعبة في حال عرفنا كيف نعيش الدور. والمطلوب أن نعطيها الجهد الكبير والبحث الجدّي، كي نحوّل ما كتب على الورق إلى حقيقة».
ويشير صاحب شخصية بارود إلى أنه لم ينتقد نفسه إلا في مشاهد قليلة شعر أنه بالغ في إبراز مشاعره. «كان ذلك في بداية المسلسل، ولكن الناس أثنت عليها وأعجبت بها. وبعدما عشت الدور حقيقة في سيارة (فولسفاكن) قديمة أبيع اليانصيب في الشارع، استمتعت بالدور أكثر فأكثر، وصار جزءاً مني».
تيم عزيز، الذي يمثل نبض الشباب في الدراما اليوم، يقول إن ما ينقصها هو تناول موضوعات تحاكي المراهقين بعمره. «قد نجدها في أفلام أجنبية، ولكنها تغيب تماماً عن أعمالنا الدرامية العربية».