مجلة «الهلال» المصرية: ملف عن القصة القصيرة في اليمن

غلاف العدد الجديد
غلاف العدد الجديد
TT

مجلة «الهلال» المصرية: ملف عن القصة القصيرة في اليمن

غلاف العدد الجديد
غلاف العدد الجديد

صدر عدد شهر يونيو (حزيران) من مجلة الهلال العريقة التي يرأس تحريرها الكاتب والروائي سعد القرش. يسلط هذا العدد الضوء على قضيتين: «سلطة النص الديني على الفلسفة الإسلامية» للدكتور محمود إسماعيل، و«أحزاب الله في العالم العربي وكيف تشيطن الآخر» للكاتب التونسي عبد الجليل معالي.
وفي العدد الجديد من المجلة، الذي يتزامن مع حلول شهر رمضان الكريم، ملف هام حول «دولة التلاوة في مصر». يعد هذا الملف بمثابة صرخة استغاثة وتحذير من انهيار وأفول مدارس التلاوة المصرية؛ حيث يستعرض كل من د. نبيل حنفي محمود ود. ياسمين فراج، تاريخ شيوخ التلاوة ومؤسسي أهم المدارس المصرية فيها على مدار أكثر من قرن، ويبرز الملف ما تعرضت له مدارس التلاوة من عوامل ضعف يمكن أن تنهي على آخر ما تبقى منها وينتهي بأفولها.
ويكشف لنا د. عصمت النمر عن وجود عدد من قارئات القرآن، وقد استبعدتهن الإذاعة المصرية، بعد أن كن نجمات في مجال التلاوة، بل كانت الشيخة «منيرة عبده» تتقاضى نصف ما كان يتقاضاه الشيخ محمد رفعت «سيد قراء الزمان»، كما يسميه نصير شمة في مقال بالملف الذي يتناول أيضا قضايا ذات صلة برمضان؛ إذ يقارن الشاعر ناجي عبد اللطيف بين «البردة» لدى الإمام البوصيري وأمير الشعراء أحمد شوقي، إضافة إلى مقالات ودراسات لكل من: أحمد حسين الطماوي، وإبراهيم حمزة، وعرفة عبده علي، وبشرى أبو شرار، ود. محمد فتحي فرج.
ويتضمن العدد بورتريها للأبنودي رسمه الشاعر محمد عيد إبراهيم، بمناسبة مرور أربعين يومًا على وفاته. ومقال عن الشاعر الراحل أمل دنقل بقلم الناقد محمد رضوان، مع ثلاث شهادات للبحريني يوسف أحمد مكي، ود. طارق مندور عن أبيه الدكتور مندور، وخالد إسماعيل الذي يكتب بسخرية عن «أشبال العولمة الأميركية»، وحوار يجريه مصطفى أبو عايد مع د. أيمن فؤاد سيد عن أحوال الجمعية التاريخية المصرية.
ومن نصوص العدد قصيدتان للعراقيين؛ حميد قاسم وصفاء، سالم إسكندر، ومن المغرب الحسن بنمونة. وتقدم الناقدة التشكيلية شذى يحيى قراءة لمعرض إكسبو ميلانو 2015.. أين كنا وكيف صرنا؟. ويكتب د. عمرو دوارة عن مهرجان المسرح العربي، ويقرأ محمود الحلواني عرض «هنا أنتيجون»، أما محمود عوض عبد العال، فيكتب عن التشكيلي اليمني الرائد فؤاد الفتيح. وخُصص الملف الإبداعي لهذا العدد عن القصة القصيرة في اليمن؛ حيث اختارت الروائية نادية الكوكباني أكثر من 20 نصًا لأجيال مختلفة، وكتبت مقدمة ذات شجون عن الجغرافيا الإبداعية لبلادها، كيف تحررت نصوص التسعينات من «قالب نص الريادة» الذي سبقها وفق معطيات لغوية جديدة كمحور للكتابة. ويختتم العدد بمقال تكتبه الدكتورة سيزا قاسم عن علاقة «الفيسبوك» بالتواصل الإنساني.



لن نسمح بعد الآن لأحد أن يسرق الحلم منا

علياء خاشوق
علياء خاشوق
TT

لن نسمح بعد الآن لأحد أن يسرق الحلم منا

علياء خاشوق
علياء خاشوق

«يسقط الطاغية (الثلج) الآن في مونتريال، والأشجار وقوفاً كالأشجار».

كانت هذه جملتي المفضلة التي أكررها في أغلب منشوراتي على «فيسبوك»، طيلة ثلاثة عشر عاماً منذ بداية الثورة السورية. كنت أدرّب نفسي، أو لنقل، أستعد لكتابة الجملة المشتهاة في اللحظة المشتهاة:

«يسقط الطاغية بشار الأسد الآن في دمشق، والسوريون وقوفاً كالأشجار».

ويا للهول، أتت اللحظة الفاصلة (اللحظة المعجزة)، تحررت سوريا من هذا العبء الثقيل. سقط النظام السوري المجرم، وأصبحت سوريا، ونحن السوريين معها، بخفة ريشة تتطاير في الهواء. نمسك الحلم (حلمنا) بأيدينا، ونخشى أن يتخلى عنا مرّة أخرى. لا لن يفعل، لن ندعه يفعل، لن نعطيه هذه الفرصة.

ولذا، عُدنا إلى تبني مفهوم التفاؤل، بعد أن غاب عنا عمراً طويلاً أمضيناه نلوك المرارة تلو المرارة، مجزرة تلو المجزرة. نموت بالآلاف، أشلاءً تحت وطأة البراميل المتفجرة. نغرق في بحار البلدان المجاورة ونحن نبحث عن أرض آمنة. تنجرح أصواتنا ونحن نطالب بمعتقلينا في سجون النظام. نخبر الله والعالم أجمع عما يحل بنا ثم نخبو في آخر اليوم، كل يوم، نتكور على أنفسنا مهزومين، نلوك الوجع، ويموت التفاؤل فينا مع كل غياب شمس، أكثر من سابقه.

ثم يأتي يوم الثامن من ديسمبر (كانون الأول) 2024، يأتي على هيئة بابا نويل، مرتدياً العلم السوري الأخضر. يهبط بعربته في أرض الشام. يفتح جعبته ويوزع الهدايا على كل سوري، صغيراً كان أم كبيراً.

بابا نويل يمسك بنا (نحن) الخِفاف كالريشة التي صرناها ويقترح علينا مصالحات. مصالحات مع المرارة، الهزيمة، الانتظار، اللاأمل، مع موتنا وأشلائنا، مع غرقنا، مع أصواتنا المجروحة ومع زمننا المقبل، الزمن السوري المقبل. جاء بابا نويل هذا (8 ديسمبر)، وتحت إبطه عقد لصفقة كبيرة تدعى «التفاؤل».

قال له السوريون: «أيها السيد المحترم بابا نويل، إنها صفقة رابحة ونحن اشترينا. كل ما نتمناه ألا تكون بضاعتك مغشوشة».

وقّعنا، بسرعة فرح الأطفال، عقد التفاؤل هذا ثم رقصنا وغنّينا وحوّلنا ساحات المدن (كل المدن التي تبعثرنا فيها منفيين ومهجرين)، حوّلناها إلى منصات لاحتفال حاشد واحد، نحمل فيه علمنا الأخضر وندور في شوارع العالم، معلنين حريتنا الغالية الثمن، وسوريتنا وطناً مسترداً من أيدي الطاغية.

يا للهول، يا للحظة المعجزة!

يا للهول، يا للبضاعة المغشوشة أيها البابا نويل المحترم! تفاؤلنا مخلوط بكمية هائلة من الحذر ومعقود على خوف، خوف من زمننا السوري المقبل.

الخوف؟ الحذر؟

ربما لأننا أبناء إمبراطورية الخوف... سوريا.

تقول صديقة كندية: الثلج هو وطني.

ترد صديقتي السورية: الخوف هو وطني، أنا أخاف من أن يمر يوم لا أخاف فيه.

يقف الآن زمننا السوري المقبل بمواجهتنا في مرآتنا. يسألنا عن نفسه فينا، يمد لنا يده، «فماذا أنتم فاعلون؟».

نطبطب على كتف التفاؤل، نحابي الحذر، نتجرأ على الخوف، ونعلن للعالم كله بصوت واحد: «طوبى لمن يشهد قيامة شعبه».

تبدأ المبادرات والدعوات لسوريا الدولة المدنية، سوريا دولة القانون، تمتلئ صدور السوريين بطاقة إيجابية للبناء وإعادة الإعمار، للمصالحات بين زمننا الماضي بكل ما فيه، وزمننا المقبل بكل تحدياته.

تعود إلينا سوريا محطمة، مسروقة، مريضة، مكسورة النفس، تشبه أولادها الذين خرجوا أخيراً من سجون النظام، يحملون تعذيبهم على أكتافهم، ويتركون ذاكرتهم وراءهم بعيداً بعيداً في معتقلاتهم.

كل الصور والأخبار التي يراها العالم اليوم، والذي وقف لمدة خمسة عقود ونيف، متفرجاً على آلام طريق الجلجلة السورية، كلها تعقد الألسن، تفتح أبواباً ونوافذ للحذر من مآلات التغيير، وترفع مسؤولية السوري إلى أعلى مستوياتها تجاه هذا الوطن الذي نسترده الآن حراً من الطغيان الأسدي.

يتصدر المشهد مجموعة ثوار إسلامويين، قطفوا اللحظة (المعجزة)، ويصدرون الوعود الإيجابية بسوريا جديدة لكل أهلها على اختلاف مشاربهم.

ينتظر العالم بأسره كيف سيتعامل هؤلاء الإسلامويون مع بابا نويل سوريا؟

السوريون هم الوحيدون مَن لن ينتظر بعد ذلك. لقد بدأوا بكتابة تاريخهم الجديد، ولن يسمحوا بعد الآن لأي هيئة أو جماعة أن تسرق الحلم.

نعم أيها التفاؤل، إنك صفقة رابحة، حتى ولو كانت مغشوشة.

* سينمائية سورية