بنية قصصية مقطعة الأوصال.. وتصوير كلاسيكي لمجرمي الحرب

«أحدب بغداد» رواية لرياض القاضي

غلاف «أحدب بغداد»
غلاف «أحدب بغداد»
TT

بنية قصصية مقطعة الأوصال.. وتصوير كلاسيكي لمجرمي الحرب

غلاف «أحدب بغداد»
غلاف «أحدب بغداد»

يمكننا إدراج رواية «أحدب بغداد» لرياض القاضي، الصادرة حديثا عن دار «الحكمة» بلندن، في خانة «الروايات السوداء»، أو تصح تسميتها من ناحية أخرى، برواية «الجريمة». أما المجرم الحقيقي في الرواية، فلا يحمل هوية واحدة ولا يتمثل بجهة معينة، بل تغوص بنا الرواية في الواقع المزري وتؤول إلى حقيقة يمكن التعبير عنها بمثل شعبي يقول: «عندما تقع البقرة يكثر سالخوها». و«البقرة» هنا هي العراق.
فجبّار عودة الدفان، أو أحدب بغداد أو قنبورة بغداد، مجرم لا حد لإجرامه والوزير متواطئ وسارق ومغتصب، الدكتور مجرم أيضًا، ماكر، مستغل لوظيفته المقدسة وعميل لإيران. وحسب الرواية، غالبية البلدان المجاورة كما البعيدة، إذا ما انتهجنا خط التعميم، كلها ملطخة بدماء العراق.
الفوضى عارمة وما من محاسب أو قانون يقف بالمرصاد. لذا يبدو الموت المتحكم بالمدينة العنصر الأساسي الذي بُنيت عليه تطورات الأحداث من بداية الرواية وحتى نهايتها.
تستند رواية القاضي إلى عنصري التشويق والإثارة، إذ تتتالى الأحداث الدامية، ثم تتّجه نحو التصاعد الأفقي للوجع العراقي، مرتدية أحداثها، ما يشبه البزة البوليسية. إلا أن إيقاع الرواية السريع جدًا وشخصياتها المتعددة حدّ المبالغة، عاملان يحولان دون تعزيز تفاعل القارئ مع الأحداث المتسارعة، وإن جاءت دامية منغمسة في الألم والحزن.
يكاد القارئ يعجز عن التقاط أنفاسه بين ظهور شخصية وأخرى لاهثة متهافتة وراء سيل لا ينتهي من الأحداث، تتمحور بغالبيتها حول اغتصاب النساء سواء كنّ على قيد الحياة أو جثثًا هامدة، كما تتوزع بين القتل، والسرقة، والإرهاب، والمخدرات والخيانة العظمى.
وغالبًا ما يتعثّر القارئ فيما يُحاول اللحاق بإيقاع التطورات في الرواية فيتشتّت تائهًا بين أركانها، لتظهر البنية القصصية وكأنها مقطَّعة الأوصال، أساساتها متخلخلة وآيلة للانهيار، والعمارة الروائية هشة البنيان وعرضة للتحطّم في أي وقت.
يفقد الكاتب تركيزه ولا يحكم السيطرة على حبكة معينة، إنما يشتت القارئ في مجموعة من الحبكات الروائية المعقّدة من خلال شخصياته المتعددة، التي لا ضرورة لاستحضارها كلها، نظرًا لأنها تستنسخ أدوار بعضها البعض. في أدوارها. كذلك يعتمد الكاتب الصورة النمطية الكلاسيكية المعروفة لمجرمي الحروب فيصوّر بطله «جبّار عودة» بحلة كلاسيكية: «بدين الهيئة قبيح الشكل له سحنة القرد، قوي البنية، قصير القامة.. في عينه اليمنى بؤرة بيضاء، أسمر اللون أعرج، وله حدبة في أعلى ظهره.. اعتاد كلما شق سبيله في الطريق أن يكلّم نفسه بغضب يلعن يومه.. حاد الطباع، مهنته دفان.».
ولا بد من الإشارة إلى أن الكاتب يعاني من مشكلة في لغته، بحيث إنه لا يستعمل النحوية منفصلة والعامية على حدة ليضفي على كل منها نفحتها الخاصة، وبالتالي يشِم روايته بشيء من الحرفية التي تجعلها أكثر التصاقًا بالواقع وعلى تماسٍ مباشر معه، بل يمزج بين هذه وتلك في مقاربة هجينة لا قيمة أدبية لها، إذ يقول على سبيل المثال:
«يعرف نفسه.. مجرد ذباب بين يدي رئيسه» (وتعبير بين يدي رئيسه هو محض عامي، حيث نقول عن الشيء بين يدي مما يعني في متناوله، أما إن تحدثنا عن المرء فنقول إنه ذبابة أو دمية في يدي رئيسه).
هذا وتعتري الرواية «أخطاء» لغوية لا تُحصى ولا تغتفر، وكنا لنقول إنها حدثت سهوًا لو لم تنتشر على امتداد صفحاتها. وإليكم بعض الأمثلة:
«إذا ما تم نقصان» ربما أراد الكاتب: إذا ما تم ناقصًا.
«يكشف عن ساقيها البيضاوين اللامع»: خطأ آخر، والتصحيح:
يكشف عن ساقيها البيضاوين اللامعين.
«الإرهاب الحقيقي هم من يحكمون البلاد»: الإرهاب الحقيقي هو من يحكم البلاد.
وتفتقد لغة الكاتب إلى كثير من العناصر التي قد تغني النص وتصقل صيغته، بحيث جاءت جمل الوصف قصيرة متقطعة لا تنم عن تمكّن لغويّ: «الأم حسنية مهنتها غسل الموتى من النساء، ولا تتردد في سرقة أي شيء.. قبيحة الملامح.. سمراء.. أنفها كبير ومدور.. شعر كثيف مقزز.. تتلفح بحجاب أسود على شعرها».
كما أن يعتمد أسلوب التلقين أو المباشرة الفجّة في طرح آرائه بدلاً من سوقها في إطار مرن يتيح للقارئ مساحة للاستنباط. إذ يقول مثلاً:
«واحتفل أغلب السذّج بهذا الخبر وظنوا بأن الإرهاب قد انتهى وقد نسوا بأن الإرهاب الحقيقي (هم) من (يحكمون) البلاد.
يبدو أن الخط الروائي الشاب في العراق خلال مرحلة ما بعد صدام يسرف في الحديث عن الفلتان القائم عقب سقوط الديكتاتور، إلا أن القاضي الذي عمد إلى إلقاء الضوء على هذه الفكرة، أخفق في معالجتها فلم نجد أنفسنا أمام خط روائي متنام كما في بعض الروايات الشبابية الأخرى التي صدرت في المرحلة نفسها مثل «فرانكنشتاين في بغداد» لأحمد سعداوي على سبيل المثال.



مجلة «الفيصل»: صناعة النخب في الوطن العربي

مجلة «الفيصل»: صناعة النخب في الوطن العربي
TT

مجلة «الفيصل»: صناعة النخب في الوطن العربي

مجلة «الفيصل»: صناعة النخب في الوطن العربي

صدر العدد الجديد من مجلة «الفيصل»، وتضمن مواضيع متنوعة، وخصص الملف لصناعة النخب في الوطن العربي، شارك فيه عدد من الباحثين العرب وهم: محمد شوقي الزين: صُورَةُ النُّخَب وجَدَل الأدْوَار. محمد الرميحي: المجتمع الخليجي وصناعة النخب: الوسائل والصعوبات! موليم العروسي: صناعة النخب وآلياتها. علي الشدوي: مواد أولية عن النخبة السعودية المؤسّسة. ثائر ديب: روسيا مطلع القرن العشرين وسوريا مطلع الواحد والعشرين: إنتلجنسيا ومثقفون.

أما حوار العدد فكان مع المؤرخ اللبناني مسعود ضاهر (أجراه أحمد فرحات) الذي يرى أن مشروع الشرق الأوسط الجديد يحل محل نظيره سايكس بيكو القديم، مطالباً بالانتقال من التاريخ العبء إلى التاريخ الحافز. المفكر فهمي جدعان كتب عن محنة التقدم بين شرط الإلحاد ولاهوت التحرير. وفي مقال بعنوان: «أين المشكلة؟» يرى المفكر علي حرب أن ما تشهده المجتمعات الغربية اليوم تحت مسمى «الصحوة» هو الوجه الآخر لمنظمة «القاعدة» أو لحركة «طالبان» في الإسلام. ويحكي الناقد الفلسطيني فيصل دراج حكايته مع رواية «موبي ديك». ويستعيد الناقد العراقي حاتم الصكر الألفة الأولى في فضاء البيوت وأعماقها، متجولاً بنا في بيته الأول ثم البيوت الأخرى التي سكنها.

ويطالع القارئ عدداً من المواد المهمة في مختلف أبواب العدد. قضايا: «تلوين الترجمة... الخلفية العرقية للمترجم وسياسات الترجمة الأدبية». (عبد الفتاح عادل). جاك دريدا قارئاً أنطونان أرتو (جمال شحيّد). عمارة: العمارة العربية من التقليدية إلى ما بعد الحداثة (عبد العزيز الزهراني). رسائل: أحلام من آبائنا: فيث أدييلي (ترجمة: عز الدين طجيو). ثقافات: خوليو كورتاثر كما عرفته: عمر بريغو (ترجمة: محمد الفحايم). عن قتل تشارلز ديكنز: زيدي سميث (ترجمة أماني لا زار). سيرة: أم كلثوم ونجيب محفوظ نسيج متداخل وروابط متعددة (سيد محمود). اليوتوبيا ونهاية العالم: القرن العشرون صحبة برتراند راسل: خاومي نافارو (ترجمة: نجيب مبارك). رحلة أدب الأطفال الروسي من جامع الفلكلور حتى حكايات اليوم (عبادة تقلا). الأدب والفلسفة: جان لويس فييار بارون (ترجمة حورية الظل). بواكير الحداثة العربية: الريادة والحداثة: عن السيَّاب والبيَّاتي (محمَّد مظلوم). بروتريه: بعد سنوات من رحيله زيارة جديدة لإبراهيم أصلان (محمود الورداني). تراث: كتاب الموسيقى للفارابي: من خلال مخطوط بالمكتبة الوطنية بمدريد (أحمد السعيدي). فيلسوفيا: فيليب ماينلاندر: فيلسوف الخلاص (ياسين عاشور). فضاءات: «غرافيتي» على جدران الفناء (هاني نديم).

قراءات: قراءة في تجربة العماني عوض اللويهي (أسامة الحداد). «القبيلة التي تضحك ليلاً»: تشظي الذات بين المواجهات النسقية (شهلا العجيلي). مختارات من الشعر الإيراني المعاصر (سعد القرش). نور الدين أفاية ومقدمات نقد عوائق الفكر الفلسفي العربي الراهن (الصديق الدهبي). تشكيل: تجربة التشكيلي حلمي التوني (شريف الشافعي). تشكيل: غادة الحسن: تجربتي بمجملها نسيج واحد والعمل الفني كائن حي وله دوره في الحياة (حوار هدى الدغفق). سينما: سعيد ولد خليفة: ما يثير اهتمامي دائماً هو المصاير الفردية للأبطال اليوميين (سمير قسيمي). الفلسفة فناً للموت: كوستيكا براداتان (ترجمة أزدشير سليمان). ماذا يعني ألا تُصنف كاتب حواشٍ لأفلاطون؟ (كمال سلمان العنزي). «الومضة» عند الشاعر الأردني «هزّاع البراري» (عبد الحكيم أبو جاموس).

ونقرأ مراجعات لعدد من الكتب: «جوامع الكمد» لعيد الحجيلي (أحمد الصغير). «حقائق الحياة الصغيرة» للؤي حمزة عباس (حسين عماد صادق). «أنا رسول بصيرتي» لسيد الجزايرلي (صبحي موسى). «طبول الوادي» لمحمود الرحبي (محمد الراشدي). «عقلان» لمحمد الشجاع (محمد عبد الوكيل جازم)

وكذلك نطالع نصوصاً لشعراء وكتاب قصة: برايتون (عبد الكريم بن محمد النملة). في طريق السفر تخاطبك النجوم: أورهان ولي (ترجمة: نوزاد جعدان). بين صحوي وسُكْرها (سعود بن سليمان اليوسف). خرائطُ النُّقصان (عصام عيسى). الغفران (حسن عبد الموجود). أنتِ أمي التي وأبي (عزت الطيرى).