السياح يعودون إلى باريس... ومقاهي الرصيف تغزو الشوارع

أديب فرنسا بلزاك قال إن المقهى هو برلمان الشعب

تشكيلات الأزهار تنتشر في المقاهي (الشرق الأوسط)
تشكيلات الأزهار تنتشر في المقاهي (الشرق الأوسط)
TT

السياح يعودون إلى باريس... ومقاهي الرصيف تغزو الشوارع

تشكيلات الأزهار تنتشر في المقاهي (الشرق الأوسط)
تشكيلات الأزهار تنتشر في المقاهي (الشرق الأوسط)

بعد سنتين عجفاوين تجمدت فيهما الحركة بسبب الجائحة، عاد السياح من مختلف الجنسيات إلى باريس بشكل ملحوظ. ولتعويض الخسارة التي أصابتهم في فترة الإغلاق، يسعى أصحاب المقاهي والمطاعم إلى الضغط على بلدية العاصمة، لكي تتساهل في شروط نشر الكراسي على الأرصفة، ومنحهم رخصاً للتوسع واحتلال المناطق التي كانت مخصصة كمواقف للسيارات عند جوانب الطرقات.
ومن يقيم في باريس أو يزورها يدرك أن احتساء «إكسبريسو» في شرفة مقهى، هو من أجمل متع هذه المدينة. والمواعيد تُضرب في المقاهي، سواء أكانت صفقات عمل أو جلسات صداقة أو لقاءات حب. وللروائي الفرنسي بلزاك عبارة شهيرة، هي أن المقهى هو برلمان الشعب.
لكن من يتجول في مدينة النور هذه الأيام يلاحظ أن الرصيف لم يعد للمشاة فحسب؛ بل لطاولات الطعام وكراسي المقاهي؛ بل إن هناك أزقة كاملة في المناطق السياحية تم إغلاقها عن السيارات، وزحف عليها الآكلون والشاربون.
مع اعتدال الجو الاستثنائي وحلول الصيف قبل موعده، أصدرت بلدية باريس تعليمات جديدة حول شروط استخدام الأرصفة من أصحاب المحلات العامة والسياحية. وهي تعليمات بدأ العمل بها منذ الأول من أبريل (نيسان)، وتستمر لنهاية أكتوبر (تشرين الأول) المقبل، وتسمح باستغلال مساحات إضافية من الأرصفة ومواقف السيارات والأماكن الخالية في زوايا الشوارع، لأغراض تجارية، وبالتحديد لأصحاب المقاهي والمطاعم. أي أصبح في إمكان صاحب المقهى أن يفرش طاولاته على امتداد واجهات المباني الملاصقة له. لكن استقبال الزبائن في هذه المساحات يتوقف عند العاشرة مساء، حفاظاً على راحة الساكنين في تلك الشوارع.
وقد شجعت هذه التعليمات تجاراً آخرين على التقدم بطلبات لشمولهم بمعاملة مماثلة، مثل باعة الورد، وأصحاب المكتبات ودكاكين التذكارات السياحية. وطبعاً فإن شاغل المكان مسؤول عن الحفاظ على نظافته بعد الإغلاق.
تلقت بلدية باريس آلاف الطلبات بالتمدد، ووافقت على 85 في المائة منها. وسرعان ما نشط النجارون لعمل منصات خشبية في الشوارع وعلى الأرصفة، ونصب مظلات واسعة تتحرك ميكانيكياً للوقاية من الشمس أو زخات المطر. وهناك من شيد مقصورات على شكل صناديق، يجلس فيها الرواد لاحتساء مشروب أو تناول وجبة صيفية خفيفة.

ديكورات جيدة للواجهات (الشرق الأوسط)

ومع ازدهار حركة الزبائن راح التجار يطورون من أشكال مقاهيهم، وظهرت موضة تشكيلات الأزهار الملونة التي تعلو واجهات المطاعم والمقاهي. وهي إضافة تجميلية تشيع البهجة في الأجواء وكأن المدينة في عيد. وقد نبعت شركات متخصصة في تصنيع هذا النوع من التشكيلات النباتية؛ لكنها جديدة وعاجزة عن تلبية كل الطلبات التي تردها.
ولم يمر هذا «الغزو» من دون اعتراضات من جهات متعددة. وأول المعترضين هم الساكنون في الطوابق التي تعلو المقاهي. وهم لا يخفون ضيقهم من الضجيج الإضافي الذي يقلق راحتهم. كما اعترض أصحاب الشاحنات الصغيرة التي تورد صناديق المرطبات ولوازم المطاعم والمقاهي يومياً. فقد كانت لهم مساحات مخصصة لوقوفهم في الشوارع قبل أن تتقلص وتبتلعها الطاولات والكراسي. وهناك ذوو الاحتياجات الخاصة الذين فقدوا عدداً من الأماكن المخصصة لوقوف سياراتهم. لكن أصوات هؤلاء تغيب وسط صرخات المطالبين بدعم الاقتصاد والسياحة في هذا الوقت المتأزم والحرج.
وكان من نتائج هذا التوسع ارتفاع عدد الاتصالات الهاتفية التي تتلقاها مراكز الشرطة، والتي يشكو أصحابها من الضجيج غير العادي لرواد المقاهي. وبادرت البلدية إلى تشديد دوريات الرقابة الليلية. وهناك غرامات فورية قدرها 68 يورو للضجيج، و135 يورو لإهمال نظافة المكان. أما من يمد شرفة مقهاه بشكل يتجاوز الموافقة الممنوحة له فإنه يغرم 500 يورو مع تكاليف تفكيك الشرفة. وقد يتعرض لأمر فوري بالإغلاق.
ويبلغ عدد المقاهي في باريس حالياً، وفق آخر الإحصائيات، 1410 مقاهٍ. وهو أقل مما كان عليه قبل عشر سنوات. فقد أقفل العديد منها أبوابه لا سيما في المناطق البعيدة عن الحركة السياحية والتجارية. وفي الدائرة السادسة عشرة مثلاً، أي الحي البرجوازي، تقلص عدد المقاهي بنسبة 68 في المائة. ويخضع ثمن فنجان القهوة لموقع المقهى وشهرته. والمعدل هو 3.20 يورو. ففي مقهى الحي يمكنك احتساء الفنجان مقابل يورو لا غير، واقفاً عند الساقي من دون حجز كرسي. لكن في الشانزليزيه يمكن أن تدفع 12 يورو مقابل فنجان يأتيك على صينية فضية، مرفقاً بكأس ماء مثلج وقطعة شوكولاتة.

استغلال كل زوايا الشوارع (الشرق الأوسط)

ويبقى تاريخ دخول حبوب البن إلى فرنسا مثيراً، وكذلك تاريخ مقاهي باريس. وتشير المراجع إلى أن شخصاً يدعى باسكوا روزيه افتتح أول مقهى في ساحة «سان جيرمان» عام 1672؛ لكنه لم يصادف النجاح لحين افتتاح مقهى «بروكوب» في الحي ذاته عام 1689، وهو ما زال قائماً حتى اليوم بحجراته الحجرية وأثاثه الخشبي، بعد أن تحول إلى مطعم يحمل صفة الريادة بين مطاعم العاصمة. كان في البداية يقدم القهوة والشاي ومشروب الشوكولاتة، وقد قصده الأديب فولتير، وجان جاك روسو، وديدرو. وبفضل هذا النوع من الرواد أصبح ملتقى لتداول الأفكار الجديدة وتبادل الأخبار، وقام بوظيفة الجريدة اليومية. ثم تعددت المقاهي حتى بلغ عددها 323 مع حلول القرن الثامن عشر.
هناك من السياح من يقصد باريس للجلوس، ولو مرة واحدة، في واحد من مقاهيها الثقافية الشهيرة، مثل «كافيه فلور» في حي سان جيرمان، أو «لا كلوزري دوليلا» في حي مونبارناس. وتحمل طاولات تلك المقاهي بصمات مشاهير الأدباء والفنانين والسياسيين العالميين. وبعضها يضع رقعاً معدنية على زوايا الطاولات، تحمل أسماء من اعتادوا الجلوس إليها في الأزمنة الماضية، أمثال هيمنغواي وسارتر، وأيضاً لينين.
وأهم أسباب غياب كثير من المقاهي هو تحولها إلى مطاعم للوجبات السريعة. وغالباً ما يخضع أصحابها إلى إغراء السعر المعروض لشرائها. وهو أمر يبعث على الحزن في نفوس الباريسيين القدماء المعتادين على وجود مقهى الحي، المسمى «البيسترو»، وعلى نسيج الصداقات بين رواده من جهة وصاحبه من جهة ثانية. إن مالك «البيسترو» يعرف زبائنه وعائلاتهم بالأسماء، ويشاركهم أفراحهم وهمومهم. وهناك اليوم جمعية تسعى لإدراج المقهى الباريسي في قائمة التراث الإنساني لـ«اليونيسكو». وهي خطوة قد تسهم في الحفاظ على المقاهي الصغيرة والقديمة من الاندثار.


مقالات ذات صلة

فندق «شيراتون القاهرة» يعلن عن افتتاح البرج الشمالي

عالم الاعمال فندق «شيراتون القاهرة» يعلن عن افتتاح البرج الشمالي

فندق «شيراتون القاهرة» يعلن عن افتتاح البرج الشمالي

أعلن فندق «شيراتون القاهرة»، وهو جزء من علامة «ماريوت» الدولية عن إعادة افتتاح البرج الشمالي للفندق.

الاقتصاد أشخاص يجلسون في مقهى بسيدي بو سعيد وهي مقصد سياحي شهير بالقرب من تونس العاصمة (رويترز)

عائدات السياحة التونسية تتجاوز 2.2 مليار دولار وسط توقعات قياسية

تجاوزت عائدات السياحة التونسية حتى شهر نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي 2.2 مليار دولار، وسط توقعات بتسجيل أرقام قياسية في عدد السياح الوافدين إلى البلاد.

«الشرق الأوسط» (تونس)
الاقتصاد أحمد الخطيب متحدثاً للحضور في المنتدى الاستثماري السعودي - الفرنسي بالرياض (الشرق الأوسط)

الخطيب: تطوير الشراكات السعودية - الفرنسية في المنظومة السياحية

قال وزير السياحة السعودي، أحمد الخطيب، الثلاثاء، إن السعودية تعمل على تطوير شراكات مع فرنسا لتبادل الخبرات والبيانات.

زينب علي (الرياض)
يوميات الشرق يأتي المشروع في إطار جهود تعزيز الفنون والثقافة من خلال مراكز متخصصة في مختلف المجالات (واس)

«ميدان الثقافة» بوابة تربط بين الماضي والحاضر في جدة التاريخية

يشكل «ميدان الثقافة» الذي أطلقه برنامج جدة التاريخية التابع لوزارة الثقافة السعودية بوابة تربط بين الماضي والحاضر كمعلم حضاري كبير تحتضنه المدينة الساحلية جدة.

«الشرق الأوسط» (جدة)
يوميات الشرق فنادق وكراسي الاستلقاء للتشمس بالقرب من شاطئ في بينيدورم بإسبانيا (شاتيرستوك)

إسبانيا تجبر السياح على كشف المعلومات الشخصية بموجب قانون جديد

تحذر بعض التقارير من مطالب «الأخ الأكبر»، بما في ذلك كشف الضيوف عن الأرصدة المصرفية، ولكن هذه المطالب تبدو غير مبررة.

«الشرق الأوسط» (لندن)

«حزب الله» يقر بخسارة «طريق الإمداد»

الأمين العام لجماعة «حزب الله» اللبنانية نعيم قاسم (أ.ف.ب)
الأمين العام لجماعة «حزب الله» اللبنانية نعيم قاسم (أ.ف.ب)
TT

«حزب الله» يقر بخسارة «طريق الإمداد»

الأمين العام لجماعة «حزب الله» اللبنانية نعيم قاسم (أ.ف.ب)
الأمين العام لجماعة «حزب الله» اللبنانية نعيم قاسم (أ.ف.ب)

أقرَّ «حزب الله» على لسان أمينه العام، نعيم قاسم، بخسارة طريق الإمداد عبر سوريا، مؤكداً في الوقت عينه أنَّ «المقاومة» باقية ومستمرة وأنَّ حزبه «قوي ويتعافى».

وقال قاسم، في أول خطاب له منذ سقوط نظام بشار الأسد، إنَّ «(حزب الله) خسر خطّ الإمداد العسكري عبر سوريا، لكن يمكن أن نبحث عن طرق أخرى، والمقاومة تتكيف مع الظروف».

في موازاة ذلك، أكدت مصادر سورية واسعة الاطلاع، لـ«الشرق الأوسط»، بدء «محاولات تواصل من الجانب اللبناني مع القيادة السورية الجديدة»، وأوضحت أنَّ هذه المحاولات «تتمُّ على المستوى الحكومي بين البلدين بمبادرة من الجانب اللبناني»، فيما كانَ الرئيس السابق لـ«الحزب التقدمي الاشتراكي»، وليد جنبلاط، أول من تواصل لبنانياً مع قائد «هيئة تحرير الشام»، أحمد الشرع.

وقالت المصادر إن مسؤولاً حكومياً لبنانياً بادر إلى طلب الاتصال برئيس الحكومة السورية المؤقتة محمد البشير، وإن ثمة مساعي لترتيب الاتصال المباشر «حين تسمح الظروف»، مشددةً على أنه «لا موانع تحول دون ذلك».