عدن الإنجليزية تتشظى في مرآة الواقع

«ستيمر بوينت» رواية لأحمد زين

عدن إبان الاحتلال البريطاني لليمن
عدن إبان الاحتلال البريطاني لليمن
TT

عدن الإنجليزية تتشظى في مرآة الواقع

عدن إبان الاحتلال البريطاني لليمن
عدن إبان الاحتلال البريطاني لليمن

ينهض العمل الروائي الرابع للكاتب أحمد زين، «ستيمر بوينت» الصادر عن دار التنوير - بيروت، على بناء سردي صارم، مرتكزا بدرجة رئيسية على تعدد أنوات السرد ومصادرها، في مساحة زمنية قصيرة، استدعت إلى لحظتها الرئيسة المغلقة، التي لا تتجاوز ليلة واحدة، سِيَر الشخصيات وأفعالها داخل الزمان والمكان، اللذان تقوم على (مبذولاتهما) التوثيقية. «ستيمر بوينت» رواية شديدة الالتباس والخطورة، بدا المتحكم الرئيس صوت الراوي الخارجي، الذي لا يتوانى أحيانا في إسقاط وعيه اللاحق على مسبوقات الأحداث.
أما الثنائيات بتقاطعاتها الحادة، التي تحضر في تاريخ المدينة، فقد أرادها المؤلف أن تكون (رواية) أخرى لخصوصياتها التاريخية والثقافية، حتى عشية استقلالها أواخر نوفمبر (تشرين الثاني) 1967. الشاب اليمني والعجوز الفرنسي، اللذان تنهض على استرداد ذكرياتهما، وهي تأتي في هيئة تداعيات صامتة، ومسموعة أحيانا، في مساء الثامن والعشرين من نوفمبر 1967، الفكرة السردية الرئيسة، ببناها الحكائية ومستوياتها المتعددة، إذ يمثلان النواة الصلبة للعمل. فمن خلال مرآة كبيرة، تُظِهر للفرنسي وجه خادمه الشاب، الذي يقعد طرف الصالة، في قصر العجوز «العجائبي» المطل على مدينة التواهي (ستيمر بوينت) وبحرها، في ذلك المساء البعيد، منتظرًا أوامر سيده، هي في الوقت ذاته - أي المرآة - تظهر وجه العجوز الفرنسي وتعبيراته، التي يقرأها الشاب بوضوح، ويعرف ما يجول بخاطر صاحبها، تماما مثلما يعرف العجوز ما الذي يستبد بتفكير الشاب.
الثنائيات المتعارضة هذه، التي يمكن تمثيلها بـ(الشاب / العجوز - الفرنسي / العربي - الثري / الفقير)، تتحول إلى ذات واحدة، ممتلئة بحب المدينة، التي وفد كلاهما إليها من خارجها، والخشية عليها وعلى حياتهما أيضا من النزعة الانتقامية للحكام الجدد، عشية الاستقلال. العجوز جاءها شاب فقير من إحدى المدن بفرنسا، ليعمل مع تاجر من أبناء جلدته، عمل عنده أواخر القرن التاسع عشر أيضا الشاعر (آرثر رامبو)، الذي ظل العجوز يحتفظ بصورته على الجدار، مختزلا الكاتب بهذا الترسيم الشخصياتي، السيرة الأقرب لأشهر تاجر أجنبي مر على عدن، وهو (توني بس)، الذي يظهر هنا ملتبسًا بالشخصية الروائية. وهو ما حاول طرقه الكاتب في التخييل الروائي، لإعادة تقطير هذه الشخصية سرديًا بكثير من الذكاء، دون الوقوع في التباسات السيرة الفعلية إلا فيما يخدم بنية الخطاب.
أما الشاب الذي قدم إليها من الحديدة، منذ أعوام خمسة، بعد مقتل أبيه في حروب الجمهوريين والملكيين في شمال اليمن، وبإلحاح من جدته لأمه، اندمج فيها إلى الدرجة التي حاول الذوبان فيها، وتمثل حياتها المدينية، معتبرا أن حضورها المميز كمدينة حضارية في منطقة متخلفة، صار بفضل الإنجليز وفعلهم، وهو المأخذ الذي سيؤخذ عليه من قبل بعض أصدقائه الثورجيين، وعلى رأسهم نجيب الذي كان يرى في قناعات سمير حيال المدينة وأثر الإنجليز فيها نوع من الخيانة للقضية الوطنية.
آناتا الشاب والعجوز المتشظيتان، سيراهما الشاب واحدة، حين يتخيل أن العجوز يتفوه بما يريد قوله، وما ينبثق من أعماقه، كاعتراف مُر، بلحظة الانهدام الكبرى التي تتحكم بمشاعرهما المضطربة. الليلة الطويلة، التي رآها العجوز دهرًا، التي تساوت فيها عنده رائحة الكحول الراقي برائحة البارود، التي بدأت تنتشر في الأرجاء، ستنتهي باستيقاظ الشاب بعد غفوة طويلة بذهن مشوش، وجسد محطم، لم ير العجوز على الأريكة حيث كان، ولم ير المرآة أيضا، وحين هم بالمشي اصطدم بحطام المرآة، ومن شظاياها اللامعة رأى وجهه مشوها وقريبًا من القبح، فلم يجد أمامه من حل سوى ترك المكان والهروب إلى اللا شيء، حيث تساءل وهو يسمع هدير الموج في المرفأ، كم طريق تؤدي إلى عدن؟ طريق قوافل البخور في الأزمنة السحيقة، أم مسالك الغزاة منذ الرومان إلى الكابتن هينس إلى..؟
في الرواية سيظهر قاسم الذي عمل تاجر أخشاب قبل الحرب العالمية الثانية. (آيريس) الإنجليزية الفاتنة، التي جاءت إلى عدن لدراسة انعكاس المكان على الجنود والموظفين الإنجليز، فوجدت نفسها موضوعا للدراسة. نجيب الثورجي، الذي عبر بصفاء عن لحظة الاندفاع، وأراده المؤلف أن يكون التمثيل لفكرة التمرد اليساري، في تماهيها النظري مع فعل الكفاح المسلح على الأرض، لهذا كان يحضر كشخصية استعراضية تتعالى على ما حولها. سعاد الشابة العدنية، التي ظلت مشتتة بين سمير الذي يحبها، ونجيب الذي يؤثر في وعيها، كثيرا ما «فكرت أنها تعيش تحت ضغط الرقابة الداخلية للمجتمع، لكنها لم تشأ عن سابق قصد وإصرار في التحرر منها، واعتبرت ذلك ما يميزها، ويمنحها تألقها الشخصي. خاضت نقاشات حادة مع زميلاتها في الكلية حول ارتداء بنطلونات الجينز، والتعرف على شباب والجلوس معهم في البارات والمقاهي الحديثة. ومكثت طويلاً تفكر أن الجسد الذي تعيش فيه، غير قادر أن يستوعب الحياة، التي تشعر بها تصطخب في أعماقها».
عدن مدينة (كوزموبوليتية) بتعددها الثقافي والإثني، لم يعبر عنها، فقط العدني العربي واليمني، بل عبر عنها الهندي والصومالي والفارسي والإنجليزي والفرنسي، عبر عنها المسلم واليهودي والمسيحي والبوذي واللاديني بوصفهم أبناءها الطيبين، في جملة الأصوات التي تظهر مشبعة بروح المدينة، التي آثرت نخبها بعد استقلالها تقديم شططها السياسي وانقساماتها، على روح التعدد والانفتاح فيها، تماما كما عبر عن ذلك سمير في ذروة خوفه عليها، أو بمعنى أقرب السارد الخارجي، الضاغط بوعيه اللاحق على مسبوقات مدركاته، حين رأى أن حماسة الفدائيين لا تعني سوى سيطرة الريف على المدينة، وإغراقها في مستنقع صراعاتهم، لأن ما كان يحركهم أولاً هو جوع السلطة، وبفعلهم ستتحول إلى مدينة مغلقة على نفسها، وهو ذات ما تحقق على مدى سنوات لاحقة.
«ستيمر بوينت»، تجهد في البحث عن قارئ مختلف وصبور. خبرات الكتابة المستفيدة من تقنيات الصورة السينمائية، في تبدل مواقع (أنوات) السرد، وأمكنته وأزمنته المتداخلة، واحدة من السمات الواضحة في العمل، والتي تتحول أحيانا إلى عبء على قارئ قليل المعرفة بالمدينة.



غازي القصيبي يحضر في أول ملتقى سعودي للأدب الساخر

غازي القصيبي يحضر في أول ملتقى سعودي للأدب الساخر
TT

غازي القصيبي يحضر في أول ملتقى سعودي للأدب الساخر

غازي القصيبي يحضر في أول ملتقى سعودي للأدب الساخر

تشهد منطقة الباحة، جنوب السعودية، انطلاقة الملتقى الأول للأدب الساخر، الذي يبدأ في الفترة من 22-24 ديسمبر (كانون الأول) الحالي، وينظمه نادي الباحة الأدبي.

وأوضح رئيس النادي، الشاعر حسن الزهراني، أن محاور الملتقى تتناول «الأدب الساخر: المفهوم، والدلالات، والمصادر»، و«الاتجاهات الموضوعية للأدب الساخر، والخصائص الفنية للأدب الساخر في المملكة»، وكذلك «مستويات التأثر والتأثير بين تجارب الكتابة الساخرة محلياً ونظيراتها العربية»، و«حضور الأدب الساخر في الصحافة المحلية قديماً وحديثاً»، و«أثر القوالب التقنية الحديثة ومواقع التواصل في نشوء أشكال جديدة من الأدب الساخر محلياً»، و«سيميائية الصورة الصامتة في الكاريكاتير الساخر محلياً».

بعض المطبوعات الصادرة بمناسبة انعقاد أول ملتقى للأدب الساخر (الشرق الأوسط)

وشارك في صياغة محاور الملتقى لجنة استشارية تضم: الدكتور عبد الله الحيدري، والدكتور ماهر الرحيلي، والقاص محمد الراشدي، ورسام الكاريكاتير أيمن يعن الله الغامدي.

وكشف الزهراني أن النادي تلقى ما يزيد على 40 موضوعاً للمشاركة في الملتقى، وأقرت اللجنة 27 بحثاً تشمل؛ ورقة للدكتورة دلال بندر، بعنوان «حمزة شحاتة... الأديب الجاد ساخراً»، والدكتور محمد الخضير، بعنوان «الخصائص الفنية في الأدب الساخر عند حسن السبع في ديوانه ركلات ترجيح - دراسة بلاغية نقدية»، والدكتور صالح الحربي، بعنوان «المجنون ناقداً... النقد الأدبي في عصفورية القصيبي»، والدكتور عادل خميس الزهراني، بعنوان «الصياد في كمينه: صورة الحكيم في النكت الشعبية بمواقع التواصل الاجتماعي»، والدكتور حسن مشهور، بعنوان «الكتابة الساخرة وامتداداتها الأدبية... انتقال الأثر من عمومية الثقافة لخصوصيتها السعودية»، والدكتورة بسمة القثامي، بعنوان «السخرية في السيرة الذاتية السعودية»، والدكتورة كوثر القاضي، بعنوان «الشعر الحلمنتيشي: النشأة الحجازية وتطور المفهوم عند ابن البلد: أحمد قنديل»، والدكتور يوسف العارف، بعنوان «الأدب الساخر في المقالة الصحفية السعودية... الكاتبة ريهام زامكة أنموذجاً»، والدكتور سعد الرفاعي، بعنوان «المقالة الساخرة في الصحافة السعودية... الحربي الرطيان والسحيمي نموذجاً»، والدكتور عمر المحمود، بعنوان «الأدب الساخر: بين التباس المصطلح وخصوصية التوظيف»، والدكتور ماجد الزهراني، بعنوان «المبدع ساخراً من النقاد... المسكوت عنه في السرد السعودي»، والمسرحي محمد ربيع الغامدي، بعنوان «تقييد أوابد السخرية كتاب: حدثتني سعدى عن رفعة مثالاً»، والدكتورة سميرة الزهراني، بعنوان «الأدب الساخر بين النقد والكتابة الإبداعية... محمد الراشدي أنموذجاً». والدكتور سلطان الخرعان، بعنوان «ملخص خطاب السخرية عند غازي القصيبي: رؤية سردية»، والدكتور محمد علي الزهراني، بعنوان «انفتاح الدلالة السيميائية للصورة الساخرة... الرسم الكاريكاتوري المصاحب لكوفيد-19 نموذجاً»، والكاتب نايف كريري، بعنوان «حضور الأدب الساخر في كتابات علي العمير الصحافية»، والدكتور عبد الله إبراهيم الزهراني، بعنوان «توظيف المثل في مقالات مشعل السديري الساخرة»، والكاتب مشعل الحارثي، بعنوان «الوجه الساخر لغازي القصيبي»، والكاتبة أمل المنتشري، بعنوان «موضوعات المقالة الساخرة وتقنياتها عند غازي القصيبي»، والدكتور معجب الزهراني، بعنوان «الجنون حجاباً وخطاباً: قراءة في رواية العصفورية لغازي القصيبي»، والدكتور محمد سالم الغامدي، بعنوان «مستويات الأثر والتأثير بين تجارب الكتابة الساخرة محلياً ونظرياتها العربية»، والدكتورة هند المطيري، بعنوان «السخرية في إخوانيات الأدباء والوزراء السعوديين: نماذج مختارة»، والدكتور صالح معيض الغامدي، بعنوان «السخرية وسيلة للنقد الاجتماعي في مقامات محمد علي قرامي»، والدكتور فهد الشريف بعنوان «أحمد العرفج... ساخر زمانه»، والدكتور عبد الله الحيدري، بعنوان «حسين سرحان (1332-1413هـ) ساخراً»، ويقدم الرسام أيمن الغامدي ورقة بعنوان «فن الكاريكاتير»، والدكتور يحيى عبد الهادي العبد اللطيف، بعنوان «مفهوم السخرية وتمثلها في الأجناس الأدبية».

بعض المطبوعات الصادرة بمناسبة انعقاد أول ملتقى للأدب الساخر (الشرق الأوسط)

وخصص نادي الباحة الأدبي جلسة شهادات للمبدعين في هذا المجال، وهما الكاتبان محمد الراشدي، وعلي الرباعي، وأعدّ فيلماً مرئياً عن رسوم الكاريكاتير الساخرة.

ولفت إلى تدشين النادي 4 كتب تمت طباعتها بشكل خاص للملتقى، وهي: «معجم الأدباء السعوديين»، للدكتورين عبد الله الحيدري وماهر الرحيلي، وكتاب «سامحونا... مقالات سعد الثوعي الساخرة»، للشاعرة خديجة السيد، وكتاب «السخرية في أدب علي العمير» للدكتور مرعي الوادعي، و«السخرية في روايات غازي القصيبي» للباحثة أسماء محمد صالح.