شدا عمر: الحكم القضائي فتح الباب أمام كل إعلامي ليأخذ حقّه

القضاء أدان المؤسسة اللبنانية للإرسال «إل بي سي» بجرم الافتراء عليها

شدا عمر: الحكم القضائي فتح الباب أمام كل إعلامي ليأخذ حقّه
TT

شدا عمر: الحكم القضائي فتح الباب أمام كل إعلامي ليأخذ حقّه

شدا عمر: الحكم القضائي فتح الباب أمام كل إعلامي ليأخذ حقّه

انشغل الجسم الإعلامي مؤخرا بالحكم الذي صدر عن قاضية الأمور المنفردة الجزائية في منطقة كسروان دينا دعبول، والذي أدان المؤسسة اللبنانية للإرسال «إل بي سي» بجرم الافتراء على الإعلامية شدا عمر وتغريم المؤسسة مبلغ 15 مليون ليرة تعويضا عن الضرر الذي ألحقته بها.
وكانت الإعلامية اللبنانية قد رفعت دعوى قضائية ضدّ المحطة التلفزيونية المذكورة بتهمة الافتراء عليها، بناء على نصيحة قدّمها لها محاميها بعدما كانت قد استطاعت منذ نحو السنتين، دحض تهمة القدح والذمّ التي وجهتها لها «إل بي سي آي» إثر تقديمها استقالتها مباشرة على الهواء في فبراير (شباط) من عام 2010.
وفي تفاصيل الخبر أن القاضية المنفردة الجزائية دينا دعبول اعتبرت أن سوء نية الجهة المدعى عليها (أي تلفزيون «إل بي سي آي») ثابت بمقاضاة المدعية عبر القضاء الجزائي من خلال نسب جرائم للأخيرة تعلم براءتها منها، كونها مؤسسة إعلامية ممتهنة في شؤون الصحافة والإعلام، وبالتالي فإن المنطق والعلم يفترضان علمها بأن ما قامت به المدعية (شدا عمر) من تقديم استقالتها على الهواء، وإن كان يشكل نقدا قاسيا إيحائيا لاذعا فهو لا يقوم على أرضية وأساس لجرمي القدح والذم، بحيث يفترض وواجب على المدعى عليها التي ليست بشخص عادي وإنما شخص ممتهن، أن تفرق بين ما يشكل مخالفة للعقد أو للعرف وأصول المهنة، وما يشكل جرما جزائيا واضح المعالم، مما يعزز قرينة سوء النية لدى الجهة المدعى عليها.
وقضى الحكم الصادر عن القاضية دعبول على مؤسسة «إل بي سي» بغرامة قدرها مليون ليرة لبنانية، وإلزامها بالتعويض عن الضرر الذي أصاب المدعية الإعلامية شدا عمر بمبلغ 15 مليون ليرة لبنانية (نحو 10 آلاف دولار) وتدريكها الرسوم والمصاريف كافة.
وكانت الإعلامية شدا عمر قد تقدّمت باستقالتها من محطة «إل بي سي آي» (في عام 2010)، وودّعت جمهورها إثر انتهائها من تقديمها حلقة من برنامجها الحواري يومها «أنت والحدث» التي استضافت فيها النائب عقاب صقر. ففاجأت مشاهديها بقرارها هذا بعد أن عزت ذلك لأسباب متعددة، وقالت متوجهة لهم: «عام 1997 بدأ مشواري معكم عبر شاشة (إل بي سي) وفي 2010 انتهى مشواري معكم عبر هذه الشاشة لأسباب متعددة، أبرزها الموضوعية وأصول المهنة وأخلاقياتها وأتمنى أن أراكم إن شاء الله في مكان آخر. ثلاث عشرة سنة تشاركنا فيها الفرح والحرب، والخوف والنجاح. الحدث يبقى الحدث ونأمل أن يبقى دائما نهاركم سعيد».
يومها لم يرق لـ«إل بي سي آي» ما قامت به شدا عمر واعتبرت أن ما غمزت إليه في كلامها يطال مصداقيتها. وعلى الرغم من أنها كانت قد سبق وتقدّمت باستقالتها من رئيس مجلس إدارة المحطة المذكورة بيار الضاهر، وأعلمته عن نيّتها بترك عملها، فإنها تلقت بعد مرور نحو الأسبوعين على هذه الحادثة خبر رفع «إل بي سي آي» دعوى جزائية بتهمة القدح والذمّ عليها، معتبرة أن ما قالته مباشرة على الهواء تضمن إشارة واضحة لذلك.
وبعد مرور نحو السنتين علمت الإعلامية اللبنانية بأنها ربحت الدعوى المقامة ضدها فتم تأكيد براءتها، وكانت يومها في أميركا لوضع طفلها. وكان ذلك الحكم نهائيا كون «إل بي سي آي» لم يعد لديها أي باب قانوني تدّقه بعدما خسرت دعواها هذه ضد شدا عمر على الرغم من إقدامها على دعويين أخريين في محكمتي الاستئناف والتمييز باءتا أيضا بالفشل.
وتعلّق شدا عمر بالقول: «أنا سعيدة كوني الإعلامية شبه الوحيدة التي استطاعت أن تربح دعوى قضائية ضد صرح إعلامي بهذا المستوى. وفوزي بالحكم فتح الباب أمام كلّ إعلامي في أن لا يتردد ولا للحظة بالمحاربة من أجل الحصول على حقّه الطبيعي تحت سقف القانون». وأضافت في حديث لـ«الشرق الأوسط»: «صحيح أن هذا الصرح الإعلامي مهمّ ويعدّ من أهم المؤسسات الإعلامية في لبنان، إلا أننا نحن العاملين فيه لسنا مجرّد أرقام، بل كافحنا وشاركنا في بنائه وانتشاره. فسياسة الافتراء والتخويف التي يمارسونها علينا لن تجبرنا على الالتزام بالصمت طالما لم نتجاوز الأصول أو نلجأ إلى التشهير».
وتابعت عمر: «أشعر بالتأكيد بانتصار الحرية المسؤولة، فجميعنا نسعى لحرية التعبير ونساند هذا المفهوم وندافع عنه. فأنا لم أخرج عن أصول المهنة في وداعي لمشاهدي وأتمتع بالمصداقية الكاملة التي تخولني معرفة حدودي».
والمعروف أن شدا عمر انتقلت للعمل في محطة «تلفزيون لبنان» الرسمية منذ نحو العام لتقدّم برنامجا حواريا بعنوان «كلمة حرّة». وهي تؤكد أنه لا مجال للمقارنة بين برنامجها الحالي و«أنت والحدث» الذي سبق وقدّمته على شاشة «إل بي سي آي»، مشيرة إلى أن هذا الأخير كان سياسيا يعرض فضائيا وأن جمهوره ينتمي إلى البلاد العربية على اختلافها، لكن برنامجها المحلّي هو بمثابة تجربة إعلامية جديدة تقوم بها في لبنان وتتوجّه به إلى المشاهد اللبناني. وأضافت: «لقد اخترت (تلفزيون لبنان) كونه يناسب تطلعاتي وأفكاري الوطنية، فأنا لا أنتمي لأي جهة أو حزب سياسي، وأحلم بلبنان واحد لنا جميعا، وهذا لا يعني أنني كنت على شاشة (إل بي سي آي) متحيزة لأحد إذ كنت أقدم برنامجي بموضوعية ولا أتجاوز فيه مبادئي الوطنية».
وكان قد تردد أن دخول شدا عمر «تلفزيون لبنان» الرسمي أحدث نقمة لدى بعض الموظفين القدماء فيه، بعدما اعتبروها دخيلة على عالمهم، لا سيما وأن مخصصاتها المادية مقابل تقديمها برنامجها لا تتوافق مع ميزانية هذه المحطة التي تعاني من شح مالي. وتردّ على هذا الاستفسار بالتعليق: «لا أعرف أي شيء عن هذا الموضوع لا بل إنني لم أسمع يوما به. فأنا لست موظفة في (تلفزيون لبنان) كما أنني أكن كلّ الاحترام والتقدير للعاملين فيه، لكنني لست على علاقة وطيدة مع أي منهم، والشخص الوحيد الذي تربطني به علاقة عمل هو رئيس مجلس إدارته طلال المقدسي».



الإعلام ووسائل التواصل تحاصر السلطات الثلاث في العراق

ميكروفونات القنوات العراقية حاضرة بكثافة في الظهور المدوي لرئيس «هيئة النزاهة»
ميكروفونات القنوات العراقية حاضرة بكثافة في الظهور المدوي لرئيس «هيئة النزاهة»
TT

الإعلام ووسائل التواصل تحاصر السلطات الثلاث في العراق

ميكروفونات القنوات العراقية حاضرة بكثافة في الظهور المدوي لرئيس «هيئة النزاهة»
ميكروفونات القنوات العراقية حاضرة بكثافة في الظهور المدوي لرئيس «هيئة النزاهة»

للمرة الأولى في العراق، منذ تغيير النظام عام 2003 بواسطة الدبابة الأميركية، تتمكّن وسائل الإعلام العادية ووسائل التواصل الاجتماعي من محاصرة السلطات الثلاث في البلاد، أي التشريعية والتنفيذية والقضائية.

إذ لا يكاد يمر يوم واحد من دون أن تتناول وسائل الإعلام إحدى السلطات الثلاث أو كلها مجتمعة، إلى الحد الذي دفع أحد أبرز قيادات النظام السياسي وأحد آبائه المؤسسين، وهو نوري المالكي - ثالث رئيس وزراء عراقي بعد التغيير - إلى التحذير في كلمة متلفزة من نقل كل ما يدور في أروقة هذه السلطات إلى الإعلام.

جاءت كلمة المالكي المتلفزة في خضم تفجر تبعات تضارب المصالح والسياسات وتراكم حالات الفساد التي وصلت إلى ما بات يُوصف في وسائل الإعلام بـ«سرقة القرن».

وسعى المالكي في كلمته، إلى دغدغة مشاعر الجماهير، وبالذات، جماهير الأحزاب السياسية التي هي في الوقت نفسها مادتها في الانتخابات. لكن، في حين يعترف المالكي بأنه ليس هناك شيء يهدد الدولة مثل «اضطراب العلاقة بين السلطات الثلاث»، حذّر من حصول سوء تفاهم، وقال بضرورة أن «تسير الأمور وفق الاتصالات والتفاهمات بينها حتى تستقر العملية السياسية». كذلك نبّه في الوقت نفسه إلى ضرورة منع نقل اختلال العلاقة واضطرابها والمشاكل المترتبة عليها إلى «وسائل الإعلام».

تخمة إعلامية

غير أن العراق اليوم حافل بوسائل الإعلام المختلفة والمتعددة، كون غالبية الأحزاب والقوى السياسية باتت تملك وسائل إعلامها الخاصة بها (من صحف وفضائيات وإذاعات بل حتى وكالات). وبالتالي، فإن «الحرب» التي تشنّها وسائل الإعلام ضد هذا الطرف أو ذاك من داخل الطبقة السياسية، وإن كانت تبقى محصورة في نطاق التنافس والابتزاز أحياناً عبر التهديد بالكشف عن ملفّات معينة، تكمن خطورتها أحياناً في أنها تخرج عن السيطرة وتتحول إلى أزمة تهدّد النظام السياسي بكامله.

أيضاً، يرى العراقيون أن المكسب الوحيد الذي حصلوا عليه بعد عام 2003 هو الديمقراطية، وهذا على الرغم من أن حرية التعبير المنصوص عليها في الدستور لم تُنظّم بقانون حتى الآن. فواقع الحال أن وسائل الإعلام، سواءً كانت «ميديا» أو «سوشيال ميديا»، لعبت خلال الفترة الأخيرة دوراً مهماً على صعيد الكشف والمحاسبة ومحاصرة السلطات في عديد من الملفات والقضايا، التي باتت ساحتها وسائل الإعلام، لتتحوّل من ثمّ إلى قضايا رأي عام.

من ناحية ثانية، على الرغم من امتلاك معظم القوى السياسية وسائل إعلامها الخاصة، فإن صراع الأقطاب السياسيين بشأن الملفات المطروحة وتصادمها وتناقضها، يجعل من الحرب الناجمة عن ذلك عرضة للتشظي السريع. وبالتالي، تتحوّل إلى مادة؛ إما يسخر منها الجمهور وإما يتفاعل معها بطرق في الغالب سلبية. ومعلومٌ أن القوى السياسية بدأت منذ الآن «اللعب على وتر» الشعبوية لاستثارة الجمهور العاطفي تمهيداً للانتخابات المبكرة. إذ إن قضايا، مثل قانون العفو العام، سرعان ما تتحول إلى مادة للسخرية والتهجّم على عديد من القيادات السنّية. والأمر نفسه ينطبق على محاولات تعديل قانون الأحوال الشخصية، الذي تتبنّاه قوى شيعية فاعلة، في محاولة منها لاستمالة أعلى نسبة من الجمهور الشيعي... الذي يعيش انقساماً بيّناً داخل المكون الشيعي.

ذكاء اصطناعي بالمقلوب

على صعيد آخر، تنشط وسائل الإعلام ووسائطه المختلفة، بما في ذلك ما يُسمى «الجيوش الإلكترونية». وهذه في الغالب اختصاص الأحزاب والقوى السياسية في متابعة الأحداث، وبخاصة قضايا الفساد، كونها المادة الأكثر إثارة عاطفية للجمهور العراقي.

إلا أن التحوّل الأخطر اليوم هو دخول الذكاء الاصطناعي على الخط. ففي حين يسعى كثير من الدول إلى الاستفادة من الذكاء الاصطناعي بكل ما هو إيجابي، فطبقاً لما جرى تداوله أخيراً في العراق على نطاق واسع، تسريبات صوتية تخصّ رئيس «هيئة النزاهة» حيدر حنون، وتتهمه بتلقي رشى لقاء تسهيلات معينة في «الهيئة».

الجديد في الأمر أن وسائل الإعلام حاولت اللعب على وتيرة ما قيل إن هذه التسريبات ليست حقيقية بل هي عملية مفبركة من خلال الذكاء الاصطناعي. ولكن بصرف النظر، عما إذا كانت التسريبات حقيقية أم لا - خصوصاً أن القضاء الذي يحقّق بالأمر لم يقل كلمته بعد - فإن الأحكام في الغالب بدأت تصدر من خلال التناول المكثّف لمثل هذه القضايا عبر وسائل الإعلام. وطبعاً، بقدر ما يؤثّر مثل هذا الضغط الإعلامي الواسع في تغيير وجهات نظر الناس، والتأثير فيهم، فإنه في النهاية يؤدي إلى مزيد من الإرباك وزيادة الغموض بين ما هو صحيح وما هو مفبرك.

تضارب الآراء هذا لا يعني أن قضية التسريب هي الأولى من نوعها في العراق، لكن الناس، في مطلق الأحوال، صاروا يشكّكون في التوقيت والسبب وراء نشر أمور كهذه أمام الجميع وتحت متناول وسائل الإعلام... كي تنتج منها ظاهرة خطيرة قد تُشعل الأجواء أو تغيّر النظام. وعلى الرغم من أن أزمات من هذا العيار قد تكون مدوّية وفاضحة للنظام السياسي، فإنها حتماً ليست الأولى ولن تكون الأخيرة، ذلك أنه سبق أن انتشرت تسريبات صوتية لنوري المالكي، نفسه، قبل سنتين، وأحدثت ضجة كبيرة في الأوساط العراقية، لكن الأزمة سرعان ما انتهت من دون ترك أثر سياسي خطير يُذكر.

طبيعة النظام وأزمات الإعلام

في النهاية، يقول مراقبون إن طبيعة النظام السياسي في العراق أصبحت جزءاً من عملية «صنع الأزمة الإعلامية» والتلاعب عليها... سواءً كانت عبر التنافس بين القوى السياسية أو عبر التسقيط والابتزاز وفضح الآخرين. كذلك بات المواطن العراقي يفهم جيداً طريقة التلاعب والابتزاز في صفحات التواصل الاجتماعي والقنوات التلفزيونية. والحال، أن الخبر في العراق قد يمتد صداه إلى ثلاثة أيام فقط وبعدها ينتهي، والسبب أن المواطن اعتاد على أزمات سياسية بين القوى والأحزاب... على هذا المستوى أو حتى أعلى. وأيضاً، فإن وسائل «السوشيال ميديا» ساعدت في تسطيح الأزمات السياسية الخطيرة في العراق، إما عبر التهكّم بجعلها مادة للسخرية والتنمّر الاجتماعي، وإما عبر التذمّر والامتعاض الذي يؤدي إلى رفض كامل للواقع السياسي.