العالم يستقبل «يوم الإقلاع عن التبغ» بمزيد من التضييقات

التدخين يقتل 6 ملايين شخص سنويًا

العالم يستقبل «يوم الإقلاع عن التبغ» بمزيد من التضييقات
TT

العالم يستقبل «يوم الإقلاع عن التبغ» بمزيد من التضييقات

العالم يستقبل «يوم الإقلاع عن التبغ» بمزيد من التضييقات

بالتزامن مع اليوم العالمي للامتناع عن تعاطي التبغ، شهدت الأيام الأخيرة نشاطا من حكومات دول عدة لتقليص عدد المدخنين، من خلال قوانين تفرض قيودا على التدخين في الأماكن العامة والمتنزهات، وأيضا بالقرب من المدارس والمستشفيات.
وفي العاصمة الصينية بكين، حظرت السلطات التدخين في المطاعم والمكاتب والمواصلات العامة بدءا من غد (الاثنين)، وهو ما يمثل جزءا من تضييقات جديدة رحب بها المحامون المناهضون للتدخين.
وذكرت صحيفة «غارديان» البريطانية أن نشطاء في مجال الصحة قد ضغطوا لسنوات لفرض تضييقات أقوى على المدخنين في الصين التي تعد أكبر مستهلك للتبغ في العالم.
ووفق القانون، فإن أي شخص يخرق الحظر في العاصمة الصينية، بما في ذلك التدخين بالقرب من المدارس والمستشفيات، سيدفع غرامة قدرها 200 يوان (نحو 32.25 دولار أميركي)، بينما الغرامة الحالية، التي تم تشديدها بشكل كبير، هي 10 يوان فقط (1.60 دولار).
كما أنه إذا خرق الشخص القانون ثلاث مرات سيتم تسجيل اسمه وفضحه على المواقع الحكومية، بينما سيتم تغريم أصحاب الأشغال إلى 10 آلاف يوان (1600 دولار) في حال فشلوا أن يمنعوا التدخين في منشآتهم.
كما ستمنع الحكومة الصينية بيع التبغ في المتاجر التي تقع على بعد 100 متر من مدرسة ابتدائية أو روضة أطفال، بحسب وسائل إعلام حكومية.
تأتي الخطوة الصينية بالتزامن مع اليوم العالمي للإقلاع عن التدخين، 31 مايو (أيار) من كل عام، الذي أطلقته الدول الأعضاء بمنظمة الصحة العالمية عام 1987 بهدف الامتناع عن تدخين كل أنواع التبغ لمدة 24 ساعة حول العالم، كما يهدف أيضا إلى لفت الانتباه حول انتشار التدخين والآثار السلبية له على الصحة.
إلى ذلك، أعدت الحكومة الجزائرية مؤخرا مشروع قانون جديد يقضي بمعاقبة المدخنين في الأماكن العامة بغرامة تصل إلى 50 دولارا، وذلك بعدما رأت أن الدول التي فرضت غرامة مالية على المدخنين بالأماكن العامة نجحت في تقليص نسبة الإصابة بأمراض القلب والشرايين، بحسب مسؤول في مديرية الوقاية بوزارة الصحة الجزائرية.
أما فرنسا فقد أقرت بالفعل قانونا يحظر التدخين في متنزهات الأطفال أمس (السبت) بعد شهر من الآن، وذلك في إجراء يهدف إلى تقليص استهلاك البلاد من التبغ، إذ تعد فرنسا ضمن دول أوروبا الأكثر شراهة في التدخين، غير أن الحكومة تحاول تحسين الصحة العامة بسلسلة من الإجراءات المناهضة للتدخين. وبدءا من يوليو (تموز) المقبل فإن أي شخص سيخرق القانون سيدفع غرامة قدرها 68 يورو، ويأتي الحظر بالتزامن مع العطلات الصيفية، وقالت وزيرة الصحة الفرنسية، ماريسول توران، إن القانون يهدف إلى «احترام أطفالنا». كما سيتم منع التدخين في السيارات التي تُقل أطفالا وكذلك السجائر الإلكترونية سيتم حظرها في بعض الأماكن العامة.
وفي أستراليا تم حظر التدخين بمنطقة المشاة الرئيسية في مدينة سيدني «مارتن بلاس» في 10 مايو الحالي في تجربة تستمر لمدة عام، وقد تؤدي إلى حظر التدخين في جميع الأماكن العامة. ويرجع قرار مجلس مدينة سيدني بعدما أكد غالبية الناس أنهم يفضلون المنطقة بأكملها دون تدخين. وتأتي الخطوة أيضا في ظل حظر التدخين في الأماكن العامة في سيدني بما فيها محطات القطار ومواقف الحافلات، وفي يوليو القادم سيتم حظر التدخين في كل المطاعم المفتوحة.
يذكر أن معدل التدخين في أستراليا تراجع بنسبة 50 في المائة على مدار الثلاثين عاما الماضية، ليصبح عدد المدخنين يشكل 13.3 في المائة فقط من السكان.
وفي سياق متصل، كانت منظمة الصحة العالمية قد حذرت مطلع مارس (آذار) الماضي من انتشار تدخين التبغ في كثير من دول الشرق الأوسط، بنسبة تصل إلى 36 في المائة من المراهقين (الثلث تقريبا)، و32 في المائة بين البالغين. كما دعت المنظمة على لسان مديرها الإقليمي للشرق الأوسط، علاء الدين العلوان، الحكومات وجماعات المجتمع المدني وكل الجمهور إلى «تجديد الالتزام بمكافحة التبغ»، ومواصلة العمل معا «من أجل حماية أجيالنا الحاضرة والمستقبلية من الآثار الصحية والاجتماعية والبيئية والاقتصادية للتبغ».
وتشير منظمة الصحة العالمة عبر موقعها إلى أن التبغ يقتل ما يصل إلى نصف مستهلكيه، ويقتل سنويا 6 ملايين شخص حول العالم، بينهم 600 ألف مدخن سلبي، والرقم مرشح للزيادة ليصل إلى أكثر من 8 ملايين حالة وفاة بحلول 2030.
وتذكر المنظمة أن 80 في المائة من مليار مدخن حول العالم يعيشون في دول متوسطة ومنخفضة الدخل، كما تلفت إلى أن التدخين يعتبر قاتلا بالتدريج وليس بشكل مباشر، هذا لأن الأمر يستغرق سنوات بين بداية تدخين التبغ والمعاناة الصحية التي قد تفضي إلى الموت، مؤكدة أنه لا يوجد أمان مع تعرض غير المدخنين للتدخين السلبي، والذي يسبب أمراض قلب خطيرة، وأمراض الجهاز التنفسي، بما فيها مرض انسداد الشريان التاجي بالقلب وسرطان الرئة، هذا بالنسبة إلى البالغين، بينما قد يسبب التدخين السلبي الموت المفاجئ للأطفال، وولادة أطفال منخفضي الوزن لدى السيدات الحوامل. وفي عام 2004 وجد أن 28 في المائة من حالات الوفاة لدى الأطفال ناتجة عن التدخين السلبي.



مرايا تتعدَّى دورَها الوظيفي نحو الجمال الفنّي في غاليري بيروتيّ

مرايا تتجاوز مفهومها التقليدي لتُحلّق خارج الصندوق (ذا ميرور بروجيكت)
مرايا تتجاوز مفهومها التقليدي لتُحلّق خارج الصندوق (ذا ميرور بروجيكت)
TT

مرايا تتعدَّى دورَها الوظيفي نحو الجمال الفنّي في غاليري بيروتيّ

مرايا تتجاوز مفهومها التقليدي لتُحلّق خارج الصندوق (ذا ميرور بروجيكت)
مرايا تتجاوز مفهومها التقليدي لتُحلّق خارج الصندوق (ذا ميرور بروجيكت)

يُطلق المهندس اللبناني عبد الله بركة فكرةَ المرآة أبعد من وظيفتها الآلية. ليستْ هنا محصورةً في عَكْس وجوهٍ وأشياء تتقاطع ضمن حدودها، فتنتهي الحاجة إليها باطمئنان الرائي إلى مظهره، أو إدخال تعديل عليه، أو بلملمة انعكاسات خارجية. بمَنْحها وَقْعاً جمالياً، تتحوّل إلى عمل فنّي يملك تَرْك الأثر في العابر، فيستوقفه ليتساءل عن ماهيتها: أهي مرآة أو لوحة فنّية، وماذا لو كانت الاثنتين معاً؟ في «ذا ميرور بروجيكت» بمنطقة مار مخايل البيروتية، مرايا تتجاوز مفهومها التقليدي لتُحلّق خارج الصندوق.

تتحوّل المرآة إلى عمل فنّي يملك تَرْك الأثر في العابر (ذا ميرور بروجيكت)

نُسِجت علاقةٌ بالمرايا في داخل الشاب البالغ 37 عاماً منذ المرة الأولى التي تسلَّم فيها مشروعاً وتعذَّر إيجاد مرآة بملامح فنّية. رفض الاكتفاء بزجاج يتيح للآخر رؤية نفسه من خلاله؛ فالمسألة بالنسبة إليه تتخطّى الدور المُعدّ سلفاً، والمَهمَّة الجاهزة. المرايا «فنّ وظيفي»، لا مجرّد وظيفة تؤدّي الغرض منها وتُكافأ ببرودة الناظر إليها. يُحوّل عبد الله بركة الغاليري معرضَه الدائم، فتصطفّ على الجدران أشكالٌ جمالية تسرق العين من احتمال الاكتفاء بالنظرة الخاطفة.

المرايا «فنّ وظيفي» لا مجرّد وظيفة تؤدّي الغرض منها (ذا ميرور بروجيكت)

يتحدّث لـ«الشرق الأوسط» بشغف الفنان الباحث عن لمسة، ويُذكّر بأنّ الهندسة الداخلية تتطلّب عمقاً في النظرة والأفكار، وخَلْق مزاج فنّي خاص. يقول عبد الله بركة: «لا أريد للمرآة أن تتحلّى بدور واحد. ذلك حَدٌّ لها. المرايا هي الأشخاص. أي نحن حين تُرينا أشكالنا وصورنا. وهي انعكاس يمكن أن نشعر به، فإذا بإبهاره الجمالي المُعبَّر عنه في التصميم والكادر، يجَعْل ذلك الشعور متبادَلاً، فيُعدّل حالة نفسية أو يُغيّر نظرة تجهُّم. هذا فعلُ اللون حول المرآة وقالبها. بمجرّد أنها ليست تقليدية، يحدُث الأثر في الناظر».

يُطلق عبد الله بركة فكرةَ المرآة أبعد من وظيفتها الآلية (ذا ميرور بروجيكت)

لم تكن يسيرةً ولادة الغاليري. مخاضُها خليطٌ من إحباط ومحاولة. يعود إلى عام 2019 المفصلي في لبنان. كلّ شيء بدأ يتغيَّر، والمسارات تتّخذ شكل السقوط. لم يدرك مكانه في وطن شديد التقلُّب؛ مباغت، وطافح بالمفاجآت. يروي: «الفراغ كان مميتاً. أشغالٌ توقّفت ومشروعات تبخَّرت. أسوةً بشباب لبناني لمس انسداد الأفق، تراءى منزلي مساحة اختناق. في تلك اللحظة، هبَّ الأمل. اشتريتُ ألواناً ورحتُ أرسم، وصمَّمتُ أشكالاً بالطين، فلمحتُ طريقي».

لا يريد عبد الله بركة للمرآة أن تتحلّى بدور واحد (ذا ميرور بروجيكت)

من الضياع وجد الخطوة الأولى. صقل عبد الله بركة رغبته في النحت وطوَّر مهارته. أنجز الشكل وصبَّ ضمنه المرآة. أراد وضع حدّ لحقيقة أنّ غاليريهات المرايا الفنّية في بيروت نادرة. اليوم، ليس عليه أو على زملاء المهنة البحث الطويل عن مرآة مشتهاة: «تعدّدت أدوات صناعة المرايا وكثَّفتُ العمل. كلما سمعتُ إطراء أردتُ مزيداً منه. في الغاليري أعمالي وأعمال مصمّمين من أميركا وكندا وأفريقيا الجنوبية وتايلاند وهولندا وأوكرانيا... خلف مراياهم قصص. ثمة مرايا مصمَّمة بالأسيد المحروق، وأخرى بالزجاج المُطبَّع، وصنف تتداخل بكادراته ألوان مُبهِجة. ولمّا تعدَّدت أسفاري، تعرَّفتُ إلى مدارس التصميم خصوصاً في ألمانيا وإيطاليا، وتعمّقت في جَعْل هذا الشغف واقعاً. اليوم أقول: أنا شاب لبناني بلغ اليأس. فرغَ العالم من حولي. وشعرتُ بالأبواب الموصدة. ثم نهضت. استراتيجية التفكير تبدَّلت، وأصبحت المعادلة: الآن أو أبداً! انتظار الوقت المناسب يهدر العمر. كل لحظة هي وقتٌ مناسب».

تصطفّ على الجدران أشكالٌ جمالية تجذب العين (ذا ميرور بروجيكت)

أمضى شهراً ونصف شهر يُصمّم مرايا بأشكال خلّاقة حتى ساعات الليل المتقدّمة، استعداداً لإطلاق المعرض بعد تأخُّر فَرَضَه الظرف اللبناني. «4 مرايا علّقتُها على جدرانه قبل ربع ساعة من فَتْح الباب للحضور!»، يُكمل ضاحكاً. إحدى الزائرات رمت على مسمعه ما علَّم في أعماقه: «لم نكن نعلم أنّ هذه المرايا حاجة. متى أدخلناها إلى منازلنا أصبحت منّا». ومن كثافة الإقبال وحلاوة الأصداء، يُدرك أنه على السكّة التي نادته، أو ناداها؛ يمنحها كلَّه فتمنحه الإشباع الذاتي.

بعض المرايا بسيط يحوط به كادر يُجمِّل البساطة (ذا ميرور بروجيكت)

بعض المرايا بسيط، يحوط به كادر يُجمِّل البساطة. يتعامل عبد الله بركة مع تصاميمه بما يُبقي على الأساس، وهو المُتوقَّع من المرآة بوصفها زجاجاً يستجيب للانعكاسات؛ لكنه أساسٌ (Basic) لا يكتفي بنفسه، وإنما يتعدّاها إلى الغاية الجمالية والبُعد الفنّي ما دام الزجاج مقولباً بالألوان ومتداخلاً بإطار مُبتَكر. يرى في المرايا حكايات، وإنْ خلت صفحتها من أي شكل: «تُخبرني دائماً بأنّ المشاعر أصدق ما نملك. هي الدافع لنُنجز ما طال انتظاره. باستطاعتها تعويض غياب اللوحة عن الجدار. مشغولة بحبٍّ مماثل».