«الإطاريون»... من «حق المكون» إلى «التوافق»

على امتداد الأسابيع والأشهر التي تلت إعلان نتائج الانتخابات البرلمانية العراقية في أكتوبر (تشرين الأول) 2021، ظلت قوى «الإطار التنسيقي»، وهي قوى شيعية متحالف معظمها مع طهران تردد مقولة «حق المكون الشيعي الأكبر»، بهدف الإبقاء على تماسك القوى الشيعية الفائزة بنسب متفاوتة في الانتخابات، ضمنهم «التيار الصدري» المعارض لتوجهاتها، لإحكام قبضتها على منصب رئاسة الوزراء الذي يعد المنصب التنفيذي الأول في البلاد، مثلما حصل في جميع الدورات البرلمانية السابقة منذ 2005.
لتحقيق هذا الهدف، بنظر القوى الإطارية، كان يتحتم على القوى الشيعية، ومهما كانت الخلافات الدائرة بينها، التحالف لتشكيل الكتلة البرلمانية الأكبر داخل البرلمان المؤهلة لتشكيل الحكومة. لكن رياح الصدر بعد فوزه الأكبر برصيد (73 مقعداً) أتت على غير ما تشتهي تلك القوى، واختار زعيم التيار الصدري بدلاً من ذلك خيار «الأغلبية الوطنية» بديلاً عن «الأغلبية الطائفية»، وعمد إلى التحالف، كردياً، مع الحزب الديمقراطي الكردستاني بزعامة مسعود بارزاني، وسنياً مع تحالف «السيادة» السني الذي يهيمن عليه رئيس البرلمان محمد الحلبوسي.
حاول الصدر، السير منذ أشهر، بطريق وعرة أراد من خلاله (حسب تصريحاته) كسر تابوهات الاصطفاف الطائفي المحاصصي الذي تسبب بتشتيت البلاد وتراجعها على جميع المستويات منذ نحو عقدين من الزمن. في المقابل، التزمت قوى الإطار دون تراجع بمقولة «حق المكون الأكبر»، وحاولت مراراً إرغامه على ترك تحالفاته «الوطنية» والالتحاق بالعربة الطائفية المعتادة.
وسواء كان الصدر أراد فعلاً كسر القاعدة الطائفية القديمة، أو هي محاولة منه لإقصاء خصومه الشيعية للتفرد بقيادة البلاد، فإن ما يحسب إليه، أنه تمسك بذلك إلى آخر لحظة، بحيث أوعز لنوابه في البرلمان الانسحاب منه، وبمجرد طلب الصدر منهم ذلك، شاهد العراقيون والعالم ذلك الانسحاب الدراماتيكي وغير المسبوق للكتلة الصدرية من البرلمان في 6 يونيو (حزيران)، وما أعقبه من قبول رئيس البرلمان محمد الحلبوسي، لتلك الاستقالات، وصولاً إلى خروجهم النهائي والأخير من البرلمان في يوم 23 من الشهر ذاته.
كان يفترض أن يوفر انسحاب الصدر لخصومه الإطاريين فرصة نادرة للانفراد بتشكيل الحكومة، أو على الأقل هذا ما كان متوقعاً لوهلة، لكن حالة الهشاشة والتعقيد التي ارتبطت بالمشهد السياسي العراقي تدفع بكثير من المراقبين إلى الاعتقاد بأن الصدر ورط خصومه الإطاريين ولم يمنحهم سلطة تشكيل الحكومة، بالنظر لتمركزه الشديد داخل العملية السياسية منذ سنوات والدعم الواسع الذي يتمتع به من قبل أنصاره.
ومع الحمل الثقيل الذي وضعه الصدر على عاتق خصومه بعد خروجه من البرلمان، وجد «الإطاريون» أنهم بحاجة ماسة للتخلي عن شعار «حق المكون الأكبر»، لصالح مفهوم «التوافق» الذي يعني اشتراك جميع القوى السياسية في الحكومة، وهو مفهوم يواجه انتقادات شعبية واسعة منذ سنوات، لأنه يسمح بتوزيع مغانم السلطة على الجميع من دون اعتراض من أحد.