كييف تتهم موسكو بجرّ مينسك إلى الحرب وتطالب بـ«تكافؤ ناري» مع الروس

الأوكرانيون يصدون هجمات روسية على طريق إمدادات رئيسي لمدينة ليسيتشانسك «المحاصرة» بعد انسحابهم من سيفيرودونيتسك

أعمدة الدخان تتصاعد من ليسيتشانسك المحاصرة. وقال المسؤول في جمهورية لوغانسك الانفصالية إن الأمرسيستغرق نحو عشرة أيام أخرى لتأمين السيطرة الكاملة على المدينة (أ.ف.ب)
أعمدة الدخان تتصاعد من ليسيتشانسك المحاصرة. وقال المسؤول في جمهورية لوغانسك الانفصالية إن الأمرسيستغرق نحو عشرة أيام أخرى لتأمين السيطرة الكاملة على المدينة (أ.ف.ب)
TT

كييف تتهم موسكو بجرّ مينسك إلى الحرب وتطالب بـ«تكافؤ ناري» مع الروس

أعمدة الدخان تتصاعد من ليسيتشانسك المحاصرة. وقال المسؤول في جمهورية لوغانسك الانفصالية إن الأمرسيستغرق نحو عشرة أيام أخرى لتأمين السيطرة الكاملة على المدينة (أ.ف.ب)
أعمدة الدخان تتصاعد من ليسيتشانسك المحاصرة. وقال المسؤول في جمهورية لوغانسك الانفصالية إن الأمرسيستغرق نحو عشرة أيام أخرى لتأمين السيطرة الكاملة على المدينة (أ.ف.ب)

بعد يومين من انسحاب قواتها من سيفيرودونيتسك المدينة الاستراتيجية بمنطقة دونباس، دعت كييف الأميركيين وغيرهم من الداعمين لها، إلى تأمين تكافؤ ناري بين جيشها والجيش الروسي، واتهمت من جهة ثانية موسكو بدفع حليفتها بيلاروسيا للانخراط في الحرب ضدها، في حين سجلت للمرة الأولى منذ بدء الحرب في فبراير (شباط) الماضي، خشية بريطانية من ضغوط على أوكرانيا للقبول بتسوية مع موسكو لا تناسب مصالحها. ونقلت وكالتا «رويترز» والصحافة الفرنسية أمس (السبت)، عن القيادة العامة للاستخبارات الأوكرانية التابعة لوزارة الدفاع في كييف، أن موسكو تريد «جرّ» مينسك، الحليف الدبلوماسي لروسيا، إلى الحرب في أوكرانيا بعدما أعلنت صباحاً أن صواريخ روسية أُطلقت من أراضي بيلاروس المجاورة على بلدة أوكرانية. وأكدت أن «الضربة مرتبطة بشكل مباشر بالجهود التي يبذلها الكرملين لجرّ بيلاروس إلى الحرب في أوكرانيا». وأوضحت أن الصواريخ سقطت في منطقة تشيرنيهيف شرق كييف، وأن نحو عشرين صاروخاً استهدفت قرية ديسنا من الجوّ. وأضافت أن «بنى تحتية تضررت» من دون تحديد ما إذا كانت هذه عسكرية أم مدنية.
وجاءت هذه الضربة قبيل لقاء الرئيس الروسي فلاديمير بوتين ونظيره البيلاروسي ألكسندر لوكاشينكو في سان بطرسبرغ وزيارة مرتقبة لوزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف إلى بيلاروس الخميس المقبل. ومع أن بيلاروس لم تنخرط علناً ومباشرة في الحرب، فإنها قدّمت دعماً لوجيستياً للقوات الروسية، خصوصاً في الأسابيع الأولى من الغزو. وبسبب ذلك تستهدف العقوبات الغربية التي فُرضت على روسيا أساساً، بيلاروس التي يحكمها لوكاشينكو منذ 1994، باعتبارها طرفاً مشاركاً في النزاع.
إلى ذلك، قال القائد العام للقوات المسلحة الأوكرانية فاليري زالوجني على صفحته في «فيسبوك»، إنه شدد في اتصال هاتفي مع نظيره الأميركي الجنرال مارك ميلي «على ضرورة تحقيق التكافؤ في القوة النارية مع العدو»، مؤكداً أن ذلك «سيسمح لنا بتثبيت الوضع في منطقة لوغانسك التي تتعرض لأكبر تهديد». ولا تكف أوكرانيا عن المطالبة بمزيد من الأسلحة الثقيلة من حلفائها لمواجهة القوة الضاربة الروسية، خصوصاً في منطقة دونباس التي يسيطر الانفصاليون الموالون لروسيا على أجزاء منها منذ 2014 وتريد موسكو السيطرة عليها بالكامل.
وتتوقع كييف الآن هجمات جديدة على مدينة ليسيتشانسك المجاورة لسيفيرودونيتسك والمطوقة بشكل شبه كامل من القوات الروسية التي تسيطر يوماً بعد يوم على مزيد من الأراضي المحيطة بها... وعند مدخل ليسيتشانسك المحرومة جزئياً من الماء والغاز والكهرباء، كان جنود يحفرون خنادق. وقال بافلو كيريلينكو حاكم دونيتسك، المقاطعة الأخرى في دونباس، لوكالة الصحافة الفرنسية، إنه «ليست هناك أي مدينة» في المنطقة «آمنة» والمعارك التي تجري عنيفة جداً، فيما تحدث جندي عرّف عن نفسه باسمه الأول فولوديمير ويعمل أمام المستشفى العسكري، عن العدد الكبير من الجرحى الذين يتم إحضارهم من الجبهة منذ أسابيع. وقال إن «الرجال الذين أراهم هنا وطنيون جداً، ولن أقول إنهم وقود للمدافع. إنهم يمتلكون كل المقومات لكن تنقصهم الأسلحة». وقال فيتالي كيسيليف، المسؤول بوزارة الداخلية في جمهورية لوغانسك الشعبية الانفصالية، التي تعترف بها روسيا فقط، لوكالة «تاس» الروسية للأنباء، إن الأمر سيستغرق نحو عشرة أيام أخرى لتأمين السيطرة الكاملة على ليسيتشانسك.
وقال سيرغي غايداي، حاكم منطقة لوغانسك، إن القوات الروسية هاجمت المنطقة الصناعية في سيفيرودونيتسك، وحاولت أيضاً دخول ليسيتشانسك وحصارها يوم السبت. وقال غايداي على تطبيق «تليغرام»: «كانت هناك ضربات جوية على ليسيتشانسك. تعرضت سيفيرودونيتسك للقصف بالمدفعية»، مضيفاً أن مصنع آزوت للكيماويات في سيفيرودونيتسك وقريتي سينيتسكي وبافلوجراد وغيرهما، قد تعرض للقصف، وأنه تم إجلاء 17 شخصاً أمس من ليسيتشانسك.
وجاءت تصريحات غايداي أمس (السبت)، حول ليسيتشانسك، بعد 24 ساعة من إعلانه عن انسحاب القوات الأوكرانية من سيفيرودونيتسك. وقال إن سبب الانسحاب هو أنه «لم يعد من المنطقي البقاء في مواقع قصفت باستمرار لأشهر... وأصبحت المدينة مدمرة بشكل شبه كامل، وأن البنية التحتية الأساسية بأكملها دمرت و90 في المائة من المدينة تضررت و80 في المائة من المنازل يجب هدمها». وقال خاراتين ستارسكي، المسؤول الصحافي في لواء تابع للحرس الوطني الأوكراني، للتلفزيون أمس (السبت)، إن تدفق المعلومات حول الانسحاب من سيفيرودونيتسك قد تأخر لحماية القوات على الأرض. وقال ستارسكي: «خلال الأيام (العديدة) الماضية، أُجريت عملية لسحب قواتنا».
ويرى خبراء أن عمليات القصف المكثفة هذه أدت إلى إخضاع الجنود الأوكرانيين، لكن من دون أن تحدث بالضرورة تغييراً جذرياً للوضع على الأرض. وقال مسؤول عسكري فرنسي طالباً عدم كشف هويته، إن «الوحدات الأوكرانية منهكة وتكبدت خسائر فادحة، وبعضها تم تحييده بالكامل».
وكانت كييف أعلنت يوم الخميس الماضي، وصول أول أربع قاذفات صواريخ أميركية من طراز «هيمارس»، وهي أسلحة قوية تنتظرها القوات الأوكرانية بفارغ الصبر. وقالت إن «الصيف سيكون حاراً للمحتلين الروس». وسبق للجيش الأميركي أن حذر عند إعلانه عن إرسال هذه الأسلحة الثقيلة في بداية يونيو (حزيران)، من أنه يريد أن يتقن الجنود الأوكرانيون أولاً استخدام هذه المدفعية الدقيقة قبل شحن مزيد منها. لكن خبراء عسكريين يشيرون إلى أن مدى صواريخ «هيمارس» أكبر بقليل من مدى الأنظمة الروسية المماثلة، ما سيسمح للقوات الأوكرانية بضرب مدفعية العدو مع بقائها بعيدة عن مرمى أسلحته. وفي الأسابيع الأخيرة، استأنفت القوات الأوكرانية هجومها في الجنوب، في محاولة لاستعادة أراضٍ خسرتها منذ بداية الحرب في 24 فبراير (شباط) الماضي. ومنذ أيام كثفت روسيا هجومها على مدينة خاركيف الكبيرة في شمال شرقي البلاد.
إلى ذلك، قال رئيس الوزراء البريطاني بوريس جونسون، إنه يخشى أن تواجه أوكرانيا ضغوطاً للموافقة على اتفاق سلام مع روسيا لا يصب في مصلحتها، بسبب التداعيات الاقتصادية للحرب في أوروبا. وأضاف لمحطات إذاعية في العاصمة الرواندية كيجالي أثناء مشاركته في قمة مجموعة دول الكومنولث: «تقول دول كثيرة إن هذه حرب أوروبية غير ضرورية... وبالتالي فإن الضغط سيزداد لتشجيع، وربما إجبار، الأوكرانيين على (قبول) سلام سيئ». وأشار جونسون إلى أن عواقب نجاح الرئيس الروسي بوتين في شق طريقه بأوكرانيا ستكون خطرة على الأمن العالمي و«كارثة اقتصادية طويلة الأمد». ومن جهتها، كانت موسكو أعلنت أمس أيضاً، أنها قتلت «ما يصل إلى 80» مقاتلاً بولندياً في قصف استهدف شرق أوكرانيا. وقالت وزارة الدفاع الروسية في بيان، إنه قُتل «ما يصل إلى 80 من المرتزقة البولنديين ودُمرت 20 مركبة قتالية مصفّحة وثماني قاذفات صواريخ متعددة في ضربات عالية الدقة على مصنع زينك ميغاتيكس في كونستانتينوفكا» بمنطقة دونيتسك.


مقالات ذات صلة

مسؤول كبير: أوكرانيا ليست مستعدة لإجراء محادثات مع روسيا

أوروبا القوات الأوكرانية تقصف مواقع روسية على خط المواجهة في منطقة خاركيف (أ.ب)

مسؤول كبير: أوكرانيا ليست مستعدة لإجراء محادثات مع روسيا

كشف أندريه يرماك رئيس مكتب الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي في مقابلة أذيعت في وقت متأخر من مساء أمس (الخميس) إن كييف ليست مستعدة بعد لبدء محادثات مع روسيا.

«الشرق الأوسط» (كييف)
أوروبا عسكري أوكراني يحتمي أمام مبنى محترق تعرَّض لغارة جوية روسية في أفدييفكا (أ.ب)

قتال عنيف... القوات الروسية تقترب من مدينة رئيسية شرق أوكرانيا

أعلنت القيادة العسكرية في أوكرانيا أن هناك قتالاً «عنيفاً للغاية» يجري في محيط مدينة باكروفسك شرق أوكرانيا، التي تُعدّ نقطة استراتيجية.

«الشرق الأوسط» (كييف)
الولايات المتحدة​ تشمل المعدات المعلن عنها خصوصاً ذخيرة لأنظمة قاذفات صواريخ هيمارس وقذائف مدفعية (رويترز)

مساعدات عسكرية أميركية إضافية لأوكرانيا بقيمة 500 مليون دولار

أعلنت الولايات المتحدة أنها ستقدم معدات عسكرية تقدر قيمتها بنحو 500 مليون دولار لدعم أوكرانيا، قبل نحو شهر من تنصيب الرئيس المنتخب دونالد ترمب.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
أوروبا من جنازة جندي أوكراني توفي خلال الحرب مع روسيا (أ.ف.ب)

«الناتو»: مليون قتيل وجريح في أوكرانيا منذ بدء الحرب

أعرب حلف شمال الأطلسي (الناتو) عن اعتقاده بأن أكثر من مليون شخص سقطوا بين قتيل وجريح في أوكرانيا منذ شنّت روسيا غزوها الشامل في فبراير (شباط) 2022.

«الشرق الأوسط» (كييف)
أوروبا أظهرت الأقمار الاصطناعية أضراراً بمطار عسكري روسي في شبه جزيرة القرم جراء استهداف أوكراني يوم 16 مايو 2024 (أرشيفية - رويترز)

روسيا تتهم أوكرانيا بقصف مطار عسكري بصواريخ أميركية... وتتوعد بالرد

اتهمت روسيا أوكرانيا باستخدام صواريخ بعيدة المدى أميركية الصنع لقصف مطار عسكري، اليوم (الأربعاء)، متوعدة كييف بأنها ستردّ على ذلك عبر «إجراءات مناسبة».

«الشرق الأوسط» (موسكو)

إردوغان يتحدث عن «اتفاق تاريخي» بين إثيوبيا والصومال لإنهاء التوترات

TT

إردوغان يتحدث عن «اتفاق تاريخي» بين إثيوبيا والصومال لإنهاء التوترات

الرئيس التركي رجب طيب إردوغان متوسطا الرئيس الصومالي حسن شيخ محمود ورئيس الوزراء الإثيوبي أبيي أحمد في أنقرة بعيد انتهاء المحادثات (رويترز)
الرئيس التركي رجب طيب إردوغان متوسطا الرئيس الصومالي حسن شيخ محمود ورئيس الوزراء الإثيوبي أبيي أحمد في أنقرة بعيد انتهاء المحادثات (رويترز)

أعلن الرئيس التركي رجب طيب إردوغان أنّ الصومال وإثيوبيا توصلتا، أمس الأربعاء، في ختام مفاوضات جرت بوساطته في أنقرة إلى اتفاق "تاريخي" ينهي التوترات بين البلدين الجارين في القرن الأفريقي.

وخلال مؤتمر صحافي مشترك مع الرئيس الصومالي حسن شيخ محمود ورئيس الوزراء الإثيوبي أبيي أحمد في أنقرة، قال إردوغان إنّه يأمل أن يكون هذا "الاتفاق التاريخي الخطوة الأولى نحو بداية جديدة مبنية على السلام والتعاون" بين مقديشو وأديس أبابا.

وبحسب نص الاتفاق الذي نشرته تركيا، فقد اتّفق الطرفان على "التخلّي عن الخلافات في الرأي والقضايا الخلافية، والتقدّم بحزم في التعاون نحو رخاء مشترك". واتّفق البلدان أيضا، وفقا للنص، على العمل باتجاه إقرار ابرام اتفاقيات تجارية وثنائية من شأنها أن تضمن لإثيوبيا وصولا إلى البحر "موثوقا به وآمنا ومستداما (...) تحت السلطة السيادية لجمهورية الصومال الفدرالية". وتحقيقا لهذه الغاية، سيبدأ البلدان قبل نهاية فبراير (شباط) محادثات فنية تستغرق على الأكثر أربعة أشهر، بهدف حلّ الخلافات بينهما "من خلال الحوار، وإذا لزم الأمر بدعم من تركيا".

وتوجّه الرئيس الصومالي ورئيس الوزراء الإثيوبي إلى أنقرة الأربعاء لعقد جولة جديدة من المفاوضات نظمتها تركيا، بعد محاولتين أوليين لم تسفرا عن تقدم ملحوظ. وخلال المناقشات السابقة التي جرت في يونيو (حزيران) وأغسطس (آب) في أنقرة، أجرى وزير الخارجية التركي هاكان فيدان زيارات مكوكية بين نظيريه، من دون أن يتحدثا بشكل مباشر. وتوسّطت تركيا في هذه القضية بهدف حل الخلاف القائم بين إثيوبيا والصومال بطريقة تضمن لأديس أبابا وصولا إلى المياه الدولية عبر الصومال، لكن من دون المساس بسيادة مقديشو.

وأعرب إردوغان عن قناعته بأنّ الاتفاق الذي تم التوصل إليه الأربعاء، بعد ثماني ساعات من المفاوضات، سيضمن وصول إثيوبيا إلى البحر. وقال "أعتقد أنّه من خلال الاجتماع الذي عقدناه اليوم (...) سيقدّم أخي شيخ محمود الدعم اللازم للوصول إلى البحر" لإثيوبيا.

من جهته، قال رئيس الوزراء الإثيوبي أبيي أحمد، وفقا لترجمة فورية إلى اللغة التركية لكلامه "لقد قمنا بتسوية سوء التفاهم الذي حدث في العام الماضي... إثيوبيا تريد وصولا آمنا وموثوقا به إلى البحر. هذا الأمر سيفيد جيراننا بنفس القدر". وأضاف أنّ المفاوضات التي أجراها مع الرئيس الصومالي يمكن أن تسمح للبلدين "بأن يدخلا العام الجديد بروح من التعاون والصداقة والرغبة في العمل معا".

بدوره، قال الرئيس الصومالي، وفقا لترجمة فورية إلى اللغة التركية لكلامه إنّ اتفاق أنقرة "وضع حدا للخلاف" بين مقديشو وأديس أبابا، مشدّدا على أنّ بلاده "مستعدّة للعمل مع السلطات الإثيوبية والشعب الإثيوبي". وإثيوبيا هي أكبر دولة في العالم من حيث عدد السكان لا منفذ بحريا له وذلك منذ انفصلت عنها إريتريا في 1991.