المشهد

رحيل شيرلي

المشهد
TT

المشهد

المشهد

عندما عادت الممثلة شيرلي تمبل، التي توفيت في العاشر من هذا الشهر، إلى الشاشة سنة 1963 بفيلم عنوانه «الحب هو شيء كشظايا كثيرة» (Love is a Many- Splintered Thing)، شهدت عودتها تلك خمس حقائق. الأولى أنها كانت ابتعدت عن التمثيل في السينما منذ عام 1949، والثانية ‬أنها كانت بلغت الخامسة والثلاثين من العمر، والثالثة أن الفيلم كان رديئا، والرابعة أن دورها لم يكن بطوليا، والخامسة أن الفيلم لم يحقق نجاحا.
لكن شيرلي تمبل كانت معذورة. لقد كانت نجمة كبيرة، بل وكانت أشهر النجمات ما بين 1935 و1940. أي أنها بلغت تلك المرتبة وهي في السابعة من عمرها وحتى الثانية عشرة من العمر. أمر لم يحدث مثيله مع أي ممثلة (أو حتى ممثل) بالقدر ذاته. كانت بدأت التمثيل وهي في سن الخامسة (بفيلم «آخر وقفة لفتاة»)، وخلال السنوات المذكورة لعبت بطولة 19 فيلما. ثم مثلت ثلاثة عشر فيلما آخر من 1941 حتى 1949 قبل أن تغيب لتعود من جديد، وفي دور ثانوي هذه المرة، عودة غير موفقة.
مع ذلك، شيرلي تمبل كانت محظوظة. لجانب شهرتها الكبيرة وهي لا تزال طفلة فإن السينما لم تهملها أول ما أصبحت ممثلة شابة. الإهمال حدث لاحقا بعدما تخطت العشرين من العمر. هنا تساوى مصيرها مع مصير العديد من الممثلين والممثلات الذين لعبوا أدوارهم الرئيسة خلال طفولتهم، وقبل سنوات البلوغ، ثم توقف الطلب عليهم بعد ذلك. لكن في سنوات نجوميتها لم تجارها أي ممثلة أخرى. كانت تتسلم من رسائل المعجبين أسبوعيا أكثر مما تتسلمه غريتا غاربو. أيامها كان كلارك غيبل النجم الراشد الأول، لكنه كان ثانيا، وبمسافة ملحوظة، بحسبان كل الممثلين.
في سن الثانية والعشرين أصبحت من أهم مروجي الحزب الجمهوري وجامعة تبرعات له. وانخرطت في السياسة أكثر عندما عينها الرئيس جيرالد فورد سفيرة للولايات المتحدة لدى غانا (ما بين 1974 و1976)، وبعد ذلك عينها فورد رئيسة «البروتوكول» في البيت الأبيض حتى عام 1977 عندما عادت للسلك الدبلوماسي عندما عينها جورج بوش الأب سفيرة لدى دولة تشيكوسلوفاكيا سنة 1989.
بذلك تكون الفتاة الصغيرة ذات الوجه البريء والروح القوية وجدت ما تعمله بعيدا عن السينما والتمثيل، ربما من باب أن نجوميتها خفّت عندما تحولت من فتاة إلى امرأة. تلك الذاكرة لدى الجمهور، خصوصا في الأربعينات والخمسينات، كانت عاطفية تريد الأشياء والوجوه كما هي بلا تغيير.
للمناسبة، هناك ممثل مسن آخر بدأ ولدا صغيرا وعرف نجاحا طيبا لازمه لعقود. على العكس من شيرلي تمبل، لا يزال حيا يرزق. إنه ميكي روني الذي ولد سنة 1920 مما يجعله في الرابعة والتسعين حاليا. آخر مرة شاهدته فيها كانت قبل خمس سنوات، حين أممت عرضا خاصا لفيلم في أكاديمية العلوم والفنون السينمائية ودخل مع مساعدته ليجلسا على مقربة. في العام الماضي شوهد في فيلم تشويقي لجانب فرانكو نيرو بعنوان «الغابات». كان لا يزال يستطيع تقديم أداء لا بأس به.



شاشة الناقد: تضحيات صحافيين وانتهاكات انظمة

 «موعد مع بُل بوت» (سي د ب)
«موعد مع بُل بوت» (سي د ب)
TT

شاشة الناقد: تضحيات صحافيين وانتهاكات انظمة

 «موعد مع بُل بوت» (سي د ب)
«موعد مع بُل بوت» (سي د ب)

RENDEZ‪-‬VOUS AVEC POL‪-‬POT ★★★

* إخراج: ريثي بَنه (فرنسا/ كمبوديا)

يأتي فيلم «موعد مع بُل بوت» في وقت تكشف فيه الأرقام سقوط أعداد كبيرة من الصحافيين والإعلاميين قتلى خلال تغطياتهم مناطق التوتر والقتال حول العالم. ويُذكّر الفيلم أن الصحافة في تاريخها العريق، دائماً ما وجدت نفسها أمام مسؤوليات وتحديات عديدة. في هذا الفيلم الذي أخرجه ريثي بَنه عن الأحداث التي عصفت في بلاده سنة 1978 اقتباسات عن كتاب الصحافية إليزابيث بَكَر (Becker) وعن تجربتها بصفتها واحدة من 3 صحافيين دُعوا لمقابلة بُل بوت، رئيس وزراء كمبوديا وأحد قادة منظمة «الخمير الحمر» (Khmer Rouge) المتهمة بقتل ما لا يقل عن مليون و500 كمبودي خلال السبعينات. الصحافيان الآخران هما الأميركي ريتشارد دودمان، والأسكوتلندي مالكوم كالدويل.

لا يبدو أن المخرج اتّبع خُطى الكتاب كاملةً بل تدخّل بغايةِ ولوج الموضوع من جانب الحدث الذي وضع حياة الثلاثة في خطر بعدما جاءوا للتحقيق ومقابلة بُل بوت. في الواقع دفع الأميركي حياته ثمناً لخروجه عن جدول الأعمال الرسمي والتقاطه صوراً تكشف عن قتلٍ جماعي. وفي الفيلم لحظة مختصرة لكنها قاسية التأثير عندما يَلقى الصحافي حتفه غرقاً في نهر دُفع إليه.

الفرنسية إيرين جاكوب التي تؤدي شخصية الكاتبة بَكَر تُعايش بدورها الوضع بكل مأساته. تُفصل عن زميلها ولم تعد تعرف عنه شيئاً، وتمر بدورها بتجربة مخيفة لم تكن تعلم إذا ما كانت ستخرج منها حية.

في باطن هذا الفيلم الجيد على تواضع إنتاجه، تُطرح أسئلة فيما إذا كان الصحافي يستطيع أن يقبل التحوّل إلى جزءٍ من البروباغاندا. وهل هو أداة لنقل الرأي الرسمي بغياب حرية التعبير؟ وماذا لو فعل ذلك وماذا لو لم يفعل؟

هو ليس بالفيلم السّهل متابعته من دون معرفة ذلك التاريخ ودلالاته حول العلاقة بين النُّظم الفاشية والإعلام. والحرية التي لا تُمنح لصحافيين محليين هي نفسها التي لا تُمنح كذلك للأجانب ما دام عليهم نقل ما يُقال لهم فقط.

* عروض: موسم الجوائز ومهرجان «آسيا وورلد فيلم فيستيڤال».

‪THE‬ WRESTLE‪R‬ ★★

* إخراج: إقبال حسين شودهوري (بنغلاديش).

يقترب الرجل المسن موجو (ناصر أودين خان) وسط أشجار ليست بعيدة عن شاطئ البحر وينتقل من واحدة لأخرى ماداً يديه إليها كما لو كان يريد أن يدفعها بعيداً أو أن يُزيحها من مكانها. ومن ثَمّ يتركها ويركض صوب أخرى ليقوم بالفعل نفسه قبل أن يعود إليها. يبعث هذا المشهد على تكراره سخرية غير مقصودة. قد تكون طريقة قديمة لممارسة تمارين المصارعة أو التدريب الوحيد المُتاح في تلك القرية، لكن موجو جادٌ في محاولته لدفع الأشجار إلى الخلف أو تغيير مواقعها، استعداداً لملاقاة مصارع أصغر منه سنّا وأكبر حجماً في المباراة المقبلة.

«المصارع» (أبلبوكس فيلمز)

هناك كثير مما يتأمله المخرج شودهوري بطيئاً قبل تلك المباراة وما بعدها. بعضُ المشاهد لديها نسبة معقولة من الشِّعر الناتج عن تصوير الطبيعة (ماء، أشجار، حياة... إلخ) وبعضها الآخر لا يفضي إلى تقدير خاص. في نصف الساعة الأولى يعكس المخرج شغفاً ما بتصوير شخصياته من الخلف. عندما يتخلى المخرج عن هذه العادة لاحقاً، يستبدل بتلك اللقطات سلسلة من المشاهد البعيدة عن شخصياته في الغالب. هنا يتحسّن تأطير اللقطات على نحوٍ نافع ولو أن شغله على الدراما يبقى غير ذي مكانة.

يطرح الفيلم مشكلة رجلٍ لا يريد الاعتراف بالواقع ويتحدى من هو أكثر قوّة منه. يحقّق طموحه بلقاء المصارع الآخر ويخفق في التغلب عليه. في الواقع يسقط أرضاً مغشياً ومن ثمّ نراه لاحقاً في بيت العائلة قبل أن يعود إلى تلك الأشجار ليصارعها. المخرج (ثاني فيلم له) طموح، لكن أدواته التّعبيرية وإمكانياته التي تفرض نفسها على السيناريو وحجم الفيلم بأسره، محدودة.

* عروض: موسم الجوائز ومهرجان «آسيا وورلد فيلم فيستيڤال».

ONE OF THOSE DAYS WHEN HEMME DIES ★★★

* إخراج: مراد فرات أوغلو (تركيا).

قرب نهاية الفيلم يبدأ الشاب أيوب مراجعة ما مرّ به طوال اليوم. لقد انطلق غاضباً من المُشرِف على العمل عندما شتم أمّه. يعمل أيوب في حقلٍ لتجفيف الطاطم. ويعرف المخرج كيف يوظّف المكان، درامياً (سهل منبطح تحت شمس حامية وصعوبة العمل)، وجمالياً (تلك الثمار المقطوعة إلى نصفين والملقاة فوق شراشف على مد النظر).

«أحد تلك الأيام التي مات فيها هيمي» (مهرجان مراكش)

نقطة الخلاف أن أيوب يُطالب بأتعابه، لكن المُشرف على العمل لم يتقاضَ المال بعد ليدفع له، مما يؤجّج غضب أيوب فينشب شجار بينهما. يركب دراجته النارية وينطلق صوب بلدته. في منزله مسدسٌ سيتسلّح به وفي البال أن يعود لينتقم. معظم الفيلم هو رحلة على الدراجة التي تتعطل مرّتين قبل إصلاحها عند المساء. الأحداث التي تقع على الطريق وفي القرية الصغيرة تُزيّن الموضوع بشخصيات تدخل وتخرج من الحدث الرئيسي الماثل. في أحد هذه الأحداث الثانوية يُساعد أيوب رجلاً عجوزاً اشترى بطيخة ولا يستطيع حملها، فيوصله والبطيخة إلى داره. وفي مشهد آخر يستمع لتوبيخ زوج شقيقته لأنه كان عرض عليه العمل في شركته ورفض. لا يقول لنا الفيلم لماذا رفض ما ينتقص من بنية الموضوع وأسباب عزوف أيوب على تنفيذ وعده لنفسه بالانتقام.

اعتمد المخرج هذين المشهدين وسواهما لملء الوقت الممتد بين عزم أيوب على الانتقام وعزوفه عن ذلك. لكنه هذه المشاهد ضرورية رغم أن الفيلم ينتهي من دون أن يبني حجة دامغة لقرار أيوب النهائي. هذا الفيلم دراما مصوّرة جيداً ومكتوبة بدراية، رغم الهفوات المذكورة.

* عروض حالياً في مهرجان «مراكش»

★ ضعيف | ★★: وسط| ★★★: جيد | ★★★★ جيد جداً | ★★★★★: ممتاز