يبدو أن العالم حاليا في وسط خطوات جادة لإعادة رسم خريطة توزيع الطاقة على المستوى الدولي، وذلك مع محاولات تفعيل قيود أوسع نطاقا على صادرات الطاقة الروسية من نفط وغاز، ما يفرض على الغرب البحث عن مصادر بديلة، وعلى موسكو البحث عن أسواق جديدة، فيما تسعى بعض القوى المنسية للبحث عن دور تحت الشمس.
وبينما ظهرت قطر كبديل قوي لتعويض الغاز الروسي، تعتزم الدوحة التمسك بشرط توقيع عقود طويلة المدى تصل إلى 20 عاما لتصدير الغاز الطبيعي المسال إلى الاتحاد الأوروبي، وهي الخطوة التي ستعرقل جهود الاتحاد لخفض الانبعاثات الكربونية، في الوقت الذي يحاول فيه تقليص اعتماده على إمدادات الغاز الطبيعي من روسيا.
ونقلت وكالة بلومبرغ للأنباء عن مصادر مطلعة القول إن قطر وهي أحد أكبر مصدري الغاز الطبيعي في العالم ستطالب دول الاتحاد بتوقيع عقود طويلة المدى لشراء الغاز القطري، في حين تقول دول الاتحاد إنها ترغب في توقيع عقود أقصر مدى، حتى تحقق أهدافها بشأن خفض الانبعاثات الكربونية.
وأضافت المصادر أن توقيع ألمانيا عقدا لشراء الغاز الطبيعي المسال من الولايات المتحدة لمدة 20 عاما، زاد من تمسك قطر بطلب توقيع عقود طويلة المدى. ويقول الأوروبيون إن قطر تعرض شروطا متشددة للغاية لا تتيح للمشترين أي قدرة على تغيير الإمدادات، على عكس العقود الأميركية، وهو ما أدى إلى وصول المحادثات بشأن مدة العقود القطرية إلى طريق مسدود منذ مارس (آذار) الماضي، بحسب المصادر.
- البحث عن أسواق
ومن جهة أخرى، أفادت بيانات رفينيتيف إيكون ومصادر بأن روسيا تزيد إمدادات البنزين والنفتا إلى أفريقيا والشرق الأوسط في ظل ما تواجهه من صعوبة في بيع الوقود في أوروبا، بينما تستقبل آسيا بالفعل كميات أكبر من الخام الروسي.
ومن المرجح أن يؤدي هذا التطور إلى زيادة التنافس على العملاء الآسيويين بين روسيا ومصدري الوقود الكبيرين الآخرين، وهما السعودية والولايات المتحدة، إذ إن الدول الثلاث هي أكبر الموردين لآسيا. ويقلص الاتحاد الأوروبي ببطء وارداته من الخام والوقود الروسيين منذ مارس، ووافق على حظرهما بشكل كامل بحلول نهاية عام 2022.
وسارع مشترون آسيويون بزيادة مشترياتهم من الخام الروسي، رغم أن آسيا ليست سوقا معتادة للوقود الروسي لأنها تكرر نفطا أكثر مما تحتاجه وهي مُصدر صاف للوقود. ويجعل هذا العثور على أسواق جديدة مثل أفريقيا والشرق الأوسط أمرا بالغ الأهمية بالنسبة لموسكو لحماية حصتها في السوق العالمية، وتفادي انخفاض أكبر في إنتاج وصادرات النفط.
وقال تاجر يشارك في تجارة المنتجات النفطية الروسية لـ«رويترز»: «يبدو أن أفريقيا والشرق الأوسط هما الخياران الرئيسيان لموردي المنتجات النفطية الروسية، لذا نتوقع المزيد من الشحنات إلى هناك في النصف الثاني من العام مع اقتراب حظر الاتحاد الأوروبي».
وصدرت موسكو أكثر من 2.5 مليون برميل يوميا من الخام ونحو مليوني برميل يوميا من الوقود إلى أوروبا قبل فرض عقوبات على القطاع المالي الروسي، مما جعل التجارة أصعب بكثير.
وقال متعاملون إن شركات النفط الروسية زادت في الآونة الأخيرة إمداداتها من البنزين والنفتا إلى أفريقيا والشرق الأوسط من دول البلطيق. وقبل العقوبات، كانت معظم الإمدادات الروسية إلى هناك تأتي من موانئ البحر الأسود.
وتم توريد ما لا يقل عن خمس شحنات تضم نحو 230 ألف طن من البنزين والنفتا في الفترة من مايو (أيار) إلى يونيو (حزيران) من ميناء أوست لوجا على بحر البلطيق إلى سلطنة عمان وإلى مركز الفجيرة النفطي بالإمارات، وفقا لبيانات رفينيتيف.
وأظهرت البيانات أن إجمالي إمدادات النفتا والبنزين من الموانئ الروسية إلى عُمان والإمارات بلغ قرابة 550 ألف طن هذا العام مقارنة مع صفر في عام 2021 بأكمله. وأفادت بيانات رفينيتيف إيكون وتجار بأن نيجيريا والمغرب كانتا وجهتين رئيسيتين في أفريقيا للبنزين والنفتا الروسيين في الأشهر القليلة الماضية، بينما تم توريد عدة شحنات إلى السنغال والسودان وساحل العاج وتوغو.
وأظهرت بيانات رفينيتيف إيكون أن إجمالي الإمدادات الشهرية الروسية من البنزين والنفتا إلى المنطقة بلغ نحو 200 ألف طن خلال الأشهر القليلة الماضية، بما يشمل كميات مشحونة من مستودعات التخزين في موانئ لاتفيا وإستونيا.
وأظهرت بيانات رفينيتيف وحسابات «رويترز» أن شحنات الديزل الروسية إلى الدول الأفريقية وصلت إلى مليون طن منذ بداية العام، ارتفاعا من 0.8 مليون طن في الفترة من يناير (كانون الثاني) حتى يونيو 2021، وأن السنغال وتوغو وجهتان رئيسيتان.
وكانت واردات زيت الوقود الروسي إلى الفجيرة، مركز النفط الإماراتي، قد قفزت بشكل حاد في مايو. وقال تجار إنه رغم ارتفاع تكاليف الشحن، فإن إمداد أفريقيا والشرق الأوسط بمنتجات النفط الروسية يساعد شركات التجارة على الحفاظ على هوامش ربح، إذ إن خيارات إعادة بيع المنتجات النفطية في أوروبا أصبحت محدودة بسبب العقوبات.
وقال مصدر في السوق منخرط في تجارة المنتجات النفطية الروسية «صحار (في عمان) والفجيرة (في الإمارات) يمكنهما تقديم قدرات تخزين ومزج لكل هذه البراميل مع بدء الموانئ الأوروبية رفض المنتجات النفطية الروسية».
- أدوار جديدة
وفي نطاق آخر، تبحث دول جديدة عن دور في عالم الطاقة، وقال وزير النفط الموريتاني يوم الخميس إن عزوف أوروبا عن شراء الغاز الروسي يوفر سوقا جاهزة لمشروع ضخم يجري تطويره في غرب أفريقيا. وأضاف الوزير عبد السلام ولد محمد صالح خلال منتدى الطاقة الأفريقي في بروكسل: «خلال عشرة أعوام من الآن وحتى 2030 الأولوية هي لاستكشاف كافة إمكانيات البلاد فيما يتعلق بالغاز».
وأضاف «فتحت الأسعار في الآونة الأخيرة المجال لموريتانيا والسنغال وبلدان أفريقية أخرى لتصدير المزيد من الغاز إلى أوروبا». وتابع أن «أوروبا بحاجة لتنويع مصادر إمداداتها، لذلك يتعين ألا نضيع هذه الفرصة الرائعة». وقال إن مشروع «أحميم» البحري للغاز الذي تديره بي بي، ويمتد بين موريتانيا والسنغال سيبدأ الإنتاج في ديسمبر (كانون الأول) 2023.