مطعم «سحلول».. أكل البيت الشامي

احتفل بعيده الماسي بعد إغلاق 4 سنوات

مطعم «سحلول».. أكل البيت الشامي
TT

مطعم «سحلول».. أكل البيت الشامي

مطعم «سحلول».. أكل البيت الشامي

قبل 75 عامًا انطلق مطعم «سحلول» في سوق الدرويشية قرب باب الجابية، بدمشق القديمة، الذي خصصه صاحبه سعيد سحلول لتقديم الوجبات الشامية، خصوصا «الفتّات»، ومنها بشكل أخص فتات المقادم واللسانات، ولكن، ومع تأسيس سوق السنجقدار في خمسينات القرن الماضي، وهو المتفرع من ساحة المرجة الشهيرة بوصفه أهم سوق دمشقي تخصصت محلاته ومبانيه بالمطاعم والفنادق، قام أبناء سعيد بنقل مطعمهم إليه في عام 1956 ليستقبل زبائنه الباحثين عن ألذ وجبات الفتات الشامية والطبخ الشامي التقليدي.
ومع بداية الأحداث السورية قبل أربع سنوات، اضطر أصحابه لإغلاقه مع اشتداد الأزمة والحرب، ولكنهم، وقبل نحو شهر، أعادوا افتتاحه من جديد، محتفين بعيده الماسي وبديكور متميز مستوحى من العناصر المعمارية الدمشقية؛ حيث هناك الزخارف الهندسية والنباتية على الجدران الرخامية، وعلى الأسقف التي تتدلى منها الثريات التراثية المصنعة يدويًا والبحرات أو الفسقيات المصنعة من الرخام المشقف الدمشقي، والتي تعطي المكان حميمية. ولكن مع ديكوره الدمشقي، حرص أصحابه على الاستمرار بتميزهم في تقديم وجبات المطبخ الشامي مع بعض مفردات المطبخ الحلبي وتلك التي تتشابه بين المطبخين كالكبب والكبة والمشاوي بأنواعها المختلفة.
يوضح أحمد سحلول (أبو نضال) أحد أصحاب المطعم الأشقاء لـ«الشرق الأوسط»: «يتسع مطعمنا لنحو 150 شخصًا، وهو من طابقين. كنا نفتح قبل الأزمة 24/ 24 ساعة؛ أي لا نغلق المطعم مطلقا، ولكننا حاليًا وبسبب الظروف الراهنة نفتحه من 7 صباحًا وحتى الساعة 11 ليلاً، ونقدم فيه كل مفردات المطبخ الشامي، خصوصا الوجبات التي يشعر معها الزبون كأنها معدّة في منزله، كالأرز المطبوخ مع الفاصولياء والبامياء والبازلاء المطهية مع الطماطم، أو الأرز بالبازلاء مع المكسرات والجزر، والموزات باللبن، والموزات المحمرة، والجدي بالزيت و(مفركة البطاطا)، ومفركة الفول، ومنزلة الباذنجان، ومنزلة الزهرة (القرنبيط)، والكوسا باللبن وكوسا شيخ وكوسا حشي.. وغير ذلك. كذلك نقدم جميع أنواع الكبب، ومنها الكبة اللبنية والمبرومة والمشوية وغيرها، وهناك السجقات والفتات الشامية مثل فتة المقادم والدجاج والنخاعات والفتة باللحمة، وهي التي تميّز مطعمنا».

المطعم والمشاهير

ولأنّ المطعم تميّز بالفتات الشامية ومفردات المطبخ الدمشقي، فقد جذب إليه مشاهير الفن، خصوصا المصريين واللبنانيين عندما كانوا في النصف الثاني من القرن الماضي يزورون دمشق لتصوير الأفلام السينمائية أو المشاركة في المهرجانات الفنية السينمائية والغنائية التي كانت تقام على مسرح معرض دمشق الدولي سنويًا، ويؤكد صاحبه (أبو نضال) أن هناك كثيرا من هؤلاء تناولوا الفتات في مطعمه، ومنهم: فريد شوقي ونور الشريف وإلهام شاهين وعمر خورشيد ومجدي الحسيني ونجاح سلام ونزهة يونس وإحسان صادق وفيلمون وهبة وعاصي الرحباني.. وآخرين.
ويتذكر أبو نضال موقفا حدث في بداية تسعينات القرن الماضي، وهو أن أحد زوار دمشق من أمراء الخليج كان مقيمًا في فندق «شيراتون».. «لقد فوجئت به في مطعمنا مع مرافقيه، وكانت الساعة تشير للواحدة ظهرًا، وطلب منا الفتات الشامية، ولكننا في العادة نوقف تقديم وجبات الفتات في الثانية عشرة ظهرًا؛ كونها تقدّم للزبائن الراغبين بتناول الفطور في مطعمنا، فقمنا بإعدادها من جديد له ولمرافقيه».
المطعم المصنّف سياحيًا بثلاث نجوم، يحرص، ومنذ افتتاحه قبل تسعين عامًا، على تمييز رواده إلى من يريد تناول الفطور، أو الغداء، أو العشاء؛ فيقدّم لكل منهم ما يناسب الوقت وما يقدّمه المطبخ الشامي في هذا المجال، فعلى الفطور، ويسميها أصحابه (ترويقة الصباح)، يمكن للزبون أن يتناول فتات: الحمّص باللحمة - الدجاج - المقادم - لسان - نخاع سلطة أو مقلي، وكذلك الحمص باللحمة والحمّص حب بالزيت، أو باللبن، والبيض المقلي باللحمة، والفول بالزيت أو اللبن. وفي الغداء يمكنه تناول الشوربات مثل شوربة العدس والشعيرية وغيرهما، ومختلف أنواع المقبلات كالكشكة والسلطات مع الوجبة الرئيسية، وهي من أكلات المطبخ الشامي التراثية؛ كالفريكة باللحم أو الدجاج، والمقلوبة بالباذنجان، وكواج البطاطا، والملوخية بالدجاج، أو باللحمة المحضّرة بالطريقة الشامية، وورق العنب، والسجقات، ولحم ريش الغنم، والسودة، وكلاوي بيض غنم، وشرحات مطفاية، وموزات باللبن، أو الصلصة.. وغيرها، وبالتأكيد هناك لمن يرغب المشاوي بمختلف أنواعها واللحومات والفراريج المسحبة والمشوية والأسماك وغير ذلك. وعلى العشاء، يمكن للزبون تناول الفتّات الشامية العريقة مثل الفتة بالسمن البلدي والصنوبر أو الفستق الحلبي والتسقية، أو العشاء الشامي البيتي التقليدي؛ حيث الزيتون واللبنة والجبنة والمكدوس.
وإذا كنت ممن يرغبون في تناول الحلويات بعد الوجبات، فستجد في المطعم منها الحلويات الدمشقية المعروفة، ككشك الأمراء والمحلاية والرز بحليب وبوظة الإيما (الآيس كريم) الدمشقية وغيرها، وهناك أيضا العصائر الطبيعية وفواكه الموسم.

العنوان: دمشق- سنجقدار - مرجة.



المؤثرة «ماما الطبّاخة» نموذج للمرأة العربية العصامية

تقول إن مهنتها صعبة وتصلح للرجال أكثر من النساء (ماما طباّخة)
تقول إن مهنتها صعبة وتصلح للرجال أكثر من النساء (ماما طباّخة)
TT

المؤثرة «ماما الطبّاخة» نموذج للمرأة العربية العصامية

تقول إن مهنتها صعبة وتصلح للرجال أكثر من النساء (ماما طباّخة)
تقول إن مهنتها صعبة وتصلح للرجال أكثر من النساء (ماما طباّخة)

تلتصق بالأرض كجذور شجرة منتصبة تصارع العواصف بصلابة بانتظار الربيع. زينب الهواري تمثل نموذجاً للمرأة العربية المتمكنّة. فهي تطهو وتزرع وتحصد المواسم، كما تربّي طفلتها الوحيدة المقيمة معها في إحدى البلدات النائية في شمال لبنان. غادرت زينب بلدها مصر وتوجّهت إلى لبنان، ملتحقة بجذور زوجها الذي رحل وتركها وحيدة مع ابنتها جومانا. تركت كل شيء خلفها بدءاً من عملها في وزارة الثقافة هناك، وصولاً إلى عائلتها التي تحب. «كنت أرغب في بداية جديدة لحياتي. لم أفكّر سوى بابنتي وكيف أستطيع إعالتها وحيدة. أرض لبنان جذبتني وصارت مصدر رزقي. هنا كافحت وجاهدت، وعبر وسائل التواصل الاجتماعي رحت أنشر ما أقوم به. توسّع جمهوري ليطول الشرق والغرب. اليوم تنتظرني آلاف النساء كي يتعلمّن مني وصفة طعام لذيذة. وكذلك يكتسبن من منشوراتي الإلكترونية كيفية تحضير المونة من موسم لآخر».

"ماما الطبّاخة" تزرع وتسعد بحصاد موسم الخرشوف (ماما طباّخة)

تروي زينب لـ«الشرق الأوسط» قصة حياتها المليئة بمواقف صعبة. «كانت ابنة أختي التي رحلت في زمن (كورونا) هي ملهمتي. قبلها كنت أجهل كيف أتدبّر أمري. فتحت لي حساباً إلكترونياً، ونصحتني بأن أزود المشاهدين بوصفات طعام. وانطلقت في مشواري الجديد. لعلّ جارتي أولغا هي التي لعبت الدور الأكبر في تقدمي وتطوري. علّمتني طبخات لبنانية أصيلة. كما عرّفتني على أنواع المونة اللبنانية اللذيذة. كل ما أقوم به أصنعه من مكونات طبيعية بعيداً عن أي مواد كيمائية. أزرع وأحصد وأطهو على الحطب. أعيش بسلام في قرية نائية مع ابنتي. هنا اكتشفت معنى الحياة الهانئة والحقيقية».

تحب تحضير الطعام كي تسعد الناس حولها (ماما طباّخة)

قصتها مع الطبخ بدأت منذ كانت في الـ13 من عمرها. «كانت والدتي تعمل فأقوم بمهام المطبخ كاملة. صحيح أنني درست الفنون الجميلة، ولكن موهبة الطهي أسرتني. في لبنان بدأت من الصفر عملت في مطعم وتابعت دورات مع شيف عالمي. اكتسبت الخبرة وتعلّمت أصول المطبخ الإيطالي والصيني. ولكنني عشقت المطبخ اللبناني وتخصصت به».

تصف حياتها بالبسيطة وبأنها تعيش ع «البركة» كما يقولون في القرى اللبنانية. وعن منشوراتها تقول: «أحضّر الطبق مباشرة أمام مشاهديّ. وكذلك أي نوع مونة يرغبون في تعلّم كيفية تحضيرها. أمضي وقتي بين الأرض والحصاد والطبخ. أجد سعادتي هنا وبقربي ابنتي التي صارت اليوم تفضّل الاعتناء بالدجاج وقطف المحصول على أن تنتقل إلى بيروت. إنها ذكية وتحقق النجاح في دراستها. أتمنى أن تصل إلى كل ما تحلم به عندما تكبر. فكل ما أقوم به هو من أجل عينيها».

مع ابنتها جومانا التي تساعدها في تحضير منشوراتها الإلكترونية (ماما طباّخة)

وعن سرّ أطباقها اللذيذة ووصفاتها التي وصلت الشرق والغرب تقول: «أحب عملي، والنجاح هو نتيجة هذا الحبّ. لطالما كنت أبحث عما يسرّ من هم حولي. ومع الطبق اللذيذ والشهي كنت أدخل الفرح لمن يحيط بي. اليوم كبرت دائرة معارفي من الجمهور الإلكتروني، وتوسّعت حلقة الفرح التي أنثرها. وأسعد عندما يرسلون إلي نجاحهم في وصفة قلّدونني فيها. برأيي أن لكل ربّة منزل أسلوبها وطريقتها في تحضير الطعام. وأنصح النساء بأن تحضّرن الطعام لعائلتهن بحبّ. وتكتشفن مدى نجاحهن وما يتميّزن به».

لقبها «ماما الطبّاخة» لم يأتِ عن عبث. وتخبر «الشرق الأوسط» قصّتها: «كانت جومانا لا تزال طفلة صغيرة عندما كان أطفال الحي يدعونها لتناول الطعام معهم. ترفض الأمر وتقول لهم: سأنتظر مجيء والدتي فماما طباخة وأحب أن آكل من يديها. وهكذا صار لقب (ماما الطباخة) يرافقني كاسم محبب لقلبي».

ببساطة تخبرك زينب كيف تزرع وتحصد الباذنجان لتحوّله إلى مكدوس بالجوز وزيت الزيتون. وكذلك صارت لديها خبرة في التعرّف إلى الزعتر اللذيذ الذي لا تدخله مواد مصطنعة. حتى صلصة البيتزا تحضّرها بإتقان، أمام كاميرا جهازها المحمول، وتعطي متابعيها النصائح اللازمة حول كيفية التفريق بين زيت زيتون مغشوش وعكسه.

تحلم زينب بافتتاح مطعم خاص بها ولكنها تستدرك: «لا أملك المبلغ المالي المطلوب، إمكانياتي المادية بالكاد تكفيني لأعيل ابنتي وأنفّذ منشوراتي الإلكترونية. فشراء المكونات وزرع المحصول وحصاده والاعتناء بالأرض عمليات مكلفة مادياً. والأهم هو تفرّغي الكامل لعملي ولابنتي. فأنا لا أحب المشاركة في صبحيات النساء وتضييع الوقت. وعندما أخلد إلى النوم حلم واحد يراودني هو سعادة ابنتي».

مؤخراً صارت «ماما الطبّاخة» كما تعرّف عن نفسها على صفحة «تيك توك»، تصدّر المونة اللبنانية إلى الخارج: «زبائني يتوزعون على مختلف بقاع الأرض. بينهم من هو موجود في الإمارات العربية والسعودية ومصر، وغيرهم يقيمون في أستراليا وأوروبا وأميركا وبلجيكا وأوكرانيا. أتأثر إلى حدّ البكاء عندما ألمس هذا النجاح الذي حققته وحدي. واليوم صرت عنواناً يقصده كل من يرغب في الحصول على منتجاتي. وأحياناً سيدة واحدة تأخذ على عاتقها حمل كل طلبات جاراتها في بلاد الاغتراب. إنه أمر يعزيني ويحفزّني على القيام بالأفضل».

لا تنقل أو تنسخ زينب الهواري وصفات طعام من موقع إلكتروني أو من سيدة التقتها بالصدفة. «أتكّل على نفسي وأستمر في المحاولات إلى أن أنجح بالطبق الذي أحضّره. لا أتفلسف في وصفاتي، فهي بسيطة وسريعة التحضير. أدرك أن مهنتي صعبة وتصلح للرجال أكثر من النساء. ولكنني استطعت أن أتحدّى نفسي وأقوم بكل شيء بحب وشغف».