وضعت المفوضية الأوروبية تقريراً داخلياً يتضمّن خطة عمل لمواجهة التداعيات الاجتماعية والسياسية والاقتصادية للحرب في أوكرانيا، على امتداد المحيط الأوروبي وخارجه، محذّرة من تصدّعات عميقة على الأمدين القصير والمتوسط في بلدان الجوار الأفريقي والشرق أوسطي لن تلبث أن ترخي بظلالها على المشهدين الاجتماعي والسياسي في أوروبا.
وينبّه التقرير الذي اطّلعت عليه «الشرق الأوسط» من «تنامي خطر وقوع مجاعة كارثية في الشمال الأفريقي تؤدي إلى موجات احتجاج اجتماعية جديدة، وحركات نزوح داخلي وهجرة إلى المناطق المجاورة، وبخاصة بلدان الطرف الجنوبي للاتحاد مثل إيطاليا وإسبانيا ومالطا، التي قد تواجه نزوحاً كثيفاً عبر البحر المتوسط».
وكانت هذه الخطة المشتركة التي أعدها خبراء المفوضية وجهاز العلاقات الخارجية في المجلس الأوروبي والتي لم يعلن عنها بعد، قد تمّ توزيعها على حكومات الدول الأعضاء مطلع هذا الأسبوع لتكون بمثابة خريطة طريق للاستجابة لتداعيات الحرب التي بدأت تعاني منها بلدان عديدة، القريبة من جبهات المعارك مثل مولدافيا وأرمينيا وأذربيجان، إلى القصيّة مثل بنغلاديش ومنغوليا، أو المكسيك والأرجنتين.
ويستعرض التقرير الذي يقع في 28 صفحة الأوضاع الصعبة التي تمرّ بها مجموعة كبيرة من البلدان، تبدأ بدول البلقان وتركيا إلى أميركا اللاتينية، مروراً بآسيا الوسطى والشرق الأوسط والمغرب العربي والدول الأفريقية جنوبي الصحراء الكبرى، ويشير إلى أن جميع هذه البلدان «تشهد اضطرابات متنامية بسبب تداعيات الحرب ونقص الإمدادات الحيوية وإعادة خلط الأوراق على الساحة الدولية».
ويعتبر الاتحاد الأوروبي، أن أسباب هذه الأزمة الخطرة التي تهدد بانفجارات اجتماعية واسعة، هي الحرب التي أطلقها الرئيس الروسي فلاديمير بوتين والحصار الذي فرضته موسكو على الصادرات الزراعية الأوكرانية، والارتفاع المطرد في أسعار الطاقة ومشتقاتها. وتقترح المفوضية في التوصيات التي أرفقتها بالتقرير الذي سيكون أحد الأطباق الرئيسية على مائدة القمة الأوروبية التي تبدأ اليوم في بروكسل، تركيز المساعدات على البلدان الأكثر تضرراً من الأزمة في هذه المرحلة، وعلى المرشحين لعضوية الاتحاد، والدول الوازنة في محيطها الإقليمي، أو التي تعتبر أساسية لاستيراد الطاقة والمواد الأولية. ويشير التقرير إلى ضرورة تعزيز العلاقات مع الدول التي تشكّل مصادر بديلة للطاقة الروسية، والسعي إلى ضمان إمدادات الغاز إلى السوق الأوروبية في أسرع وقت ممكن.
ويركّز تقرير المفوضية على «التداعيات الخطرة التي بدأت تشعر بها بلدان الجوار مثل المغرب وتونس وليبيا ومصر وبعض بلدان الشرق الأوسط التي ما زالت تعاني من تبعات جائحة (كوفيد)، والجفاف في بعض المناطق، وضيق الهامش المالي أمام الحكومات لمساعدة الطبقات الفقيرة». ويشير بالنسبة لمنطقة المغرب العربي إلى «أن النقص الحاد في الحبوب وغيرها من المواد الزراعية، إلى جانب ارتفاع أسعار المنتوجات الأساسية والأغذية، وخفض مستويات الدعم الرسمي للسلع، من شأنه أن يولّد أزمات اقتصادية واجتماعية خطرة».
ويذكّر التقرير بأن الاتحاد الأوروبي كان باشر بمساعدة البلدان الأكثر تضرراً من الأزمة الراهنة، حيث خصّص 225 مليون يورو لمصر ولبنان وليبيا وسوريا وتونس والمغرب وفلسطين، عبر «مرفق الغذاء والقدرة على الصمود»، ويعتزم مساعدة هذه البلدان على زيادة قدراتها الإنتاجية. لكن رغم ذلك، تعتبر المفوضية أن خطر اندلاع أزمات اقتصادية واجتماعية ما زال عالياً جداً في «مصر والأردن واليمن ولبنان وليبيا والمغرب وتونس» التي يزيد عدد سكانها مجتمعة على 200 مليون نسمة. ويشير التقرير إلى «أن خطر حدوث مجاعة يتنامى بشكل مقلق بين الطبقات الفقيرة»؛ ما يدفعها إلى البحث عن مصادر أفضل للغذاء داخل بلدانها أو خارجها. ولا تستبعد المفوضية أن يوضع ميثاق الهجرة الذي أقرّه الاتحاد مطلع هذا الشهر على محكّ التجربة قريباً، حيث تقرّر تحديد حصص إلزامية لتوزيع المهاجرين على الدول الأعضاء أو تعويضها بمساعدات مالية ولوجيستية في حال رفض استقبالهم.
ومن المقترحات التي ستعرضها المفوضية على القمة التي من المتوقع أن توافق على طلب أوكرانيا ومولدافيا الترشح لعضوية الاتحاد، خطة دبلوماسية لتفنيد المزاعم التي ترّوجها روسيا بأن أزمة الغذاء والطاقة ناجمة عن العقوبات التي فرضها الاتحاد الأوروبي على موسكو. وتقترح المفوضية لهذا الغرض عقد قمة وزارية بين الاتحاد الأوروبي وجامعة الدول العربية أواخر العام الحالي، وأخرى مع بلدان اتحاد المتوسط.
وتعترف المفوضية في التقرير، الذي سيعرض على القمة اليوم، بأن رسائل الكرملين «منتشرة على نطاق واسع بين حكومات البلدان النامية وسكانها»، مشيرة إلى أن «الصين ليست غريبة عن ترويج هذه الرسائل»، خاصة في البلدان التي لا توجد فيها وسائل إعلام مستقلة. وتقترح حملة واسعة النطاق لتوضيح الآثار الفعلية للعقوبات المفروضة على روسيا وبيلاروسيا، ومسؤولية موسكو المباشرة عن ارتفاع أسعار الحبوب والطاقة. ويتوقع تقرير المفوضية، في حال استمرار الحرب لفترة طويلة كما تشير التقديرات الأخيرة للحلف الأطلسي، أن يقع عشرات الملايين من السكان في جميع أنحاء العالم ضحية الشحّ والفقر، مع اندلاع أزمات اجتماعية تهدد الأمن والاستقرار في دول عديدة تصل إلى أميركا اللاتينية والكاريبي. ويشير التقرير إلى البيانات الأخيرة الصادرة عن برنامج الغذاء العالمي والتي تنبّه إلى أن عدد الذين يعانون من انعدام الأمن الغذائي ويحتاجون إلى مساعدة طارئة يقترب من 200 مليون، أي بزيادة 40 مليوناً عن العام الماضي.
تحذير أوروبي من تسبب حرب أوكرانيا بمجاعة في أفريقيا والشرق الأوسط
تؤدي إلى موجات احتجاج اجتماعية وحركات نزوح داخلي وهجرة إلى المناطق المجاورة
تحذير أوروبي من تسبب حرب أوكرانيا بمجاعة في أفريقيا والشرق الأوسط
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة