سمية بعلبكي لـ«الشرق الأوسط»: حافظت على الثبات في مسيرتي كي أصل إلى هنا

كانت سمية بعلبكي كلما زارت قلعة بعلبك أو حضرت إحدى الأمسيات الفنية فيها، تطرح على نفسها سؤالاً واحداً «متى يأتي دوري وأقف على أدراجها؟».
بعلبكي صاحبة الصوت المتمكن الذي يترك أثره الطيب عند مستمعها، حافظت منذ بداية مشوارها على خياراتها الفنية البعيدة كل البعد عن التجارية والمستهلكة. وفي 8 يوليو (تموز)، تشارك في «مهرجانات بعلبك»، وتحيي حفلاً فنياً على أدراجها في تحية للموسيقى والأغنيات اللبنانية التراثية، يرافقها شقيقها المايسترو لبنان بعلبكي، ليقود الأوركسترا الموسيقية المشاركة في الحفل.
هذه الوقفة التي لطالما انتظرتها وكانت تحلم في تحقيقها، تصفها بالمحطة المميزة في مشوارها الغنائي. وتقول لـ«الشرق الأوسط»: «يأتي مهرجان بعلبك السنة الحالية، كخطوة استثنائية في ظل أسوأ أزمات يمر بها لبنان، وأعتبره لحظة تاريخية وفعل إيمان للتأكيد على أننا لا نزال هنا، وأن دور بلدنا الحقيقي في مجالي الثقافة والفن لن ينتهي».
ترى بعلبكي، أن كل هذه العناصر تجعل من الحفل الذي ستحييه أمسية مميزة. وتتابع «حلمت في الوقوف على أدراج بعلبك، فهي محطة لكبار الفنانين، وبمثابة تكريس يتوج نجاحاتهم. كنت كلما زرتها أتطلع إلى هياكلها وأستمتع بأجوائها ونسيمها العليل، كما أنظر إلى أضوائها وقمرها وأسأل نفسي: متى يأتي دوري؟ هذه المشاركة أعتبرها حلماً وتحقق. هي فرصة لا تتاح لكثيرين من أهل الفن، فأنا فخورة بهذه المحطة الفنية وأعتبرها شرفاً لي».
بدأت بعلبكي التمرينات على الحفل بمعية شقيقها لبنان. تتحدث عن البرنامج الذي سيتضمنه، سيما أنها لفتت مشاهدي الشاشة الصغيرة في الإعلان الترويجي للحفل، وتطل فيه بأغنية «قلعة كبيرة» للراحلة صباح. وتقول لـ«الشرق الأوسط»: «درسنا واللجنة المسؤولة عن البرنامج، كل جديد يمكن أن يتخلل الحفل. وأطلقنا عنوان (الأمسية اللبنانية) بهدف التأكيد على هويتنا. اسم الحفل لم يأت بالصدفة، بل ليكون بمثابة تأكيد على الوحدة الوطنية. للحظة شعرنا أن بلدنا يتفكك، ولكن هذا البلد الذي يحمل على أكتافه تاريخاً طويلاً غنياً بالحضارات والثقافات، ولا سيما في مجال الموسيقى يستأهل منا هذه اللفتة. رغبنا، أخي لبنان وأنا، في أن يجمع الحفل، 3 أقسام فنية يتقدمها الفولكلور اللبناني بداية، سيما أن بعلبك أم الفولكلور في العالم».

المطربة اللبنانية سمية بعلبكي (لجنة مهرجانات بعلبك)

وفي القسم الثاني من الحفل، يتابع الحضور محطة غنائية مع كبار الفنانين، بمثابة لفتة تكريمية لهم. هذا الإرث الذي تركوه لنا كما تقول بعلبكي، هو كنز نعتز به، ولا بد من إبرازه. وهو يتضمن أغنيات للرحابنة، ووديع الصافي، وصباح، ونصري شمس الدين، وغيرهم. في المحطة الثالثة والأخيرة، تقدم بعلبكي جديدها من خلال قصيدة لنزار قباني بعنوان «امرأة شرقية» من ألحان إحسان المنذر، وكذلك قصيدة للراحل أنور سلمان، وألحان نشأت سلمان، الموسيقي اللبناني الذي يعيش في سويسرا، وهي بعنوان «عيناك باقيتان لوطني». وتخص بعلبكي المهرجان بأغنية تحمل اسم «بعلبك» للشاعر طلال حيدر، وألحان لبنان بعلبكي. تجدر الإشارة إلى أن الأوركسترا التي يقودها بعلبكي، تتألف من نحو 35 موسيقياً. تشارك في الوصلات الفولكلورية بداية السهرة فرقة «هياكل بعلبك»، وكورال جامعة سيدة اللويزة. أما مسك الختام، فمع أغنية لكوكب الشرق أم كلثوم، هي قصيدة «هذه ليلتي» التي كتبها لها الشاعر اللبناني الراحل جورج جرداق. وستشهد الأعمال الغنائية المقدمة توزيعاً موسيقياً جديداً، يشكل مفاجأة للحضور.
«كان هدفنا إرساء الفرح في زمن يعاني الناس من نواحٍ عدة»، تقول سمية بعلبكي في سياق حديثها. وتتابع «مشقة الوصول إلى بعلبك تستأهل أن تقابل بحفنة من الفرح، يتزود بها الناس على مدى 90 دقيقة من الغناء».
وتؤكد بعلبكي، أنها عملت بثبات كي تصل إلى ما هي عليه اليوم. وتتابع «الطريق الذي اخترتها لم تكن سهلة، خصوصاً، في غياب الدعم المادي لهذا النوع من الموسيقى الأصيلة. البعض قد يستسلم أمام العراقيل، ولكنني مسكونة بالموسيقى؛ ولذلك تمسكت بهويتي الفنية وبحب الناس. واستمريت مع نفس طويل لأحقق مسيرتي، كما رغبت دائماً، لأصل إلى هنا».
وتشكر بعلبكي لجنة «مهرجانات بعلبك» لتحدّيهم كل الصعاب، واتخاذ القرار بالعودة إلى بعلبك رغم كل شيء. «لقد كان في استطاعتها أن تغض النظر وتستسلم للأوضاع غير المشجعة. ولكنها تحدت الواقع والوضع المتأزم غير المسبوق، وأقدمت على هذه الخطوة».
ونسأل سمية بعلبكي عن رأيها بالساحة الفنية اليوم، فترد «عادة ما أكرر، أنه لا يمكننا الفصل بين الزمن الفني والواقع الذي نعيش. الفن مرآة المجتمع، ونحن صورة عن مجتمعاتنا، والأعمال الفنية تتأثر بهذا الواقع. هناك دائماً حالات طفيلية تخرج من هنا وهناك. وهو أمر طبيعي. ولكن هذا الأمر، لا يمنع حضور الفن الأصيل. فالساحة تتسع للجميع، وهذه الطفرات التي نلاحظها بين وقت وآخر تشبه إلى حد كبير موجات الأوبئة والطفرات التي تطل برأسها بين وقت وآخر. وكذلك الحروب والأزمات التي نشهدها». وتضيف «أتابع كثيراً، وأستمع إلى الأعمال على أنواعها من دون أي تصنيف. فعلى الفنان أن يواكب كل جديد، وألا يكون خارج السياق؛ كي يعرف اتجاهات الساحة بشكل عام. ليستطيع بالتالي أن يقدر ما يقوم به بشكل أفضل». وتختم «اليوم وأنا أحضّر لـ(مهرجانات بعلبك)، تتملكني حالة من الصفاء الداخلي. كل التعب الذي تكبدته منذ بداياتي حتى اليوم، وخيبات الأمل والأشياء التي لم أستطع أن أحصل عليها، لم تعد تزعجني. كل ما أعرفه هو أني ربحت معركتي. وهذا بمثابة تكريم لمشواري الشاق، الذي أحمل فيه لواء الفن اللبناني الأصيل».