الأنوار والتنوير... أنوار ماذا؟ وتنوير مَن؟

تودوروف
تودوروف
TT

الأنوار والتنوير... أنوار ماذا؟ وتنوير مَن؟

تودوروف
تودوروف

في إجابته الشهيرة عن ماهية التنوير، حين طرحت عليه السؤال صحيفة ألمانية عام 1784 قال الفيلسوف إيمانويل كانط ما معناه أن التنوير هو تحمُّل الإنسان مسؤولية نفسه، وهو بلوغه مرحلة النضج. لكن هل هذا المعنى أول ما يخطر ببال من يتحدثون عن التنوير اليوم، حين يشيرون إلى تلك الحركة التي تحولت إلى التيار الضخم المعروف في أوروبا إبان القرن الثامن عشر، وامتد حتى مطلع القرن التاسع عشر ولا تزال آثاره باقية إلى اليوم؟ المؤرخ الفرنسي بول هازار في كتاب بعنوان «أزمة العقل الأوروبي» يعيد التنوير إلى الربع الأخير من القرن السابع عشر وبداية الثامن عشر، أي إلى عصر ديكارت وسبينوزا ولايبنتز. لكن هذه التحديدات التاريخية ليست بحد ذاتها هي الأهم: الأهم هو ما يعنيه التنوير أو تعنيه الأنوار، وسأعتمد مفردة «تنوير» هنا. كثيرون لا يترددون في استعمال المفهوم أو المصطلح دون توقف كافٍ عند دلالاته وحدوده، عند ظروفه التاريخية أو امتداداته الجغرافية وآثاره. هذا رغم كثرة ما ألف غربياً وعربياً حوله سواء بالتحليل الأصيل أو الترجمة.
في هذه المقالة أتابع ما ابتدأته في مقالة سابقة حول مسألة المفاهيم، وكانت المقالة السابقة حول «التقدم» قد طرحت سؤالاً وهو: التقدم إلى ماذا؟ هنا أتابع استجواب تلك المفاهيم الكبرى في ثقافتنا المعاصرة فأطرح السؤال الذي طرحته على نفسي قبلاً في مسعى للبحث عن إجابة أو على الأقل لإرباك بعض الإجابات الجاهزة. السؤال هو عمن يُصدر النور، وعمن يقع عليه ذلك النور: من يرسل النور ومن يستقبله؟ والسؤال يتضمن لا محالة سؤالاً مضمراً عن ماهية ذلك النور.
لقد انطلق التنوير من طرح الأسئلة والمفترض ألا يُستثنى التنوير نفسه من طرح السؤال عليه هو ابتداءً. إجابة كانط عن ماهية التنوير لا تعني بطبيعة الحال التوقف عن طرح ذلك السؤال مرة أخرى، وقد طرح بالفعل مرات ومرات لأن من بدهيات العقلانية التي قام عليها التنوير هي أن يحتفظ العقل بقدرته على الاستمرار في طرح الأسئلة لكن بحثاً عن الحقيقة وليس ليكتفي بالطرح.
هذا السؤال ليس جديداً بطبيعة الحال، فقد تمحور حول طرحه إرث فكري ضخم تضمن أطروحات لمؤرخي ذلك التيار والعديد من مفكري القرن العشرين ومنهم مفكرو مدرسة فرانكفورت والفرنسي ميشيل فوكو وكثيرون آخرون. يرى فوكو في تعليقه على إجابة كانط أن سؤال «ما هو التنوير؟». سؤال لم تنفك الفلسفة تطرحه منذ ظهر ذلك التيار. كان كانط أحد المجيبين عن السؤال وتبعه في ذلك هيغل ونيتشه وفي عصرنا تودوروف ونقاد ما بعد الاستعمار وغيرهم. ومع أن لدى فوكو، كما لدى غيره، تصوراً حول ماهية التنوير، فإن طرح السؤال، بل عنونة مقالة المفكر الفرنسي بذلك السؤال، مؤشر كافٍ على أن طرح السؤال يظل مهماً لا سيما في بيئات ثقافية كانت بعيدة عن تلك التي تنامت فيها الظاهرة ابتداءً.
لو تأملنا بعض الإجابات التي طرحت حول السؤال لوجدنا شيئاً منها في عناوين بعض الكتب التي أرخت للتنوير، مثل تأريخ الأميركي الألماني بيتر غي Gay الذي صدر في جزأين في ستينات القرن العشرين: الأول «التنوير: قيام وثنية حديثة» والثاني «التنوير: عِلم الحرية». هذا إلى جانب كتاب إريك برونر «الانقسام العظيم: التنوير ونقاده» الذي صدر أواسط التسعينات من القرن الماضي، وغير ذلك كثير. العنوان الأخير بحد ذاته مهم لما أرمي إلى طرحه أو بالأحرى التذكير به، أي أن للتنوير نقاداً لا سيما في القرن العشرين وفي فكر ما بعد الحداثة بصفة خاصة. والنقد لا يعني رفض التنوير بقدر ما يعني تبيان وجوه القصور أو محدودية الأطروحات والطموحات لدى مفكري التنوير والمبشرين به سواء في فرنسا أو غيرها (لا سيما ألمانيا واسكوتلندا). في نهاية مقالته يصل فوكو إلى خلاصة تؤكد القصور عن النضج الذي رآه كانط في التنوير: «لا أدري ما إذا كنا سنصل يوماً إلى نضج البلوغ. الكثير في تجربتنا يقنعنا بأن التنوير، ذلك الحدث التاريخي، لم يوصلنا إلى البلوغ الناضج، كما أننا لم نصل تلك المرحلة بعد».
غير أن التعليق الأشهر على التنوير في العصر الحديث هو في ظني ذلك الذي صدر عن مدرسة فرانكفورت. النقد الذي تبنته تلك المدرسة، أو بالأحرى اثنان من أعلامها هما ماكس هوركهايمر وتيودور أدورنو، في كتابهما «جدل التنوير» (1944)، لم يكن لمبادئ التنوير بقدر ما كان لمآلاته، لما أفضى إليه من تبنٍ لعقلانية ميكانيكية ألغت الإنسان أو حولته إلى أرقام يمكن محوها، وكان الدمار الذي حاق بالغرب في حربين عالميتين من نتائج تلك العقلانية. والمفكران الألمانيان/اليهوديان معنيان بصفة خاصة بالهولوكوست، أي بما حل باليهود في ألمانيا وغيرها. كأن نقد المفكرين للتنوير جزء من النقد الشامل الذي وجه لمسيرة الحضارة الغربية في أعقاب الحربين العالميتين والخيبة العميقة التي انتشرت بين الأوروبيين بصفة خاصة حين رأوا العلم والعقل يوظفان للتدمير بدلاً مما وعد به التنوير من نور وسعادة.
وإذا كانت الجماعات اليهودية رأت التنوير من تلك الزاوية المظلمة، أو لم ترَ التنوير تنويراً، فحري بشعوب لم تعش في أوروبا وإنما في مناطق حلت عليها لعنة الاستعمار وما مثله من نهب منظم لثرواتها وإضاعة لمستقبلها واستعباد لشعوبها أن ترى أن ما صدر عن أوروبا القرنين الثامن عشر والتاسع عشر لم يكن تنويراً بقدر ما كان إظلاماً مدمراً، كان بتعبير الفيلسوف الفرنسي إدغار موران بربرية أوروبية شوهت كل منجزات التحضر بجعلها حكراً على منطقة واحدة من العالم هي الغرب.
المبادئ المعروفة للتنوير، الحرية والمساواة والأخوة، المبادئ التي صارت شعاراً للثورة الفرنسية، هي مبادئ لا جديد فيها لأن البشرية تبنتها منذ الأزل وحملتها أديان وفلسفات كثيرة، والكل رأى أنه مبعث للنور، لكن المفترق هو عن أي نور نتحدث؟ نور الإيمان أم نور العقل أم كليهما؟ في تيار التنوير الأوروبي ربط للنور بالعقل، العقل وليس الإيمان، وفي ذلك الربط العلامة الفارقة لحركة التنوير. ولربما لم ينتبه البعض إلى أن تبني العقل لم يلبث أن تحول إلى إيمان أيضاً، أي أنه تحول إلى آيديولوجيا لا تناقش صحة المبدأ. لقد تحول العقل إلى عقلانية (راشناليزم Rationalism)، بمعنى أنه اكتسب اللاحقة اللفظية (ism) التي أشار إليها مارتن هايدغر في «رسالة إلى الإنسانية» بوصفها علامة على تخلي الفكر عن حيويته وتحوله إلى مذهب له معلمون وتلاميذ، إلى مادة للتعليم وخاضعة لسيطرة الفضاء أو الفهم العام.
حين جاء نابليون إلى العالم الإسلامي عن طريق مصر نهاية القرن الثامن عشر حمل معه تنويراً كان يتحول أو تحول فعلاً إلى مذهب وعقلانية، تلك العقلانية التي لكي تسود كان عليها أن تستبد. وإذا كانت تلك العقلانية قد حملت فعلاً نقلة حضارية لعالم إسلامي غارق في الجهل بإدخال المطبعة وعلوم وأنظمة حديثة، فإن ما حدث تضمن أيضاً استبداداً سياسياً واقتصادياً استمر في عهد محمد علي ودفع ثمنه الملايين من المصريين الذين لم يفيدوا من ذلك التحضر بقدر ما ظلوا في غياهب الجهل والفقر بعد أن أكرهوا على العمل ضمن نظام إقطاعي ظل معهم لما يزيد على قرن ونصف. صحيح أن مبادئ التنوير ليست مسؤولة عن ذلك، فهي في نهاية المطاف مبادئ مثل أي مبادئ أخرى تعتمد على كيف تفهم وكيف تطبق ومن يطبقها، لكن ذلك ما حدث في أوروبا أيضاً حين أفضى التنوير إلى فضائع الثورة الفرنسية دون أن يخفف من الاستبداد السياسي أو يحقق الأخوة والمساواة. ومن هنا كان مهماً استذكار السياقات التاريخية لحركة كثيراً ما تحاط بهالات الإعجاب لكي تخف على الأقل حدة «النور» في تلك الهالات. مبادئ التنوير التي آمن بها فولتير لم تمنعه من أن يصف كاترينا، إمبراطورة روسيا، بالمستبدة المستنيرة، ولا كانط من أن ينصح إمبراطور ألمانيا فريدريك الثاني بتبني نوع من العقد، حسب تعبير فوكو، بين «الاستبداد العقلاني والعقل الحر: الاستعمال العام والحر للعقل المستقل خير ضامن للطاعة...». شريطة انسجام ذلك مع «العقل الكوني» حسب الفلسفة الكانطية.



وفاة الملحن المصري محمد رحيم تصدم الوسط الفني

الملحن المصري محمد رحيم (إكس)
الملحن المصري محمد رحيم (إكس)
TT

وفاة الملحن المصري محمد رحيم تصدم الوسط الفني

الملحن المصري محمد رحيم (إكس)
الملحن المصري محمد رحيم (إكس)

تُوفي الملحن المصري محمد رحيم، في ساعات الصباح الأولى من اليوم السبت، عن عمر يناهز 45 عاماً، إثر وعكة صحية.

وكان رحيم تعرض لذبحة صدرية منذ أشهر، تحديداً في يوليو (تموز) الماضي، دخل على أثرها إلى العناية المركزة، حسبما أعلنت زوجته أنوسة كوتة، مدربة الأسود.

وكان رحيم قد أعلن اعتزاله مهنة الفن والتلحين في فبراير (شباط) الماضي، وتعليق أنشطته الفنية، وبعدها تراجع عن قراره ونشر مقطع لفيديو عبر حسابه الرسمي على «فيسبوك»، قال فيه حينها: «أنا مش هقولكم غير إني بكيت بالدموع من كتر الإحساس اللي في الرسائل اللي بعتوهالي وهتشوفوا ده بعينكم في ندوة، خلاص يا جماعة أنا هرجع تاني علشان خاطركم إنتوا بس يا أعظم جمهور وعائلة في العالم، وربنا ميحرمناش من بعض أبداً».

ونعى تركي آل الشيخ، رئيس مجلس إدارة الهيئة العامة للترفيه في السعودية، رحيم، وكتب عبر موقع «فيسبوك»، اليوم السبت: «رحم الله الملحن محمد رحيم وغفر الله له، عزائي لأهله ومحبيه، خبر حزين».

ورحيم من مواليد ديسمبر (كانون الأول) 1979. درس في كلية التربية الموسيقية، وبدأ مسيرته بالتعاون مع الفنان حميد الشاعري، وأطلق أول أغانيه مع الفنان المصري عمرو دياب «وغلاوتك»، ثم قدم معه ألحاناً بارزة منها أغنية «حبيبي ولا على باله». كما تعاون رحيم مع العديد من الفنانين، ومنهم: محمد منير، وأصالة، وإليسا، ونوال الزغبي، وأنغام، وآمال ماهر، ونانسي عجرم، وروبي، وشيرين عبد الوهاب، ومحمد حماقي، وتامر حسني، وغيرهم.

كما نعى رحيم عدد من نجوم الفن والطرب، وكتب الفنان تامر حسني عبر خاصية «ستوري» بموقع «إنستغرام»: «رحل اليوم صاحب أعظم موهبة موسيقية في التلحين في آخر 25 سنة الموسيقار محمد رحیم. نسألكم الدعاء له بالرحمة والفاتحة»، وأضاف: «صلاة الجنازة على المغفور له بإذن الله، صديقي وأخي محمد رحيم، عقب صلاة الظهر، بمسجد الشرطة بالشيخ زايد، إنا لله وإنا إليه راجعون».

منشور الفنان تامر حسني في نعي رحيم

وكتب الفنان عمرو دياب عبر حسابه الرسمي على «إكس»، اليوم السبت: «أنعى ببالغ الحزن والأسى رحيل الملحن المبدع محمد رحيم».

وكتبت الفنانة أنغام عبر موقع «إكس»: «خبر صادم جداً رحيل #محمد_رحيم العزيز المحترم الزميل والأخ والفنان الكبير، لا حول ولا قوة إلا بالله، نعزي أنفسنا وخالص العزاء لعائلته».

وكتبت الفنانة أصالة عبر موقع «إكس»: «يا حبيبي يا رحيم يا صديقي وأخي، ومعك كان أحلى وأهم أعمال عملتهم بمنتهى الأمانة بموهبة فذّة الله يرحمك يا رحيم».

كما كتب الشاعر المصري تامر حسين معبراً عن صدمته بوفاة رحيم: «خبر مؤلم جداً جداً جداً، وصدمة كبيرة لينا كلنا، لحد دلوقتي مش قادر أستوعبها وفاة أخي وصديقي المُلحن الكبير محمد رحيم، لا حول ولا قوة إلا بالله».

كما نعته المطربة آمال ماهر وكتبت عبر موقع «إكس»: «لا حول ولا قوة إلا بالله. صديقي وأخي الغالي الملحن محمد رحيم في ذمة الله. نسألكم الدعاء».

وعبرت الفنانة اللبنانية إليسا عن صدمتها بكلمة: «?what»، تعليقاً على نبأ وفاة رحيم، في منشور عبر موقع «إكس»، من خلال إعادة تغريد نبأ رحيله من الشاعر المصري أمير طعيمة.

ونعته إليسا في تغريدة لاحقة، ووصفته بالصديق الإنسان وشريك النجاح بمحطات خلال مسيرتها ومسيرة كثير من زملائها.

ونشرت الفنانة اللبنانية نوال الزغبي مقطع فيديو به أبرز الأعمال التي لحنها لها رحيم، منها أول تعاون فني بينهما وهي أغنية «الليالي»، بالإضافة لأغنية «ياما قالوا»، وأغنية «صوت الهدوء»، التي كتب كلماتها رحيم. وكتبت الزغبي عبر «إكس»: «الكبار والمبدعون بيرحلوا بس ما بيموتوا».

ونشرت الفنانة اللبنانية نانسي عجرم صورة تجمعها برحيم، وكتبت عبر موقع «إكس»: «ما عم صدق الخبر». وكتبت لاحقا: «آخر مرة ضحكنا وغنّينا سوا بس ما كنت عارفة رح تكون آخر مرة». رحيم قدم لنانسي عدة أعمال من بينها «فيه حاجات» و«عيني عليك»، و«الدنيا حلوة»، و«أنا ليه».

ونشرت المطربة التونسية لطيفة عدة صور جمعتها برحيم عبر حسابها بموقع «إكس»، وكتبت: «وجعت قلبي والله يا رحيم... ده أنا لسه مكلماك ومتفقين على شغل... ربنا يرحمك ويصبر أهلك ويصبر كل محبينك على فراقك».

وكتبت الفنانة أحلام الشامسي: «إنا لله وإنا إليه راجعون، فعلاً خبر صادم ربي يرحمه ويغفر له».

كما نعته الفنانة اللبنانية هيفاء وهبي وكتبت عبر «إكس»: «وداعاً الفنان الخلوق والصديق العزيز الملحن المبدع #محمد_رحيم».

وشارك الفنان رامي صبري في نعي رحيم وكتب عبر حسابه الرسمي بموقع «إكس»: «خبر حزين وصدمة كبيرة لينا».

وشاركت الفنانة بشرى في نعي رحيم، وكتبت على «إنستغرام»: «وداعاً محمد رحيم أحد أهم ملحني مصر الموهوبين في العصر الحديث... هتوحشنا وشغلك هيوحشنا».

وكان رحيم اتجه إلى الغناء في عام 2008، وأصدر أول ألبوماته بعنوان: «كام سنة»، كما أنه شارك بالغناء والتلحين في عدد من الأعمال الدرامية منها «سيرة حب»، و«حكاية حياة».