تفاعُل الجمهور على منصات التواصل بين المنافسة وتأثيرات «كوفيد ـ 19»

TT

تفاعُل الجمهور على منصات التواصل بين المنافسة وتأثيرات «كوفيد ـ 19»

ما زال الحديث عن تأثيرات جائحة «كوفيد - 19» رائجاً، ويلفت بالأخص أمر تفاعل الجمهور مع وسائل الإعلام ومنصات التواصل الاجتماعي. وكانت دراسة حديثة نشرتها شركة «ميتا» («فيسبوك» سابقاً) قد توقعت استمرار تأثيرات الجائحة مستقبلاً على تفاعل الجمهور في منصات التواصل.
الدراسة أجرتها شركة «ميتا» على 36 ألف شخص بالغ في 12 سوقاً مختلفاً، ونشرت نتائجها في يونيو (حزيران) الجاري، وتَبيّن منها «تغيّر الطريقة التي يتفاعل بها الجمهور مع منصات التواصل بفعل إجراءات الإغلاق التي صاحبت بداية الجائحة، وتراجع التفاعل المباشر لصالح التواصل عبر الإنترنت، ولقاءات الواقع الافتراضي، وغرف الدردشة الصوتية».
كذلك أشارت الدراسة إلى أنه «في حين بدأت الحياة تعود ببطء، فإن تغيرات كثيرة ستؤدي إلى تحولات دائمة، وستفتح الباب على علاقات وتفاعلات أعمق، تمزج بين الواقع الحقيقي والافتراضي. وهو ما يجب على العلامات التجارية أن تأخذه في الاعتبار عند تواصلها معه الجمهور».
نتائج الدراسة أثارت تساؤلات بين الخبراء، حول ما إذا كان تغيُّر طريقة تفاعل الجمهور مع منصات التواصل بالفعل يرجع لتوابع الجائحة أم بسبب المنافسة الشديدة بين المنصات المختلفة وظهور منصات جديدة؟ وللعلم، تواجه منصتا «فيسبوك» و«إنستغرام» اللتان تملكهما «ميتا» منافسة سوقية «قوية» منذ ظهور «تيك توك». ويرى خبراء أن «(ميتا) تسعى الآن إلى جذب المعلنين والمستثمرين إلى الميتافيرس، متجنبة المنافسة مع منصات مثل (تيك توك)».
محمود غزيل، الصحافي اللبناني والمدرّب في مجال التحقق من المعلومات، يرى أن «الإغلاقات العامة حول العالم لمواجهة (كوفيد – 19) في بداية الأزمة لعبت دوراً بارزاً في إعادة تكوين فكرتنا حول التفاعل الإنساني، فباتت غالبية تفضل التعامل مع الوظائف المكتبية في المنزل، وبالأخص أن التقدم التكنولوجي سهّل امتلاك العاملين أجهزة قادرة على إتمام هذه الأعمال من دون الحاجة للانتقال، وتحمل مشقة المواصلات».
وتابع غزيل في لقاء مع «الشرق الأوسط» أن «قرارات الإغلاق العام أنتجت ضرورة إنسانية للمزيد من التفاعل المباشر. إذ لم تعد الرسائل الإلكترونية أو الرسائل المتبادلة عبر تطبيقات التواصل السريع كافية، بل بات الأشخاص يتوقون إلى سماع أصوات الآخرين، ورؤيتهم إما بالفيديوهات أو من خلال الشخصيات الرمزية (Avatar)». واستطرد مشيراً إلى أن «المواقع الإلكترونية استطاعت التأقلم مع هذه الحاجات إلى حد ما، إذ طورت أبرز الشركات المتخصصة بالاتصالات من منصات التواصل عبر تمديد مدة الاتصال المرئي، أو تسهيله، وحتى إدماج الواقع المعزّز بداخلها، ورغم أنها لا تزال محدودة في العالم العربي، فإننا نشهد توسعاً لها داخل الألعاب الرقمية».
من جهته، قال أحمد سندس، المدير الفني والخبير بمواقع التواصل الاجتماعي في إحدى الشركات الدولية المتخصصة في مجال الاتصال والعلاقات العامة بدبي: «بينما تشير الدراسة التي نشرتها شركة (ميتا)، إلى تراجع التفاعل والنشاط على منصات التواصل الاجتماعي التقليدية، مثل (فيسبوك) و(إنستغرام)، فإنها تتجاهل بشكل كامل الانفجار والانتشار الواسع الذي حققته منصات أخرى مثل (تيك توك)، وتلقي باللوم كله على (كوفيد – 19)». وأفاد سندس «الشرق الأوسط» إن «(ميتا) تستخدم البيانات في توجيه المستثمرين والمعلنين بشكل خاطئ، وهذا هو الهدف من مثل هذه الدراسة. إن المسألة هنا لا تتعلق بـ(كوفيد – 19)؛ بل بالمنافسة... ولا تهدف لتحقيق أفضل استفادة للمستخدمين، بل تسعى لإعادة جذب المعلنين». وأردف أن «الدراسة تجاهلت تماماً التحديثات والتغيرات المستمرة على «(فيسبوك) لمنافسة انتشار منصات شبيهة مثل (سناب شات) و(تيك توك)».
وتابع سندس كلامه ليقول: «تشير الأرقام هذا العام إلى تراجع أسهم (فيسبوك) بنسبة 26 في المائة في يوم واحد، لتقل قيمة الشركة بنحو 230 مليار دولار... كما أعلن (فيسبوك)، لأول مرة، تراجع عدد المستخدمين النشطين يومياً وانخفاض الإنفاق الإعلاني». ثم قال: «يبدو أن العهد الذهبي لنمو المنصة الزرقاء بات يتأثر... في حين أن (تيك توك) يسير في الاتجاه المعاكس بنحو 1.6 مليار مستخدم نشط على مستوى العالم في الربع الأول من العام. وهذا رقم وإن كان أقل من عدد مستخدمي «فيسبوك» البالغ 2.9 مليار، فإنه يظل مرتفعاً، إذ قفز عدد مستخدمي (تيك توك) بنسبة 45 في المائة في عام واحد».
وفي السياق نفسه، يرجح سندس أن يكون «الهدف من الدراسة تبرير تراجع عدد المستخدمين النشطين لموقع (فيسبوك)، بإلقاء اللوم على تغير سلوكيات المستخدمين، وتشجيع المستثمرين على الانخراط في الميتافيرس». ويلفت إلى أن «(فيسبوك) نفّذ خلال شهر واحد عملية تغيير كاملة للعلامة التجارية واعتمدت علامة (ميتا)، ودخل السوق برؤية جديدة حول المتيافيرس. وهذه خطوات تتخذها الشركات عندما تشعر أنه لا يوجد خيار آخر... وهنا استراتيجية (فيسبوك) لمكافحة تراجع النمو، تركز على الميتافيرس للفوز في المنافسة».
للتذكير، دراسة شركة «ميتا» أفادت بأن 72 في المائة من المبحوثين أكدوا أن جائحة «كوفيد - 19» دفعتهم إلى إعادة ترتيب أولويات صداقاتهم والتركيز على المقربين منهم. وعلى الرغم من تأكيد الجميع أن التكنولوجيا ستلعب دوراً كبيراً في التواصل الإنساني والشخصي في المستقبل... فإن الشباب كان أكثر انفتاحاً على استخدام تكنولوجيا الواقع المعزز والافتراضي.
أما على الصعيد التسويقي، فيشير غزيل إلى أن «رغبة الناس للمزيد من الحسية في التعامل مع المنتجات، دفع بالكثير من الشركات إلى تسهيل قيود شراء وتبديل المنتجات أو حتى خلق تطبيقات تستغل الواقع المعزز من أجل وضع الشخص نفسه أمام المنتج كأنه داخل المحل، أو حتى تجربة المنتجات كأنه يرتديها أو يمسكها بيده». ويُذكر أن «التطور التكنولوجي وارتفاع سرعات الإنترنت تدريجياً، وتوسع الشركات أكثر نحو الأسواق المفتوحة على منصات التواصل، عوامل ستجعل الانغماس بهذه التكنولوجيا أسرع مع الوقت... وطبعاً مع الأجيال اليافعة أقوى من غيرهم».
وحقاً، تضمنت دراسة «ميتا» القول إن «أدوات الاتصال اليوم كمكالمات الفيديو، تحدّ من العلاقات، لأنها لا تقدم تجربة مشتركة حقيقية تدفع إلى اتصال أعمق... بينما تستطيع التكنولوجيا التي تدمج الواقع الحقيقي بالواقع الافتراضي، أن تزيد من عمق التواصل وتخلق روابط وذكريات أقوى... وبالتالي، سيكون المستقبل مدفوعاً باحتياجات إنسانية لخلق روابط إنسانية في مساحات هجينة بين الواقع الافتراضي والواقع الحقيقي».
أخيراً، أكدت الدراسة أن «التغيرات في التواصل الإنساني تمتد إلى علاقات الجمهور بالعلامات التجارية، حيث يسعى المستهلك إلى بناء علاقات أكثر عمقاً مع هذه العلامات. وهو ما يعد فرصة جديدة لإعادة بناء التواصل بين المجتمع». وأوضحت أنه «نظراً لأن الناس أصبحوا أكثر انتقائية في علاقاتهم، من المرجح أن تشهد العلامات التجارية تحوّلاً في الولاءات وحجم المشاركة، ولكن في الوقت ذاته قد تلعب هذه العلامات دور الوسيط لإعادة بناء العلاقات وربط الناس بعضها ببعض».



ملخصات الذكاء الاصطناعي على «غوغل» تقلق ناشري الأخبار

ملخصات الذكاء الاصطناعي على «غوغل» تقلق ناشري الأخبار
TT

ملخصات الذكاء الاصطناعي على «غوغل» تقلق ناشري الأخبار

ملخصات الذكاء الاصطناعي على «غوغل» تقلق ناشري الأخبار

أثار إطلاق «غوغل» خدمة ملخصات الأخبار المدعومة بالذكاء الاصطناعي، أو ما أطلقت عليه «Google AI Overviews»، قلق الناشرين، بسبب تأثير هذا الاتجاه على نتائج البحث، إذ تسبب ذلك في «دفن» المحتوى الأصلي المُعَد من قِبل ناشرين مُحنكين أسفل الملخصات والإعلانات المدفوعة، وفق مراقبين.

«غوغل» كانت قد أعلنت نهاية أغسطس (آب) الماضي عن إطلاق ملخصات مكتوبة بواسطة الذكاء الاصطناعي لبعض الأخبار، وتصدّرها نتائج البحث قبل الأخبار، في تجربة اقتصرت على الولايات المتحدة وبريطانيا.

ويذكر أن «غوغل» أطلقت الخدمة عينها في 21 مايو (أيار) الماضي في الولايات المتحدة، لكنها أوقفت لاحقاً بعد الكشف عن «نتائج غير دقيقة أنتجت بواسطة الذكاء الاصطناعي». ومع أنه يندر لـ«غوغل» تقديم ملخصات لأحداث جارية، أبلغ خبراء «الشرق الأوسط» في لقاءات معهم عن قلقهم بشأن تأثير هذه الخطوة على «ظهور الصحف ومصادر الأخبار الرئيسية خلال عمليات البحث في مراتب متأخرة».

وفق نتائج نشرتها شركة «أوثوريتاس» للاستشارات البحثية على موقعها الرسمي، فإن 17 في المائة من نتائج البحث على «غوغل» في بريطانيا والولايات المتحدة تتصدرها ملخّصات مدعومة بالذكاء الاصطناعي، في حين يظهر مصدر الخبر في مراتب متأخرة. وقال الرئيس التنفيذي للشركة، لورانس أوتول، لـ«بريس غازيت»، إنه يعتقد أن خدمة ملخصات «غوغل» ستصبح «الأولوية في نتائج البحث»، وأشار إلى أن «غوغل لم تكن واضحة بشأن معايير نتائج محركات البحث، ما قد يؤثر على زيارات المواقع الإخبارية».

محمد الكبيسي، الباحث والمدرب العراقي في الإعلام الرقمي بفنلندا، قال: «إن ملخصات الأخبار المدعومة بالذكاء الاصطناعي من (غوغل) ربما تكون مفيدة؛ لكن إذا خضعت لضوابط الشفافية». وأوضح أن «هذه الخدمة قد تفيد الذين يبحثون عن معلومات سريعة وشاملة حول موضوعات معينة... وإذا طبّقت هذه التقنية بدقة، فإنها قد توفر قيمة مضافة للمستخدمين».

وعن تأثير هذا الاتجاه على الأخبار، شرح الكبيسي أن «هذا الاتجاه لا يعني بالضرورة تقليص حجم الأخبار، بل يمكن أن يكون تكميلياً، فالملخصات توفر نظرة عامة سريعة، في حين تظل المقالات الإخبارية المفصلة متاحة لأولئك الذين يرغبون في قراءة معلومات أعمق... ذلك أن الأمر يتعلق بتلبية احتياجات مختلفة من الجمهور».

من جهة ثانية، يؤيد الباحث العراقي حقوق الناشرين، موضحاً: «يجب أن تحقق ملخصات (غوغل) هذه عنصر الشفافية، وهذا مرهون بالإشارة إلى المصادر الأصلية. المصادر الإخبارية الأصلية عنصر أساسي لاستمرارية هذه الخدمات، كما أن إظهار المصادر بوضوح يسهم في ضمان الاعتراف الدقيق بالمحتوى الأصلي»، مشدداً على حتمية تكامل الجهود بين «غوغل» والناشرين لضمان تحسين الخدمات.

أما بشأن معارضة البعض لخدمات «غوغل» المدعومة بالذكاء الاصطناعي خوفاً على مستقبل الناشرين، فيرى محمد الكبيسي أن ثمة جهوداً يجب أن تُبذل من قبل الطرفين، «ومن المهم أن تعمل الصحف على تطوير استراتيجيات رقمية فعالة تتناسب مع التطور السريع في العالم الرقمي وآلياته، والتأكد من أن تقنيات الذكاء الاصطناعي تبرز المصادر بوضوح، كما أن التعاون مع مقدمي الخدمات، رُبما يمكن أن يسهم في تحقيق توازن بين الابتكار والحفاظ على حقوق المحتوى».

هذا، وفي تجربة أجرتها صحيفة «بريس غازيت» لقياس مدى تأثير ملخصات «غوغل» المدعومة بالذكاء الاصطناعي على الأخبار، وجدت أنه لدى البحث عن إجابة لسؤال: «مَن هم رؤساء تحرير الصحف الوطنية في بريطانيا؟»، يقدم «غوغل» ملخصاً بواسطة الذكاء الاصطناعي بوصفه نتيجة أولى. وأشارت إلى أن المعلومات التي استند إليها الملخص مصدرها تقرير سابق نشرته «بريس غازيت»، لكن الملخص لم يُشر لها بصفته مالكاً أصلياً للمعلومات، في حين ظهر رابط التقرير الأصلي في نتائج متأخرة على محرك البحث.

وتعليقاً على خدمة الملخصات الإخبارية من «غوغل»، قالت الدكتورة رضوى عبد اللطيف، مدير العلاقات الأكاديمية بمؤسسة «صحافة الذكاء الاصطناعي للبحث والاستشراف» في دبي، وخبيرة ومدربة الإعلام الرقمي وصحافة الذكاء الاصطناعي، لـ«الشرق الأوسط»: «إن (غوغل) عازمة على مواصلة طريقها نحو مشاريع الذكاء الاصطناعي، وفي هذا الإطار عقدت شراكات مع ناشرين بارزين بهدف مشاريع تغذية أدوات الذكاء الاصطناعي بالمعلومات... غير أن هذا لا يُشير إلى إمكانية الاستغناء عن المنصات الإخبارية، وإن شهدت تأثيراً يخص ظهورها على محرك البحث، ومن ثم تراجع الزيارات».

وتابعت رضوى عبد اللطيف: «في تجربة (غوغل) التي صدرت للمرة الأولى في مايو الماضي، أمكن رصد معلومات غير دقيقة، وهو أمر وارد ومقبول، لكن علينا أن نعي، سواء أكنا متخصصين أم حتى مستخدمين، أنه لا يمكن الاعتماد على الذكاء الاصطناعي وحده للحصول على المعلومات، بينما هو أداة لها حدود». وأضافت: «لا يمكننا الثقة بعد في قواعد بيانات أدوات الذكاء الاصطناعي، لا سيما أنه جرى رصد محتوى متحيز وغير دقيق؛ لذلك لا غنى عن المراجعة البشرية».

رضوى عبد اللطيف عدّت، من ناحية ثانية، أنه بوسع الناشرين حماية دورهم ومحتواهم، من خلال إبرام صفقات مع شركات التكنولوجيا على شاكلة «غوغل». وشرحت: «على الناشرين التكيف والاستفادة، من خلال قواعد تحمي حقوق الملكية للأرشيف، كما يجب أن يعمل الناشرون مع أكثر من محرك بحث لمقاومة نموذج الاحتكار الممثل في (غوغل)، الذي أضر بالصحف الفترة الماضية».