العقارات... وسيلة «الأثرياء الجدد» من الحوثيين لتبييض الأموال

منظر عام لمدينة صنعاء (رويترز)
منظر عام لمدينة صنعاء (رويترز)
TT

العقارات... وسيلة «الأثرياء الجدد» من الحوثيين لتبييض الأموال

منظر عام لمدينة صنعاء (رويترز)
منظر عام لمدينة صنعاء (رويترز)

ارتفعت أسعار العقارات والأراضي في العاصمة اليمنية صنعاء لتفوق أسعار مثيلاتها في دول المنطقة وحتى بعض دول أوروبا، كما زادت إيجاراتها بشكل غير منطقي، برغم أنها عملياً خارج سيطرة الدولة، وتعدُّ منطقة حرب، تفتقر للخدمات، ولم تحصل على شيء من التخطيط الحضري والعمراني، ما حوّلها إلى مدينة من العشوائيات.
وبين الحين والآخر يتناقل رواد مواقع التواصل الاجتماعي إعلانات عن أسعار عقارات للبيع، سواء كانت أراضي أو مباني، مستغربين ومتندرين من الأسعار الخيالية والإيجارات الباهظة والشروط المعقدة للحصول عليها، في حين تتوسع على الأرض حركة عمرانية بعشوائية وبلا مراعاة لأبسط شروط التخطيط العمراني.
ويؤكد تقرير حديث أن ميليشيات الحوثي نشطت في قطاع العقارات إلى جانب أنشطة أخرى مثل الصرافة لغسل الأموال التي حصلت عليها من نهب إيرادات وخزائن مؤسسات الدولة، والاستيلاء على أموال وأعمال المناهضين لهم، وهو ما دفع بأسعار العقارات، المرتفعة أصلاً، للارتفاع أكثر.
ويذكر تقرير «اقتصاد الحرب والأثرياء الجدد» الصادر مؤخراً عن مركز الدراسات والإعلام الاقتصادي (منظمة يمنية)، أن أيادي نافذي الميليشيات وغاسلي أموالها امتدت إلى قطاع العقارات، وأدى تبييض الأموال إلى نشوء طبقة جديدة تمتلك سيولة كبيرة لبناء وشراء العقارات بمبالغ تفوق الأرقام الواقعية والمعهودة، وخلقت عملية البناء والتشييد في صنعاء أحياء ومناطق جديدة.
وذهب قادة الميليشيات إلى شراء الأراضي والمباني العقارية التي كان من المستحيل على رجال الأعمال المغامرة بشرائها في زمن الدولة والسلم؛ نتيجة لتكاليفها الباهظة، ووفقاً لتقارير الجهاز المركزي للإحصاء لعام 2014؛ بلغ إجمالي تراخيـص البناء في العاصمة صنعاء خلال تلـك الفتـرة 34 ترخيصاً.
ووصل عدد تراخيص البناء في عام 2017 بحسب الجهاز المركزي في صنعاء إلى 358 ترخيصاً، ووفقاً لمصدر في وزارة الأشغال في حكومة الانقلابيين الحوثيين؛ فإن عملية البناء والتشييد في صنعاء دفعت نحو خلق أحياء ومناطق جديدة.
وبحسب ما يرى المراقبون؛ فإلى جانب النهب من أجل الإثراء؛ تسعى الميليشيات إلى تغيير التركيبة السكانية من خلال احتلال محيط العاصمة، وإسكان أفرادها وأنصار مشروعها فيه، وبناء تجمعات سكانية بهوية طائفية ومذهبية، بعد فشلها في إجبار المجتمع على تأييدها.
ويشرف القيادي الحوثي أحمد حامد على هيئة تابعة لمكتب رئاسة مجلس حكم الانقلاب، تُعرف بهيئة «تسكين المجاهدين»، وتعمل بسرية لتوفير مساكن وعقارات لعناصر الميليشيات الوافدين من محافظتي صعدة وحجة، وشراء وبناء فلل ومبانٍ للقيادات العليا في الميليشيا وتأمينها بمحيط بشري تابع لها.
وفي هذا الصدد، يوضح الباحث الاقتصادي اليمني عبد الواحد العوبلي، لـ«الشرق الأوسط»، أن الميليشيات حصلت على مصادر عديدة للإيرادات، ما سبب تراكم الأموال لديها، ونمت ثروات قادتها بسرعة قياسية، وكان من الضروري إيجاد طرق لإدخالها في أنشطة استثمارية دون إثارة الشبهات حولها، خصوصاً مع الرغبة في نقلها إلى الخارج لاستثمارها والاستفادة منها.
ويتابع بالقول: «يعدّ قطاع العقارات من أسهل القطاعات التي يمكن من خلالها تبييض الأموال في اليمن، حيث يعمل الحوثيون على شراء الأراضي ثم بيعها بأضعاف أضعاف أسعارها الحقيقية لإبعاد الشبهة عن الأموال التي بحوزتهم، وتتكرر هذه العمليات مرات عدة فيما بين السماسرة مع بعضهم من التابعين والمناوئين للجماعة الحوثية، فتتضاعف أسعار العقارات بشكل مطرد، وهي أسعار يمكن وصفها بالمبالغ فيها».
وبحسب العوبلي، فإن الكثير من العقارات تم الاستيلاء عليها إما من أملاك الدولة أو من أملاك رجال الأعمال والسياسيين والناشطين الهاربين من بطش الميليشيات، ولجأت الميليشيات إلى بيعها والمتاجرة بها بالأسعار التي تمكنها من تهريب الأموال وتبييضها، وكثيراً ما تتم عمليات البيع والشراء بين قادة الميليشيات ورجال الأعمال التابعين لها.
وحذر العوبلي المستثمرين ورجال الأعمال والمغتربين من شراء العقارات في العاصمة صنعاء أو مناطق سيطرة الحوثيين، كون هذا القطاع معرضاً للانهيار وتهاوي الأسعار فيه إلى مستوياتها الحقيقية أو أقل من ذلك، بمجرد توقف الحرب أو حدوث استقرار حتى ولو بشكل نسبي، وتنمية في سائر البلاد، حيث سيؤدي ذلك إلى هجرة السكان إلى المناطق ذات الفرص الاستثمارية الأوفر.
وأشار إلى أن أسعار العقارات في صنعاء كانت أعلى من قيمتها الفعلية قبل سيطرة الحوثيين، بسبب الفساد والمركزية الشديدة، حيث يشتري النافذون العقارات أو يستولون عليها، ثم يتاجرون بها عبر سلسلة طويلة من السماسرة، ما يؤدي إلى مضاعفة أسعارها في كل مرة، مؤكداً أن الحوثيين جاءوا على هذا الوضع، فعملوا على الاستفادة منه ومفاقمته أضعاف ما كان عليه في السابق.
وعن أثر هذه الممارسات في التخطيط العمراني، قال المهندس اليمني أحمد المذحجي، لـ«الشرق الأوسط»، إن متوسط الكثافة السكانية في المدينة ارتفع بشكل مفرط خلال السنوات الماضية بفعل استيلاء النافذين الجدد على العقارات، وقدومهم من الأرياف والمدن المجاورة مع عائلاتهم وأقاربهم ومرافقيهم، إضافة إلى المكافآت التي يتحصل عليها المقاتلون نتيجة مشاركتهم في الحرب، بمنحهم أراضي وعقارات في محيط المدينة.
ونبه المذحجي إلى غياب الإحصائيات الخاصة بالكثافة السكانية وأعداد المباني والمعيار التخطيطي المستخدم، وأن أغلب أعمال البناء تتم دون تراخيص، مع توسع أفقي يزيد من العشوائية ويصعِّب توفير الخدمات المختلفة، ويقضي على المساحات الزراعية والمياه الجوفية، ويعقد إمكانية تخطيط الضواحي الجديدة في المستقبل، ويقلل فرص استحداث مشروعات خدمية وترفيهية داخل الكتل العمرانية.


مقالات ذات صلة

الحوثيون يُخضعون إعلاميين وناشطين في الحديدة للتعبئة

المشرق العربي جانب من إخضاع الحوثيين سكاناً في مدينة الحديدة للتعبئة القتالية (فيسبوك)

الحوثيون يُخضعون إعلاميين وناشطين في الحديدة للتعبئة

بعد أن أخضعت العشرات منهم لدورات تدريبية تعبوية، منعت الجماعة الحوثية إعلاميين وصحافيين وناشطين حقوقيين في محافظة الحديدة اليمنية (223 كلم غرب صنعاء) من العمل.

«الشرق الأوسط» (صنعاء)
المشرق العربي جرافة حوثية تهدم محلاً تجارياً في إحدى المناطق التابعة لمحافظة الضالع (فيسبوك)

اعتداءات مسلحة أثناء تحصيل الحوثيين جبايات في الضالع

يتهم سكان محافظة الضالع اليمنية الجماعة الحوثية بارتكاب ممارسات إجرامية خلال تحصيل إتاوات تعسفية وغير قانونية من الباعة والتجار والسكان.

«الشرق الأوسط» (صنعاء)
العالم العربي مركز الملك سلمان وقع اتفاقية تعاون لتنفيذ مشروع العودة إلى المدارس في اليمن (واس)

«مركز الملك سلمان» يوقع اتفاقيات لتعزيز التعليم والصحة في اليمن

وقع «مركز الملك سلمان للإغاثة والأعمال الإنسانية»، اتفاقيات متنوعة لتعزيز القطاع التعليمي والطبي في محافظات يمنية عدة يستفيد منها ما يزيد على 13 ألف فرد.

«الشرق الأوسط» (الرياض)
العالم العربي انتهاكات جسيمة بحق الصحافة والصحافيين ارتكبتها الجماعة الحوثية خلال سنوات الانقلاب والحرب (إعلام محلي)

تأسيس شبكة قانونية لدعم الصحافيين اليمنيين

أشهر عدد من المنظمات المحلية، بالشراكة مع منظمات أممية ودولية، شبكة لحماية الحريات الصحافية في اليمن التي تتعرّض لانتهاكات عديدة يتصدّر الحوثيون قائمة مرتكبيها.

محمد ناصر (تعز)
العالم العربي أطفال مرضى السرطان في محافظة إب اليمنية خلال مشاركتهم في مخيم ترفيهي (فيسبوك)

الموت يهدّد آلاف مرضى السرطان في إب اليمنية

يواجه الآلاف من مرضى السرطان في محافظة إب اليمنية خطر الموت بسبب إهمال الرعاية الطبية وسط اتهامات للجماعة الحوثية بنهب الأدوية والمعونات

«الشرق الأوسط» (صنعاء)

طائرات سورية وروسية تقصف شمال غربي سوريا الخاضع لسيطرة المعارضة

TT

طائرات سورية وروسية تقصف شمال غربي سوريا الخاضع لسيطرة المعارضة

قوات جوية روسية وسورية تقصف مناطق خاضعة لسيطرة المعارضة في شمال غرب سوريا قرب الحدود مع تركيا (أ.ب)
قوات جوية روسية وسورية تقصف مناطق خاضعة لسيطرة المعارضة في شمال غرب سوريا قرب الحدود مع تركيا (أ.ب)

قال الجيش السوري ومصادر من قوات المعارضة إن قوات جوية روسية وسورية قصفت مناطق خاضعة لسيطرة المعارضة، شمال غربي سوريا، قرب الحدود مع تركيا، اليوم (الخميس)، لصد هجوم لقوات المعارضة استولت خلاله على أراضٍ لأول مرة منذ سنوات.

ووفقاً لـ«رويترز»، شن تحالف من فصائل مسلحة بقيادة هيئة تحرير الشام هجوماً، أمس (الأربعاء)، اجتاح خلاله 10 بلدات وقرى تحت سيطرة قوات الرئيس السوري بشار الأسد في محافظة حلب، شمال غربي البلاد.

وكان الهجوم هو الأكبر منذ مارس (آذار) 2020، حين وافقت روسيا التي تدعم الأسد، وتركيا التي تدعم المعارضة، على وقف إطلاق نار أنهى سنوات من القتال الذي تسبب في تشريد ملايين السوريين المعارضين لحكم الأسد.

وفي أول بيان له، منذ بدء الحملة المفاجئة قال الجيش السوري: «تصدَّت قواتنا المسلحة للهجوم الإرهابي الذي ما زال مستمراً حتى الآن، وكبَّدت التنظيمات الإرهابية المهاجمة خسائر فادحة في العتاد والأرواح».

وأضاف الجيش أنه يتعاون مع روسيا و«قوات صديقة» لم يسمِّها، لاستعادة الأرض وإعادة الوضع إلى ما كان عليه.

وقال مصدر عسكري إن المسلحين تقدموا، وأصبحوا على مسافة 10 كيلومترات تقريباً من مشارف مدينة حلب، وعلى بُعد بضعة كيلومترات من بلدتَي نبل والزهراء الشيعيتين اللتين بهما حضور قوي لجماعة «حزب الله» اللبنانية المدعومة من إيران.

كما هاجموا مطار النيرب، شرق حلب، حيث تتمركز فصائل موالية لإيران.

وتقول قوات المعارضة إن الهجوم جاء رداً على تصعيد الضربات في الأسابيع الماضية ضد المدنيين من قبل القوات الجوية الروسية والسورية في مناطق جنوب إدلب، واستباقاً لأي هجمات من جانب الجيش السوري الذي يحشد قواته بالقرب من خطوط المواجهة مع قوات المعارضة.

وفي الوقت نفسه، ذكرت وسائل إعلام إيرانية رسمية، اليوم (الخميس)، أن البريجادير جنرال كيومارس بورهاشمي، وهو مستشار عسكري إيراني كبير في سوريا، قُتل في حلب على يد قوات المعارضة.

وأرسلت إيران آلاف المقاتلين إلى سوريا خلال الصراع هناك. وبينما شمل هؤلاء عناصر من الحرس الثوري، الذين يعملون رسمياً مستشارين، فإن العدد الأكبر منهم من عناصر جماعات شيعية من أنحاء المنطقة.

وقالت مصادر أمنية تركية اليوم (الخميس) إن قوات للمعارضة في شمال سوريا شنَّت عملية محدودة، في أعقاب هجمات نفذتها قوات الحكومة السورية على منطقة خفض التصعيد في إدلب، لكنها وسَّعت عمليتها بعد أن تخلَّت القوات الحكومية عن مواقعها.

وأضافت المصادر الأمنية أن تحركات المعارضة ظلَّت ضمن حدود منطقة خفض التصعيد في إدلب التي اتفقت عليها روسيا وإيران وتركيا في عام 2019، بهدف الحد من الأعمال القتالية بين قوات المعارضة وقوات الحكومة.

وقال مصدر بوزارة الدفاع التركية إن تركيا تتابع التطورات في شمال سوريا عن كثب، واتخذت الاحتياطات اللازمة لضمان أمن القوات التركية هناك.

ولطالما كانت هيئة تحرير الشام، التي تصنِّفها الولايات المتحدة وتركيا منظمة إرهابية، هدفاً للقوات الحكومية السورية والروسية.

وتتنافس الهيئة مع فصائل مسلحة مدعومة من تركيا، وتسيطر هي الأخرى على مساحات شاسعة من الأراضي على الحدود مع تركيا، شمال غربي سوريا.

وتقول قوات المعارضة إن أكثر من 80 شخصاً، معظمهم من المدنيين، قُتلوا منذ بداية العام في غارات بطائرات مُسيرة على قرى تخضع لسيطرة قوات المعارضة.

وتقول دمشق إنها تشن حرباً ضد مسلحين يستلهمون نهج تنظيم القاعدة، وتنفي استهداف المدنيين دون تمييز.