جزائريون يطالبون حكومتهم بالانسحاب من اتفاق الشراكة مع الاتحاد الأوروبي

بعثت الأزمة السياسية والدبلوماسية الحادة بين الجزائر من جهة، وإسبانيا والاتحاد الاوروبي من جهة ثانية، الجدل مجددا حول «جدوى الإبقاء على اتفاق الشراكة الأورو متوسطي»، الذي يعتبره الجزائريون «مجحفا» لبلادهم، بحجة أنه در أرباحا كبيرة على أوروبا على حساب اقتصادهم المبني حصريا على مداخيل المحروقات.
وقالت الويزة حنون، زعيمة «حزب العمال» اليساري، أمس في اجتماع لكوادر الحزب بالعاصمة، إن «الأزمة مع إسبانيا وأوروبا تشجعنا على الخروج من اتفاق الشراكة بأسرع ما يمكن». وأكدت أن الوثيقة الاقتصادية والسياسية، التي تم التوقيع عليها عام 2002، «لم تعد بأي فائدة على الجزائريين، بل إنها أتاحت للأوروبيين التدخل في شؤوننا، كما هو الحال في قطاعي التعليم والقضاء».
وأضافت حنون أنه «لا ينبغي أن نخشى من أي عقوبات محتملة قد تلحق بالجزائر جراء الانسحاب من اتفاق الشراكة، وستكون خطوة مهمة لاستعادة استقلالنا الاقتصادي، وإنهاء تبعيتنا للاتحاد الاوروبي»، الذي اتهمت أعضاءه بـ«المسَ بسيادة الجزائر».
وتطالب غالبية الأحزاب الجزائرية، سواء المعارضة للسلطة أو الموالية لها، بمراجعة اتفاق الشراكة على أقل تقدير بعد 17 سنة من تطبيقه (دخل حيز التنفيذ في سبتمبر «أيلول» 2005)، بذريعة أنه كان مربحا تجاريا للأوروبيين، فيما لم يحقق منفعة للجزائر. وبحسب خبراء اقتصاديين، فإن عجز المنتوج الجزائري عن المنافسة كان سببا في عدم دخوله الأسواق الأوروبية.
وفي أكتوبر(تشرين الثاني) 2021، طلب الرئيس عبد المجيد تبون من حكومته «إعادة تقييم اتفاق الشراكة مع الاتحاد الأوروبي بندا بندا، وفق نظرة سيادية». وقبل ثلاثة أشهر نشب خلاف حاد بين الجزائر ومدريد بسبب إعلان رئيس الحكومة الإسبانية بيدرو سانشيز دعم خطة الحكم الذاتي المغربية في الصحراء. وعدت الجزائر ذلك «إخلالا بالقانون الدولي»، فعلقت «معاهدة الصداقة»، وجمدت المعاملات التجارية مع إسبانيا، باستثناء ما يتصل بإمدادات الغاز إلى الشريك الأوروبي. غير أن المفوضية الأوروبية أبدت استياء من هذا القرار، الذي عدَته «مسا ببنود الاتفاق»، على أساس أن تجميد التجارة سيلحق ضررا بعضو في الاتحاد الأوروبي، وهو إسبانيا، وهو ما اعتبرته الجزائر «مغالطة».
وبهذا الخصوص، قال سليم عثماني، رجل الأعمال وعضو «مؤسسة التفكير حول المؤسسة والسياسة الاقتصادية» (مستقلة عن الحكومة)، لـ«الشرق الأوسط»: «الجزائر لم تكن مهتمة بإبرام هذا الاتفاق، فيما خطت دول مجاورة هذه الخطوة قبل سنوات. وبمجيء عبد العزيز بوتفليقة إلى الحكم عام 1999، أطلق مساعي لوضع الجزائر على سكة التبادلات التجارية الدولية والاقتصاد العالمي، فطلب التفاوض بسرعة مع الاتحاد الأوروبي، بغرض عقد اتفاق شراكة معه. وقد كان التوقيع عليه أمرا سياسيا أكثر منه اقتصاديا، إذ تم الضغط على الأطرالجزائرية المفاوضة لإنهاء مسار المفاوضات بسرعة».
وأكد عثماني أن «الجميع احتفل بالتوقيع على الاتفاق دون الاطلاع عليه. كما لم يعارضه أي أحد. ربما كانت هناك أصوات متحفظة لكن لم تكن مسموعة. وما حدث بعدها هو أن لوبيات مصالح انتقدته لأنه ظهر لها مع بداية تنفيذه أنه يهدد احتكارها لبعض المنتجات والسلع. وقد مارست هذه اللوبيات نفوذا كبيرا لإعادة النظر في الاتفاق، ونجاحها في تحقيق ذلك كان سيضرب مصداقية الجزائر وبوتفليقة شخصيا، الذي أراد لهذا الاتفاق أن يكون».
وأضاف عثماني موضحا أن المشكلة هي أن الفاعلين الاقتصاديين والصحافة والمجتمع المدني «وقعوا أيضا في الفخ، وهو عدم مطالعة اتفاق الشراكة. ذلك أن الجميع ركز اهتمامه على فاتورة الاستيراد، أي أن الجزائر استوردت كذا مليارات من أوروبا ولم تصدر لها إلا الطاقة».
وتقول الحكومة الجزائرية إن المنتجات الأوروبية استفادت من إعفاءات جمركية تقارب 40 مليار دولار، بفضل اتفاق الشراكة. وفاقت قيمة البضائع الأوروبية المسوقة بالجزائر، حسبها، 250 مليار دولار منذ 2005. أما الصادرات الجزائرية خارج المحروقات، الموجهة للاتحاد، فلم تتعد 20 مليار دولار، حسب الحكومة، التي تشير إلى أن المادة الأولى من الاتفاق تنص على «تطوير المبادلات،وضمان علاقات اقتصادية واجتماعية متوازنة بين الأطراف، وتحديد شروط مناسبة للتحرير التدريجي لتبادل البضائع والخدمات ورؤوس الأموال».