خبراء لا يستبعدون انتقال «جدري القردة» عبر الهواء

بعد يوم واحد من توصية نشرتها مراكز السيطرة على الأمراض والوقاية منها بأميركا، تتعلق بأهمية ارتداء القناع للمسافرين الراغبين في حماية أنفسهم من «جدري القردة»، تم حذف التوصية الأسبوع الماضي، وقالت الوكالة الأميركية في بيان «تم إزالة توصية القناع من الإرشادات الخاصة بالوقاية من (جدري القردة) أثناء السفر؛ لأنها تسببت في حدوث ارتباك».
الارتباك الذي كانت تعنية الوكالة الأميركية في بيانها، هو ما حدث من تفسير لهذه التوصية بأنها دليل على وجود حقائق تتعلق بإمكانية انتقال الفيروس المسبب للمرض عبر الهواء مثل، الفيروس المسبب لـ«كوفيد - 19»، فهل حذف التوصية ينفي إمكانية حدوث ذلك؟
أغلب الخبراء اتفقوا في الإجابة عن هذا السؤال على أن الوسيلة الرئيسية لانتقال المرض هو الاتصال الوثيق مع شخص مصاب به؛ لذلك لا تزال الوكالة الأميركية تقول في توصياتها، إنه في البلدان التي ينتشر فيها «جدري القردة»، يجب على «جهات الاتصال المنزلية والعاملين في مجال الرعاية الصحية» التفكير في ارتداء الأقنعة، وينطبق هذا المبدأ التوجيهي أيضاً على «الأشخاص الآخرين الذين قد يكونون على اتصال وثيق بشخص تم تأكيد إصابته بجدري القردة».
وإذا كان الاتصال الوثيق هو الوسيلة الأساسية، فإن الخبراء يرون، أنه ليس معنى حذف الوكالة الأميركية توصية القناع عند السفر، هو استبعاد الانتقال عبر الهواء، فلا يزال هذا الاحتمال قائماً وإن كانت لا توجد تقديرات مؤكدة بشأن مدى إسهامه.
ومنذ 13 مايو (أيار) الماضي، عندما تم الإبلاغ عن الحالة الأولى في تفشي المرض، تم تشخيص أكثر من ألف شخص في 31 دولة بالفيروس، ويتم التحقيق في ألف حالة أخرى على الأقل.
في التفشيات السابقة، تم الإبلاغ عن غالبية الحالات في أولئك الذين كانوا على اتصال وثيق مع مريض أو حيوان مصاب، لكن في بعض الحالات، كان الانتقال الجوي هو التفسير الوحيد للعدوى؛ وهو ما جعل الخبراء يؤكدون على عدم إغفال هذه الأداة.
يقول دونالد ميلتون، خبير الفيروسات في جامعة ماريلاند الأميركية، في تقرير نشرته صحيفة «نيويورك تايمز» في 7 يونيو (حزيران) الحالي «يُفترض أن يتصرف (جدري القردة) إلى حد كبير مثل ابن عمه الفيروسي، الجدري، وفي مراجعة عام 2012 لانتقال الجدري، تم وصف حالات عدة لانتقال العدوى عبر الهواء».
ومن الحالات التي أشار لها ميلتون، هي إصابة مريض في مستشفى بنيويورك بالجدري عام 1947، نتيجة العدوى من مريض آخر، كان على ما يبدو على بعد سبعة طوابق في المستشفى، ثم عام 1970، أصاب مريض واحد أشخاصاً آخرين عدة في ثلاثة طوابق بمستشفى في ميشيد بألمانيا، بمساعدة التيارات الهوائية في المبنى.
كما لاحظ العلماء الذين درسوا تفشي مرض جدري القردة عام 2017 في نيجيريا حالات انتقال داخل السجن وسجلوا إصابات في عاملين في مجال الرعاية الصحية لم يكن لهما اتصال مباشر بالمرضى.
ويرفض ميلتون التحجج بأن تغيير مراكز مكافحة الأمراض والوقاية منها لتوصياتها يعد دليلاً على عدم ثبوت انتقال الفيروس عبر الهواء، وذكّر بإنكار الوكالة الأميركية في البداية، بأن الفيروس المسبب لـ«كوفيد - 19» ينتقل عبر الجزيئات المحمولة الهواء، حيث نشرت في سبتمبر (أيلول) 2020، إرشادات حول انتقال الفيروس عبر الهواء، ثم سحبتها فجأة بعد أيام قليلة، ولم تقر الوكالة أن الفيروس التاجي يمكن أن «يظل معلقاً في الهواء لدقائق إلى ساعات» حتى مايو 2021.
ويميل مارك تشالبيرج، عالم الفيروسات بالمعهد الوطني للحساسية والأمراض المعدية، هو الآخر لقراءة التاريخ عند إجاباته عن السؤال المتعلق بإمكانية الانتقال الجوي لفيروس جدري القردة.
يقول في التقرير الذي نشرته «نيويورك تايمز»: «معظم المعلومات حول فيروس جدري القردة، تم الحصول عليها من الدراسات التي أجريت على الجدري، وعلى مدى العقدين الماضيين، كان العلماء يدرسون كيفية انتشار الجدري، بما في ذلك وجوده في قطرات صغيرة تسمى الهباء الجوي، من أجل الاستعداد للمواجهة؛ خشية استخدامه المحتمل من قبل الإرهابيين البيولوجيين».
ويضيف «يعتقد معظم الناس أن الجدري ينتقل عادة عن طريق قطرات كبيرة، لكن لأي سبب من الأسباب، يمكن أن ينتقل أحياناً عن طريق رذاذ الجسيمات الصغيرة».
وشدد تشالبيرج على أن التخطيط لانتقال محتمل لجدري القردة عن طريق الهواء، يجب أن يحظى باهتمام خاص في المستشفيات؛ لأن الاحتياطات اللازمة لتجنب انتشار الفيروسات عبر الهباء الجوي ليست عالية.
يقول «ومع استمرار تفشي مرض جدري القردة، يقوم العديد من المرضى بالعزل في المنزل لأن أعراضهم خفيفة، وأفراد هذه المنازل قد يحتاجون إلى الأخذ في الاعتبار إمكانية انتقال العدوى عن طريق الجو».