مجري القحطاني لـ«الشرق الأوسط»: الإعلام الخليجي يحمل لواء المنافسة لمماثلة الإعلام العالمي

رئيس الجهاز الخليجي للإذاعة والتلفزيون يرى أن الساحة الإعلامية تنافسية وليست تكاملية

مجري بن مبارك القحطاني  -    شعار المهرجان
مجري بن مبارك القحطاني - شعار المهرجان
TT

مجري القحطاني لـ«الشرق الأوسط»: الإعلام الخليجي يحمل لواء المنافسة لمماثلة الإعلام العالمي

مجري بن مبارك القحطاني  -    شعار المهرجان
مجري بن مبارك القحطاني - شعار المهرجان

صرح مجري بن مبارك القحطاني، مدير عام جهاز إذاعة وتلفزيون الخليج، في حوار مع «الشرق الأوسط» بأن لدى الجهاز «رؤية لتحويل دوره وهويته، إلى اتحاد إعلامي خليجي يؤطر العمل الإعلامي، ويواكب المنظمات المهنية المشابهة على المستوى الإقليمي والعالمي». واعتبر «أن الساحة الإعلامية ساحة تنافس وليست ساحة تكامل، وأن مواثيق الشرف الإعلامي لا يمكن تطبيقها، وتتوقف عند تحديد أطر التنافس فقط، مع مراعاة الخطوط العامة وهموم المنطقة».
القحطاني أشار في الحوار إلى أن الإعلام الخليجي مؤثر على مستوى المنطقة، ويحمل لواء المنافسة لمماثلة الإعلام العالمي. كما قال إن الدعايات السلبية الممنهجة والموجهة ضد دول مجلس التعاون لن تتوقف، وهي محفز لرؤية كامل الصورة المتعلقة بنا، مع الإبقاء على فرص الحوار الذي يلتزم الاحترام والموضوعية».
وعلى مشارف انطلاق النسخة الخامسة عشر من مهرجان الخليج للإذاعة والتلفزيون، الذي تستضيفه مملكة البحرين بنهاية الشهر الجاري، قال القحطاني، إن «المهرجان الخليجي من المهرجانات القليلة التي تتطور من نسخة إلى أخرى، وأن طيفاً كاملاً من الجهد يبذل للتحفيز والتطوير والاهتمام بكل المبدعين»، لافتاً إلى أن جوائز المهرجان «كانت بطاقة عبور بالنسبة لمعظم نجوم الخليج، في تاريخهم الفني وسيرهم الشخصية».
كذلك لفت القحطاني إلى أن منطقة الخليج «تتميز بثراء المواهب، وقوة البنية التحتية، مع وجود بعض التحديات والفرص»، معبراً عن اهتمام المهرجان بالإعلام الرقمي، وبتنمية قدرات أبناء دول مجلس التعاون، والمؤسسات والهيئات الحكومية، وتحفيزها لتبني لغة العصر، باعتباره واجهة المستقبل.
وفيما يلي نص الحوار:
> ما أبرز ما ستركز عليه الدورة الخامسة عشر من مهرجان الخليج للإذاعة والتلفزيون؟
- «المهرجان الخليجي للإذاعة والتلفزيون، مهرجان تاريخي، بدأ عام 1980 في الكويت، واستمر فيها لثلاث دورات قبل انتقاله عام 1994 إلى البحرين واستمر فيها. وكان قد توقف لظروف مختلفة، من ضمنها غزو الكويت، وجائحة كوفيد - 19، وبعض المسببات في المنطقة... ولكن أبرز ما تركز عليه هذه النسخة من المهرجان، هي الإبقاء على تميزه وحضوره، كما كان طوال دوراته الماضية، بوصفه أكبر تجمع للإعلاميين والفنانين والمنتجين والمشاركين في الأعمال الإذاعية والتلفزيونية في العالم العربي.
أما الجديد في هذه النسخة، فهو التوسع في إتاحة الفرصة للصحافة الإلكترونية، التي لديها إنتاجات مرئية، للمشاركة في هذا المهرجان والمنافسة بأعمالها، كنوع من التحفيز، سيما وأن أعداد الصحف الإلكترونية الآن كبير في منطقة الخليج، ونستشرف فيها مستقبل الإعلام الرقمي والذكي، وتستحق بذلك مكافأة على هذا الجهد والتميز، استعداداً للمستقبل.
أيضاً قمنا بإبدال أسماء الجوائز الذهبية والفضية في المهرجان، إلى قيمة رمزية، وأصبحت باسم جائزة الشراع الذهبي والفضي، بهدف تعميق الهوية الخليجية والخصوصية التي يتمتع بها الإنسان وثقافته المحلية».
> يقدم المهرجان جوائز في الإعلام الرقمي... كيف يجري تصنيف وتقييم المواد المتعلقة بهذه الفئة؟
- «يفتح باب المشاركة في هذه المسابقة للأعمال التي ينتجها أبناء دول الخليج، وتشمل مواد تعتمد على المشاهد التمثيلية أو الرسوم المتحركة، والمؤثرات الصوتية والحركية، وتتناول المواضيع الاجتماعية والثقافية والرياضية والترفيهية... ويجري تقييم تلك المواد حسب شروط المسابقة، ومن ذلك أن تكون مقدمة باللغة العربية، والالتزام بالآداب العامة.
ثم إننا مهتمون عبر هذا الفرع من المسابقة، بتنمية قدرات الأفراد من أبناء دول مجلس التعاون، وكذلك المؤسسات والهيئات الحكومية التي لديها إنتاجات تصنف كإعلام رقمي، وتتطلب تحفيزاً للغة العصر، وتتعاطى مع جهاز ذكي ومتلقي أذكى. ونحن نتعامل الآن مع الإعلام الرقمي باعتباره واجهة المستقبل... ولذلك خصصت له عدة جوائز».
> هل ساهم جهاز إذاعة وتلفزيون الخليج في بلورة ميثاق إعلامي ورؤية موحدة، تخدم المشترك الخليجي بين دوله وشعوبه؟
«الساحة الإعلامية ساحة تنافس وليست ساحة تكامل. ونحن نعتقد بوجود التقارب وتوحيد الرؤى فيما يتعلق بأن يكون التنافس في أطر محددة. ولدى الجهاز الخليجي رؤية لتحويل دوره ومسماه وهويته ورسالته إلى مؤسسة أو هيئة خليجية أو اتحاد إعلامي خليجي، يؤطر العمل الإعلامي، ويواكب لكل المنظمات المهنية المشابهة على المستوى الإقليمي والعالمي... ولدينا اليوم أعضاء فاعلون من دول مجلس التعاون في تلك الاتحادات العالمية. ومن هنا نرى من الأولى أن يكون ذلك نواة للعمل الإعلامي الخليجي، وأن ينبثق من نفس هذه الطبيعة والمكانة. ومنطقة الخليج تتميز بثراء المواهب وقوة البنية التحتية، مع وجود بعض التحديات والفرص. ولهذا أنا ضد وجود ميثاق إعلامي، لأنه جهد مبذول مؤطر لا يحقق أي معايير أو يمكن تطبيقه، لكون الساحة الإعلامية تنافسية وليست تكاملية، مع وجود خطوط رئيسة للشعوب والقيادات وهموم للمنطقة، تعزز هوية المنطقة وريادتها... ينبغي مراعاتها وإبرازها والاهتمام بها».
> ما هو سبب الانقطاعات المتكررة للمهرجان، قبل استئنافه مجدداً هذا العام؟
- «عندما نعود لفترة توقف المهرجان من عام 1984 حتى عام 1994، ومرة أخرى خلال السنوات القليلة الماضية بسبب جائحة كوفيد - 19 التي شلت الحياة العامة في مجمل دول العالم، والخليج جزء من العالم. لقد تأثرت دول الخليج بالجائحة التي لا تزال بعض آثارها مستمرة، وقبل ذلك مرت بعض الظروف الأخرى التي شهدتها المنطقة... ونلاحظ أن الأسباب دائماً خارج إرادتنا. الأحداث الطارئة هي التي كانت تؤدي إما إلى غياب أو تأجيل تنظيم دورات المهرجان، والتأثير على مردوده، إلا أننا نحرص دائماً على تطبيق والتزام أعلى محددات ومعايير النجاح عند تنفيذه».
> انطلق المهرجان قبل 40 سنة... هل تلمس آثار منتجة لدورات المهرجان، وهل هناك رؤية لتطويره خلال السنوات المقبلة؟
- «أعتقد أن مهرجان الخليج للإذاعة والتلفزيون من المهرجانات القليلة التي تتطور من نسخة إلى أخرى. فقد بدأ باسم ملتقى الخليج للتلفزيون، ثم أضيفت الإذاعة، وتغير اسمه بعد مدة من ملتقى إلى مهرجان. وهذا يتجاوز المسميات إلى المعايير المتخذة والأساليب المتبعة، وطبيعة الجوائز وفئاتها، التي توسعت لاستهداف 40 حقلا في مجالات الإذاعة والتلفزيون والصحافة والإعلام الرقمي وخريجي الجامعات، وطيف كامل من الجهد يبذل للتحفيز والتطوير والاهتمام بكل المبدعين. ويكفي أن جوائز المهرجان كانت بطاقة عبور بالنسبة لمعظم نجوم الخليج، في تاريخهم الفني وسيرهم الشخصية... وهو علامة تميز في مسيرة كثرة من النجوم. ولدينا في هذه النسخة برنامج باسم «مروا من هنا» نركز من خلاله على نجوم العالم العربي الذين حصدوا جوائز في المهرجان، وتلقوا دعم وتشجيع خلال دوراته المختلفة».
> يواجه الخليج دعايات سلبية ممنهجة ضد دوله ومجتمعاته، فهل ستتبنى جلسات المهرجان عناوين لبلورة عمل ورسالة تتعامل مع هذه الدعاية الموجهة ضد الخليج؟
- «فيما يتعلق بالتعامل مع الدعايات السلبية ضد دول مجلس التعاون، نعتقد أنها لن تتوقف، بل نجدها محفزاً لرؤية كامل الصورة المتعلقة بنا، مع الإبقاء على فرص الحوار الذي يلتزم بالاحترام والموضوعية. وفي هذه الدورة من المهرجان، خصوصاً، نولي اهتمام بالهوية الخليجية... وخصصنا جوائز للبرامج الثقافية في الإذاعة والتلفزيون حول إبراز الهوية والمكانة التاريخية الخليجية، وجوانب الحضارة والسياحة والثقافة والطموحات لدى الإنسان الخليجي، وتسليط الضوء على التطور الكبير في هذه الجوانب.
وهنا نحن نواكب في ذلك بعض المبادرات الخليجية المركزية، مثل مبادرة السعودية الخضراء، والشرق الأوسط الأخضر... إذ خصصنا جائزة للبيئة باسم خليجنا أخضر، دعماً لهذا التوجه، وتثبيتاً لشراكتنا كخليجيين مع العالم في حماية الكرة الأرضية والكون وصون حياة البشرية.
وفي سياق متصل، نحن نشجب كل الدعايات المذهبية والعنصرية والآيديولوجية السلبية. وتجمعنا في المهرجان مهني وإعلامي، ولدينا دورات وورش عمل تتعلق بمستقبل الإعلام الخليجي، وتجارب شبابية في الإعلام حول النجومية والمسؤولية من مشاهير الإعلام الجديد، وثمة نقاش حول دور المرأة في الإعلام الخليجي، وإعادة النظر في انخراط غير المهنيين في مجالات الإعلام، كما نبحث وضع أطر تحدد المجال حتى لا يكون تجارة سوداء».
> تخوض دول الخليج تحدياً تنموياً كبيراً، وتستضيف مناسبات عالمية... كيف تقيم أداء مؤسسات الإعلام الخليجي، وهل تواكبت مع النقلات التنموية التي يشهدها الخليج اليوم؟
- «إننا نناقش باستمرار، وعلى مستوى القيادات، مستقبل الإعلام الخليجي. والجهاز له دور كبير في هذا الموضوع، ولدينا لجان عاملة في العمل الإذاعي والتلفزيوني والتوثيق الإعلامي والتدريب والمنتجات والفعاليات الكبرى التي تنظم على مستوى الخليج... وطبعاً الأداء متفاوت بسبب تغير المراحل، والآن نجد أن القدرات الشبابية والمرأة الخليجية يحتاجون إلى دعم وتمكين مستمرين، مع تمازج الخبرات لإنتاج إعلام خليجي مؤثر.
لا شك أن الإعلام الخليجي مؤثر على مستوى المنطقة، ويحمل لواء المنافسة لمماثلة الإعلام العالمي. وأعتقد أن لدينا نماذج إعلامية قادرة على الوصول إلى كل مكان في العالم، ولكن التحدي قائم ومستمر... ما يحتم أن يتوافر لدينا الطموح للنظر إلى الأمام، وتبني مشروع يتجاوز مجرد تسيير الأعمال في مداها القصير، ونأتي في ذلك بمثال رؤية السعودية 2030 التي وضعت ملامح العمل لآجال بعيدة. ومن هنا لا بد من وضع مشروع إعلامي يحاكي مكانة السعودية وبقية دول الخليج وتأثيرها في العالم.
علينا أن نستثمر البنية التحتية والمواهب الخليجية، والاعتماد على أبناء الخليج وضمان تمكينهم، وفهم السوق الإعلامي والإعلاني، والمتلقي الذي تطورت وظيفته، وفحص المستقبل والتوجهات الإعلامية الجديدة. ولقد حرصنا في الجهاز الخليجي على مجالات إدارة الأزمات، واستخدامات الذكاء الاصطناعي، والأمن السيبراني، وحققنا أرقام قياسية في تدريب شباب وشابات الخليج، وشعارنا الآن البناء للمستقبل واستشرافه، آملين أن نحقق كل طموحاتنا».


مقالات ذات صلة

لماذا تم حظر ظهور «المنجمين» على التلفزيون الرسمي في مصر؟

يوميات الشرق مبنى التلفزيون المصري «ماسبيرو» (تصوير: عبد الفتاح فرج)

لماذا تم حظر ظهور «المنجمين» على التلفزيون الرسمي في مصر؟

أثار إعلان «الهيئة الوطنية للإعلام» في مصر حظر ظهور «المنجمين» على التلفزيون الرسمي تساؤلات بشأن دوافع هذا القرار.

فتحية الدخاخني (القاهرة )
شمال افريقيا الكاتب أحمد المسلماني رئيس الهيئة الوطنية للإعلام (موقع الهيئة)

مصر: «الوطنية للإعلام» تحظر استضافة «العرّافين»

بعد تكرار ظهور بعض «العرّافين» على شاشات مصرية خلال الآونة الأخيرة، حظرت «الهيئة الوطنية للإعلام» في مصر استضافتهم.

«الشرق الأوسط» (القاهرة )
يوميات الشرق قرارات «المجلس الأعلى لتنظيم الإعلام» أثارت جدلاً (تصوير: عبد الفتاح فرج)

​مصر: ضوابط جديدة للبرامج الدينية تثير جدلاً

أثارت قرارات «المجلس الأعلى لتنظيم الإعلام» بمصر المتعلقة بالبرامج الدينية جدلاً في الأوساط الإعلامية

محمد الكفراوي (القاهرة )
الولايات المتحدة​ ديبورا والدة تايس وبجانبها صورة لابنها الصحافي المختفي في سوريا منذ عام 2012 (رويترز)

فقد أثره في سوريا عام 2012... تقارير تفيد بأن الصحافي أوستن تايس «على قيد الحياة»

قالت منظمة «هوستيدج إيد وورلدوايد» الأميركية غير الحكومية إنها على ثقة بأن الصحافي أوستن تايس الذي فقد أثره في سوريا العام 2012 ما زال على قيد الحياة.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
المشرق العربي شخص يلوّح بعلم تبنته المعارضة السورية وسط الألعاب النارية للاحتفال بإطاحة الرئيس السوري بشار الأسد في دمشق (رويترز)

فور سقوطه... الإعلام السوري ينزع عباءة الأسد ويرتدي ثوب «الثورة»

مع تغيّر السلطة الحاكمة في دمشق، وجد الإعلام السوري نفسه مربكاً في التعاطي مع الأحداث المتلاحقة، لكنه سرعان ما نزع عباءة النظام الذي قمعه لعقود.

«الشرق الأوسط» (دمشق)

رئيسة «منتدى مصر للإعلام» تُحذر من دمج «المؤثرين» في غرف الأخبار

نهى النحاس رئيسة «منتدى مصر للإعلام» (نهى النحاس)
نهى النحاس رئيسة «منتدى مصر للإعلام» (نهى النحاس)
TT

رئيسة «منتدى مصر للإعلام» تُحذر من دمج «المؤثرين» في غرف الأخبار

نهى النحاس رئيسة «منتدى مصر للإعلام» (نهى النحاس)
نهى النحاس رئيسة «منتدى مصر للإعلام» (نهى النحاس)

في ظل صراعات وحروب إقليمية متصاعدة وتطورات ميدانية متسارعة، لعب الإعلام أدواراً عدة، سبقت في بعض الأحيان مهمات القوات العسكرية على الأرض؛ ما ألقى بظلال كثيفة على وسائل الإعلام الدولية. تزامن ذلك مع زيادة الاعتماد على «المؤثرين» ونجوم مواقع التواصل الاجتماعي كمصادر للأخبار؛ ما دفع رئيسة «منتدى مصر للإعلام»، نهى النحاس، إلى التحذير من دمج «المؤثرين» في غرف الأخبار.

وفي حوارها مع «الشرق الأوسط»، عدّت نهى دمج «المؤثرين» في غرف الأخبار «خطأً مهنياً»، وقالت إن «صُناع المحتوى و(المؤثرين) على منصات التواصل الاجتماعي يقدمون مواد دون التزام بمعايير مهنية. ودمجهم في غرف الأخبار كارثة مهنية».

وأشار تقرير نشره «معهد رويترز لدراسات الصحافة»، أخيراً، إلى «نمو في الاعتماد على مؤثري مواقع التواصل الاجتماعي كمصادر للأخبار». ومع هذا النمو باتت هناك مطالبات بإدماج صناع المحتوى في غرف الأخبار. لكن نهى تؤكد أن الحل ليس بدمج المؤثرين، وتقول: «يمكن تدريب الصحافيين على إنتاج أنواع من المحتوى تجذب الأجيال الجديدة، لكن يجب أن يكون صانع المحتوى الإعلامي صحافياً يمتلك الأدوات والمعايير المهنية».

وتعد نهى «الإعلام المؤسسي أحد أبرز ضحايا الحروب الأخيرة»، وتقول إن «الإعلام استُخدم باحة خلفية للصراع، وفي بعض الأحيان تَقدمَ القوات العسكرية، وأدى مهمات في الحروب الأخيرة، بدءاً من الحرب الروسية - الأوكرانية وصولاً إلى حرب غزة».

وتبدي نهى دهشتها من الأدوار التي لعبها الإعلام في الصراعات الأخيرة بعد «سنوات طويلة من تراكم النقاشات المهنية ورسوخ القيم والمبادئ التحريرية».

وتاريخياً، لعب الإعلام دوراً في تغطية الحروب والنزاعات، وهو دور وثّقته دراسات عدة، لكنه في الحروب الأخيرة «أصبح عنصراً فاعلاً في الحرب؛ ما جعله يدفع الثمن مرتين؛ أمام جمهوره وأمام الصحافيين العاملين به»، بحسب نهى التي تشير إلى «قتل واغتيال عدد كبير من الصحافيين، واستهداف مقرات عملهم في مناطق الصراع دون محاسبة للمسؤول عن ذلك، في سابقة لم تحدث تاريخياً، وتثبت عدم وجود إرادة دولية للدفاع عن الصحافيين».

وتقول نهى: «على الجانب الآخر، أدت ممارسات مؤسسات إعلامية دولية، كانت تعد نماذج في المهنية، إلى زعزعة الثقة في استقلالية الإعلام»، مشيرة إلى أن «دور الإعلام في الحروب والصراعات هو الإخبار ونقل معاناة المدنيين بحيادية قدر المستطاع، لا أن يصبح جزءاً من الحرب وينحاز لأحد طرفيها».

نهى النحاس

وترفض نهى «الصحافة المرافقة للقوات العسكرية»، وتعدها «صحافة مطعوناً في صدقيتها»، موضحة أن «الصحافي أو الإعلامي المرافق للقوات ينظر للمعركة بعين القوات العسكرية التي يرافقها؛ ما يعني أنه منحاز لأحد طرفَي الصراع». وتقول: «عندما ينخرط الصحافي مع جبهة من الجبهات لا يعود قادراً على نقل الحقائق».

وضعت الحروب الأخيرة الصحافيين في غرف الأخبار «أمام واقع جديد جعل أصواتهم غير مسموعة في مؤسساتهم، في بعض الأحيان»، وتوضح نهى ضاربة المثل بالرسالة المفتوحة التي وقّعها عدد من الصحافيين في صحيفة «لوس أنجليس تايمز» الأميركية ضد تغطية حرب غزة وتجاهل قتل عدد كبير من الصحافيين، والتي أدت في النهاية إلى إيقافهم عن تغطية حرب غزة.

زعزعت الانحيازات الإعلامية في التغطية، الثقة في استقلالية الإعلام، وأفقدت مؤسسات إعلامية كبرى مصداقيتها، بعد أن كانت حتى وقت قريب نماذج للالتزام بالمعايير المهنية. ورغم ما فقدته مؤسسات الإعلام الدولية من رصيد لدى الجمهور، لا تتوقع نهى أن «تقدم على تغيير سياستها؛ لأن ما حدث ليس مجرد خطأ مهني، بل أمر مرتبط بتشابك مصالح معقد في التمويل والملكية». ولفتت إلى أن «الحروب عطّلت مشروعات التطوير في غرف الأخبار، وأرهقت الصحافيين نفسياً ومهنياً».

وترى أن تراجع الثقة في نماذج الإعلام الدولية، يستدعي العمل على بناء مدارس إعلامية محلية تعكس الواقع في المجتمعات العربية، مشيرة إلى وجود مدارس صحافية مميزة في مصر ولبنان ودول الخليج لا بد من العمل على تطويرها وترسيخها بعيداً عن الاعتماد على استلهام الأفكار من نماذج غربية.

بناء تلك المدارس الإعلامية ليس بالأمر السهل؛ فهو بحسب نهى «يحتاج إلى نقاش وجهد كبير في التعليم وبناء الكوادر وترسيخ الإيمان بالإعلام المستقل». وهنا تؤكد أن «استقلالية الإعلام لا تعني بالضرورة تمويله من جهات مستقلة، بل أن تكون إدارته التحريرية مستقلة عن التمويل قدر الإمكان»، مشددة على أن «التمويل العام لوسائل الإعلام مهم ومرحّب به، لا سيما في لحظات الاستقطاب السياسي؛ حتى لا يلعب المال السياسي دوراً في تخريب مصداقية المؤسسة».

غيّرت الحروب غرف الأخبار وألقت بظلالها على طريقة عملها، لتعيد النقاشات الإعلامية إلى «الأسس والمعايير والأخلاقيات»، تزامناً مع تطورات تكنولوجية متسارعة، ترى نهى أنها «ضرورية لكن كأدوات لإيصال الرسالة الإعلامية بفاعلية».

من هذا المنطلق، ترفض نهى التوسع في مناقشة قضايا الذكاء الاصطناعي على حساب القضايا المهنية، وتقول: «نحتاج إلى إعادة تثبيت وترسيخ القواعد المهنية، ومن ثم الاهتمام بالأدوات التي تسهل وتطور الأداء، ومن بينها الذكاء الاصطناعي الذي لا يمكن إنكار أهميته».

وتضيف: «إذا كان الأساس به خلل، فإن الأداة لن تعالجه؛ لذلك لا بد من مناقشات في غرف الأخبار حول الأسس المهنية لاستعادة الجمهور الذي انصرف عن الأخبار».

وبالفعل، تشير دراسات عدة إلى تراجع الاهتمام بالأخبار بشكل مطرد، تزامناً مع تراجع الثقة في الإعلام منذ جائحة «كوفيد-19»، وتزايد ذلك مع الحرب الروسية - الأوكرانية. ووفقاً لمعهد «رويترز لدراسات الصحافة»، فإن «نحو 39 في المائة من الجمهور أصبحوا يتجنبون الأخبار».

وهنا تقول نهى إن «الثقة تتراجع في الإعلام بشكل مطرد؛ لأن الجمهور يشعر أن صوته لم يعد مسموعاً، إضافة إلى تشبع نسبة كبيرة من الجمهور بأخبار الحرب، إلى حد مطالبة البعض بنشر أخبار إيجابية». وتضيف أن «هذا التراجع امتزج مع صعود منصات التواصل التي أصبحت يُخلط بينها وبين الإعلام المؤسسي، لا سيما مع ما قدمته من متابعات للحروب والصراعات الأخيرة».

وتشير رئيسة «منتدى مصر للإعلام» إلى أن «الحروب الأخيرة في أوكرانيا وغزة وضعت أعباء مالية، وفرضت محتوى مختلفاً على المؤسسات الإعلامية أدى إلى زيادة تجنب الجمهور للأخبار»، بحسب ما جاء في دراسة نشرها معهد «رويترز لدراسات الصحافة»؛ ما يستلزم البحث عن وسائل لإعادة جذبه، أو لـ«غرفة أخبار ثالثة» كما فعلت صحيفة «واشنطن بوست» الأميركية، مستهدفة «جذب مزيد من القراء وزيادة الموارد».

وتستهدف «غرفة الأخبار الثالثة» إنشاء محتوى خاص لمنصات التواصل الاجتماعي، ومقاطع فيديو قصيرة تتناول موضوعات متنوعة لجذب الأجيال المرتبطة بالهواتف الذكية.

ويعد التدريب واحداً من أدوار المنتديات الإعلامية، ومن بينها «منتدى مصر للإعلام». وأوضحت نهى، في هذا المجال، أن «المنتديات الإعلامية هي تعبير عن الواقع الإعلامي لدولةٍ أو منطقةٍ ما، ونقطة تلاقٍ لمناقشة قضايا ومعارف مهنية، وملاحقة التطورات التكنولوجية».

وكان من المقرر عقد النسخة الثالثة من «منتدى مصر للإعلام» نهاية نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، لكن تم تأجيلها «بسبب الأحداث المتلاحقة والمتسارعة في المنطقة والتي كانت ستؤثر على حضور بعض ضيوف (المنتدى)»، بحسب نهى التي تشير إلى أنه «سيتم عقد النسخة الثالثة من (المنتدى) منتصف 2025».

وتوضح أنه «يجري حالياً مراجعة أجندة (المنتدى) وتحديثها وتغييرها استعداداً للإعلان عنها في الربع الأول من العام المقبل»، مشيرة إلى أنه لم يتم الاستقرار بعدُ على عنوان النسخة الثالثة، وإن كان هناك احتمال للإبقاء على عنوان النسخة المؤجلة «يمين قليلاً... يسار قليلاً!».

وتقول نهى إن «منتدى مصر للإعلام» سيركز كعادته على المناقشات المهنية والتدريبات العملية، لا سيما «منصة سنة أولى صحافة» المخصصة لتقديم ورش تدريبية لطلاب الإعلام تتناول الأساسيات والمعايير المهنية.

وتختتم حديثها بالتأكيد على أن الالتزام بالمعايير المهنية هو الأساس لبقاء الإعلام المؤسسي، مجددة الدعوة لفتح نقاشات جادة بشأن مأسسة نماذج إعلام محلية في المنطقة العربية.