الأمير علي بن الحسين وأحلام «عرش الفيفا»

سقط السويدي يوهانسون والكاميروني حياتو فهل تتغير موازين القوى ويخسر بلاتر

الأمير علي بن الحسين وأحلام «عرش الفيفا»
TT

الأمير علي بن الحسين وأحلام «عرش الفيفا»

الأمير علي بن الحسين وأحلام «عرش الفيفا»

«أنا ابن ملك وشقيق ملك.. إن لم تكن لدي روح المبادرة والشجاعة للوقوف في وجه بلاتر (في انتخابات رئاسة الاتحاد الدولي لكرة القدم المقررة بعد غد الجمعة في زيوريخ السويسرية) فلا أستحق أن أكون موجودا في إدارة كرة القدم على مستوى فيفا.. لن أكون مخلصا وأنا أصمت وأكتفي بعضويتي التنفيذية في الاتحاد الدولي لكرة القدم أو الاتحاد الآسيوي في ظل الظروف التي تعيشها أسرة كرة القدم العالمية.. لا لا.. هذه ليست أخلاقياتي».
كانت هذه هي أهم جملة طويلة قالها الأمير علي بن الحسين خلال حديثه الخاص لـ«الشرق الأوسط» في الرابع من مايو (أيار) الماضي لكنها كانت حقيقة لمعرفة ما يجري في كواليس المؤسسة الكروية الأهم في العالم التي تجني سنويا مليارات الدولارات دون أن تكون هناك فائدة واضحة وملموسة لأكثر من 180 اتحادا وطنيا فقيرا من بين 209 اتحاد منضو تحت لواء فيفا.

الأمير علي بن الحسين ولد يوم الـ23 من شهر ديسمبر (كانون الأول) من عام 1975 ودرس في الكلية العلمية الإسلامية في عمان ثم درس في «سلسبيري» بكنتاكي في أميركا عام 1993 ثم التحق بكلية ساند هيرست العسكرية الملكية وعين فور انتهاء دراسته في القوات المسلحة الملكية الأردنية ويشغل حاليا منصب رئيس الاتحاد الأردني لكرة القدم ورئيس اتحاد غرب آسيا لكرة القدم فضلا عن منصبه كنائب رئيس للاتحاد الدولي لكرة القدم الذي فاز به في يناير (كانون الثاني) من عام 2011 الماضي.
تزوج الجزائرية ريم الإبراهيمي ابنة الدبلوماسي الجزائري المخضرم الأخضر الإبراهيمي لتلقب بعد ذلك بالأميرة ريم علي ولهما من الأبناء الأميرة الجليلة «2005» والأمير عبد الله «2007».
يبدو الأمير علي بن الحسين عاشقا لروح التحدي وهو الأمر الذي جعله محط أنظار الآسيويين والعالم خلال يناير 2011 الماضي حينما نافس الكوري المخضرم تشونغ مونغ جون على منصب نائب رئيس الاتحاد الدولي لكرة القدم عن قارة آسيا حيث كان الأخير يهيمن عليه لأكثر من عقد من الزمان لكن الأمير علي بن الحسين وسط ارتفاع وتزايد طموحاته في المناصب الكروية بهدف الارتقاء باللعبة كان يريد الوصول إلى فيفا من خلال هذا المنصب.
لم يصل الأمير علي بن الحسين إلى كرسي «نائب رئيس فيفا عن قارة آسيا» إلا من خلال حرب انتخابية كان لها وقعها على مستوى القارة حيث بدأت الانقسامات في آسيا عقب ذلك اليوم حيث كان يدعمه في تلك الفترة الشيخ أحمد الفهد الصباح الذي يشغل منصب رئيس المجلس الأولمبي الآسيوي وهو المعروف بقدرته على إدارة التكتلات واللوبيات في عالم كرة القدم وكذلك في الرياضة بشكل عام.
وقف الشيخ أحمد الفهد الصباح إلى جانب الأمير علي بن الحسين ضد الكوري تشونغ الذي كان يدعمه في تلك الفترة للبقاء في المنصب القطري الشهير محمد بن همام لكن الأمير الأردني نجح في الفوز بالمنصب عقب معركة انتخابية كبرى شهدتها الدوحة في يناير 2011 لينجح في كسب 25 صوتا مقابل 20 صوتا للكوري تشونغ.
دخل الأمير علي بن الحسين دهاليز فيفا لكن طموحاته لم تكن تتوقف عند منصب «نائب رئيس فيفا» إذ واصل العمل على إضفاء المزيد من الأفكار في اللعبة إذ قاتل وناضل من أجل السماح للسيدات بارتداء الحجاب في مباريات كرة القدم الخاصة بالسيدات ونجح في ذلك من خلال تمرير مقترحه الذي قدمه للجمعية العمومية في الاتحاد الدولي لكرة القدم وتم التصويت عليه بالموافقة بغالبية كاسحة ليحقق في تلك الفترة نصرا كبيرا له على الصعيد الشخصي وللسيدات الراغبات في استخدام الحجاب في اللعبة دون الخضوع لقانون فيفا الذي كان يرفض ذلك قبل عام من الآن.
كانت علاقة الأمير علي بن الحسين بالسويسري جوزيف سيب بلاتر جيدة في السنوات الأولى من انتخابه لكن فوز الشيخ سلمان بن إبراهيم آل خليفة بمنصب رئيس الاتحاد الآسيوي لكرة القدم غير الكثير من المفاهيم لدى الأمير علي بن الحسين إذ أراد آل خليفة أن يكون المنصب الذي يجلس عليه الأمير الأردني مرتبطا بمقعد رئيس الاتحاد الآسيوي لكرة القدم وهي الفكرة التي كان يريد تمريرها القطري محمد بن همام لكن الظروف لم تشأ في أن تتشكل في عام 2010 الماضي ليأتي آل خليفة ويعمل عليها ثم يضعها كمقترح للتصويت في كونغرس ساوباولو الذي عقد على هامش كأس العالم 2010 التي جرت في البرازيل لتجد موافقة حاسمة من الاتحادات الوطنية الآسيوية الأعضاء في الاتحاد القاري.
ولم يجد الأمير علي بن الحسين وقتها سوى الهجوم الكاسح على الشيخ سلمان آل خليفة بسبب الدمج المتوقع لمنصب رئاسة الاتحاد القاري مع منصب نائب رئيس الاتحاد الدولي في عام 2015.
وقال الأمير علي بن الحسين وقتها: «تعقيبًا على الأحداث الأخيرة المتعلقة بموقف الاتحاد الآسيوي من منصب نائب رئيس الاتحاد الدولي، أخاطبكم في ضوء وجود جهود مكثفة لدمج رئاسة الاتحاد الآسيوي مع منصب نائب رئيس الاتحاد الدولي في عام 2015 وبالتالي إلغاء المنصب الذي تم انتخابي لأمثله على الصعيدين الآسيوي والعالمي فور انتهاء مدة الخدمة».
ورأى الأمير علي أنه تقلد المنصب بعد انتخابات ديمقراطية في يناير 2011 «والذي حمل مهامه من سبقني أكثر من خمسة عشر عاما».
وتابع: «تقدمت الاتحادات الوطنية التالية بطلب الدمج: اتحادات أفغانستان وكوريا الشمالية وإندونيسيا وباكستان والبحرين وقطر واليمن وسريلانكا، ومن المقرر أن يتم طرح اقتراحهم على كونغرس الاتحاد الآسيوي الذي سيقام في البرازيل في يونيو (حزيران) المقبل».
ورأى الأمير علي أنه «مع بالغ احترامي وتقديري لهذه الاتحادات إلا أنني أتحفظ وبشدة على قرارهم، هذا للأسباب التالية التي ناقشتها مع زملائي في اللجنتين التنفيذيتين في كل من الاتحادين الدولي والآسيوي: هذا الاقتراح قد تم طرحه في كونغرس الاتحاد الآسيوي في مايو الماضي بناء على طلب الاتحادات الباكستانية والنيبالية والسريلانكية، وقوبل بالرفض من الأغلبية العظمى حيث صوت 98 في المائة من الدول الأعضاء ضد الدمج مما يعني أن الكونغرس ذاته الذي انتخب الرئيس الحالي للاتحاد قد اتخذ قراره بشأن الاقتراح قبل سنة مضت. ثانيًا، أقف أمامكم مؤمنا بالأهمية الفائقة لفصل السياسة عن الرياضات كافة ومنها كرة القدم وانطلاقًا من قناعتي التامة بضرورة خلو اللعبة من المصالح الشخصية واستغلال المناصب، وإن هذه لقاعدة أساسية عملت بها طوال خمسة عشر عاما من خدمتي الكروية».
وأضاف: «ثالثًا، لقد فوجئنا بظهور هذا الاقتراح خلال الأشهر الماضية تحت قيادة الرئيس الحالي للاتحاد الآسيوي ونيل هذا المطلب على حصة الأسد من أجندته للقارة الآسيوية، ويؤسفنا اتخاذه وعدد من مسؤولي الكرة في الاتحاد لهذا المسار السياسي عوضًا عن تركيز الطاقات على تطوير اللعبة في قارتنا ومواجهة التحديات التي تحتاج تكاتفنا في كافة المجالات كالتسويق وقطاع الناشئين والكرة النسوية والشفافية واللعب النظيف والقائمة تطول، كما يؤسفنا أن يكرس الرئيس جزءًا كبيرًا من وقته وجهده في الأيام الماضية في محاولة استمالة أصوات الاتحادات بدل العمل يدًا بيد لما فيه خير لكرة القدم في آسيا».
ورأى نائب رئيس الاتحاد الدولي أنه «بمقدور رئيس الاتحاد الآسيوي أن يترشح لمنصب نائب رئيس الاتحاد الدولي أو كعضو ممثل عن آسيا في اللجنة التنفيذية للاتحاد الدولي حيث يضمن له القانون هذا الحق بطريقة ديمقراطية وعادلة».
وأضاف: «أجد في استمرار فصل المنصبين حكمة ونفعًا لكرة القدم في القارة حيث يسمح ذلك لنائب رئيس الاتحاد الدولي أن يرعى شؤون الكرة الآسيوية ضمن الاتحاد الدولي، ويمكن رئيس الاتحاد الآسيوي من التركيز على واجبه الضخم أمام التحديات التي تواجهها الكرة الآسيوية وتنمية اللعبة وتطويرها. وإن الاتحاد الآسيوي ليس متفردا في تطبيق هذا النظام كما أن هناك اتحادًا قاريا يمثل عنه أكثر من نائب واحد لرئيس الاتحاد الدولي».
هذا الهجوم الكبير الذي مارسه الأمير علي بن الحسين في هذه القضية تحديدا كان رسالة واضحة لكل متابعي الكرة الآسيوية أن فجوة الخلاف ستزداد وهو ما جعله يفكر في اتخاذ خطوة أبعد طالما أن منصبه سيكون في مهب الريح وأنه سيغادر مركزه الحالي كنائب لرئيس الاتحاد الدولي لكرة القدم.
ومع تزايد فجوة الخلاف الدائرة بين الاتحاد الأوروبي لكرة القدم وبين بلاتر من جهة.. وبين الاتحادات الكروية الكبرى في العالم مثل الاتحاد الإنجليزي والألماني والأسترالي والأميركي والهولندي والبرتغالي مع السويسري جوزيف بلاتر كان الحديث عن شخصية يتم تجهيزها من قبل «يويفا» والمعارضين لبلاتر في الانتخابات المقبلة المقررة نهاية مايو الحالي لتسارع الأيام دورتها وتتسرب حينها إمكانية ترشح الأمير علي بن الحسين لرئاسة الاتحاد الدولي لكرة القدم ضد بلاتر.
كان شهر يناير من العام الحالي تاريخيا في مسيرة الأمير علي بن الحسين حيث شهد ترشحه لرئاسة فيفا التي تعد الأعلى على مستوى اللعبة لكن كثيرين كانوا يقولون إن الأمير الأردني يلعب بالنار على اعتبار أنه يواجه خصما لا يمكن لأحد أن ينافسه لا سيما أن مسؤولا كبيرا مثل الفرنسي ميشال بلاتيني فضل عدم الزج باسمه في معركة يراها خاسرة أمام شخصية مخضرمة تجيد لعبة الانتخابات والتكتلات على مستوى العالم وهي الممثلة بالسويسري جوزيف بلاتر الذي لم يقف أحد في وجهه حيث سقط أمامه السويدي لينارت يوهانسون في يونيو 1998 حيث نال بلاتر 111 صوتا مقابل 80 ليوهانسون.
ولم تكن هذه المعركة الانتخابية هي الأولى لبلاتر بل خاض بعدها بأربعة أعوام وتحديدا عام 2002 معركة أقوى لكنها أكثر حسما حينما أطاح بالكاميروني عيسى حياتو بفوزه عليه بـ139 صوتا مقابل 56 صوتا لحياتو ليتكرس في ذهنية كل الراغبين في كرسي فيفا أن إسقاط رجل مثل بلاتر يبدو أمرا مستحيلا في عالم الانتخابات.
هل ستكون المعركة الثالثة بالنسبة لبلاتر ثابتة أم تتغير لمصلحة الأمير علي بن الحسين الذي حول أصوات نحو 50 اتحادا على مستوى العالم في الأسبوع الماضي لمصلحته بعد محاولات إقناع مارسها مع الهولندي فان براغ والبرتغالي لويس فيغو اللذين انسحبا لمصلحة الأمير الأردني..!؟
كثيرون يرون أنه مهما كانت الرغبة حاضرة بالنسبة للاتحادات الكبرى والعريقة على مستوى العالم مثل «اليويفا» كاتحاد قاري واتحادات وطنية مثل الإنجليزي والإيطالي والهولندي والألماني والفرنسي والأميركي والأسترالي لتغيير منصب رئيس فيفا فإنهم لن يقدروا على ذلك على اعتبار أن المتحكمين في هذا المنصب هي الاتحادات الغنية الحاضرة في آسيا ويقودها في ذلك المجلس الأولمبي الآسيوي بقيادة الشيخ أحمد الفهد والتي بلا شك هي التي تحدد وجهة «رئيس أعلى سلطة كروية في العالم»..؟!
خبراء الانتخابات الكروية دائما كانوا يرددون أن الفائز بمنصب رئيس الاتحاد الدولي لكرة القدم لا بد أن يحظى أولا بموافقة آسيا وأفريقيا أما أوروبا فتاريخها منذ أكثر من 5 عقود يؤكد أنها غير قادرة على اختيار من تريد.
الأمير علي بن الحسين يخوض بعد غد الجمعة أعتى وأشرس انتخابات في مسيرته الإدارية الكروية ويؤكد ذلك بقوله لـ«الشرق الأوسط»: «أعرف أن خطوتي بالترشح لرئاسة فيفا تشير لي إما بالبقاء على رأس السلطة الكروية الأعلى في العالم أو المغادرة نهائيا عن واجهة اللعبة عالميا والاكتفاء برئاسة اتحاد غرب آسيا والاتحاد الأردني».
نزاهة فيفا التي يعول عليها الأمير علي بن الحسين في برنامجه الانتخابي والرغبة في مضاعفة إيرادات الاتحادات الوطنية لا سيما الفقيرة هي هدفه الرئيسي كمرشح وتغيير نظرة العالم لهذه المؤسسة لتكون مؤسسة واضحة وشفافة هي الهدف بالنسبة له فضلا عن أنه يريد أن يطلع كافة الاتحادات الوطنية الـ209 فضلا عن الأعضاء التنفيذيين الـ24 على كافة مصروفات وإيرادات وعقود فيفا التي أكد فيها لـ«الشرق الأوسط» أنها سر عظيم لا يمكن معرفته مع بلاتر حاليا وهو ما يثير الشكوك حول الكثير من ملفات فيفا السرية التي تعب الأعضاء في الحديث عنها بلا فائدة.
الخبراء يتساءلون.. كم سيحقق الأمير علي بن الحسين من أصوات في الانتخابات المقررة الجمعة؟.. هل ينجح في تجاوز رقم يوهانسون الذي حقق 80 صوتا وهو الرقم الأعلى من الأصوات التي حصدها الكاميروني حياتو والبالغة 56 صوتا.. هل سيكون العدد لا يتجاوز الـ45 صوتا بحسب ما يتردد من حلفاء بلاتر..؟ أم ينجح بلاتر في الفوز للمرة الثالثة في تاريخه بفوز كاسح من خلال دعم المجلس الأولمبي الآسيوي الذي بدا واضحا تدخلاته في إدارة لعبة كرة القدم عالميا خاصة بعد ترشح الشيخ أحمد الفهد لعضوية تنفيذية فيفا وكأنه يقول لبلاتر هي لك الآن وسأمسك بزمام إدارة فيفا بدءا من مايو 2019 ليقطع الطريق ويبدد أحلام الفرنسي ميشال بلاتيني الذي فضل عدم الزج باسمه في انتخابات خاسرة أمام نظيره بلاتر.

* تاريخ رئاسة {الفيفا}
منذ عام 1904 وحتى الآن تولى مسؤولية الاتحاد الدولي لكرة القدم (فيفا) ثمانية رؤساء، وفيما يلي أسماء جميع

* رؤساء الفيفا وفترات توليهم المنصب:
الفرنسي روبرت جيران - بين عامي 1904 و1906
الإنجليزي دانييل بري وولفال - بين عامي 1906 و1918
الفرنسي جول ريميه - بين عامي 1921 و1954
البلجيكي رودولف ويليام سيلدريرز - بين عامي 1954 و1955
الإنجليزي آرثر دروري - بين عامي 1955 و1961
الإنجليزي ستانلي روس - بين عامي 1961 و1974
البرازيلي جواو هافيلانغ - بين عامي 1974 و1998
السويسري جوزيف بلاتر - منذ عام 1998 وحتى الآن.



ألمانيا تتأهّب لانتخابات تعِد اليمين باستعادة الحكم

صادرات السيارات الألمانية إلى أميركا في قلب التأزم المحتمل مع ترمب (أ ف ب)
صادرات السيارات الألمانية إلى أميركا في قلب التأزم المحتمل مع ترمب (أ ف ب)
TT

ألمانيا تتأهّب لانتخابات تعِد اليمين باستعادة الحكم

صادرات السيارات الألمانية إلى أميركا في قلب التأزم المحتمل مع ترمب (أ ف ب)
صادرات السيارات الألمانية إلى أميركا في قلب التأزم المحتمل مع ترمب (أ ف ب)

عوضاً عن بدء ألمانيا استعداداتها للتعامل مع ولاية جديدة للرئيس الأميركي «العائد» دونالد ترمب والتحديات التي ستفرضها عليها إدارته الثانية، فإنها دخلت أخيراً في أزمة سياسية بعد الانهيار المفاجئ للحكومة الائتلافية التي يرأسها المستشار أولاف شولتس. وبهذا التطوّر بات شولتس أحد أقصر المستشارين حكماً في ألمانيا؛ إذ إنه قبل إكماله 3 سنوات على رأس الحكومة الائتلافية التي تمثل 3 أحزاب (اشتراكي وليبرالي وبيئي «أخضر») صار المستشار رئيساً لحكومة أقلية مؤلفة من حزبين بانتظار الانتخابات المبكرة التي حُدّد موعدها يوم 23 فبراير (شباط) المقبل.

الحكومة الألمانية ترنّحت إثر انسحاب «ضلعها» الليبرالي، الحزب الديمقراطي الحر، منها. ورغم انسحاب الحزب، أراد رئيسها المستشار أولاف شولتس الاستمرار على رأس «حكومة أقلية» حتى نهاية مارس (آذار)، وهو التاريخ الذي حدّده في البداية لإجراء الانتخابات المبكرة عوضاً عن نهاية سبتمبر (أيلول).

لكن أمام ضغوط المعارضة وافق المستشار وزعيم الحزب الديمقراطي الاجتماعي (الاشتراكي) على تقريب الموعد شهراً آخر. وحتى بعد إجراء الانتخابات، فإن فترة الشكوك قد تستمر لأسابيع أو أشهر إضافية. وللعلم، في ألمانيا، لم يسبق أن فاز أي حزب بغالبية مطلقة تسمح له بتشكيل حكومة منفرداً. وبالنتيجة، حكمت ألمانيا (الغربية أساساً) منذ نهاية الحرب العالمية الثانية حكومات ائتلافية قادها إما محافظو حزب الاتحاد الديمقراطي المسيحي (يمين الوسط) أو اشتراكيو الحزب الديمقراطي الاجتماعي (يسار الوسط).

فريدريش ميرتز (آجنزيا نوفا)

اليمين عائد... لكن!

هذه المرة يبدو أن الديمقراطيين المسيحيين (الحزب الذي قادته لفترة أنجيلا ميركل) يتجهون لاستعادة السلطة. فحزبهم تصدر استطلاعات الرأي بفارق كبير بنسبة تصل إلى 33 في المائة، وهي أعلى من النسبة التي تتمتع بها الأحزاب الثلاثة التي شكَّلت حكومة شولتس مجتمعة، قبل انهيارها. غير أن اختيار الحزب الشريك - أو الأحزاب الشريكة – في ائتلاف الديمقراطيين المرتقب، قد يكون أمراً معقّداً ويستغرق وقتاً طويلاً.

عقبة البيروقراطية

من ناحية ثانية، رغم محاولات الديمقراطيين المسيحيين تقريب موعد الانتخابات أكثر، مستفيدين من تقدم حزبهم في استطلاعات الرأي، ودعوات جمعيات الأعمال لتقليص فترة الشك والغموض في بلد لم يشهد نمواً اقتصادياً منذ 5 سنوات، فإن البيروقراطية الألمانية شكّلت عائقاً أساسياً أمام ذلك.

وحقاً، لا يقع اللوم في تأخير الانتخابات لنهاية فبراير (شباط) فقط على تشبّث شولتس بإطالة عمر حكومته العاجزة عن العمل. ذلك أنه فور انهيار الحكومة، وبدء الكلام عن انتخابات جديدة، دقّت «هيئة الانتخابات» جرس الإنذار محذّرة من أن التسرّع في إجرائها قد يؤدي إلى أخطاء تسببت بإعادتها. ورأت «الهيئة» ضرورة إفساح الوقت الكافي لتحضير اللوائح، وطبع الأوراق، وتحديات العثور على ورق كافٍ ومطابع جاهزة للعمل في خلال مدة زمنية قصيرة.

نقاط خلافية جدّية

ورغم سخافة هذا المشهد، فهو يعكس واقعاً في ألمانيا المقيدة بالبيروقراطية التي تعيق الكثير من تقدّمها، وكان واحداً من أسباب انهيار الحكومة في النهاية. فقد فشلت حكومة شولتس بإدخال أي إصلاحات لتخفيف البيروقراطية رغم التوصيات المتكرّرة من اختصاصيين. ولقد صدرت آخر هذه التوصيات الأسبوع الماضي من «مجلس الخبراء الاقتصادي»، وهو «مجلس حكماء» مدعوم من الحكومة، دعا إلى تقليص البيروقراطية وتسريع «المكننة» كواحدة من الخطوات الرئيسة لتحقيق النمو الاقتصادي.

وللعلم، كانت تلك واحدة من الخلافات الأبرز بين أحزاب الائتلاف الحكومي الثلاثة. فليبراليو الحزب الديمقراطي الحر (وسط) - الذي يعتبر مؤيداً لمجتمع الأعمال والشركات الكبرى - دفعوا منذ تشكيل الحكومة إلى «تقليص البيروقراطية»، خصوصاً على الشركات، إضافة إلى تخفيض الضرائب عنها، لكن أولويات الاشتراكيين وحزب «الخضر» البيئي تمثّلت بزيادة المعونات الاجتماعية والاستدانة لمواجهة التحديات الاقتصادية التي فرضتها تبعات حرب أوكرانيا وجائحة «كوفيد - 19».

قضية الإنفاق العام

شكّل الإنفاق العام نقطة خلافية أخرى مع الليبراليين الذين رفضوا التخلي عن بند كبح الديون الذي يوصي به الدستور الألماني إلا في الحالات القصوى. وجرى التخلي عن هذا البند بعد جائحة «كوفيد - 19» عندما اضطرت الحكومة إلى الاستدانة والإنفاق لمساعدة الاقتصاد على النهوض. وفي المقابل، أراد الاشتراكيون و«الخضر» مواصلة العمل بتعليق بند كبح الديون ضمن خطط إنعاش الاقتصاد وتمويل الحرب الأوكرانية، لكن ليندنر رفض رغم أن «مجلس الخبراء» أوصى ببحث هذا البند وتخفيف التقيد به.

هكذا أدى الخلاف على إجراءات إنعاش الاقتصاد وميزانية عام 2025 إلى انفراط التحالف مع الليبراليين، ودفع بشولتس إلى طرد زعيمهم ووزير المالية كريستيان ليندنر، الذي قدم مقترحاً لتقليص البيروقراطية وخفض الضرائب مقابل خفض الإعانات الاجتماعية لتمويل الحرب في أوكرانيا من دون زيادة الدين العام.

الاشتراكيون بقيادة شولتس وحزب «الخضر» رفضوا مقترح ليندنر من دون القدرة على التوصل إلى «حل وسط»، مع أن المستشار اعتاد المساومة والحلول الوسطى منذ تشكيل حكومته التي غالباً ما شابتها الخلافات الداخلية.

وطبعاً، دفع طرد ليندنر الوزراء الليبراليين للتضامن مع زعيمهم والاستقالة... ما فرط عقد الحكومة. وبعد أيام من الجدل حول موعد الانتخابات المقبلة، اتفقت الأحزاب على طرح الثقة بالحكومة يوم 16 ديسمبر (كانون الأول) - ويتوقع أن تخسرها بعد خسارتها الغالبية البرلمانية - ما سيؤدي إلى انتخابات عامة حدد موعدها في 23 فبراير.

كريستيان ليندنر (رويترز)

الاقتصاد أساس الأزمة

نقطة إنعاش الاقتصاد تظهر الآن نقطةً خلافية أساسية، بينما يراوح الاقتصاد الألماني مكانه عاجزاً عن تحقيق أي نمو يذكر. ثم أن مئات الشركات الصغيرة والوسطى أقفلت خلال العامين الماضيين، وبدأت حتى كبرى شركات السيارات تعاني خسائر دفعت بشركة «فولكسفاغن» العملاقة إلى إقفال 3 من مصانعها العشرة في ألمانيا.

مع هذا، لا يمكن لوم سياسات الحكومة والخلافات الداخلية حول التعامل مع الاقتصاد وحدها، لتبرير تدهور الاقتصاد الألماني خلال السنوات الثلاث الماضية. إذ بدأت حكومة شولتس عملها في خضم جائحة «كوفيد - 19» التي تسببت بأزمات اقتصادية عالمية، وتلت الجائحة الحرب الأوكرانية وتبعاتها المباشرة على ألمانيا، التي كانت تستورد معظم حاجاتها من الغاز من روسيا. وقد تعاملت حكومة شولتس مع انقطاع الغاز الروسي السريع عن ألمانيا بحكمة، ونجحت في تعويضه بسرعة من دون التسبب بأزمة نقص للغاز في البلاد. وأيضاً اتخذت تدابير لحماية المستهلكين من الارتفاع الكبير في الأسعار، مع أنها ما كانت قادرة على تفادي التداعيات بشكل كامل.

من ثم، تحوّلت الحكومة إلى ما يشبه حكومة إدارة الأزمات والسياسات السيئة الموروثة عن الحكومات السابقة. لكن حتى هنا، يمكن تحميل الاشتراكيين بعض مسؤولية السياسات الاقتصادية السيئة، ومنها اعتماد ألمانيا بشكل متزايد طوال حكومات أنجيلا ميركل الأربع على الغاز الروسي، والسبب أن الاشتراكيين شاركوا في ثلاث من هذه الحكومات، وشولتس نفسه كان وزيراً للمالية ثم نائب المستشارة.

علاقة الاشتراكيين بروسيا

من جانب آخر، لم يساعد القرب التاريخي للاشتراكيين من روسيا حكومة شولتس بإبعاد نفسها عن موسكو؛ إذ بقي المستشار متردداً لفترة طويلة في قطع العلاقات مع روسيا ودعم أوكرانيا. ومع أن ألمانيا تحوّلت الآن إلى ثاني أكبر داعم عسكري لكييف بعد واشنطن، فإن تردد شولتس شخصياً في كل قرار يتعلق بتسليح أوكرانيا، غالباً ما وضعه في مواجهة مع حليفيه في الحكومة وكذلك مع المعارضة. وللعلم، يعتمد شولتس سياسة حذرة في دعم أوكرانيا ولا يؤيد ضمها لـ«ناتو» (حلف شمال الأطلسي)؛ تخوفاً من استفزاز روسيا أكثر وخشيته من دفعها لتوسيع الصراع.

في أي حال، كرّر شولتس القول في كل مناسبة بضرورة استمرار دعم أوكرانيا، وكان هذا واحداً من أسباب الخلافات حول الميزانية التي أدت إلى انهيار الحكومة، فوزير المالية أراد اقتطاع مخصّصات اجتماعية لتمويل الحرب في حين شولتس أراد الاستدانة لذلك رافضاً المس بالإعانات.

وحيال أوكرانيا، مع أن مقاربة تمويل الحرب في أوكرانيا تختلف بين الأحزاب الألمانية، لا خلاف على دعم كييف لا خلاف عليه. بل يتشدّد الديمقراطيون المسيحيون المتوقع فوزهم بالانتخابات وقيادتهم الحكومة المقبلة أكثر في دعمهم. ويؤيد زعيم حزبهم، فريدريش ميرتز، الذي قد يصبح المستشار القادم، أوكرانيا ضم أوكرانيا «فوراً» إلى «ناتو» بخلاف شولتس، كما يؤيد إرسال صواريخ «توروس» البعيدة المدى والألمانية الصنع إليها، بينما يعارض شولتس ذلك.

وهنا نشير إلى أن حزب الاتحاد الديمقراطي المسيحي كان طوال السنوات الماضية، منذ تفجّر الحرب الأوكرانية، شديد الانتقاد لتردّد المستشار الاشتراكي في قرارات تسليح كييف وقطع العلاقات الاقتصادية مع روسيا، رغم أنه كان المسؤول عن وصول العلاقات الاقتصادية إلى مرحلة الاعتماد الألماني على الطاقة الروسية... كما كان حاصلاً قبل الحرب.

على الحكومة الجديدة التعامل مع ترمب

في ملف العلاقات الاقتصادية

أولاف شولتس (رويترز)

تبعات عودة ترمب

في اتجاه موازٍ، مقاربة الحرب الأوكرانية ستضع أي حكومة ألمانية جديدة في مواجهة محتملة مع إدارة دونالد ترمب القادمة في واشنطن. إذ ستضيع ألمانيا شهوراً ثمينة في تحديد سياستها مع العد العكسي للانتخابات المبكرة وتفاوض الأحزاب خلالها على تشكيل حكومة ائتلافية.

ولن يكون أمام الحكومة الجديدة فقط تحدي التعامل مع إدارة ترمب في ملف أوكرانيا، بل أيضاً في ملف التجارة والعلاقات الاقتصادية. ذلك أن ترمب في عهده الأول دأب على انتقاد ألمانيا بسبب ضخامة صادراتها إلى الولايات المتحدة، وبخاصة السيارات، التي تفوق بأضعاف الصادرات الأميركية إليها. وبالفعل، هدَّد آنذاك برسوم على السيارات الألمانية في حال لم تزد برلين وارداتها من الولايات المتحدة خاصة الغاز الأميركي الذي كان ترمب يضغط على ميركل لاستيراده عوضاً عن الغاز الروسي. بالتالي، مع عودة ترمب، ستعود المخاوف من حرب اقتصادية مع واشنطن قد تكون إذا وقعت مدمّرة لقطاع السيارات الألمانية. وحقاً، خفّضت كل الشركات الألمانية الكبرى سقف توقّعاتها للأرباح في الأشهر المقبلة، بعد تراجع مبيعاتها في الأسواق الخارجية وتحديداً الصين، بشكل كبير. وقد يشكّل تقلّص سوقها في الولايات المتحدة ضربة جديدة لها يحذّر الخبراء الاقتصاديون من أن تبعاتها ستكون مؤلمة للاقتصاد الألماني.

حسابات الانتخابات المقبلة

عودة إلى حسابات الداخل، لم يطرح الزعيم الديمقراطي المسيحي فريدريش ميرتز، في الواقع، فكرة إعادة وزير المالية المعزول كريستيان ليندنر إلى حكومته المحتملة. لكن سيتوجّب أولاً على حزب ليندنر، أي الحزب الديمقراطي الحر (الليبرالي) أن يكسب أصواتاً كافية لتمثيله في البرلمان. وحتى مع تحقيق هذا قد لا يكون التحالف بين الحزبين كافياً لضمان الغالبية، إلا إذا حصلت مفاجأة وحقق أحد الحزبين نتائج أعلى من المتوقع في الاستطلاعات، كما فعل الاشتراكيون في الانتخابات الماضية عندما نالوا قرابة 26 في المائة متقدمين على الديمقراطيين المسيحيين الذين نالوا 24 في المائة من الأصوات. ويومذاك كانت استطلاعات الرأي التي سبقت الانتخابات تشير إلى شبه تعادل بين الحزبين.

من ثم، في حال بقاء ليبراليي الحزب الديمقراطي الحر خارج الحكومة، قد تعيد ألمانيا إنتاج حكومة يشارك فيها الحزبان الرئيسان المتناقضان في سياساتهما الاجتماعية والاقتصادية، أي الاتحاد الديمقراطي المسيحي اليميني والحزب الديمقراطي الاجتماعي (الاشتراكي). وقد يُجبَر الحزبان على ضم شريك ثالث يرجح أن يكون حزب «الخضر» في حال غياب الليبراليين عن المشهد. وقد تعيد هكذا حكومة ثلاثية فترة الخلافات والاضطراب التي شهدتها ألمانيا في ظل الحكومة الثلاثية الحالية التي رغم انجازاتها، لا يذكر كثيرون إلا الخلافات التي شابتها.وحتى ذلك الحين، فإن التحديات التي ستواجهها أي حكومة ألمانية قادمة، تجعل من فترة انتظار الانتخابات وتشكيل الحكومة، فترة صعبة ستزيد من عمق الأزمة الاقتصادية وتشرذم الموقف الألماني والأوروبي أمام الإدارة الأميركية.