أكراد في السجون الكردية... شهادة المحبطين من أول إدارة تنشأ باسمهم

أكراد في السجون الكردية... شهادة المحبطين من أول إدارة تنشأ باسمهم
TT

أكراد في السجون الكردية... شهادة المحبطين من أول إدارة تنشأ باسمهم

أكراد في السجون الكردية... شهادة المحبطين من أول إدارة تنشأ باسمهم

ظهر مصطلح «الأكراد في السجون الكردية» لأول مرة في سوريا، بعد المظاهرة التي شهدتها مدينة القامشلي شمال شرقي سوريا، في 26 مارس (آذار) 2013، بدعوة من ائتلاف حركة شبابية يطلق على نفسه «كلنا لمناهضة الخطف»؛ احتجاجاً على تصاعد عمليات الخطف والاحتجاز والضرب بحق ناشطي الثورة السورية من الكرد، بحسب كتاب صدر حديثاً للباحث الكردي السوري حسين جلبي، بعنوان «أكراد في السجون الكردية»، التقى فيه ناجين من سجون حزب «الاتحاد الديمقراطي السوري» الذي تولى مسؤولية الإدارة في مناطق شمال شرقي سوريا في السنوات الأخيرة.
يضم الكتاب توثيقاً لقصص التعذيب بشهادة معتقلين سابقين، بعضهم لا يزال حريصاً على إخفاء هويته، رووا فيه ما تعرضوا له خلال احتجازهم في معتقلات الحزب ووسائل التعذيب، منذ بدايات سيطرة الحزب على المناطق الكردية التي ثارت على النظام.
يروي أحد المعتقلين السابقين، تجربته، منذ بداية انخراطه ورفاقه في الثورة السورية التي انطلقت عام 2011، وتوسعها لتصل إلى مدينته ديريك (على الحدود العراقية التركية السورية)، وتأسيسهم أول تنسيقية في المدينة. سارت المظاهرات بصورة جيدة ارتفعت معها أعداد المشاركين، ليفاجأوا في المظاهرة الرابعة، بظهور أعلام وشعارات حزب العمال الكردستاني في تركيا، تتعلق بصراعه الخاص هناك؛ ما يشكل خرقاً للضوابط التي وضعتها التنسيقيات لنفسها، بأن تكون مطالبها خاصة بكرد سوريا وحقوقهم. لكن منذ تلك اللحظة، بدأ التصادم بين قسمين من الأكراد: أبناء المنطقة والوافدين من خارجها.
شهادات المعتقلين بطرق للتعذيب تتشابه مع ما يحدث في أقبية أجهزة الدول القمعية، بما في ذلك معتقلات النظام السوري. أساليب تسبب الإهانة والانهيار للمعتقل تتجاوز مجرد الأذية الجسدية، مثل الماء المتدفق من صنبور قربه يتم فيها هدر تلك الحاجة الإنسانية لتتحول إلى وسيلة تعذيب، بينما المعتقل متروك في العطش يتشهى جرعة يبلل بها فمه، وبينما يعاني سكان تلك المناطق من شح المياه. يتحدث معتقل آخر عن وضع مكبر على باب زنزانته المنفردة يطلق أصواتاً مزعجة تحرمه من النوم. الأمثلة كثيرة تشمل ما قبل الوصول للسجن أيضاً، بإطلاق الرصاص على المظاهرات أو خطف شخص أو إذلاله بتهديد أحبته.
يرى الكاتب حسين جلبي، المتخصص في الشأن الكردي وقد أصدر كتباً عدة قبل الآن، أن وجه الغرابة بالنسبة لأكراد سوريا، الذين عانوا من عدم الاعتراف بهويتهم أو حقوقهم منذ تأسيس البلاد، هو أن السجون الكردية في مناطقهم، سبقت الإعلان عن أول إدارة كردية بعد انسحاب إدارة النظام السوري منها، بل إن تلك السجون تأسست قبل تقديم تلك الإدارة أي خدمة عامة لسكان تلك المناطق ذات الغالبية الكردية.



«البؤس الأنثوي» بوصفه صورة من «غبار التاريخ»

«البؤس الأنثوي» بوصفه صورة من «غبار التاريخ»
TT

«البؤس الأنثوي» بوصفه صورة من «غبار التاريخ»

«البؤس الأنثوي» بوصفه صورة من «غبار التاريخ»

في كتابه الأحدث «البؤس الأنثوي... دور الجنس في الهيمنة على المرأة»، يشير الباحث فالح مهدي إلى أن بغيته الأساسية في مباحث الكتاب لم تكن الدفاع المباشر عن المرأة أو أن تُحسب دراسته، على الرغم من التفصيل والإسهاب في مادة البحث، أحدَ الإسهامات في حقل النسوية والجندر، قدر ما يكشف فيها عن الآليات الآيديولوجية العامة المتحكمة في العالمَين القديم والجديد على حد سواء، أو كما تابع المؤلف عبر أبحاثه السابقة خلال أطروحته النظرية «العالم... الحيز الدائري» الذي يشتمل على أعراف وتقاليد وحقائق متواصلة منذ عصور قديمة وحديثة مشتركة ومتداخلة، وتأتي في عداد اليقين؛ لكنها لا تعدو في النهاية أوهاماً متنقلة من حقبة إلى أخرى، وقابلة للنبذ والنقض والتجدد ضمن حَيِّزَيها التاريخي والاجتماعي، من مرحلة الصيد إلى مرحلة الرعي، ومنهما إلى العصرَين الزراعي والصناعي؛ من الكهف إلى البيت، ومن القبيلة إلى الدولة، ومن الوحشية إلى البربرية، ومنهما إلى المجهول وغبار التاريخ.

ويشترك الكتاب، الصادر حديثاً عن دار «الياسمين» بالقاهرة، مع أصداء ما تطرحه الدراسات الحديثة في بناء السلام وحقوق الإنسان والعلوم الإنسانية المتجاورة التي تنشد قطيعة معرفية مع ثقافة العصور الحداثية السابقة، وتنشئ تصوراتها الجديدة في المعرفة.

لم يكن اختيار الباحث فالح مهدي إحدى الظواهر الإنسانية، وهي «المرأة»، ورصد أدوارها في وادي الرافدين ومصر وأفريقيا في العالمَين القديم والجديد، سوى تعبير عن استكمال وتعزيز أطروحته النظرية لما يمكن أن يسمَى «التنافذ الحقوقي والسياسي والقانوني والسكاني بين العصور»، وتتبع المعطيات العامة في تأسس النظم العائلية الأبوية، والأُمّوية أو الذرية، وما ينجم عن فضائها التاريخي من قرارات حاكمة لها طابع تواصلي بين السابق واللاحق من طرائق الأحياز المكانية والزمانية والإنسانية.

إن هذه الآليات تعمل، في ما يدرسه الكتاب، بوصفها موجِّهاً في مسيرة بشرية نحو المجهول، ومبتغى الباحث هو الكشف عن هذا المجهول عبر ما سماه «بين غبار التاريخ وصورة الحاضر المتقدم».

كان الباحث فالح مهدي معنياً بالدرجة الأساسية، عبر تناول مسهب لـ«المرأة» وعلاقات القوى المؤثرة في وجودها الإنساني عبر مسار التاريخ، بأن يؤكد أن كل ما ابتكره العالم من قيم وأعراف هو من صنع هيمنة واستقطاب الآليات الآيديولوجية، وما يعنيه بشكل مباشر أن نفهم ونفسر طبيعةَ وتَشكُّلَ هذه الآيديولوجيا تاريخياً ودورها التحويلي في جميع الظواهر؛ لأنها تعيد باستمرار بناء الحيز الدائري (مفهوم الباحث كما قلت في المقدمة) ومركزة السلطة وربطها بالأرباب لتتخذ طابعاً عمودياً، ويغدو معها العالم القديم مشتركاً ومتوافقاً مع الجديد.

إن مهدي يحاول أن يستقرئ صور «غبار التاريخ» كما يراها في مرحلتَي الصيد والرعي القديمتين، ويحللها تبعاً لمسارها في العهد الحداثي الزراعي الذي أنتج النظم العائلية، وبدورها أسفرت عن استقرار الدول والإمبراطوريات والعالم الجديد.

يرصد الكتاب عبر تناول مسهب «المرأة» وعلاقات القوى المؤثرة في وجودها الإنساني عبر مسار التاريخ في ظل استقطاب آيديولوجيات زائفة أثرت عليها بأشكال شتى

ويخلص إلى أن العصر الزراعي هو جوهر الوجود الإنساني، وأن «كل المعطيات العظيمة التي رسمت مسيرة الإنسان، من دين وفلسفة وعلوم وآداب وثقافة، كانت من نتاج هذا العصر»، ولكن هذا الجوهر الوجودي نفسه قد تضافر مع المرحلة السابقة في عملية بناء النظم العائلية، وأدى إليها بواسطة البيئة وعوامل الجغرافيا، بمعنى أن ما اضطلع به الإنسان من سعي نحو ارتقائه في مرحلتَي الصيد والرعي، آتى أكله في مرحلة الزراعة اللاحقة، ومن ثم ما استُنْبِتَ في الحيز الزراعي نضج في الحيز الصناعي بمسار جديد نحو حيز آخر.

ومن الحتم أن تضطلع المعطيات العظيمة التي أشار إليها المؤلف؛ من دين وفلسفة وعلوم وآداب زراعية؛ أي التي أنتجها العالم الزراعي، بدورها الآخر نحو المجهول وتكشف عن غبارها التاريخي في العصرَين الصناعي والإلكتروني.

إن «غبار التاريخ» يبحث عن جلاء «الحيز الدائري» في تقفي البؤس الأنثوي عبر العصور، سواء أكان، في بداية القرن العشرين، عن طريق سلوك المرأة العادية المسنّة التي قالت إنه «لا أحد يندم على إعطاء وتزويج المرأة بكلب»، أم كان لدى الباحثة المتعلمة التي تصدر كتاباً باللغة الإنجليزية وتؤكد فيه على نحو علمي، كما تعتقد، أن ختان الإناث «تأكيد على هويتهن».

وفي السياق نفسه، تتراسل دلالياً العلوم والفلسفات والكهنوت والقوانين في قاسم عضوي مشترك واحد للنظر في الظواهر الإنسانية؛ لأنها من آليات إنتاج العصر الزراعي؛ إذ تغدو الفرويدية جزءاً من المركزية الأبوية، والديكارتية غير منفصلة عن إقصاء الجسد عن الفكر، كما في الكهنوت والأرسطية في مدار التسلط والطغيان... وهي الغبار والرماد اللذان ينجليان بوصفهما صوراً مشتركة بين نظام العبودية والاسترقاق القديم، وتجدده على نحو «تَسْلِيع الإنسان» في العالم الرأسمالي الحديث.

إن مسار البؤس التاريخي للمرأة هو نتيجة مترتبة، وفقاً لهذا التواصل، على ما دقّ من الرماد التاريخي بين الثقافة والطبيعة، والمكتسب والمتوارث... حتى كان ما تؤكده الفلسفة في سياق التواصل مع العصر الزراعي، وتنفيه الأنثروبولوجيا والسوسيولوجيا في كشف صورة الغبار في غمار نهاية العصر الصناعي.