مثقفون عرب ومغاربة يقاربون وضعية صناعة النشر والكتاب في زمن «كورونا»

جانب من الندوة
جانب من الندوة
TT

مثقفون عرب ومغاربة يقاربون وضعية صناعة النشر والكتاب في زمن «كورونا»

جانب من الندوة
جانب من الندوة

رسم مثقفون عرب ومغاربة صورة قاتمة عن وضعية صناعة النشر والكتاب، خصوصاً في ظل جائحة «كورونا» التي أرخت بظلالها الثقيلة على قطاع يتميز أصلاً بـ«الهشاشة»، وزاد من تفاقم حالة تدنى مستوى المقروئية، والزحف الإلكتروني والرقمي الذي «أتى على الأخضر واليابس بهذا القطاع».
«لقد فرضت تداعيات فيروس كورونا واقعاً جديداً على الناشرين وصناع الكتاب والتوزيع بالعالم العربي، في ظل الصعوبات والمشكلات المتعددة في ميدان النشر والطباعة والتوزيع»، كما يقول مشاركون في ندوة «النشر في زمن كورونا تأملات من أجل قطاع أكثر مرونة»، التي نظمت أخيراً ضمن فعاليات الدورة 27 للمعرض الدولي للنشر والكتاب بالرباط.
وفي إطار مناقشة هذا الوضع الجديد لصناعة النشر والكتاب والتوزيع، وتأثيراته على القطاع في المرحلة الراهنة، وصف رئيس اتحاد الناشرين العرب، المصري محمد رشاد، صناعة النشر والكتاب بالمنطقة العربية بـ«الضعيفة والهزيلة»، مسجلاً «غياب رؤية حكومية لدى البلدان العربية، وغياب الوعي بأهمية الكتاب».
أما عبد الجليل ناظم، رئيس اتحاد الناشرين المغاربة السابق، فذكر أن أزمة الكتاب والنشر، وإن كانت تقترن حالياً بجائحة «كورونا»، غير أنها «نتيجة غياب الربط بين المشروعين الثقافي والاجتماعي في معظم البلدان العربية»، معرباً عن اعتقاده بأن هذا هو أصل الأزمات التي تعصف بوضعية الكتاب والنشر بالمنطقة العربية.
وفضلاً عن العوامل السالفة، أشار رشاد إلى تأثيرات المشكلات السياسية والاجتماعية بعدد من بلدان المنطقة، التي كانت لها نتائج سلبية على صناعة ونشر الكتاب، خصوصاً بأسواق البلدان التقليدية في هذا المجال، موضحاً أن تداعيات جائحة «كورونا»، فاقمت هذه الوضعية، حيث وجد الناشرون أنفسهم أمام مشكلات جديدة، مع توقف المعارض، وتوقف 35 في المائة من الناشرين العرب عن الطبع والتوزيع، وانخفاض عدد الإنتاج بشكل يصل إلى 75 في المائة، وكذلك انخفاض عدد الصادرات بنسبة تتراوح بين 50 و75 في المائة.
وبالنسبة لواقع النشر بالمغرب، اعتبر طارق سليكي، رئيس اتحاد الناشرين المغاربة، في تصريح لنا على هامش اللقاء، أن أزمة النشر والكتاب بها تعود إلى الفترة السابقة لزمن «كورونا». وجاء الوباء ليغير من آليات عملية النشر ووظيفتها. وعزا سليكي التراجع المسجل في صناعة النشر والكتاب والتوزيع بالمغرب ومعه العالم العربي إلى عدة عوامل موضوعية، حددها في «نخبوية» العمل العربي المشترك، وسوق النشر العربية التي «كانت ولا تزال مقطعة ومفككة الأوصال»، في الوقت الذي كان من المفروض أن تكون هذه السوق حاضنة ومشجعة على استهلاك ما تنتجه صناعات النشر العربية، فضلاً عن أن استمرار تمركز صناعات النشر في مناطق محددة من العالم العربي، ما جعل أسواق بعض الأقاليم العربية تتحول إلى أسواق مستهلكة غير منتجة، وهو وضع يكرس حالة من عدم التوازن.
وبهدف تطوير العمل العربي المشترك، يقترح رئيس اتحاد الناشرين المغاربة، وصاحب دار نشر «سليكي إخوان»، أن يشرف ويشجع اتحاد الناشرين العرب على عقد لقاءات ثنائية مباشرة لبحث أشكال التعاون وإزالة الكثير من العقبات والعوائق التي بعضها «مفتعل ومقصود».
كما دعا سليكي الاتحاد إلى إعداد برنامج عربي للتحول الرقمي نحو الكتاب الرقمي والصوتي في مجال صناعات النشر، في ظل الغلاء المتنامي للورق وباقي مواد الطباعة، وصعوبات التسويق والتخزين مع تطوير آلية تسمح بإحداث مخازن في المشرق وأخرى في المغرب، بما يسمح للناشرين العرب من تجميع سلعهم قريباً من الأسواق، وتقليل تكاليف النقل لتحقيق الرواج المأمول، والعمل على محاربة القرصنة وسرقة حقوق الملكية الفكرية.



صراع الهوية وتحولات الخليج

صراع الهوية وتحولات الخليج
TT

صراع الهوية وتحولات الخليج

صراع الهوية وتحولات الخليج

صدرت أخيراً رواية «سفرطاس»، للكاتب القطري د. خالد الجابر عن دار «النخبة» للنشر والطباعة والتوزيع في مصر، وهي تقع في 212 صفحة من القطع المتوسط. وتطرح الرواية أسئلة وجودية حول الهوية، والصراع الداخلي، والقدرة على التكيف مع المتغيرات التي تطرأ على المجتمعات.

يستعير الجابر من التراث الخليجي مصطلح «السفرطاس»، وهي تسميته شعبية دارجة منذ عشرات السنين، وتعني «وعاء الطعام متعدد الطبقات الذي يحمل فيه العمال قوت يومهم»، المصطلح هنا رمزي ومثير للاهتمام، يقول عنه الجابر في مقدمة روايته: «كالسَّفَرْطاس المُكدَّسِ بطبقاته المتنوِّعة، يحمل في أعماقه شَفرة الزمن المعقَّدة، تحيا ذاكرة الإنسان بكلِّ ما فيها من ذكريات ومخاوف ورغبات، خلال رحلة لا تنتهي عبر أبعاد الزمن الثلاثة؛ الماضي، والحاضر، والمستقبل؛ في خِضم هذا التنقل المستمرِّ يتشكَّل الصراع بين الداخل والخارج، ليَصوغَ هُويَّته المتغيرة والمتجددة بلا توقُّف».

تحولات كبرى

تمتد أحداث الرواية عبر مسار زمني طويل، يشمل تحولات اجتماعية وسياسية واقتصادية كبرى شهدتها منطقة الخليج والعالم العربي على مدى قرن من الزمن؛ حيث يأخذ المؤلف القارئ في رحلة عميقة لاستكشاف العلاقة المعقدة بين الذات والآخر، وبين الهوية الفردية والتراث والحداثة. هذه الرواية ليست مجرد سرد لقصة حياة شخصية، بل هي دراسة عميقة لجدلية الهوية وما ينتج عن الصراعات النفسية والمجتمعية التي تواجه الفرد في العالم الحديث. عبر استخدامه الماهر للأسلوب الروائي، يتناول الجابر كيف أثرت التحولات البنيوية في التاريخ والجغرافيا على سلوك الإنسان، ويقدم رؤية نقدية لكيفية تداخل الهوية الفردية والجماعية مع الواقع الاجتماعي والسياسي المحيط.

تستعرض الرواية التحولات الكبيرة التي شهدتها منطقة الخليج والعالم العربي، بدءاً مما قبل اكتشاف النفط إلى حقبة ما بعد الاستعمار، وصولاً إلى الزمن الراهن، مروراً بالنزاعات والحروب التي مزقت المنطقة. ويعكس المؤلف هذه التحولات عبر شخصية جابر، الذي يمثل جيلاً عاش تلك التغيرات وعانى من تأثيراتها العميقة. ومن خلال استرجاع جابر ذكرياته وتجارب حياته، ترسم الرواية صورة دقيقة لكيفية تأثير التغيرات الاقتصادية والسياسية على البنية الاجتماعية والثقافية للمجتمع.

في الرواية، يتم التركيز على بعض الأحداث المفصلية في تاريخ المنطقة، مثل نكسة 1967، التي تركت جرحاً عميقاً في الوجدان العربي، وحروب المنطقة المختلفة، مثل حرب 1973، والحرب العراقية الإيرانية، واحتلال الكويت، واجتياح العراق، والحرب على الإرهاب ومرحلة ما بعد الربيع العربي، إلى الحديث حول المستقبل وموقع العرب فيه. هذه الأحداث لا تشكل فقط السياق السياسي للرواية، بل تؤثر بعمق على الشخصيات، وخاصة جابر، الذي يجد نفسه عالقاً بين الماضي والحاضر، بين ما كان يحلم به وما فرضته عليه الظروف.

الذات والآخر

من أبرز القضايا التي تتناولها الرواية جدلية الذات والآخر. بطل الرواية رجل مسن يعيش في دار رعاية، ويعاني من الوحدة والاغتراب، يشعر جابر بالعزلة الداخلية العميقة؛ نتيجة للتجارب الحياتية التي عاشها والذكريات التي يحملها. وتتشكل شخصيته من مجموعة من التناقضات؛ حيث يعيش في حالة من الصراع الدائم بين ماضيه وحاضره، بين آماله وخيباته، وبين ذاته والأشخاص من حوله.

وهذا الصراع الداخلي الذي يعيشه ينعكس في علاقاته مع الآخرين، وخاصة مع أصدقائه في دار الرعاية. كما أن كل شخصية في الرواية تحمل قصتها الخاصة، وتجسد تجربة مختلفة في الحياة. وعبر الحوار بين هذه الشخصيات، تتكشف أفكار مختلفة حول الهوية والانتماء والذاكرة، وكيف أن الماضي يشكل الحاضر ويؤثر عليه بطرق مختلفة.

إحدى القضايا الرئيسية التي يتم تناولها في هذه الحوارات هي قضية الاستعمار والنضال العربي. فجابر وأصدقاؤه يرون أن الاستعمار، رغم انتهائه بشكل رسمي، قد استمر بطرق أخرى، مثل الهيمنة الاقتصادية والثقافية التي فرضتها الشركات الأجنبية على ثروات البلاد. يعكس هذا الصراع الداخلي بين الفرد ومجتمعه الأوسع، الذي يعيش في ظل تبعية مستمرة رغم الاستقلال السياسي.

من هنا فإن بطلها، الذي يمثل جيلاً عاش تحولات كبيرة في منطقة الخليج والعالم العربي، عاش طفولته في قرية بسيطة على شاطئ الخليج تعتمد فيها الحياة على القليل من الموارد، مثل صيد الأسماك والعمل اليدوي. مع وفاة والده الذي كان يغوص في أعماق البحر بحثاً عن اللؤلؤ، تتحول حياة الأسرة بشكل جذري، وتبدأ معاناة جابر وأسرته في مواجهة الفقر.

لكن حياة جابر تأخذ منعطفاً كبيراً عندما يبدأ العمل في شركة نفط أجنبية. العمل في الشركة يمثّل بالنسبة له الأمل في الهروب من الفقر، لكنه سرعان ما يدرك أنه جزء من نظام استغلالي يستفيد من ثروات بلاده دون أن يحقق العدالة الاجتماعية. الأجانب الذين يعملون في الشركة يعيشون حياة مرفّهة في مجتمعات مغلقة، بينما يعيش العمال العرب في فقر وتهميش. هذا التناقض بين ما كان يأمله وما وجده في الواقع يخلق صراعاً داخلياً يعاني منه طوال حياته.

وسبق للجابر أن كتب رواية بعنوان «راهب بيت قطرايا»، تتناول جدلية الدين والسياسة والإنسان في القرن السابع الميلادي، وهي الحقبة التي انتهت معها الحروب الرومانية الفارسية، وازدهرت فيها طوائف الديانة المسيحية في منطقة الخليج والجزيرة العربية.