تراود الباحثين شكوكٌ بأن «جدري القردة» انتشر قبل سنوات من التفشي الحالي، الذي أصاب نحو 780 إصابة في 27 دولة، حسب منظمة الصحة العالمية. فمنذ بدأ التفشي الحالي كان السؤال المهم الذي شغل الباحثين هو «كيف بدأ؟». وفي سعيهم للإجابة، قاموا بترتيب الجينومات الفيروسية التي تم جمعها من أشخاص مصابين بـ«جدري القردة» في بلدان من بينها بلجيكا وفرنسا وألمانيا والبرتغال والولايات المتحدة، وخلصوا بشكل مبدئي إلى أن كل تسلسل يشبه لحد كبير سلالة جدري القردة الموجودة بغرب أفريقيا، وأن الشخص الذي أصيب بأول حالة غير أفريقية هذا العام، والذي لم يتم التعرف عليه بعد، أصيب بالعدوى من خلال الاتصال مع حيوان أو إنسان يحمل الفيروس، وقام هذا الشخص بنقل الفيروس لآخرين.
ما أعلنه الباحثون بشكل مبدئي، بدأ يتغير بعض الشيء، حيث يميل علماء إلى سيناريو أيدته منظمة الصحة العالمية، وهو أن الفيروس الذي تم تشخيصه الآن في مئات الأشخاص بـ76 دولة، ربما كان ينتشر بهدوء لشهور أو سنوات قبل ظهوره المفاجئ في جميع أنحاء العالم.
وأعلنت السلطات الصحية الأميركية في 3 يونيو (حزيران)، أن التحليل الجيني لحالات جدري القردة الأخيرة يشير لوجود سلالتين مختلفتين في الولايات المتحدة، ما يزيد من احتمال انتشار الفيروس دون اكتشافه لبعض الوقت.
وقال مسؤولو الصحة الفيدراليون، إن العديد من الحالات في الولايات المتحدة كانت ناجمة عن نفس مصدر الحالات الأخيرة في أوروبا، لكن بعض العينات تظهر سلالة مختلفة، وهو ما يعني أنه كان هناك انتقال على مستوى المجتمع يحدث في أجزاء من الولايات المتحدة، لكن لم يتم التعرف على الفيروس حينها.
وقالت جينيفر ماكويستون، من مراكز السيطرة على الأمراض والوقاية منها في مؤتمر صحافي، إن «هناك حاجة لتحليل العديد من المرضى لتحديد المدة التي استمر فيها انتشار جدري القردة في الولايات المتحدة وأماكن أخرى».
وبعد الإعلان الأميركي بيوم، قال أستاذ علم الفيروسات مارك فان رانست بجامعة لوفين في بلجيكا، إن تسلسل مختبره كشف عن طفرات جينية للفيروس كانت «محدودة»، لكنها تشير إلى أنه كانت هناك مقدمات للتفشي الأخير.
وأضاف في تصريحات نقلها موقع «إن بي سي نيوز» الأميركي في 4 يونيو الحالي: «مع هذه الطفرات أعتقد أن لا أحد يتصور أنه قفز من أفريقيا قبل أسبوعين فقط».
وقام علماء جامعة إدنبرة البريطانية أيضاً بعمل تسلسل جيني من عينات تفشي المرض، ونشروا النتائج التي توصلوا إليها في 30 مايو (أيار) الماضي، وانحدرت العينات التي فحصوها من نسخة من جدري القردة تم التعرف عليها في سنغافورة وإسرائيل ونيجيريا والمملكة المتحدة بين عامي 2017 و2019، وهو ما يعني أن الفيروس كان ينتشر بهدوء لسنوات قبل ظهوره المفاجئ.
في أفريقيا، تحدث معظم حالات الإصابة بجدري القردة في البشر تاريخياً من خلال التعرض للحيوانات المصابة مثل القوارض، وليس من خلال الانتقال من شخص لآخر. ويعتقد أميش أدالجا من مركز «جونز هوبكنز» للأمن الصحي بأميركا، أن الظهور المفاجئ للفيروس خارج أفريقيا يعود إلى أحداث تضخيم كبيرة. ويقول: «الفيروس المستوطن في أفريقيا قد يكون وجد طريقة قبل فترة لا نعرفها إلى شبكة اجتماعية وجنسية ثم تم دعمه بشكل كبير من خلال أحداث تضخيم كبيرة مثل الحفلة التي تمت في بلجيكا، وتسببت في نشره بجميع أنحاء العالم».
ويضيف: «نظراً لأن الفيروس ينتقل من خلال الاتصال الوثيق في اللقاءات الجنسية، يتم الخلط بينه وبين العديد من الآفات والأمراض الأخرى المنقولة جنسياً، ويمكن أن يكون ذلك سبباً لحدوث تأخير في التشخيص».
كانت منظمة الصحة العالمية ألمحت إلى هذا التحليل على لسان الدكتور روزاموند لويس، الرئيس التقني لمنظمة الصحة العالمية بشأن جدري القردة، الذي قال خلال مؤتمر صحافي الأسبوع الماضي، «ربما كان هناك انتقال لم يتم اكتشافه منذ فترة، وما لا نعرفه هو كم من الوقت فقد يكون قبل أسابيع أو شهور أو ربما عامين».
شكوك حول انتشار «جدري القردة» قبل سنوات من التفشي الحالي
شكوك حول انتشار «جدري القردة» قبل سنوات من التفشي الحالي
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة