حتى الغطاء النباتي اليمني لم يسلم من الانقلابيين

ارتفاع مساحة الأراضي الصحراوية إلى 49.5 %

TT

حتى الغطاء النباتي اليمني لم يسلم من الانقلابيين

حذَّر مهتمون بالبيئة من الآثار المدمرة للسياسات التي يتبعها الحوثيون على الغطاء النباتي في اليمن، من خلال احتكارهم بيع وتوزيع الغاز المنزلي عبر مسؤولي الأحياء، وهو ما جعل الغطاء النباتي مهدداً أكثر من أي وقت مضى، مع ازدياد عملية الاحتطاب الجائر لتلبية احتياجات المخابز والأسر للوقود.
ونبه المختصون في الدفاع عن البيئة من المخاطر التي باتت تهدد منتج العسل اليمني الشهير، عبر قطع الأشجار التي يتغذى عليها النحل أو من خلال السماح بدخول مبيدات حشرية محرم استخدامها.
جاء ذلك في وقت ذكرت فيه دراسة دولية أن الطريقة البدائية المستخدمة في إدارة النفايات الصلبة والطبية والتلوث، جعلت القضايا البيئية من أهم القضايا في اليمن، إلى جانب ندرة الموارد المائية وتلوثها، مع بروز تهديد بيئي متزايد يتعلق بقطع الأشجار بسبب نقص الديزل وارتفاع سعر الغاز المنزلي، وازدهار السوق السوداء لمشتقات الوقود في مناطق سيطرة الحوثيين.
وطبقاً لتلك التحذيرات، فإن زيادة حاجة الناس لقطع مزيد من الأشجار، بالذات في المواسم الشتوية، عندما تكون الأنشطة الزراعية في أدنى مستوياتها بسبب اشتداد البرد، تتسبب، إلى جانب تدمير الغطاء النباتي والتنوع البيولوجي، في نشوب احتكاكات ومنازعات بين الناس؛ حيث تظهر البيانات الرسمية أن الأشجار التي تقطع بصورة غير قانونية، وصلت إلى 860 ألف شجرة سنوياً، لتزويد 722 مخبزاً في صنعاء وحدها باحتياجاتها من الوقود؛ حيث تحرق هذه المخابز 175 ألف طن من الحطب سنوياً، بعد أن احتكرت سلطة الحوثيين بيع الغاز المنزلي، وفق اعتبارات الولاء للجماعة أو معارضة توجهاتها.
ويقول محمد الحكيمي، وهو رئيس مبادرة «حلم أخضر» لـ«الشرق الأوسط»، إن أزمة غاز الطهي في اليمن خلقت أزمة بيئية كبيرة؛ حيث دفعت بكثير من السكان والقطاعات الخدمية، كالمطاعم والمخابز والأفران التقليدية، إلى قطع الأشجار واستخدام الحطب والفحم كمصدر وقود لغرض الطهي، ما تسبب في زيادة الضغط على الغطاء النباتي والموارد الطبيعية في البلاد.
ويرى الحكيمي أن عمليات الاحتطاب الجائرة، وازدهار تجارة الحطب وصناعة الفحم، أثرت على مساحة الغابات وأراضي الأشجار الحراجية باليمن، والتي تمثل نسبة حوالي 3.7 في المائة من المساحة الكلية للبلاد، في حين أن مساحة الأراضي الصحراوية والحضرية ارتفعت لحوالي 49.5 في المائة، وهذا يعني وجود فجوة كبيرة بين مساحة الغطاء النباتي والتصحر.
ووفق ما أكده الحكيمي فإن أكثر التداعيات البيئية التي أفرزتها أزمة الغاز في اليمن، هي تدمير الغطاء النباتي دون مراعاة تجديده، إذ يجري التحطيب بالقطع الكلي للأشجار الكبيرة والمعمّرة في البيئة اليمنية بشكل كثيف، وخصوصاً في المناطق الحراجية في مناطق: الحيمة، وبني مطر، وإب، وتعز، والمناطق الممتدة بين محافظة صنعاء والحديدة، وفي مناطق عمران والمحويت وحجة؛ حيث يتم اقتلاع أشجار السدر وتحطيبها، وهو ما أثر بشدة على تربية النحل وإنتاج العسل اليمني.
ويوضح أن الاحتطاب الجائر أثر كثيراً مع تأثيرات المناخ وشحة الأمطار في مناطق الاحتطاب على الزراعة وإنتاج الغذاء، كما أن استمرار انحسار الغطاء النباتي يؤثر على المراعي التي يعتمد عليها مربُّو الثروة الحيوانية، وخصوصاً في السهل التهامي.
وأكد الحكيمي أن قيام شركة الغاز والمسؤولين عن إغلاق نقاط بيع الغاز، وحصر بيعه عبر عقال الحارات، هو السبب الرئيس لاقتلاع مئات الآلاف من الأشجار سنوياً، وهو ما يهدد بأن تصبح اليمن قاحلة بلا أشجار.
أما توفيق المعمري، فيوجه نداء إلى الجهات المعنية يطالب فيه بإنقاذ الشجر من الاحتطاب الجائر؛ خصوصاً أشجار السدر والسلام والسمر؛ حيث تتعرض للقطع في أغلب المحافظات، وقال إن ذلك سيؤدي إلى توقف إنتاج العسل اليمني المشهور بجودته؛ خصوصاً في تهامة وحجة وعمران والجوف وذمار ووصاب والمحويت.
وطالب المعمري بإيجاد حلول للمزارعين مقابل التوقف عن قطع الأشجار، من خلال توفير غاز الطبخ والديزل لأصحاب الأفران وبسعر معقول، ومنع إدخال المبيدات الحشرية المحرمة التي تقتل النحل وتصيب الإنسان أيضاً.
ووفق دراسة لـ«مركز الدراسات التطبيقية للشراكة مع الشرق»، ومقره ألمانيا، فإنه إلى جانب الأزمة الإنسانية الكارثية التي يعاني منها اليمن بفعل الصراع، يعاني أيضاً من أزمة بيئية وانهيار في المناخ يلوح في الأفق.
ويؤدي عدم وجود حكومة مركزية ومتماسكة -بحسب الدراسة- إلى عدم تناول التحديات البيئية بالشكل الكافي، إن لم تكن منعدمة، كما أن الافتقار إلى توفير الخدمات، فضلاً عن التراجع الاقتصادي الناجم عن الحرب القائمة، يزيد من المشكلات البيئية، وتشكل الأعداد الكبيرة من النازحين داخلياً مصدراً آخر من مصادر الضعف البيئي المتزايد. الدراسة -وهي أحد مخرجات «مبادرة التعاون البحثي اليمني حول بناء السلام في اليمن»- قارنت بين 6 محافظات يمنية مختلفة، هي: صنعاء، وذمار، وإب، وتعز، وعدن، وحضرموت، وخلصت إلى أن جميع هذه المحافظات الست تواجه مخاطر بيئية محددة؛ ومشكلات شائعة ناجمة عن ندرة المياه. وأظهرت نتائجها أن إدارة النفايات والتلوث تعد من أكثر القضايا البيئية إلحاحاً في جميع أنحاء اليمن.
وقالت الدراسة إن إحدى أكثر المشكلات البيئية التي يتكرر ذكرها في العاصمة اليمنية، ترتبط بسوء إدارة النفايات التي تشمل النفايات الصلبة ومياه الصرف الصحي وتراكم القمامة.
وبحسب الدراسة، كانت المدن اليمنية، مثل صنعاء، حتى قبل الحرب، تفتقر إلى العدد الكافي من محطات إدارة النفايات، كما أن هذه المحطات القليلة المتوفرة حالياً ليست مؤهلة لإعادة تدوير النفايات الصلبة والطبية والمشعة؛ حيث تعتمد العاصمة على «مكب الأزرقين» وهي منشأة بدائية جداً في التعامل مع النفايات.


مقالات ذات صلة

طارق صالح يدعو إلى تجاوز الخلافات والاستعداد ليوم الخلاص الوطني

المشرق العربي عضو مجلس القيادة الرئاسي اليمني طارق صالح خلال الاجتماع (سبأ)

طارق صالح يدعو إلى تجاوز الخلافات والاستعداد ليوم الخلاص الوطني

دعا عضو مجلس القيادة الرئاسي اليمني طارق صالح إلى ما أسماه «وحدة المعركة»، والجاهزية الكاملة والاستعداد لتحرير العاصمة اليمنية صنعاء من قبضة الميليشيات الحوثية.

عبد الهادي حبتور (الرياض)
المشرق العربي جانب من اجتماع سابق في عمّان بين ممثلي الحكومة اليمنية والحوثيين خاص بملف الأسرى والمحتجزين (مكتب المبعوث الأممي)

واشنطن تفرض عقوبات على عبد القادر المرتضى واللجنة الحوثية لشؤون السجناء

تعهَّدت واشنطن بمواصلة تعزيز جهود مساءلة مرتكبي الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان في اليمن، بمَن فيهم «مسؤولو الحوثيين».

عبد الهادي حبتور (الرياض)
العالم العربي من عرض عسكري ألزم الحوثيون طلبة جامعيين على المشاركة فيه (إعلام حوثي)

حملة حوثية لتطييف التعليم في الجامعات الخاصة

بدأت الجماعة الحوثية فرض نفوذها العقائدي على التعليم الجامعي الخاص بإلزامه بمقررات طائفية، وإجبار أكاديمييه على المشاركة في فعاليات مذهبية، وتجنيد طلابه للتجسس.

وضاح الجليل (عدن)
المشرق العربي وزير الإعلام والثقافة والسياحة اليمني معمر الإرياني (سبأ)

​وزير الإعلام اليمني: الأيام المقبلة مليئة بالمفاجآت

عقب التطورات السورية يرى وزير الإعلام والثقافة والسياحة اليمني معمر الإرياني أن المنطقة مقبلة على مرحلة جديدة تحمل الأمل والحرية

عبد الهادي حبتور (الرياض)
العالم العربي خلال عام أُجريت أكثر من 200 ألف عملية جراحية في المستشفيات اليمنية (الأمم المتحدة)

شراكة البنك الدولي و«الصحة العالمية» تمنع انهيار خدمات 100 مستشفى يمني

يدعم البنك الدولي مبادرة لمنظمة الصحة العالمية، بالتعاون مع الحكومة اليمنية، لمنع المستشفيات اليمنية من الانهيار بتأثيرات الحرب.

محمد ناصر (تعز)

اليمن يستبعد تحقيق السلام مع الحوثيين لعدم جديتهم

الحوثيون وجدوا في حرب غزة وسيلة للهروب من استحقاق السلام (أ.ف.ب)
الحوثيون وجدوا في حرب غزة وسيلة للهروب من استحقاق السلام (أ.ف.ب)
TT

اليمن يستبعد تحقيق السلام مع الحوثيين لعدم جديتهم

الحوثيون وجدوا في حرب غزة وسيلة للهروب من استحقاق السلام (أ.ف.ب)
الحوثيون وجدوا في حرب غزة وسيلة للهروب من استحقاق السلام (أ.ف.ب)

استبعدت الحكومة اليمنية تحقيق السلام مع الحوثيين لعدم جديتهم، داعية إيران إلى رفع يدها عن البلاد ووقف تسليح الجماعة، كما حمّلت المجتمع الدولي مسؤولية التهاون مع الانقلابيين، وعدم تنفيذ اتفاق «استوكهولم» بما فيه اتفاق «الحديدة».

التصريحات اليمنية جاءت في بيان الحكومة خلال أحدث اجتماع لمجلس الأمن في شأن اليمن؛ إذ أكد المندوب الدائم لدى الأمم المتحدة، عبد الله السعدي، أن السلام في بلاده «لا يمكن أن يتحقق دون وجود شريك حقيقي يتخلّى عن خيار الحرب، ويؤمن بالحقوق والمواطنة المتساوية، ويتخلّى عن العنف بوصفه وسيلة لفرض أجنداته السياسية، ويضع مصالح الشعب اليمني فوق كل اعتبار».

وحمّلت الحكومة اليمنية الحوثيين المسؤولية عن عدم تحقيق السلام، واتهمتهم برفض كل الجهود الإقليمية والدولية الرامية إلى إنهاء الأزمة اليمنية، وعدم رغبتهم في السلام وانخراطهم بجدية مع هذه الجهود، مع الاستمرار في تعنتهم وتصعيدهم العسكري في مختلف الجبهات وحربهم الاقتصادية الممنهجة ضد الشعب.

وأكد السعدي، في البيان اليمني، التزام الحكومة بمسار السلام الشامل والعادل والمستدام المبني على مرجعيات الحل السياسي المتفق عليها، وهي المبادرة الخليجية وآليتها التنفيذية ومخرجات مؤتمر الحوار الوطني الشامل، وقرارات مجلس الأمن ذات الصلة، وفي مقدمتها القرار «2216».

عنصر حوثي يحمل صاروخاً وهمياً خلال حشد في صنعاء (رويترز)

وجدّد المندوب اليمني دعم الحكومة لجهود المبعوث الخاص للأمين العام للأمم المتحدة، هانس غروندبرغ، وكل المبادرات والمقترحات الهادفة لتسوية الأزمة، وثمّن عالياً الجهود التي تبذلها السعودية وسلطنة عمان لإحياء العملية السياسية، بما يؤدي إلى تحقيق الحل السياسي، وإنهاء الصراع، واستعادة الأمن والاستقرار.

تهديد الملاحة

وفيما يتعلق بالهجمات الحوثية في البحر الأحمر وخليج عدن، أشار المندوب اليمني لدى الأمم المتحدة إلى أن ذلك لم يعدّ يشكّل تهديداً لليمن واستقراره فحسب، بل يُمثّل تهديداً خطراً على الأمن والسلم الإقليميين والدوليين، وحرية الملاحة البحرية والتجارة الدولية، وهروباً من استحقاقات السلام.

وقال السعدي إن هذا التهديد ليس بالأمر الجديد، ولم يأتِ من فراغ، وإنما جاء نتيجة تجاهل المجتمع الدولي لتحذيرات الحكومة اليمنية منذ سنوات من خطر تقويض الميليشيات الحوثية لاتفاق «استوكهولم»، بما في ذلك اتفاق الحديدة، واستمرار سيطرتها على المدينة وموانيها، واستخدامها منصةً لاستهداف طرق الملاحة الدولية والسفن التجارية، وإطلاق الصواريخ والمسيرات والألغام البحرية، وتهريب الأسلحة في انتهاك لتدابير الجزاءات المنشأة بموجب قرار مجلس الأمن «2140»، والقرارات اللاحقة ذات الصلة.

حرائق على متن ناقلة النفط اليونانية «سونيون» جراء هجمات حوثية (رويترز)

واتهم البيان اليمني الجماعة الحوثية، ومن خلفها النظام الإيراني، بالسعي لزعزعة الأمن والاستقرار في المنطقة، وتهديد خطوط الملاحة الدولية، وعصب الاقتصاد العالمي، وتقويض مبادرات وجهود التهدئة، وإفشال الحلول السلمية للأزمة اليمنية، وتدمير مقدرات الشعب اليمني، وإطالة أمد الحرب، ومفاقمة الأزمة الإنسانية، وعرقلة إحراز أي تقدم في عملية السلام التي تقودها الأمم المتحدة.

وقال السعدي: «على إيران رفع يدها عن اليمن، واحترام سيادته وهويته، وتمكين أبنائه من بناء دولتهم وصنع مستقبلهم الأفضل الذي يستحقونه جميعاً»، ووصف استمرار طهران في إمداد الميليشيات الحوثية بالخبراء والتدريب والأسلحة، بما في ذلك، الصواريخ الباليستية والطائرات المسيّرة، بأنه «يمثل انتهاكاً صريحاً لقرارات مجلس الأمن ذات الصلة، لا سيما القرارين (2216) و(2140)، واستخفافاً بجهود المجتمع الدولي».