لطالما دار الجدل حول جدوى سينما النخبة مقابل سينما الجمهور التي يدرج تسميتها بالأفلام التجارية، وهو ما طال أروقة مهرجان أفلام السعودية، الذي يواصل جلساته الحوارية ضمن الدورة الثامنة المقامة حالياً في مركز الملك عبد العزيز الثقافي العالمي (إثراء)، بتنظيم مشترك بين «إثراء» و«جمعية السينما»، بدعم من هيئة الأفلام التابعة لوزارة الثقافة.
الجدل حسمه عبد الله العياف، الرئيس التنفيذي لهيئة الأفلام، الذي يرى أنه لا ضير من الأفلام الجماهيرية، سواء كانت أفلاماً طويلة أو قصيرة، فالهدف جذب الجمهور نحو السينما السعودية، وقال العياف خلال جلسة حوارية جمعته مع صناع الأفلام، مساء الأول من أمس، لمناقشة جدوى دعم الأفلام التجارية، «إذا وقفت السينما السعودية على أقدامها، فإن الأفلام التجارية قد لا تحتاج إلى دعم الجهات الثقافية».
جانب من الندوة الثقافية حول دور الرواية في السينما السعودية
مستقبل «ضوء»
يرى العياف أنه على مسابقة «ضوء» التي أطلقتها وزارة الثقافة لدعم صناع الأفلام السعوديين، بعد نحو 4 سنوات من الآن، أن تتجه لدعم الأفلام صاحبة الفرص التسويقية الضعيفة فهناك حاجة لدعمها، كونها جيدة فنياً وتشبع الذائقة لتقديمها شيئاً مختلفاً، وتابع: «أعدكم أن مسابقة (ضوء) في السنوات المقبلة ستنتقي الأفلام جيداً». ويقر العياف بأن الجمهور السعودي لم يعتد على مشاهدة الإنتاج السعودي، وهو ما يراه أمراً يدفع لمنح صُناع الأفلام مساحة أكبر في الفترة الراهنة في محاولة لجذب الجماهير، مبيناً أن أكبر تحدٍ تواجهه صناعة الأفلام السعودية حالياً هو تطوير المواهب الوطنية، وأشار إلى أن مجموعة من الجامعات بدأت تعمل على تطوير هذه المواهب، وأضاف: «نعمل على تأسيس كيان مستقل لتدريس السينما، إلى جانب برنامج الابتعاث الذي سيكون إضافة كبيرة في هذا المجال».
حضور كثيف يشهده مهرجان أفلام السعودية في يومه الرابع «الشرق الأوسط»
القطيعة الأدبية
في ندوة حول الرواية السعودية في السينما، خصصت لمناقشة القطيعة القائمة بين الأدب وصناعة الأفلام، برغم غزارة وجودة الروايات السعودية، أوضحت الأديبة هناء حجازي، أن السينما تعتمد بشكل كبير على الأدب، مضيفة أن «السينمائيين غير مطلعين كفاية على الرواية، وبالمقابل فإن معظم الروائيين يتساءلون: أين السينما السعودية من الرواية؟»، معتبرة أن الأمر في النهاية يعود إلى المخرج الذي يختار ماذا سيفعل في الفيلم.
وتابعت بالقول: «الأفلام تعتمد على المحلية، وتحتاج إلى قصص محلية، وهو الأمر المتوفر في الرواية السعودية، فلدينا العديد من القصص المكتوبة والجاهزة، لكنها نحتاج إلى كُتاب سيناريو بارعين، لتحويل هذه الروايات إلى أفلام، وينبغي أيضاً أن يفهم الروائيون أن الفيلم الذي سيخرج لن يكون كالرواية».
الرواية والفيلم
من ناحيته، أشار الكاتب عبد الله ثابت، خلال مشاركته في الندوة، إلى أن العمل السينمائي هو أقرب ما يكون للشكل الفني للرواية، حيث يعتمد في الأساس على الوصف والسرد أكثر من الحوار، وهنا يبرز الاختلاف بين الوسطين من حيث الإحساس الزمني عند المتلقي، ما بين الرواية والفيلم.
وأردف: «الرواية تأتي غالباً من مئات الصفحات، وتستغرق عدة ساعات متواصلة لإنجازها، في حين أن متوسط الفيلم العادي يقدر بنحو ساعتين»، مبيناً أن المتلقي للرواية يتوقف عندما يريد ويعود للصفحات السابقة لاسترجاع الحدث، واعتبر أن القارئ يصبح لديه ما يشبه المخرج الداخلي في رأسه، بعكس مشاهدة الفيلم السينمائي، حيث تتوفر أمامه المرئيات والأحداث ولا فرصة لديه للتوقف أو الإعادة.
ويعتقد ثابت أن هناك إشكالات في نقل الأدب إلى السينما، وعلى رأس ذلك إيجاد المعادلة التي تُعبر عن المضمون نفسه مع الوعي بوجود وسيلة تعبير مختلفة تختص بها كل وسيلة. وعن الرواية السعودية في السينما، يقول «ما زلنا ببداية الصناعة أو استئنافها إن صح القول»، معتقداً أن الروايات القابلة للتحول إلى الشاشة هي التي اشتغلت على التحولات الاجتماعية وسير الشخصيات المؤثرة في تاريخ المجتمع، وكذلك الطفرات الاقتصادية التي مرت بها البلد وانعكاسها على الحياة الاجتماعية، إلى جانب الروايات التي تتناول القرية والمدينة.
الأفلام الروائية
ورغم أن الحديث يتناول تواري الرواية عن صناعة الأفلام السعودية، إلا أن الكاتب سعد الدوسري، الذي أدار الندوة، أشار إلى أن مهرجان أفلام السعودية يُصنف بعض الأفلام على أنها «أفلام روائية»، في حين أنها لم تؤخذ من روايات، فالسيناريو الطويل المكتوب بنفس روائي هو ما يجيز تسمية العمل بـفيلم روائي.
أما المخرجة التونسية سيناء الشايجي، فقالت «يرفض الكتاب والنقاد في الأدب الاعتراف بالسيناريو كأثر أدبي، ويعود ذلك لطبيعة السيناريو باعتباره نصاً وظيفياً لا نصاً إبداعياً جمالياً، إذ يُستعمل السيناريو كنص وسيط يسمح بالانتقال من النص الأدبي للفيلم المقتبس عن النص الأصلي». ولا تقتصر هذه الآراء على منابر الندوات والجلسات الحوارية المصاحبة للمهرجان، فأينما ولى الحضور وجههم ثمة جلسات حوارية يجد فيها السينمائيون ضالتهم لمناقشة مستقبل صناعتهم وتبادل الآراء، في مزيج من مختلف الثقافات والبلدان، قدموا جميعاً ليكونوا جزءاً من هذا الحراك السينمائي الذي يستمر إلى يوم الخميس المقبل.