الفراغ الرئاسي يكبّل عمل مجلس النواب اللبناني عامًا كاملاً

الهيئة العامة انعقدت مرة واحدة.. و33 مشروعًا واقتراح قانون لا تزال مجمّدة

صندوق الاقتراع والعلم اللبناني بانتظار انتخاب الرئيس داخل البرلمان اللبناني (أ.ف.ب)
صندوق الاقتراع والعلم اللبناني بانتظار انتخاب الرئيس داخل البرلمان اللبناني (أ.ف.ب)
TT

الفراغ الرئاسي يكبّل عمل مجلس النواب اللبناني عامًا كاملاً

صندوق الاقتراع والعلم اللبناني بانتظار انتخاب الرئيس داخل البرلمان اللبناني (أ.ف.ب)
صندوق الاقتراع والعلم اللبناني بانتظار انتخاب الرئيس داخل البرلمان اللبناني (أ.ف.ب)

فشل البرلمان اللبناني الممدد لنفسه مرتين، بحجة «الظروف القاهرة»، وخوفًا على الأمن والاستقرار من بعده، طوال عام كامل، في إتمام مهمته بانتخاب رئيس جديد للبلاد، لا بل تجلى مشهد التعطيل والفراغ الذي أرخاه شغور سدة الرئاسة بأوضح معالمه في قاعات مجلس النواب التي ظلّت فارغة معظم أيام السنة، بعد تعذر استكمال العمل التشريعي لتمسك الكتل المسيحية بما تقول، إنه «مبدأ عدم وجوب التشريع في ظل عدم وجود رئيس للبلاد».
وانعقدت الهيئة العامة للمجلس مرة واحدة فقط منذ انتهاء ولاية رئيس الجمهورية السابق ميشال سليمان، تحت شعار «تشريع الضرورة»، إلا أن هذا الشعار ما لبث أن سقط مع توافق معظم الكتل المسيحية على وجوب عدم التشريع إلا في حالات الضرورة القصوى، احترامًا لموقع الرئاسة، ولكي تنصب كل الاهتمامات والجهود لإيجاد مخارج ملائمة للأزمة الرئاسية.
ولم ينجح «مايسترو» اللعبة السياسية في لبنان رئيس المجلس النيابي نبيه بري، حتى الساعة، في انتشال مجلسه من دوامة التعطيل لتمسكه بوجوب تأمين «ميثاقية» أي جلسة قد يدعو إليها، بإشارة إلى وجوب مشاركة كل المكونات الطائفية فيها، حتى إن استياء بري من المنحى الذي اتخذته الأمور دفعه أخيرًا باتجاه التهديد بحل البرلمان، معتبرًا أن «الدستور يبيح حلّه، في حال امتناعه عن الاجتماع طوال عقد عادي كامل، من دون عذر أو سبب قاهر». وأشار إلى أن «عدم انعقاد المجلس في الفترة المتبقية من العقد الحالي سيدفعه إلى دعوة رئيس الجمهورية الجديد، فور انتخابه، وخلال تهنئته له للطلب من مجلس الوزراء اتخاذ قرار بحل مجلس النواب، وفق الآلية التي يلحظها الدستور».
وبالإضافة إلى فشله بعمله التشريعي، فشل البرلمان اللبناني بالمهمة الأبرز الموكلة إليه لجهة انتخاب رئيس للبلاد، ما أدّى لارتفاع الأصوات المطالبة بانتخاب رئيس مباشرة من الشعب. ولم تلب معظم كتل قوى 8 آذار وعلى رأسها كتلتا حزب الله و«التغيير والإصلاح» 23 دعوة وجهها بري لجلسات نيابية متتالية لانتخاب رئيس، مطالبة بالتوافق على اسم الرئيس قبل التوجه إلى البرلمان لانتخابه. ونتيجة توازن الرعب القائم بين طرفي الصراع في لبنان وامتلاك فريق 8 آذار 57 نائبًا، وفريق 14 آذار 54 نائبًا، ووجود كتلة وسطية مؤلفة من 11 نائبًا ينضوون بإطار كتلة النائب جنبلاط و6 مستقلين، وبما أن الدستور اللبناني ينص على وجوب حصول المرشح على 65 صوتًا على الأقل في دورات الاقتراع الثانية وما بعد، فإن اشتراط حضور ثلثي أعضاء البرلمان لتأمين النصاب القانوني لانعقاد جلسة لانتخاب الرئيس، جعل الطرفين قادرين على التعطيل، من دون قدرة أي منهما على تأمين أصوات 65 نائبًا لصالحه.
ويقتصر عمل مجلس النواب حاليًا، على بعض الجلسات التي تعقدها اللجان النيابية المختلفة للنظر في اقتراحات قوانين يطرحها النواب وفي مشاريع القوانين المحالة من الحكومة، علما بأن 33 مشروعًا واقتراح قانون انتهت اللجان من دراستها لا تزال مجمّدة بانتظار انعقاد الهيئة العامة لإقرارها.
وفي هذا الإطار، أشار رئيس لجنة حقوق الإنسان، عضو كتلة «التنمية والتحرير» النائب ميشال موسى، إلى أن «اللجان النيابية تمارس عملها كالمعتاد وهي تنتظر حاليًا أن تحيل إليها الحكومة الموازنة العامة لدراستها»، لافتا إلى أن «المشكلة الحقيقية تكمن في تعذر عقد جلسة تشريعية».
وأشار موسى في تصريح لـ«الشرق الأوسط» إلى أن شغور سدة الرئاسة «خلق إرباكًا انعكس تلقائيًا على عمل مجلس النواب وعلى انعقاد الهيئة العامة»، مؤكدًا «حرص الرئيس بري على ميثاقية أي جلسة يدعو إليها، علما بأنّه كان ولا يزال يسعى لتهيئة الأجواء اللازمة لعقد جلسة قبل انتهاء العقد العادي للمجلس نهاية الشهر الحالي».
ولا يمكن لمجلس النواب أن ينعقد بعد نهاية الشهر الحالي إلا بدعوة من الحكومة لعقد جلسة استثنائية، ما سيزيد الأمور تعقيدًا، وبالتالي يجعل إمكانية البت بالمشاريع الاقتصادية والاجتماعية التي ينتظرها المواطن بفارغ الصبر غير متاحة.
ومن أبرز الملفات العالقة في اللجان النيابية، موضوع قانون الانتخاب الذي من المفترض أن تجري على أساسه الانتخابات النيابية المقبلة، باعتبار أن مجلس النواب اللبناني كان قد أقر في يونيو (حزيران) الماضي قانونًا يمدد ولايته لمدة 17 شهرًا إضافيًا تنتهي في 20 من شهر نوفمبر (تشرين الثاني) 2014. وردّ النواب الذين وافقوا على قانون التمديد الأسباب إلى «ظروف قاهرة»، بسبب عدم التوافق على قانون للانتخاب، ولأن قانون الانتخابات الحالي (المعروف باسم قانون الستين) لا يحظى بتأييد معظم الكتل النيابية التي تعتبره لا يؤمن تمثيلاً صحيحًا لمختلف الطوائف.
وأشار موسى إلى أن اللجنة النيابية الموكلة بدراسة المشاريع المقدمة بما يتعلق بقانون الانتخاب «لم تنجح حتى الساعة في مهمتها، نظرًا للتباينات الكبيرة بين الفرقاء والذين يتمسك قسم كبير منهم بوجوب أن يكون هناك رئيس للبلاد يعطي رأيه بقانون الانتخاب ويطعن به إذا لم يجده مناسبًا». وأضاف: «لكن الرئيس بري جاهز متى اتفق الفرقاء على قانون موحد لعقد جلسة لإقراره حتى في ظل غياب الرئيس، إذا ما كان ذلك يحل الأزمة السياسية القائمة».
وقد توافقت هيئة مكتب المجلس في الأشهر الماضية على 7 بنود تم إدراجها على جدول أعمال أي جلسة يدعو إليها بري تحت شعار «تشريع الضرورة»، وترتبط هذه البنود بملفات مالية لجهة قروض خارجية للبنان يتوجب إقرارها ضمن مهلة محددة، ما يُهدد بخسارة لبنان اتفاقات مع الخارج تتجاوز قيمتها المليار دولار. كما تتعلق البنود الـ7 بمواضيع تنموية وبسلامة الغذاء، إضافة لملف تسليح الجيش.



دعوات حكومية ودولية لتكثيف الاستجابة الإنسانية في اليمن

زيادة كبيرة في حجم احتياجات الاستجابة الإنسانية في اليمن يقابلها نقص في التمويل (الأمم المتحدة)
زيادة كبيرة في حجم احتياجات الاستجابة الإنسانية في اليمن يقابلها نقص في التمويل (الأمم المتحدة)
TT

دعوات حكومية ودولية لتكثيف الاستجابة الإنسانية في اليمن

زيادة كبيرة في حجم احتياجات الاستجابة الإنسانية في اليمن يقابلها نقص في التمويل (الأمم المتحدة)
زيادة كبيرة في حجم احتياجات الاستجابة الإنسانية في اليمن يقابلها نقص في التمويل (الأمم المتحدة)

مع توجّه الحكومة اليمنية بطلب إلى الأمم المتحدة لعقد مؤتمر للمانحين لجهة دعم خطة الاستجابة الإنسانية في البلاد، بعد تزايد الاحتياجات الإنسانية الملحَّة، جددت منظمات دولية وأممية الدعوة إلى زيادة التمويل والتعاون الأكبر بين الجهات الفاعلة الوطنية والدولية لتقديم المساعدات الأساسية.

وفي حين تواصل الجماعة الحوثية إعاقة جهود الإغاثة في البلاد، ذكر الإعلام الرسمي أن سفير اليمن لدى الأمم المتحدة، عبد الله السعدي، أكد على ضرورة أن تظل الأزمة الإنسانية في اليمن على رأس أولويات الأمم المتحدة والمجتمع الدولي للحد من المعاناة المتزايدة، داعياً إلى تكثيف الجهود للإفراج الفوري وغير المشروط عن جميع المختطَفين والمعتقَلين، ومحاسبة المسؤولين عن مختلف الانتهاكات، في إشارة إلى الجماعة الحوثية.

وفي بيان اليمن أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة، خلال الجلسة الخاصة بتعزيز تنسيق المساعدات الإنسانية والإغاثية، حذَّر السعدي المجتمع الدولي من خطورة تجاهل الانتهاكات التي ترتكبها الجماعة الحوثية لخدمة أجندتها السياسية، بما في ذلك استخدام المساعدات الإنسانية لخدمة أهدافها العسكرية وتحويل المناطق الخاضعة لسيطرتها إلى سجون لمن يعارضونها.

أكثر من 19 مليون يمني بحاجة إلى المساعدات خلال العام المقبل حسب تقديرات أممية (الأمم المتحدة)

وأعاد البيان اليمني التذكير بأهمية نقل مقرات الوكالات الأممية والمنظمات الدولية إلى العاصمة المؤقتة عدن لضمان سلامة العاملين في المجال الإنساني، وتوفير بيئة آمنة للعمل بعيداً عن التدخلات؛ ما يساهم في تحسين القدرة على إيصال المساعدات إلى الفئات المحتاجة في مختلف المناطق. وتتهم الحكومة اليمنية وأوساط إغاثية وحقوقية محلية وأممية ودولية الجماعة الحوثية بالاستمرار في اختطاف العاملين بالمجال الإغاثي، وتبني حملات إعلامية مسيئة للعمل الإنساني، ورفض الاستجابة لطلبات عائلات المختطفين بالسماح بزيارتهم والاطمئنان على صحتهم الجسدية والنفسية، وتقديم الرعاية لهم.

سوء التنظيم والتخطيط

وجدَّدت الحكومة اليمنية التذكير بالأضرار الكبيرة التي تسببت بها الفيضانات والسيول التي ضربت عدة مناطق يمنية هذا العام، إلى جانب مختلف التطرفات المناخية التي ضاعفت من الآثار الناجمة عن الحرب في مفاقمة الأوضاع الإنسانية والاقتصادية؛ ما زاد من أهمية وضرورة تكثيف دعم المجتمع الدولي لليمن في مواجهة هذه التحديات.

جهات دولية تتهم الجماعة الحوثية بإعاقة أعمال الإغاثة بعد اختطاف موظفي المنظمات (رويترز)

ولا يتوقع جمال بلفقيه رئيس اللجنة العليا للإغاثة في الحكومة اليمنية أن يكون الدعم كبيراً أو كافياً لمواجهة مختلف المتطلبات والاحتياجات، مشيراً إلى أن عملية حشد الأموال لا بد أن تقترن بكيفية تنظيم إدارة العمل الإنساني والإغاثي، وخلق شراكة حقيقية بين الحكومة اليمنية والقطاع الخاص، والمنظمات المحلية والجهات الإغاثية الحالية، لإيصال المساعدات.

وفي حديثه لـ«الشرق الأوسط»، يصف بلفقيه الأزمة الإنسانية في بلاده بالأشد قسوة؛ ما يجعل من غير الممكن على اليمنيين الصمود أمام متطلبات معيشتهم، في ظل استمرارها وتصاعدها، منوهاً بأن حجم الأموال التي يمكن الحصول عليها ليس مهماً إذا لم يتم تنظيم عمليات الإغاثة للوصول بكفاءة إلى كل المستحقين.

وانتقد بلفقيه، وهو أيضاً مستشار وزير الإدارة المحلية، التوجهات الأممية الموسمية لزيادة التمويل، عند نهاية عام وبداية عام جديد، مع غياب التخطيط والتنظيم الفاعلين، وعدم مراعاة الاحتياجات المحلية للمتضررين من الأزمة الإنسانية في كل محافظة.

فيضانات الصيف الماضي في اليمن فاقمت من الأزمة الإنسانية وزادت من احتياجات الإغاثة (الأمم المتحدة)

من جهتها، أكدت منظمة «هيومن رايتس ووتش» أن اليمن أصبح يعيش «واحدة من أكبر الأزمات الإنسانية في العالم»، وفقاً لبيانات الأمم المتحدة؛ ما يزيد من احتياجات التمويل والتعاون الأكبر بين الجهات الفاعلة الوطنية والدولية لتقديم المساعدات الأساسية، بما فيها الغذاء والمياه والإمدادات الطبية.

واتهمت المنظمة، في بيان حديث لها، الجماعة الحوثية، باحتجاز وإخفاء 17 شخصاً على الأقل من موظفي الأمم المتحدة، بالإضافة إلى عشرات الموظفين من المنظمات غير الحكومية ومنظمات المجتمع المدني والشركات الخاصة، ومواصلة احتجازهم دون تهم.

إيقاف التمويل

نقلت «هيومن رايتس ووتش» عن الأمم المتحدة، أن 24.1 مليون يمني، أي ما يساوي 80 في المائة من السكان، بحاجة إلى المساعدات الإنسانية والحماية».

ونبهت المنظمة الدولية إلى أن الحكومة السويدية أقرَّت، أواخر الشهر الماضي، «الإنهاء التدريجي» لمساعداتها الإنمائية لليمن، على خلفية الإجراءات التدميرية المتزايدة للجماعة الحوثية في الأجزاء الشمالية من اليمن، ومنها اختطاف موظفي الأمم المتحدة.

كما دعت الأمم المتحدة والمجتمع الدولي تصعيد مطالبة الحوثيين بالإفراج عن المعتقلين، وتنسيق جهودهما بشكل أفضل في هذا الهدف المشترك. وقالت: «يجب أن تضاعف وكالات الأمم المتحدة الجهود لحماية ودعم موظفيها المتبقين في اليمن».

رغم تراجع تمويل الإغاثة في اليمن لا تزال وكالات أممية تقدم مساعدات للنازحين والمحتاجين (الأمم المتحدة)

ويتفق الباحث الاقتصادي، عادل السامعي، مع مسؤول الإغاثة اليمني، بلفقيه، حول سوء إدارة أموال الإغاثة في اليمن، وتسبب ذلك في حلول جزئية ومؤقتة للأزمة الإنسانية في البلاد. ويوضح السامعي لـ«الشرق الأوسط» أن هناك تراجعاً ملحوظاً في تمويل خطة الاستجابة الإنسانية في اليمن بسبب «الفساد» الذي أضر بالعملية الإغاثية وتجيير كثير من أوجه الدعم والمساعدات لصالح الجماعة الحوثية.

ويلفت إلى أن هناك تراكماً للفجوات بين الاحتياجات التي تفرضها الأزمة الإنسانية في اليمن والتمويل الموجَّه لها؛ فبعد أن كانت متطلبات الاستجابة الإنسانية خلال الـ12 عاماً الماضية تزيد على 33 مليار دولار، جرى تحصيل أقل من 20 مليار دولار فقط.

وخلال الأسبوع الماضي، كشفت الأمم المتحدة عن حاجتها إلى 2.5 مليار دولار لدعم خطة الاستجابة الإنسانية في اليمن خلال العام المقبل (2025).

بسبب اختطاف الجماعة الحوثية موظفي الإغاثة في اليمن تراجعت عدد من الدول عن تمويل الاستجابة الإنسانية (أ.ف.ب)

وحذَّر «مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية (أوتشا)»، في بيان له، من أن الظروف المعيشية لمعظم اليمنيين ستظل مزرية في عام 2025. ومن المتوقَّع أن تؤدي فرص كسب العيش المحدودة وانخفاض القدرة الشرائية إلى تعميق عدم الاستقرار الاجتماعي والاقتصادي.

ووفقاً للمكتب الأممي، فإن 19.54 مليون شخص في اليمن بحاجة إلى المساعدة خلال العام المقبل، من بينهم 17 مليون شخص (49 في المائة من السكان) سيواجهون انعدام الأمن الغذائي الشديد، مع معاناة 5 ملايين شخص من ظروف «الطوارئ». بينما يؤثر سوء التغذية الحاد على نحو 3.5 مليون شخص، بمن في ذلك أكثر من 500 ألف شخص يعانون من سوء التغذية الحاد الشديد.