ولدت الشاعرة دنيا ميخائيل ببغداد. وبعد تخرجها من الجامعة، عملت في مجالَي الترجمة والصحافة قبل الهجرة إلى الولايات المتحدة في التسعينات.
من أعمالها الشعرية «مزامير الغياب»، و«يوميات موجة خارج البحر»، و«الحرب تعمل بجد» التي ترجمت للإنجليزية واختارتها مكتبة نيويورك العامة كأفضل 25 كتاباً لعام 2005، ترشح كتابها «في سوق السبايا» للقائمة الطويلة للجائزة الوطنية للأدب المترجم، كما أصدرت دنيا ميخائيل روايتها الأولى «وشْم الطائر» سنة 2020، ورشحت الرواية في القائمة الطويلة للجائزة العالمية للرواية العربية، ثم في القائمة القصيرة. وحصلت دنيا ميخائل أخيراً على جائزة اليونيسكو الشارقة للثقافة العربية، مناصفة مع الممثلة السورية السويدية هيلين الجنابي. وبهذه المناسبة، كان هذا الحوار معها في باريس:
> ماذا يمثل الشعر بالنسبة لك؟ وهل يمكن تصنيف شعرك شعرَ منفى، أو شعر حرب، أو شعراً نسوياً، أو ماذا؟
- بالنسبة إليّ الشعر طريقة حياة، وهو كالهواء لا يعرف التصنيف ولا أظن أننا نستطيع الحديث عن شعر للمرأة وشعر للرجل، ولكن ما لاحظته من خلال تجربتي الشعرية هو أن أسلوب المرأة مختلف عن أسلوب الرجل من حيث الحس اللغوي والأسلوب. ما يضايقني في طروحات بعض الكتاب هو اعتقادهم أن مواضيع المرأة محدودة بقضايا رومانسية، وهذا غير صحيح، بل مجحف.
> كتابة الشعر ككل إنتاج إبداعي يترافق بمشاعر قوية مختلفة من قلق ومتعة وحماس واستكشاف، فما هي الحالة الشعرية التي تنتابك أثناء الكتابة؟
- عندما أشرع في كتابة قصائدي أشعر وكأني على وشك الإفصاح عن سر ما، ولذا فأنا أحس بالمتعة لأني سأشارك الآخرين هذا السر، طبعاً لا تخلو هذه العملية من قلق لأني كأغلب الكتاب أحاول إطلاق قصيدتي بالمظهر الذي تستحق أن تظهر به.
> الملاحظ في إنتاجك استحضار قوي للمعاناة، سوءاً من خلال الحرب أو العنف ضد المرأة أو الموت، فكيف يتم التوازن بين تحقيق الشروط الفنية للإنتاج الأدبي والشعري والتصوير الواقعي لمأساة الشخصيات؟
- القضايا الكبيرة لا تكفي لتكون مبرراً لكتابات كبيرة. كتابة الكارثة تحتاج إلى أدوات فنية وجمالية هائلة لتحقيق ذلك التوازن الذي يمنحها البقاء كعمل فني. مثلاً في رواية «وشم الطائر» حاولت خلق بناء جمالي بمستوى الحدث المأساوي والإبادة الجماعية التي تعرضت لها الطائفة الإيزيدية. ربما تتساءلين ماذا عن القضايا الصغيرة، خصوصاً وأني قلت مراراً بأن كتابتي تعتني بالأشياء الصغيرة ذات الظلال الكبيرة. إذا أردت أن أكتب عن زهرة مثلاً لا يختلف عندي أسلوب تناولها عن تناول حرب قاسية، في كل الأحوال لدي مقياس شديد، وهو أن أسأل نفسي إذا كانت هذه هي قصيدتي الوحيدة التي سأقدمها للعالم هل تمثلني؟ إذ كانت الإجابة بالنفي فما عليّ إلا أن أعيد الكتابة من جديد.
> هل هناك أزمة في الشعر، أم أزمة الجمهور الذي لم يعد يقرأ الشعر؟
- ليست هناك أزمة جمهور، بل إن الجمهور محقٌّ في نفوره من الكتابات الضعيفة وما أكثرها، خصوصاً أن النشر أصبح من أسهل ما يمكن. الكثير من الكُتاب يستسهلون كتابة الشعر معتقدين أنه مجرد تنفيس عن مشاعر فنلاحظ شيوع الكثير من الخواطر. الفرق بين الخاطرة والقصيدة هو أن يمنحك النحات مثلاً طيناً كمادة خام دون تشكيلها كعمل فني.
> درست الأدب الإنجليزي فإلى أي حد انعكس هذا الأمر على أسلوبك الشعري والروائي؟
- منذ خطواتي الأولى في الشعر وحتى قبل أن أدرس اللغة الإنجليزية، كنت أميل للكتابات التي تتميز بنوع من الهشاشة، إذا صح التعبير، بعيداً عن البلاغة المفخمة فتلك ببساطة ليست أسلوبي، وحتى كقارئة كنت أميل إلى الشعر المترجم للعربية لأنه يخلو من الوزن والقافية، وتلك البلاغة الكلاسيكية التي تشبه سبائك الذهب. أصلاً لا أحب الذهب، أفضل قصائد الفضة.
> أنت معروفة بكونك شاعرة لكنك توجهت للرواية في السنوات الأخيرة، فكتبت رواية «وشم الطائر»، التي وصلت للقائمة القصيرة لجائزة «البوكر» العالمية 2021... فما الذي جعلك تتوجهين للرواية؟
- أردت منح هيلين (بطلة الرواية) مساحة مناسبة للتفاصيل والحوارات والأحداث. بالمناسبة، أول تجربة أدبية لي كانت مع القصة وليس الشعر، إذ كانت جدتي تحكي لي في طفولتي قصصاً من التراث الشعبي، وأنا كنت أعيد كتابة تلك القصص في دفتري بطريقتي وأسلوبي، ولكني تدريجياً وجدت نفسي في الشعر. على أي حال، ذلك الخط الفاصل بين الأجناس الأدبية ليس حدوداً جغرافية ولا عبورها هجرة غير شرعية.
> حدثينا عن رواية «وشم الطائر»؟
- هي رواية مستوحاة من قصة حقيقية في قرية بدائية غير معلمة على خريطة العراق، وهي معزولة تماماً عن القرى الأخرى، والمفارقة أن تلك العزلة حمت هذه القرية من غزو «داعش». أهل هذه القرية خرافيون بطيبتهم وهم لا يعرفون القراءة والكتابة لكنهم استجابوا لهذه الكارثة بالغناء الحزين. وهي أيضاً قصة إلياس وهيلين وحبهما الذي رمزه وشم طائر.
> هل هناك تحدٍ شخصي في الانتقال من كتابة الشعر إلى كتابة الرواية؟
- لمن يريد كتابة رواية عليه أن يتحمل ولادة شخصيات قد تكون مشاكسة، لدرجة أن تزورك في الحلم وتعترض على اختياراتك لمصائرها هو ما حدث معي فعلاً، كما أن الرواية تحتاج إلى صبر خاص كي تعتني بحيوات غريبة عنك، ولكن تصبح تدريجياً أليفة وكأنها من أصدقائك المقربين.
> ما هي مشاريعك المستقبلية؟
- أشتغل على مجموعة شعرية وعمل آخر ما زلت لم أقرر جنسه الأدبي.