مائة يوم من الحرب: مائة تحدٍ جديد (تحليل إخباري)

عمال الإنقاذ أمام أنقاض مبنى سكني مُدمر بسبب القصف الروسي على مدينة خاركيف الأوكرانية (أ.ف.ب)
عمال الإنقاذ أمام أنقاض مبنى سكني مُدمر بسبب القصف الروسي على مدينة خاركيف الأوكرانية (أ.ف.ب)
TT

مائة يوم من الحرب: مائة تحدٍ جديد (تحليل إخباري)

عمال الإنقاذ أمام أنقاض مبنى سكني مُدمر بسبب القصف الروسي على مدينة خاركيف الأوكرانية (أ.ف.ب)
عمال الإنقاذ أمام أنقاض مبنى سكني مُدمر بسبب القصف الروسي على مدينة خاركيف الأوكرانية (أ.ف.ب)

بعد مائة يوم من القتال في أوكرانيا، لا تزال وجوه جديدة من الحرب تتكشف، حيث تنشأ أزمات غير متوقعة على ساحات بعيدة وتبدو عديمة الصلة بما يدور بين موسكو وكييف.
عنف المعارك واتساع الدمار والعدد الكبير من القتلى، ليست سوى المشاهد السطحية لأزمة عالمية ولدتها الحرب وراحت تتناسل وتنتج مصائب في غير مكان من العالم. خطوط تقدم وتراجع القوات الروسية أو الأوكرانية والمناطق التي تسقط بيد هذا الطرف ليستعيدها الطرف المقابل قبل أن يخسرها مرة جديدة، مسائل مرشحة للاستمرار لشهور أو أعوام مقبلة.
العملية السياسية تبدو معطلة أو تتناول في أفضل الأحوال قضايا ليست في صلب الصراع، وإن اكتست بأهمية إنسانية أو اقتصادية، كتبادل الأسرى والسماح لأوكرانيا بتصدير قمحها تجنباً لوقوع مجاعة عالمية. على هذه الخلفية ترتسم الملامح الأولية لعالم ما بعد الحرب الأوكرانية - الروسية الذي سيكون مختلفاً عن العالم الذي اعتاد البشر عليه، خصوصاً إذا أضيفت مفاعيل الحرب على ما خلفه وباء «كوفيد - 19» من آثار اقتصادية واجتماعية وسياسية لم تتضح كلها بعد.
https://twitter.com/aawsat_News/status/1532764044616007680
الهدف المعلن للتحالف الغربي هو إرغام روسيا على وقف الحرب وردعها عن شن مزيد من الحروب على جيرانها، فيما يُترك موضوع التنازلات الإقليمية التي قد تضطر أوكرانيا إلى تقديمها ثمناً للسلام غير واضح. فالاعتقاد السائد بين «الواقعيين» الغربيين أن قضايا شبه جزيرة القرم ومنطقتي دونباس ولوهانسك لن يكون من السهل تسويتها وإعادة الأمور فيها إلى ما قبل 2014. وزير الخارجية الأميركي الأسبق هنري كيسنجر عبّر عن هذه الوجهة التي باتت تتردد في وسائل الإعلام الأميركية خصوصاً، في كلمته أمام منتدى دافوس الاقتصادي، ما أثار غضب الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي الذي يعرف، من جهة ثانية، أن الانتصار على روسيا واستعادة الأراضي الأوكرانية كاملة يتطلبان موازين قوى غير متوفرة في المدى المنظور، وأن الإمداد الغربي ليس مفتوحاً إلى الأبد.
وهذا مسار قد يجد حلولاً له في المسارات الدبلوماسية من خلال إضفاء الطابع الفيدرالي على أوكرانيا على غرار ما دعت إليه اتفاقيات مينسك في 2015 أو غير ذلك من الاقتراحات. لكن الجوانب التي ما زالت مجهولة من الحرب الأوكرانية هي التغييرات العميقة التي بدأت تظهر على مواقع قوى دولية عدة.
على سبيل المثال، اتجهت الأنظار إلى الهند كمصدر رئيسي للحبوب بدلاً من روسيا وأوكرانيا. وبغض النظر عن حظر التصدير الذي أعلنته نيودلهي، فإن الهند وسعت حضورها الدولي بفضل امتلاكها نفوذاً في تجارة القمح، إضافة إلى مضاعفتها وارداتها النفطية من روسيا مرات عدة على نحو دفع المسؤولين الغربيين إلى اتهام الحكومة الهندية بمد موسكو بحبل نجاة من العقوبات، وهو ما رد عليه وزير الخارجية الهندي سوبرامينام جايشكار بالتذكير أن الاتحاد الأوروبي ما زال الممول الأكبر لروسيا حتى اليوم بشرائه النفط والغاز بكميات ضخمة.

حرب أوكرانيا... 100 يوم غيّرت العالم

من جهة ثانية، الهزة الشديدة التي تعرضت لها أسواق النفط والغاز، والارتفاع الكبير في أسعار الوقود في كل أنحاء العالم مع ما يحمله من تبعات على اقتصادات وأنماط معيشة في الغرب، وبحث محموم عن بدائل في الطاقة المتجددة جراء الخوف من عدم كفاية المصادر البديلة للغاز الروسي، كل ذلك فرض تبدلات في العلاقات الدولية، حيث بات على ألمانيا على سبيل المثال، أن تسعى إلى الحصول على الغاز من السنغال، وعلى روسيا أن تقنع الجزائر بعدم إمداد أوروبا بالكميات التي تطلبها الأخيرة من الغاز.
والأهم أن الولايات المتحدة التي يشكل سعر غالون وقود السيارات معطى حاسماً في سياساتها الداخلية، وليس في اقتصادها فقط، اضطرت إلى إعادة النظر في مواقف كانت قد اتخذتها حيال فنزويلا ودول الخليج، وبنت الإدارة الحالية سياستها على أساسها، ناهيك بتصاعد الحذر الذي تتخذه القيادة الصينية في مقاربتها الحرب الأوكرانية تحسباً من الوقوع في مصيدة العقوبات الغربية أو النقص في إمدادات الطاقة إذا أخطأت الحساب.
وليس واضحاً المدى الزمني الذي ستأخذ فيه العلاقات والبنى السياسية التي تتشكل حالياً على دوي المدافع في أوكرانيا. فمع كل يوم جديد من القتال تبرز مشكلة جديدة وتحدٍ في مجال مختلف كان يسود الاعتقاد أنه في منأى عن التأثر بحرب بعيدة.


مقالات ذات صلة

إسقاط مسيّرة قرب قاعدة جوية روسية في القرم

العالم إسقاط مسيّرة قرب قاعدة جوية روسية في القرم

إسقاط مسيّرة قرب قاعدة جوية روسية في القرم

أعلنت السلطات المعينة من روسيا في القرم إسقاط طائرة مسيرة قرب قاعدة جوية في شبه الجزيرة التي ضمتها روسيا، في حادثة جديدة من الحوادث المماثلة في الأيام القليلة الماضية. وقال حاكم سيفاستوبول ميخائيل رازفوجاييف على منصة «تلغرام»: «هجوم آخر على سيفاستوبول. قرابة الساعة 7,00 مساء (16,00 ت غ) دمرت دفاعاتنا الجوية طائرة من دون طيار في منطقة قاعدة بيلبيك».

«الشرق الأوسط» (موسكو)
العالم الاتحاد الأوروبي يحذّر موسكو من استغلال الهجوم المفترض على الكرملين

الاتحاد الأوروبي يحذّر موسكو من استغلال الهجوم المفترض على الكرملين

حذّر مسؤول السياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي جوزيب بوريل روسيا، اليوم الخميس، من استغلال الهجوم المفترض على الكرملين الذي اتهمت موسكو كييف بشنّه، لتكثيف هجماتها في أوكرانيا. وقال بوريل خلال اجتماع لوزراء من دول الاتحاد مكلفين شؤون التنمي«ندعو روسيا الى عدم استخدام هذا الهجوم المفترض ذريعة لمواصلة التصعيد» في الحرب التي بدأتها مطلع العام 2022. وأشار الى أن «هذا الأمر يثير قلقنا... لأنه يمكن استخدامه لتبرير تعبئة مزيد من الجنود و(شنّ) مزيد من الهجمات ضد أوكرانيا». وأضاف «رأيت صورا واستمعت الى الرئيس (الأوكراني فولوديمير) زيلينسكي.

«الشرق الأوسط» (بروكسل)
العالم هجوم بطائرة مسيرة يستهدف مصفاة «إلسكاي» جنوب روسيا

هجوم بطائرة مسيرة يستهدف مصفاة «إلسكاي» جنوب روسيا

ذكرت وكالة «تاس» الروسية للأنباء، صباح اليوم (الخميس)، نقلاً عن خدمات الطوارئ المحلية، أن حريقاً شب في جزء من مصفاة نفط في جنوب روسيا بعد هجوم بطائرة مسيرة. وقالت «تاس»، إن الحادث وقع في مصفاة «إلسكاي» قرب ميناء نوفوروسيسك المطل على البحر الأسود. وأعلنت موسكو، الأربعاء، عن إحباط هجوم تفجيري استهدف الكرملين بطائرات مسيرة، وتوعدت برد حازم ومباشر متجاهلة إعلان القيادة الأوكرانية عدم صلتها بالهجوم. وحمل بيان أصدره الكرملين، اتهامات مباشرة للقيادة الأوكرانية بالوقوف وراء الهجوم، وأفاد بأن «النظام الأوكراني حاول استهداف الكرملين بطائرتين مسيرتين».

«الشرق الأوسط» (موسكو)
العالم روسيا تتعرض لهجمات وأعمال «تخريبية» قبل احتفالات 9 مايو

روسيا تتعرض لهجمات وأعمال «تخريبية» قبل احتفالات 9 مايو

تثير الهجمات وأعمال «التخريب» التي تكثّفت في روسيا في الأيام الأخيرة، مخاوف من إفساد الاحتفالات العسكرية في 9 مايو (أيار) التي تعتبر ضرورية للكرملين في خضم حربه في أوكرانيا. في الأيام الأخيرة، ذكّرت سلسلة من الحوادث روسيا بأنها معرّضة لضربات العدو، حتى على بعد مئات الكيلومترات من الجبهة الأوكرانية، وفقاً لوكالة الصحافة الفرنسية. تسببت «عبوات ناسفة»، الاثنين والثلاثاء، في إخراج قطارَي شحن عن مساريهما في منطقة محاذية لأوكرانيا، وهي حوادث لم يكن يبلغ عن وقوعها في روسيا قبل بدء الهجوم على كييف في 24 فبراير (شباط) 2022. وعلى مسافة بعيدة من الحدود مع أوكرانيا، تضرر خط لإمداد الكهرباء قرب بلدة في جنو

«الشرق الأوسط» (موسكو)
العالم موسكو: «الأطلسي» يكثّف تحركات قواته قرب حدود روسيا

موسكو: «الأطلسي» يكثّف تحركات قواته قرب حدود روسيا

أكد سكرتير مجلس الأمن القومي الروسي نيكولاي باتروشيف أن حلف شمال الأطلسي (ناتو) نشر وحدات عسكرية إضافية في أوروبا الشرقية، وقام بتدريبات وتحديثات للبنية التحتية العسكرية قرب حدود روسيا، بحسب ما نقلته وكالة الأنباء الروسية «سبوتنيك»، اليوم الأربعاء. وأكد باتروشيف في مقابلة مع صحيفة «إزفستيا» الروسية، أن الغرب يشدد باستمرار الضغط السياسي والعسكري والاقتصادي على بلاده، وأن الناتو نشر حوالى 60 ألف جندي أميركي في المنطقة، وزاد حجم التدريب العملياتي والقتالي للقوات وكثافته.


روته: يجب على «الناتو» تبني «عقلية الحرب» في ضوء الغزو الروسي لأوكرانيا

TT

روته: يجب على «الناتو» تبني «عقلية الحرب» في ضوء الغزو الروسي لأوكرانيا

صورة التُقطت 4 ديسمبر 2024 في بروكسل ببلجيكا تظهر الأمين العام لحلف «الناتو» مارك روته خلال مؤتمر صحافي (د.ب.أ)
صورة التُقطت 4 ديسمبر 2024 في بروكسل ببلجيكا تظهر الأمين العام لحلف «الناتو» مارك روته خلال مؤتمر صحافي (د.ب.أ)

وجّه الأمين العام لحلف شمال الأطلسي (الناتو) مارك روته، الخميس، تحذيراً قوياً بشأن ضرورة «زيادة» الإنفاق الدفاعي، قائلاً إن الدول الأوروبية في حاجة إلى بذل مزيد من الجهود «لمنع الحرب الكبرى التالية» مع تنامي التهديد الروسي، وقال إن الحلف يحتاج إلى التحول إلى «عقلية الحرب» في مواجهة العدوان المتزايد من روسيا والتهديدات الجديدة من الصين.

وقال روته في كلمة ألقاها في بروكسل: «نحن لسنا مستعدين لما ينتظرنا خلال أربع أو خمس سنوات»، مضيفاً: «الخطر يتجه نحونا بسرعة كبيرة»، وفق «وكالة الصحافة الفرنسية».

وتحدّث روته في فعالية نظمها مركز بحثي في بروكسل تهدف إلى إطلاق نقاش حول الاستثمار العسكري.

جنود أميركيون من حلف «الناتو» في منطقة قريبة من أورزيسز في بولندا 13 أبريل 2017 (رويترز)

ويتعين على حلفاء «الناتو» استثمار ما لا يقل عن 2 في المائة من إجمالي ناتجهم المحلي في مجال الدفاع، لكن الأعضاء الأوروبيين وكندا لم يصلوا غالباً في الماضي إلى هذه النسبة.

وقد انتقدت الولايات المتحدة مراراً الحلفاء الذين لم يستثمروا بما يكفي، وهي قضية تم طرحها بشكل خاص خلال الإدارة الأولى للرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب.

وأضاف روته أن الاقتصاد الروسي في «حالة حرب»، مشيراً إلى أنه في عام 2025، سيبلغ إجمالي الإنفاق العسكري 7 - 8 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي للبلاد - وهو أعلى مستوى له منذ الحرب الباردة.

وبينما أشار روته إلى أن الإنفاق الدفاعي ارتفع عما كان عليه قبل 10 سنوات، عندما تحرك «الناتو» لأول مرة لزيادة الاستثمار بعد ضم روسيا شبه جزيرة القرم من طرف واحد، غير أنه قال إن الحلفاء ما زالوا ينفقون أقل مما كانوا ينفقونه خلال الحرب الباردة، رغم أن المخاطر التي يواجهها حلف شمال الأطلسي هي «بالقدر نفسه من الضخامة إن لم تكن أكبر» (من مرحلة الحرب الباردة). واعتبر أن النسبة الحالية من الإنفاق الدفاعي من الناتج المحلي الإجمالي والتي تبلغ 2 في المائة ليست كافية على الإطلاق.

خلال تحليق لمقاتلات تابعة للـ«ناتو» فوق رومانيا 11 يونيو 2024 (رويترز)

وذكر روته أنه خلال الحرب الباردة مع الاتحاد السوفياتي، أنفق الأوروبيون أكثر من 3 في المائة من ناتجهم المحلي الإجمالي على الدفاع، غير أنه رفض اقتراح هذا الرقم هدفاً جديداً.

وسلَّط روته الضوء على الإنفاق الحكومي الأوروبي الحالي على معاشات التقاعد وأنظمة الرعاية الصحية وخدمات الرعاية الاجتماعية مصدراً محتملاً للتمويل.

واستطرد: «نحن في حاجة إلى جزء صغير من هذه الأموال لجعل دفاعاتنا أقوى بكثير، وللحفاظ على أسلوب حياتنا».